الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في الوضوء والغسل
لما فرغ من المياه وأقسامها، وعن بيان النجاسة والآسار، شرع في بيان الوضوء والغسل، وقدم الوضوء على الغسل: لأنه أكثر دوراناً بالنسبة إلى الغسل.
ثم الفصل مهما فصل: لا ينون، ومهما وصل: ينون، لأن الإعراب يكون بعد العقد والتركيب، وهو: القطع لغة يقال: فصلت الثياب: إذا قطعتها.
وفي الاصطلاح هو الحاجز بين الحكمين.
قوله: (فرض الوضوء أربعة) لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6]. فالله تعالى أمرنا بغسل الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس، والأمر من الله للإيجاب.
قوله: (الأول) أي الفرض الأول (غسل الوجه) قوله: (وهو) أي الوجه أي حده (من منبت الناصية إلى أسفل الذقن طولاً ومن شحمة الأذن إلى شحمة الأذن عرضاً) لأنه مشتق من المواجهة، وهي تقع بهذه الجملة، والذقن بفتح الذال المعجمة وفتح القاف: مجتمع لحيي الإنسان.
قوله: (ويجب غسل الشعر السائر للخدين والذقن) لأنه قائم مقام ما تحته، وما تحته كان داخلاً في الفرض، فكذا هذا.
قوله: (ولا يجب غسل ما تحته) أي ما تحت الذقن ليس من الوجه، وكذا ما تحت الشارب والحاجب، لوصول الماء إليه، وكذا لا يجب إدخال الماء باطن العينين للحرج.
قوله: (وما نزل من اللحية) أي ولا يجب أيضاً غسل ما نزل من اللحية، وهو الشعر المسترسل، لأنه ليس من الوجه.
قوله: (أما البياض الذي بين العذار والأذن فيجب غسله) هذا عندهما، وقال أبو يوسف: لا يجب غسله، لأنه استتر بحائل وهو اللحية. ولهما: كلما ثبت دام، إلا إذا وجد المزيل، وقد كان غسله واجباً، فلا يزول بالالتحاء. الخلاف في الملتحي، أما في الأمرد والكوسج والنساء: فلا بد من غسله اتفاقاً.
قوله: (الثاني) أي الفرض الثاني (غسل اليدين مع المرفقين).
وقال زفر: المرفقان والكعبان لا يدخلان في الغسل، لأن "إلى" للغاية، فلا يدخل تحت المغيا. ولنا: أن "إلى" بمعنى "مع" لقوله تعالى: {وَلا تَاكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} [النساء: 2] أي من أموالكم.
قوله: (والثالث) أي الفرض الثالث (مسح ربع الرأس) لأن الباء في قوله تعالى {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} للتبعيض، وفيه إجمال.
وقد فسره ما روى المغيرة بن شعبة "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمسح على الخفين وعلى ناصيته" رواه أبو داود. وعند مالك: مسح كل الرأس فرض، وعند الشافعي: أدنى ما ينطلق عليه اسم المسح.
قوله: (الرابع) أي الفرض الرابع (غسل الرجلين مع الكعبين) لقوله تعالى: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6].
قوله: (والدواء في شقوقها) أي في شقوق الرجلين: يصح معه الوضوء، لأن الشقوق مثل الجراحة، فلا يمنع صحة الوضوء للضرورة، بخلاف ما إذا كان تحت أظفاره وسخ أو عجين، لعدم الضرورة.
قوله: (وسننه عشرون) لما بين فرائض الوضوء أخذ في بيان السنن، وهي جمع سنة، وهي ما في فعله ثواب، وفي تركه عتاب لا عقاب.
(الأولى: النية) وقال الشافعي: هي فرض لقوله عليه السلام: "لا عمل إلا بالنية".
ولنا: أنه عليه السلام لم يعلم الأعرابي النية حين علمه الوضوء مع جهله، ولو كان فرضاً لعلمه، وهي أن يقول: نويت رفع الحدث لاستباحة الصلاة.
(الثانية: التسمية) لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه" رواه أبو داود. والمراد به نفي الفضيلة والكمال.
(الثالثة: غسل اليدين إلى الرسغين ثلاثاً للقائم من نومه) لما روى مالك في الموطأ: أخبرنا أبو الزناد عن الأعرج، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده". وفي سنن أبي داود عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قام أحدكم من الليل فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاث مرات فإنه لا يدري أين باتت يده" وفي صحيح مسلم: "إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً فإنه لا يدري أين باتت يده" وفي جامع الترمذي "إذا استيقظ أحدكم من الليل فلا يدخل يده في الإناء حتى يفرغ عليها مرتين أو ثلاثاً فإنه لا يدري أين باتت يده" قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
(الرابعة: الترتيب) وهو أن يبدأ بما بدأ الله بذكره، وقال الشافعي: هو فرض، لأن الواو للترتيب. ولنا ما قلنا، والواو للجمع.
(الخامسة: الموالاة) وهي أن يغسل العضو الثاني قبل جفاف الأول، وقيل: أن لا يشتغل بينهما بعمل آخر غير الوضوء، لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليهما مع وجود الترك في الجملة.
(السادسة: السواك) أي استعماله، لما روي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء" رواه البخاري. فإن قلت: كيف وجه الاستدلال بهذا؟ قلت: لما امتنع الوجوب لامتناع الأمر لوجود المشقة، ثبت ما دون الوجوب وهو السنة، لعدم المانع وهو المشقة، لأنه بسبيل من ترك السنة. فإن قلت: إن النبي صلى الله عليه وسلم واظب عليه، وهي دليل الوجوب، فكيف تقول أنه سنة؟ قلت: المواظبة إنما تكون دليل الوجوب إذا لم يوجد الترك أصلاً، وقد وجد هنا الترك في
الجملة، بدليل حديث الأعرابي.
وحد السواك أن يكون من شجر مر في غلظ الخنصر وطول الشبر، ووقته: وقت المضمضة، لأنه ذكر في مبسوط شيخ الإسلام:"ومن السنة حالة المضمضة أن يستاك، ولا يقوم الإصبع مقامه إلا عند عدمه".
(السابعة: المضمضة) وهي تطهير الفم بالماء.
(الثامنة: الاستنشاق) وهو تطهير الأنف بالماء، وسنيتهما: فعله عليه السلام، ولما روي في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا توضأ أحدكم فليستنشق بمنخريه من الماء ثم لينتثر".
(التاسعة: المبالغة فيهما) أي في المضمضة والاستنشاق للمفطر، لما روي أنه عليه السلام قال:"أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً" رواه أبو داود.
(العاشرة: البداية بالميامن) وهي جمع ميمنة، وهي أن يبدأ من يمينه في غسل اليدين والرجلين، لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت:"كان النبي عليه السلام يحب التيمن ما استطاع في شأنه كله، في طهوره وترجله وتنعله" رواه البخاري.
(الحادية عشر: البداية في غسل اليدين من رءوس الأصابع).
(الثانية عشر: البداية في غسل الرجلين من رءوس الأصابع) أيضاً لفعله عليه السلام هكذا في الفصلين.
(الثالثة عشر: تخليل اللحية) وهو سنة عند أبي يوسف، لما روي عن أنس بن مالك أنه قال:"كان عليه السلام إذا توضأ أخذ كفاً من ماء فأدخله تحت حنكه يخلل به لحيته، وقال: "هكذا أمرني ربي عز وجل" رواه أبو داود. وعندهما: فضيلة، لأنه عليه السلام ما فعله غير مرة، والصحيح قول أبي يوسف.
(الرابعة عشر: تخليل الأصابع) أي أصابع اليدين والرجلين لقوله عليه السلام: "إذا توضأت فخلل الأصابع" رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(الخامسة عشر: تحريك الخاتم الضيق) وهذا في معنى تخليل الأصابع، وإن كان واسعاً: لا يحتاج إلى تحريك.
(السادسة عشر: مسح كل الرأس مرة واحدة) وقال الشافعي: السنة هي التثليث كالغسل. ولنا ما روى أبو داود في سننه: عن عثمان وعلي رضي الله عنهما في
حكايتهما وضوءه عليه السلام من غير تثليث.
(السابعة عشر: البداية من مقدمه) أي البداية في مسح الرأس من مقدم الرأس، لما روى الترمذي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه ثم غسل رجليه".
(الثامنة عشر: مسح الأذنين) بماء الرأس عندنا، وعند الشافعي: بماء جديد، لما روي أنه صلى الله عليه وسلم أخذ لهما ماء جديداً.
ولنا: ما روي عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الأذنان من الرأس".
رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه. والمراد به: بيان الحكم.
وما رواه: يحتمل أنه لم يبق على يده بلل، فأخذ بللاً لأجله.
(التاسعة عشر: مسح الرقبة) لأنه عليه السلام مسح عليها.
(العشرون: تثليث كل غسلة) لأنه عليه السلام توضأ ثلاثاً ثلاثاً.
قوله: (وفرض الغسل خمسة) لما فرغ عن بيان الوضوء وسننه، شرع في بيان فرائض الغسل، وهي خمسة:
(الأولى: المضمضة، والثانية: الاستنشاق) وعند الشافعي: هما سنتان في الغسل، كما في الوضوء.
(الثالثة: غسل سائر البدن) أي جميع البدن، لقوله تعالى:{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] أي فطهروا أبدانكم.
(الرابعة: إيصال الماء إلى باطن السرة من الرجل والمرأة جميعاً) وهذا في حق
السمناء والسمان، وهذا داخل في قوله:(وغسل سائر البدن) ولكنه أفرد بالذكر للتأكيد، وما قيل أن ذكره مستدرك: وهم.
(والخامسة: إيصال الماء إلى أثناء شعر الرجل) وإن كان مضفوراً، كالعلوي والتركي، للاحتياط، بخلاف ضفائر المرأة، حيث لا يجب عليها نقضها، لما روي أن أم سلمة قالت: قلت يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه لغسل الجنابة؟ قال: "لا إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات من ماء ثم تفيضين على سائر جسدك الماء فتطهرين" رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
قوله: (وسننه) أي سنة الغسل (ستة):
(الأولى: أن يبدأ بغسل يديه. والثانية: أن يغسل فرجه. الثالثة: أن يزيل نجاسة بدنه إن كانت. الرابعة: أن يتوضأ مثل وضوء الصلاة، إلا رجليه إن كانا في مجمع الغسالة. الخامسة: أن يغسل رأسه وسائر جسده ثلاثاً. السادسة: أن يخرج من مجمع الغسالة فيغسل رجليه) وهذه الصفة حكتها ميمونة رضي الله عنها في غسله عليه السلام، وكذا في صحيح مسلم والجامع الترمذي وسنن أبي داود.
قوله: (وغسل يوم الجمعة والعيدين وعرفة والإحرام: سنة) أما يوم الجمعة:
فلقوله عليه السلام: "من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت يجزي عنه الفريضة، ومن اغتسل فالغسل أفضل" رواه ابن ماجة.
وأما يوم العيدين: فلقول ابن عباس رضي الله عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل يوم الفطر ويوم الأضحى" رواه ابن ماجة.
وأما يوم عرفة: فلأنه يوم ازدحام، فيغتسل لئلا يتأذى البعض برائحة البعض.
وأما عند الإحرام: فلما روي أنه صلى الله عليه وسلم "اغتسل لإحرامه". رواه الدارقطني.
قوله: (وشرط السنة أن يصلي به) أي بذلك الغسل: الجمعة قبل أن يحدث، وهذا قول أبي يوسف، فعلى هذا لا يسن الغسل على المسافر والعبد والمرأة.
وعند الحسن: إذا اغتسل في يوم الجمعة في أي وقت كان: فقد أدرك الفضيلة.
قوله: (وغسل من أسلم أو أفاق) أي من الجنون (أو بلغ بالسن: مستحب) احتياطاً في باب العبادات، وإن كان البلوغ بالإنزال: فالغسل واجب، لوجود الماء.
والبلوغ بالسن عند أبي حنيفة في الغلام: بتمام ثمانية عشر، وفي الجارية: بتمام سبعة عشر، وعندهما: بخمسة عشر سنة فيهما.
قوله: (وغسل الجنابة والحيض لا يسقط بالإسلام) يعني: جنب كافر إذا أسلم، أو حائض كافرة إذا أسلمت عقيب انقطاع الحيض: لا يسقط الغسل عنهما بالإسلام، لأن بقاء صفة الجنابة بعد إسلامه كبقاء صفة الحدث في وجوب الوضوء، وكذلك الحائض،
فدل هذا أن المراد من قوله: (وغسل من أسلم مستحب) أن يكون الكافر عند الإسلام طاهر. فافهم.
قوله: (ونواقض الوضوء) لما فرغ عن بيان الطهارتين بأحكامهما، شرع في بيان ما ينقض الوضوء وما لا ينقض.
والنواقض جمع ناقضة، والنقض إذا أضيف إلى الأجسام: يراد به إبطال تأليفها، وإذا أضيف إلى غيرها: يراد به إخراجه عما هو المطلوب، فالمطلوب من الوضوء استباحة الصلاة.
قوله: (كل ما خرج من السبيلين) وهما القبل والدبر، فإن قلت: كل ما خرج من السبيلين: عين، وهي لا تصلح للعلية، لأن العلة معنى يحل بالمحل فيتغير به حال المحل، فكيف يستقيم قوله:(ونواقض الوضوء كل ما خرج من السبيلين)؟
قلت: تقدير كلامه: خروج كل ما خرج، ليقع التطابق بين العلة والمعلول، فافهم.
والمراد من السبيلين: القبل والدبر كما قلنا، والخارج منهما: يتناول البول والغائط، والودي، والمذي، والدودة، والحصاة، والريح الخارج من الدبر، لا الذكر، وقيل: المرأة إذا كانت مفضاة: وهي التي اتحد مسلك بولها وغائطها.
فإن قلت: من أين تقول أن المراد من السبيلين ها هنا القبل والدبر، وهما متناولان غيرهما من حيث اللغة؟
قلت: نعم، وإن كانا يتناولان غيرهما من حيث اللغة، لكنهما يطلقان على سبيل الحدث لا غير، بالحقيقة العرفية الخاصة، حتى لا ينقض الوضوء بخروج الدمع والعرق واللبن، وإن كان يجوز أن يقال: إنه خارج من سبيل.
قوله: (والدم والقيح والصديد السائل بغير عصر إلى محل الطهارة) قيد بقوله: (السائر) لأنه إذا ظهر ولم يسل: لا ينقض الوضوء، لأنه يسمى بادياً لا خارجاً، والنقض يضاف إلى السيلان، لقوله عليه السلام "الوضوء من كل دم سائل" وقيد بقوله: (بغير
عصر) لأنه إذا عصر القرحة وخرج الدم ونحوه بعصره: لا ينقض وضوءه، لأنه مخرج وليس بخارج. وقيد بقوله:(إلى محل الطهارة) لأنه إذا خرج الدم أو نحوه ولم يسل إلى موضع يلحقه حكم الطهارة: لا ينقض الوضوء، وذلك مثل إذا ما نزل البول إلى قصبة الذكر، وإذا نزل إلى القلفة: نقض. هكذا قالوا.
قلت: فيه نظر، لأنهم قالوا: لا يجب على الجنب إيصال الماء إليه، لأنه خلقة كالقصبة. فافهم.
قوله: (في الجملة بمعنى مطلقاً) أي سواء كان محل الطهارة في أعضاء الوضوء أو في جميع البدن، وسواء كان السيلان قليلاً أو كثيراً على ما قررنا مرة.
وعند الشافعي: خروج هذه الأشياء لا ينقض الوضوء مطلقاً، وعند زفر: ينقض مطلقاً.
قوله: (والقيء ملء الفم) لما مر في حديث علي رضي الله عنه، وحده: أن لا يمكنه ضبطه، وما دونه ليس بناقض، وعند الشافعي: لا ينقض مطلقاً، وعند زفر: ينقض مطلقاً.
قوله: (والنوم مضطجعاً أو متكئاً أو مستنداً غير مستقر على الأرض) لأن النوم بهذه الصفة سبب خروج النجاسة باسترخاء المفاصل، والسبب يقوم مقام المسبب احتياطاً في باب العبادة، وقوله:(غير مستقر) قيد لقوله: (مستنداً) قيد به، لأنه إذا نام مستنداً إلى شيء لو أزيل عنه لسقط: ينقض وضوءه، وإلا لا.
وعن الطحاوي: أنه ينقض مطلقاً، والأول أصح.
قوله: (وغلبة العقل بإغماء وجنون وسكر) لأن هذه الأشياء سبب لخروج النجاسة بواسطة الغفلة وزوال المسكة، فيقام مقام خروج النجاسة.
وحد السكر: أن يدخل في بعض مشيه تحرك، وقيل: أن لا يعرف الرجل من المرأة. والفرق بين الإغماء والجنون: أن العقل يكون في الإغماء مغلوباً، وفي الجنون مسلوباً، حتى صح الإغماء على الأنبياء دون الجنون.
قوله: (والقهقهة في كل صلاة ذات ركوع وسجود) لقوله عليه السلام "من ضحك منكم قهقهة فليعد الوضوء والصلاة" رواه الشيخ الإمام الحافظ أبو موسى المديني في كتاب الأمالي.
القهقهة هي: أن يسمع لضحكه صوت، بدت أسنانه أولاً، وهي تنقض الوضوء والصلاة جميعاً، خلافاً للشافعي.
والضحك: وهو أن يسمع نفسه فقط: لا ينقض الوضوء، بل ينقض الصلاة. والتبسم: وهو أن لا يسمع نفسه ولا غيره: لا ينقض الوضوء ولا الصلاة. قيد بقوله: (ذات ركوع وسجود) لأنها لا تكون ناقضة في صلاة الجنازة.
قوله: (ولو خرج من فمه دم: إن غلبه الريق لوناً: لم ينقض) لأن المغلوب في
مقابلة الغالب كالمعدوم (وإن غلب الدم الريق أو تساويا) أي الدم والريق (نقض) لأن في غلبة الدم دليلاً على خروجه بقوة معه، وأما في التساوي: فللاحتياط، قيد بقوله:(لوناً) لأن الاعتبار في الغلبة من حيث اللون، حتى لو كان أحمراً: نقض، وإن كان أصفر: لا ينقض.
واعلم أن المراد من قوله: (ولو خرج من فمه) نفس الفم، حتى لو خرج من الجوف: لا ينقض إلا إذا ملأ الفم، وهو قول محمد، ورواية عن أبي حنيفة، وفي رواية أخرى: ينتقض مطلقاً، والمختار إن كان علقاً: يعتبر ملء الفم، وإن كان مائعاً: نقض وإن قل، وأما النازل من الرأس: فهو ناقض مطلقاً.
قوله: (ومس الذكر لا ينقض) وقال الشافعي: ينقض، لقوله عليه السلام "من مس فرجه فليتوضأ".
قلنا: المراد به غسل اليد للتنزيه، أو كان كناية عن الحدث، والخلاف: فيما إذا مس بباطن الكف، حتى لو مس بظاهر الكف أو برءوس الأنامل: لا ينقض إجماعاً، وكذا الخلاف في مس الدبر.
قوله: (ولا لمس المرأة) أي ولا ينقض الوضوء أيضاً لمس المرأة، وقال الشافعي: ينقض، لقوله تعالى:{أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ} [النساء: 43 والمائدة: 6] وهو
حقيقة في اللمس باليد. قلنا: إن معنى لامستم: جامعتم، لأنه هو المتعارف بين أهل اللغة.
قوله: (إلا في المباشرة الفاحشة) يعين ينتقض الوضوء فيها، وهي: أن تنتشر الآلة، ويتماس الفرجان وليس بينهما حائل، وهذا عندهما، وهو الاستحسان احتياطاً. وقال محمد: لا ينقض، وهو القياس.
قوله: (ويوجب الغسل) لما فرغ عن بيان ما ينقض الوضوء وما لا ينقض، شرع في بيان ما يوجب الغسل وما لا يوجب.
(ويوجب الغسل: دفق المني بشهوة) سواء كان من النائم أو اليقظان، من الرجل والمرأة جميعاً لقوله تعالى:{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6].
وقال الشافعي: خروج المني كيف ما كان يوجب الغسل.
قوله: (وتغيب الحشفة من أحد السبيلين: القبل والدبر) لما روي في حديث طويل أنه عليه السلام قال: "إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل" رواه مسلم.
وعن عائشة قالت: "إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل، فعلته أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسلنا" رواه الترمذي. وقال: حديث حسن صحيح.
قوله: (من الإنسان) قيد به، لأنه إذا غابت الحشفة في البهيمة: لا يجب الغسل ما لم ينزل.
قوله: (عليهما) أي على الفاعل والمفعول جميعاً، والدبر من الذكر والأنثى: كالقبل في وجوب الغسل.
قوله: (والحيض والنفاس) أي يوجب الغسل أيضاً انقطاع الحيض والنفاس، أما الحيض: فلقوله تعالى: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] بالتشديد أي حتى يغتسلن، وأما النفاس: فبالإجماع.
قوله: (ولا يوجبه) أي لا يوجب الغسل (خروج المني بغير شهوة) مثل ما إذا سقط من موضع عال فخرج به ماء، أو سقط من دابة، أو حمل حملاً ثقيلاً فخرج به، خلافاً للشافعي.
قوله: (ولو احتلم ولم ير بللاً فلا غسل عليه) لأنه تفكر في النوم، فهو كالتفكر في اليقظة بلا إنزال.
قوله: (ولو رأى بللاً مذياً أو منياً ولم يتذكر احتلاماً: لزمه الغسل) وهذا عندهما، وعند أبي يوسف: لا يلزمه، لأنه بلل، وأنه لا يوجب الغسل حالة اليقظة، فبالأولى أن لا يوجبه في النمام. ولهما: أنه يمكن أنه قد انفصل عن شهوة، وطال مكثه، فرق، والاحتياط لازم في باب العبادات.
المذي بالذال المعجمة: ماء رقيق أبيض يخرج غالباً عند ملاعبة الرجل أهله، والمني: ماء خاتر أبيض ينكسر به الذكر ويتولد منه الولد، والودي بالدال المهملة الساكنة: ماء غليظ يعقب البول.