الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
هذا الفصل في بيان كيفية الإحرام
قوله: (إذا أراد الإحرام: قص شاربه، وقلم أظفاره، وحلق عانته) وهذا مستحب، كما استحب استعمال الطيب، وكذلك ينتف إبطه ويسرح رأسه.
قوله: (ثم توضأ واغتسل، وهو أفضل) أي الغسل أفضل، لما روى زيد بن ثابت:"أنه عليه السلام اغتسل لإحرامه" رواه الدارقطني والترمذي وقال: حديث حسن.
والمراد بهذا الغسل: تحصيل النظافة وإزالة الرائحة، لا الطهارة، حتى يؤمر به الحائض والنفساء، لما روي عن ابن عباس أنه قال عليه السلام:"إن النفساء والحائض تغتسل، وتحرم، وتقضي المناسك كلها، غير أن لا تطوف بالبيت" رواه أبو داود والترمذي.
قوله: (ولبس إزاراً ورداء) لأنه عليه السلام "لبسهما هو وأصحابه" رواه مسلم.
قوله: (جديدين) لأن الجديد أفضل، ولأنه أنظف، ولأنه لم تركبه النجاسة.
قوله: (أبيضين) لقوله عليه السلام: "خير ثيابكم البيض فالبسوا" رواه ابن ماجة.
قوله: (وهو أفضل) أي الجديد الأبيض: أفضل من العتيق، ومن غير الأبيض، لما ذكرنا.
قوله: (ويطيب) لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كنت أطيب رسول الله لإحرامه قبل
أن يحرم، ولإحلاله قبل أن يطوف بالبيت" رواه مالك في الموطأ، والبخاري وأبو داود.
قوله: (وادهن) لما روي عن عائشة رضي الله عنها: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يحرم تطيب بأطيب ما يجد، ثم رأي وبيص الدهن في رأسه ولحيته بعد ذلك" رواه مسلم.
قوله: (وإن وجد) قيد للطيب والدهن جميعاً.
قوله: (وصلى ركعتين) يعني بعد اللبس والتطيب، لأنه عليه السلام "صلى ركعتين" رواه مسلم والبخاري.
قوله: (ويسأل الله التيسير) لأنه الميسر لكل عسير.
قوله: (ثم لبى ناوياً نسكه) أي حال كونه ناوياً بالتلبية حجه، لما روي عن أنس رضي الله عنه:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر، ثم ركب راحلته، فلما علا على جبل البيداء أهل" رواه أبو داود. قيد بقوله: (ناوياً) لأن النية شرط لجميع العبادات.
قوله: (رافعاً صوته) لقوله عليه السلام: "جاءني جبريل فقال: يا محمد مر أصحابك فليرفعوا أصواتهم بالتلبية فإنها من شعار الحج" رواه ابن ماجة.
قوله: (والتلبية معروفة وهي: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك) كذا حكى ابن عمر تلبية النبي صلى الله عليه وسلم، متفق عليه.
واختلفوا في الداعي، فقيل: هو الله تعالى، وقيل: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأظهر: أنه الخليل عليه السلام.
ومعناها: أقيم في طاعتك إقامة بعد إقامة، من ألب بالمكان ولب به: إذا أقام ولزمه ولم يفارقه.
قوله: (وهي) أي التلبية (مرة: شرط) لقوله تعالى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} [البقرة: 197]. قال ابن عباس: فرض الحج: الإهلال، وقال ابن عمر: التلبية، ولأن الحج يشتمل على أركان، فوجب أن يشترط في تحريمه ذكر يراد به التعظيم كالصلاة.
وعن أبي يوسف: يصير شارعاً بالنية وحدها من غير تلبية، وبه قال الشافعي. قوله:(والزيادة سنة) أي الزيادة على مرة: سنة، لأنها ذكر وتعظيم.
ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التلبية، لما روي عن القاسم بن محمد بن أبي بكر أنه قال:"كان يستحب للرجال الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التلبية" رواه أبي داود والدارقطني.
وعن خزيمة بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه كان إذا فرغ من التلبية: سأل الله رضوانه والجنة، واستعاذ برحمته من النار" رواه الدارقطني.
قوله: (ويتقي المحرم) أي يجتنب المحرم (الرفث والفسوق والجدال) لقوله تعالى: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ} [البقرة: 197]. الرفث: الجماع، وقيل الفحش في الكلام، والفسوق: الخروج عن حدود الشريعة، وقيل: التساب والتنابز بالألقاب، والجدال: المراء مع الرفقاء والخدم والمكارين.
قوله: (وقتل صيد البر) أي ويتقي قتل صيد البر، والدلالة، والإشارة، لقوله تعالى:{لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95] ولحديث أبي قتادة: أنه عليه السلام قال حين سألوه عن لحم حمار وحش اصطاده أبو قتادة قال: "هل منكم أحد أمره أو أشار إليه؟ "
قالوا: لا، قال:"فكلوا ما بقي من لحمه" رواه البخاري ومسلم. علق حله على عدم الإشارة والأمر، والإشارة: أن يشير إلى صيد باليد، والدلالة: أن يقول: إن في مكان كذا صيد.
فالإشارة تكون في الحضور، والدلالة تكون في الغيبة.
قوله: (ويباح له كل صيد البحر) مثل السمك وأنواعه، لأن المنهي عنه صيد البر.
قوله: (ويترك لبس المخيط) لأنه ممنوع منه (وكذلك يترك لبس العمامة والقلنسوة والخفين التامين) قيد بالتامين: لأنه إذا قطعهما أسفل من الكعبين يجوز، لما روي عن ابن عمر أنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يلبس المحرم؟ قال: "لا يلبس القميص ولا العمامة ولا البرانس ولا السراويل ولا ثوباً مسه ورس ولا زعفران، ولا الخفين، إلا أن لا يجد النعلين فليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين" رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
قوله: (وتغطية الرأس والوجه) لقوله عليه السلام في المحرم الذي خر من بعيره: "لا تخمروا وجهه ولا رأسه" رواه مسلم وغيره.
قوله: (والدهن) أي يترك المحرم الدهن والتطيب، لقوله عليه السلام:"الحاج: الشعث التفل" رواه أبو ذر الهروي وغيره.
وقال الشافعي: يجوز له الخضاب بالحنا، لأنه ليس بطيب.
ولنا: أنه عليه السلام نهى المعتدة عن الكحل والخضاب بالحناء وقال: "الحناء طيب" رواه النسائي.
قوله: (وحلق الشعر وقصه) لقوله تعالى: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} [البقرة: 196]. والقص في معنى الحلق، وأما قص الظفر: فلأن فيه إزالة الشعث.
قوله: (ولبس المصبوغ) أي يترك لبس المصبوغ، لما روينا من حديث البخاري:(إلا مغسولاً لا بنفض) أي لا يفوح، وقيل: لا يتناثر، لأن النهي عن الطيب لا اللون.
قوله: (ولا يغسل شعره بخطمي) لأن فيه إزالة الشعث.
قوله: (ولا يحك رأسه إلا برفق إن كان عليه شعر) لأن الحك بغير رفق يزيل الشعث (وإن لم يكن عليه شعر: لا يحك).
قوله: (وله) أي للمحرم (أن يغتسل ويدخل الحمام) لأنه عليه السلام "اغتسل وهو محرم" رواه مسلم.
وحكى أبو أيوب الأنصاري اغتسال رسول الله صلى الله عليه وسلم، متفق عليه.
قوله: (ويستظل) بالنصب، عطف على قوله:(أن يغتسل) أي وللمحرم أن يستظل بنبت أو خيمة أو محمل، لحديث أم الحصين قالت:"حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت أسامة وبلالاً، أحدهما آخذ بخطام ناقة النبي عليه السلام، والآخر رافع ثوبه يستره من الحر، حتى رمى جمرة العقبة" رواه مسلم وأبو داود والنسائي.
قوله: (ويشد الهميان) أي وله أن يشد الهميان في وسطه، لأنه ليس بلبس مخيط ولا في معناه، كوذا شد المنطقة، والسيف، والسلاح، والتختم بالخاتم.
قوله: (ويكثر التلبية بصوت رفيع بعد الصلاة) لما روي عن أبي بكر الصديق أنه عليه السلام: "سئل: أي الحج أفضل؟ قال: العج والثج" رواه الترمذي، العج: رفع الصوت بالتلبية، والثج: إسالة الدم.
قوله: (وكلما علا شرفاً) أي موضعاً عالياً (أو هبط وادياً) أي نزل مكاناً سافلاً (أو لقي ركباً) لما روي أنه عليه السلام "كان يلبي إذا لقي ركباً، أو صعد أكمة، أو هبط وادياً، وفي إدبار المكنوبة وآخر الليل" ذكره في الإمام.
قوله: (وبالأسحار) أي وفي وقت الأسحار، وفي غير الأسحار أيضاً، لكن تخصيص الأسحار: لأنها وقت يستجاب فيه الدعاء.
قوله: (فإذا دخل مكة) اعلم أنه إذا دخل مكة: يستحب له أن يدخل من الثنية العليا وهي ثنية كدا من أعلى مكة على درب المعلى وطريق الأبطح، ويخرج من الثنية السفلى وهي ثنية كدا من أسفل مكة على درب اليمن، لما روي أنه عليه السلام "كان يدخل من الثنية العليا، ويخرج من الثنية السفلى" رواه الجماعة إلا الترمذي.
ولا يضره: دخلها ليلاً أو نهاراً، لأنه عليه السلام "دخلها ليلاً ونهاراً" رواه النسائي.
ويقول عند دخوله الحرم: "اللهم إن هذا أمنك وحرمك الذي من دخله كان آمناً، فحرم لحمي ودمي وعظمي وبشري على النار، اللهم آمني من عذابك يوم تبعث عبادك، فإنك أنت الله لا إله إلا أنت الرحمن الرحيم، وأسألك أن تصلي على سيدنا محمد وعلى آله".
ويقول عند دخوله مكة: "اللهم افتح لي أبواب رحمتك وأدخلني فيها وأعذني من الشيطان الرجيم".
قوله: (طاف للقدوم سبعة أشواط) لما روى عروة عن عائشة رضي الله عنها: "أن أول شيء
بدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة أن توضأ ثم طاف بالبيت" الحديث، رواه البخاري ومسلم.
ويكون ملبياً في دخوله، ويدخل من باب بني شيبة، ويقدم رجله اليمنى في دخوله ويقول:"بسم الله والحمد لله والصلاة على رسول الله، اللهم افتح لي أبواب رحمتك وأدخلني فيها، اللهم إني أسألك في مقامي هذا أن تصلي على محمد عبدك ورسولك وأن ترحمني وتقيل عثرتي وتغفر ذنبي وتضع عني وزري"، فإذا وقع بصره على البيت: كبر وهلل ثلاثاً ويقول: "اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام، اللهم زد بيتك هذا تعظيماً وتشريفاً ومهابة، وزاد من شرفه وعظمه وكرمه ممن حجه أو اعتمره تشريفاً وتكريماً".
قوله: (وراء الحطيم، لأن الحطيم من البيت) لما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الحجر من البيت هو؟ قال: "نعم" الحديث متفق عليه.
سمي حطيماً: لأنه حطم من البيت أي: كسر، وسمي حجراً: لأنه حجر من البيت: أي منع منه، وهو محوط ممدود على صورة نصف دائرة، خارج عن جدار البيت من جهة الشام تحت الميزاب، وليس كله من البيت، بل مقدار ستة أذرع منه من البيت، لحديث عائشة رضي الله عنها "أنه عليه السلام قال: ستة أذرع من الحجر من البيت، وما زاد ليس من البيت" رواه مسلم.
قوله: (يرمل في الثلاثة الأول منها) لما روى عن جابر: أنه عليه السلام "لما قدم مكة أتى
الحجر فاستلمه، ثم مشى على يمينه فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً" رواه مسلم والنسائي.
وإذا حاذى الملتزم في أول طوافه، وهو بين الباب والحجر الأسود قال:"اللهم إن لك علي حقوقاً فتصدق بها علي"، وإذا حاذى الباب يقول:"اللهم هذا البيت بيتك وهذا الحرم حرمك وهذا الأمن أمنك وهذا مقام العايذ بك من النار فأعذني منها"،
وإذا حاذى المقام على يمينه يقول: "اللهم إن هذا مقام إبراهيم العايذ اللايذ بك من النار، حرم لحومنا وبشرتنا على النار"، وإذا أتى الركن العراقي يقول:"اللهم إني أعوذ بك من الشرك، والشك، والنفاق، والشقاق، وسوء الأخلاق، وسوء المنقلب في الأهل والمال والولد"، وإذا أتى ميزاب الرحمة يقول:"اللهم أظلني تحت ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظل عرشك، واسقني بكأس محمد عليه السلام شربة لا نظمأ بعدها أبداً"، وإذا أتى الركن الشامي يقول:"اللهم اجعله حجاً مبروراً، وسعياً مشكوراً، وذنباً مغفوراً، وتجارة لن تبور، يا عزيز يا غفور"، وإذا أتى الركن اليماني يقول:"اللهم إني أعوذ بك من الكفر، وأعوذ بك من الفقر، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، وأعوذ بك من الخزي في الدنيا والآخرة".
قوله: (ثم يصلي ركعتين في المقام) وهذه الصلاة واجبة عندنا، خلافاً للشافعي، وقد مر في عد الواجبات.
ومن جملة سنن الطواف: أن يستلم الحجر كلما مر به إن استطاع، لما روي أنه عليه السلام "طاف على بعير، كلما أتى على الركن أشار إليه بشيء في يده وكبر" رواه أحمد والبخاري.
ويستحب أن يستلم الركن اليماني، لما روي عن ابن عمر أنه قال:"ما تركت استلام هذين الركنين: الركن اليماني والحجر الأسود منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمهما" رواه مسلم وأبو داود.
ولا يقبله، وعند محمد: هو سنة، فيقبله مثل الحجر الأسود، لما روي عن ابن عباس:
"أنه عليه السلام كان يقبل الركن اليماني ويضع يده عليه" رواه الدارقطني.
وعن ابن عباس: "أنه عليه السلام: إذا استلم الركن اليماني قبله" رواه البخاري في تاريخه.
قوله: (ثم سعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط) لما روي عن أبي هريرة: "أنه عليه السلام لما فرغ من طوافه أتى الصفا فعلا عليه، حتى رأى البيت، ورفع يديه، فجعل يحمد الله تعالى ويدعو ما شاء أن يدعو" رواه مسلم وأبو داود.
وروى جابر: "أنه عليه السلام بدأ بالصفا فرقى عليه، حتى رأى البيت، فاستقبل القبلة، ووحد الله تعالى وكبره وقال: "لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده"، ثم دعا بين ذلك، قال مثل هذا ثلاث مرات، ثم نزل إلى المروة، حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى، حتى إذا صعدتا مشى، حتى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا" رواه مسلم وغيره.
قوله: (يهرول فيما بين الميلين الأخضرين) والهرولة: المشي بالسرعة، لما روى جابر "أنه عليه السلام نزل إلى المروة، حتى إذا انصبت قدماه: رمل في بطن الوادي، حتى إذا صعد مشى" رواه أبو داود.
قوله: (ثم يقيم بمكة حراماً) لأنه محرم بالحج، فلا يتحلل قبل الإتيان بأفعاله.
قوله: (يطوف ما شاء) لأنه يشبه الصلاة (ولا يرمل ولا يسعى) لأن السعي لا يجب فيه إلا مرة واحدة، والتنفل به غير مشروع، والرمل لم يشرع إلا مرة واحدة في طواف بعده سعي، ويختم كل طواف بركعتين على ما شاء.
قوله: (ثم يخرج غداة التروية إلى منى) ملا روى جابر "أنه عليه السلام توجه قبل صلاة الظهر يوم التروية إلى منى وصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح" رواه مسلم وغيره، ويستحب أن ينزل عند مسجد الخيف.
قوله: (ثم يتوجه إلى عرفات) لما روى ابن عمر "أنه عليه السلام غدا من منى حين طلع الصبح في صبيحة يوم عرفة حتى أتى عرفة
…
" الحديث. رواه أحمد وأبو داود.
قوله: (فإذا زالت الشمس) أي شمس يوم عرفة (صلى الإمام بالناس الظهر والعصر في وقت الظهر بأذان وإقامتين) لما روى جابر في حجة النبي صلى الله عليه وسلم "ثم أذن، ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئاً" رواه مسلم.
قوله: (ولا يجمع المنفرد) هذا عند أبي حنيفة، خلافاً لهما، والأصل في
ذلك: أن الجمع بين الظهر والعصر إنما يجوز بشرط الإمام والإحرام عند أبي حنيفة، حتى لو صلاهما، أو صلى أحدهما منفرداً أو غير محرم: لم يجز له الجمع.
والمراد بالإحرام: إحرام الحج، ثم قيل: لابد من الإحرام قبل الزوال ليجوز الجمع، وإن لم يكن محرماً قبل الزوال وأحرم بعده: لم يجز له الجمع، والصحيح أنه يكتفي بالتقديم على الصلاتين.
ومن شرط الجمع: أن تكون صلاة الظهر صحيحة، حتى لو تبين فسادها بعدما صلاهما: أعاد الظهر والعصر جميعاً.
وقال زفر: يراعي هذه الشرائط في العصر خاصة، وعندهما: لا يشترط الإمام في حق العصر، حتى يجوز للمنفرد أن يجمع، وعلى هذا الخلاف جواز الجمع للإمام وحده، فعنده: لا يجوز، خلافاً لهما، ولو نفروا عنه بعد الشروع: جاز له الجمع، واختلفوا فيما إذا نفروا عنه قبل الشروع على قوله، والمراد بالإمام: هو الإمام الأعظم أو نائبه، ولو مات الإمام وهو الخليفة: جمع نائبه أو صاحب شرطته، فافهم.
قوله: (ثم يقف الإمام بعرفة راكباً بقرب الجبل) وهو الذي عند الصخرات السود الكبار، وهو الجبل الذي بوسط عرفات، يقال له: إلال على وزن هلال، والجبل يسمى: جبل الرحمة، والموقف الأعظم، وذلك لما روي أنه عليه السلام "ركب القصواء، حتى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل جبل المشاة بين يديه، فاستقبل القبلة، فلم يزل واقفاً حتى غربت الشمس" رواه مسلم وأبو داود وابن ماجة.
قوله: (وعرفات كلها موقف إلا بطن عرنة) لقوله عليه السلام: "عرفات كلها موقف
وارتفعوا عن بطن عرنة" رواه البخاري.
ويحمد الله تعالى ويكبر ويهلل ويلبي ويصلي ويدعو الله لحاجته، لقوله عليه السلام:"أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي يوم عرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو حي لا يموت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير" رواه مالك والترمذي وأحمد وغيرهم.
وكان عليه السلام يجتهد في الدعاء في هذا الموقف، حتى روي أنه عليه السلام:"دعا عشية عرفة لأمته بالمغفرة، فاستجيب له إلا في الدماء والمظالم، ثم أعاد الدعاء بالمزدلفة فأجيب حتى الدماء والمظالم" خرجه ابن ماجة.
قوله: (فإذا غربت الشمس أفاض) أي الإمام (إلى مزدلفة) لحديث علي رضي الله عنه "أنه عليه السلام دفع حين غابت الشمس" رواه أبو داود وغيره.
قوله: (ووقف بقرب قزح) والمراد من هذا الوقوف: النزول، لأن الوقوف لا يكون إلا بعد صلاة الفجر بغلس، وإنما ينزل هنا: لأنه الموقف، لما روي أنه عليه السلام "لما أصبح وقف على قزح" رواه أبو داود.
وقال في الصحاح: قزح اسم جبل بالمزدلفة. قال في الكشاف: المشعر الحرام: قزح، وهو الجبل الذي يقف عليه الإمام وعليه الميقدة.
قوله: (ومزدلفة كلها موقف إلا وادي محسر) لقوله عليه السلام: "والمزدلفة كلها موقف وارتفعوا عن بطن محسر" رواه البخاري.
قوله: (ويصلي بالناس المغرب والعشاء في وقت العشاء بأذان وإقامة واحدة) وقال زفر: بأذان وإقامتين، واختاره الطحاوي.
ولنا: حديث ابن عمر "أنه عليه السلام أذن للمغرب بجمع، فأقام ثم صلى العشاء بالإقامة الأولى" قال ابن حزم: رواه مسلم.
قوله: (ومن صلى المغرب في الطريق) أي في طريق مزدلفة (أعاد) وكذا لو صلاها
في عرفات، وقال أبو يوسف: يجوز، لأنه صلاها في وقتها المعهود، ولهما: حديث أسامة بن زيد "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع من عرفة، حتى إذا كان بالشعب نزل فبال ولم يسبغ الوضوء، قلت: الصلاة يا رسول الله قال: "الصلاة أمامك"، فركب، فلما جاء المزدلفة نزل وتوضأ فأسبغ الوضوء
…
" الحديث. رواه البخاري ومسلم.
قوله: (ويبيت بها) أي بالمزدلفة (ويصلي بهم الفجر بغلس) لما روي "أنه عليه السلام صلاها يومئذ بغلس" متفق عليه.
قوله: (ثم يقف بالمشعر الحرام) وهو قزح، لما مر.
قوله: (ويدعو) لما روي "أنه عليه السلام ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعا الله وكبره وهلله ووحده" رواه مسلم.
قوله: (فإذا أسفر جداً) أي إذا أسفر الصبح إسفاراً كاملاً (أفاض إلى منى فرمى جمرة العقبة من بطن الوادي سبع حصيات) لما روي أنه عليه السلام "لم يزل واقفاً حتى أسفل جداً، فدفع قبل أن تطلع الشمس حتى أتى بطن محسر فحرك قليلاً ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى، حتى إذا أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها- حصى الخذف- رمى من بطن الوادي، ثم انصرف إلى المنحر" رواه مسلم.
ولو دفع بليل لعذر به من ضعف أو علة: جاز ولا شيء عليه، لما روى ابن عمر أنه عليه السلام "أذن لضعفة الناس أن يدفعوا بالليل" رواه أحمد.
قوله: (مثل حصى الخذف) بالخاء المعجمة، وهو الرمي برءوس الأصابع، يقال: الحذف بالعصا، والخذف بالحصى، الأول: بالحاء المهملة، والثاني: بالخاء المعجمة.
وكيفية الرمي: أن يضع الحصاة على ظهر إبهامه اليمنى ويستعين بالمسبحة، ومقدار الرمي: أن يكون بين الرامي وبينه: خمسة أذرع.
قوله: (يكبر مع كل حصاة) لما روينا، ولو سبح مكان التكبير: أجزأه، لحصول التعظيم بالذكر.
قوله: (ولا يقف عندها) أي عند جمرة العقبة، لما روي عن ابن عمر "أنه كان يرمي جمرة العقبة من بطن الوادي ولا يقف عندها، ثم ينصرف ويقول: هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعله" رواه البخاري.
قوله: (ويقطع التلبية مع أول حصاة) لما روي عن ابن عباس "أن أسامة كان رديف النبي صلى الله عليه وسلمن من عرفة إلى مزدلفة، ثم أردف الفضل من المزدلفة إلى منى، قال: فكلاهما قالا: لم يزل النبي عليه السلام يلبي حتى رمى جمرة العقبة" رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
قوله: (ولو رمى السبع جملة) أي ولو رمى سبع حصيات جملة دفعة واحدة (فهي واحدة) لأن المنصوص عليه تفريق الأفعال.
قوله: (ويجوز الرمي بجنس الأرض) كالحجر، والمدر، والطين، والمغرة والنورة، والزرنيخ، والملح الجبلي، والكحل، والقبضة من تراب، (والأحجار النفيسة) كالياقوت، والزبرجد، والزمرد، والبلخش، والفيروزج، والبلور، والعقيق.
قوله: (لا بالذهب) أي لا يجوز بالذهب والفضة، وكذلك الخشب والعنبر واللؤلؤ والجواهر، لأنها ليست من جنس الأرض، أو لأنه نثار وليس برمي.
قوله: (ثم يذبح إن شاء) وهذا الذبح ليس بواجب على المفرد، أشار إليه بقوله:(إن شاء) ويجب على القارن والمتمتع.
قوله: (ثم يحلق ربع رأسه) لما روي عن أنس "أنه عليه السلام، أتى منى فأتى الجمرة فرماها، ثم أتى منزله بمنى ونحر، وقال للحلاق: "خذ" وأشار إلى جانبه الأيمن ثم الأيسر، ثم جعل يعطيه الناس" رواه مسلم وأبو داود وأحمد.
قوله: (وهو) أي الحلق (أفضل من التقصير) لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أنه عليه السلام قال: "اللهم اغفر للمحلقين"، قالوا: يا رسول الله والمقصرين؟ قال: "اللهم اغفر للمحلقين"، قالوا: يا رسول الله: والمقصرين، قال:"وللمقصرين" متفق عليه.
قوله: (ويحل له كل شيء إلا النساء) لحديث عائشة أنها قالت: "طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه حين أحرم، ولحله حين أحل قبل أن يطوف بالبيت" متفق عليه.
وعنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا رميتم وذبحتم وحلقتم فقد حل لكم كل شيء إلا النساء، وحل لكم الثياب والطيب" رواه الدارقطني.
قوله: (ثم يطوف طواف الزيارة) لما روي في حديث جابر "أنه عليه السلام أفاض إلى البيت يوم النحر فصلى بمكة بعدما طاف بالبيت" رواه مسلم.
قوله: (ووقته) أي وقت طواف الزيارة (أيام النحر وهي ثلاثة أيام) لأن الله تعالى عطف الطواف على الذبح والأكل منه بقوله: {فَكُلُوا} ثم قال: {وَلْيَطَّوَّفُوا} فكان وقتهما واحداً، وأولها أفضلها كما في النحر.
قوله: (ويحل له النساء) يعني بعدما طاف طواف الزيارة: يحل له النساء أيضاً، لإجماع الأمة على ذلك.
قوله: (ثم يعود إلى منى) لما روي "أنه عليه السلام أفاض يوم النحر ثم رجع فصلى الظهر بمنى" متفق عليه.
قوله: (ويرمي الجمار الثلاث بعد الزوال في اليوم التالي).
اعلم: أنه يرمي الجمار الثلاث في ثاني النحر بعد الزوال، بادياً لما يلي المسجد، ثم بما يليها، ثم بجمرة العقبة، ووقف عند كل رمي بعده رمي، ثم غداً كذلك، ثم بعد كذلك إن مكث، لما روت عائشة أنها قالت:"أفاض النبي صلى الله عليه وسلم من يومه حتى صلى الظهر، ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق، يرمي الجمار إذا زالت الشمس، كل جمرة بسبع حصيات، ثم يكبر مع كل حصاة، ويقف عند الأولى والثانية فيطيل القيام ويتضرع، ويرمي الثالثة ولا يقف عندها" رواه أبو داود.
فإن لم يمكث في اليوم الرابع: يسقط عنه الرمي، لأنه مخير فيه بقوله تعالى:{فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنْ اتَّقَى} [البقرة: 203]. والأفضل أن يرمي، موافقة للنبي عليه السلام.
قوله: (فإذا أراد الرجوع إلى بلده طاف طواف الصدر) يعني إذا فرغ من رمي الجمار وأراد أن يرجع إلى بلده، نزل بالمحصب، وهو الأبطح، وتسمى الحصباء، والبطحاء، والخيف، وهو ما بين الجبل الذي عند مقابر مكة، والجبل يقابله مصعداً في الشق الأيسر، وأنت ذاهب إلى منى، مرتفعاً عن بطن الوادي، وليست المقبرة من المحصب، لقوله صلى الله عليه وسلم:"نحن نازلون عند الخيف، خيف بني كنانة .... " الحديث. رواه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجة والنسائي.
ثم يطوف طواف الصدر لما روي "أنه عليه السلام صلى لظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمحصب، ثم رقد رقدة، ثم ركب إلى البيت فطاف به" رواه البخاري.
قوله: (ومن وقف بعرفة لحظة) أي ساعة (ما بين الزوال يوم عرفة وفجر يوم النحر: أجزأه) لقوله عليه السلام: "الحج عرفة فمن وقف بعرفة ساعة من ليل أو نهار فقد تم
حجه" روى بمعناه أبو داود وغيره وصححه الترمذي.
قوله: (ولو كان نائماً) أي ولو كان الحاج حال الوقوف نائماً (أو مغمى عليه أو جاهلاً بها) أي بعرفة، لأن الأحاديث مطلقة تعرف في موضعها.
قوله: (والمرأة في أفعال الحج كالرجل) لأن أوامر الشرع عامة جميع المكلفين ما لم يقم دليل الخصوص.
قوله: (إلا في كشف الرأس) يعني إلا أنها لا تكشف رأسها، ولكن تكشف وجهها، لما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:"كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات، فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزنا كشفناه" رواه أبو داود وغيره.
وقوله: (ولبس المخيط) يعني إلا أن لها لبس المخيط، لأنه عليه السلام "أباح السراويل والقميص للنساء المحرمات" رواه أبو داود.
ولا ترفع صوتها بالتلبية، ولا ترمل ولا تهرول: للفتنة، ولا تحلق، ولكن تقصر، لما روى ابن عباس أنه عليه السلام قال:"ليس على النساء الحلق إنما على النساء التقصير" رواه أبو داود وأحمد وغيرهما.
والخنثى المشكل في جميع ما ذكرنا كالمرأة.
قوله: (فإنها تخالفه) أي فإن المرأة تخالف الرجل في جميع ما ذكرناه.