الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
هذا الفصل في بيان العوارض
قوله: (المريض إذا خاف شدة مرضه أو تأخر برئه: أفطر) لأن ذلك قد يفضي إلى الهلاك، فيجب الاحتراز عنه، وطريق معرفته: الاجتهاد، فإذا غلب على ظنه: أفطر، وكذا إذا أخبره طبيب حاذق عدل.
والصحيح الذي يخشى أن يمرض بالصوم: فهو كالمريض، وكذا الأمة التي تخدم إذا خافت الضعف: جاز أن تفطر ثم تقضي.
قوله: (والمسافر أفطر مطلقاً) أي خاف المرض أو لم يخف، لأن عين السفر مشقة، وصومه أفضل عندنا إن لم تنله مشقة، لقوله تعالى:{وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184]. ولما روي عن أبي الدرداء قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته في حر شديد، حتى أن أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر، ما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة" رواه البخاري ومسلم وأبو داود.
فعلم: أن الصوم أفضل، لأنه اختيار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال الشافعي: الفطر أفضل.
قوله: (وإن مات في المرض والسفر) أي وإن مات المريض في مرضه، والمسافر في سفره (لا قضاء عليهما) لأنهما لم يدركا عدة أيام أخر.
قوله: (وإن صح المريض أو أقام المسافر، ثم ماتا: وجب الإيصاء بقدر ما أدركا) هذا فائدة لزوم القضاء، بقدر صحة المريض وإقامة المسافر، وإذا أوصى: يؤدي الوصي من ثلث ماله لكل يوم مسكيناً بقدر ما يجب في صدقة الفطر، وإن لم يوص وتبرع الورثة: جاز، وإن لم يتبرعوا: لا يلزمهم الأداء، بل سقط في حكم الدنيا.
قوله: (وقضاء رمضان: إن شاء فرقه وإن شاء تابعه) لإطلاق النص، ولكن التتابع أفضل للمسارعة في إسقاط الواجب.
قوله: (ولا فدية بتأخيره عن رمضان ثان) يعني إذا أخر من عليه قضاء رمضان عن رمضان ثان: لا يجب عليه الفدية، لأن الله تعالى أوجب القضاء خاصة لا الفدية، فلا يجوز زيادة الفدية.
وقال الشافعي: عليه الفدية.
قوله: (وللحامل والمرضع الإفطار خوفاً على ولدهما وأنفسهما) دفعاً للحرج.
الحامل: هي التي في بطنها ولد.
المرضع: هي التي لها لبن ترضع الولد.
قوله: (ولا فدية عليهما) أي على الحامل والمرضع، لأن الفدية بخلاف القياس في الشيخ فلا يلحق به خلافه.
وقال الشافعي: إذا خافت المرضع على الولد فأفطرت، فعليها الفدية.
قوله: (والشيخ العاجز عن الصوم يفطر، دفعاً للحرج ويفدي) لقوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] أي لا يطيقونه.
قوله: (فإن قدر على الصوم بعد الفدية: قضى) لأن شرط كون الفدية خلفاً عن الصوم في حقه: دوام العجز، فلما قدر على الصوم: انتفى شرط الخلفية، ومثل هذا لم يفعل في التيمم، لئلا يلزم الحرج بتضاعف الصلوات.
قوله: (ومن أوصى بقضاء رمضان: أطعم عنه وليه) كما مر من قوله: عن كل يوم: نصف صاع من بر، أو صاع من تمر، أو صاع من شعير، وعند الشافعي: لكل يوم مد.
قوله: (وإن لم يوص: لا يجب) أي لا يجب على الولي الإطعام، ومع هذا لو أطعم: جاز إن شاء الله تعالى.
وعند الشافعي: يلزم عليه أوصى أو لم يوص. وعلى هذا الخلاف: الزكاة وصدقة الفطر.
قوله: (والصلاة كالصوم) هذا استحسان، والقياس: أن لا تجوز الفدية عن الصلاة، لأن ما ثبت بخلاف القياس: فغيره لا يقاس عليه.
وجه الاستحسان: أن كلاً منهما عبادة بدنية لا تعلق لوجوبها ولا لأدائها بالمال، والباقي يعرف في الأصول.
قوله: (وكل صلاة كصوم يوم) في أن يؤدي عن كل صلاة مثل ما يؤدي عن كل يوم، وهذا هو الصحيح.
وعن محمد بن مقاتل: تجب لصلوات يوم: نصف صاع.
قوله: (ولا يصوم عنه وليه ولا يصلي) يعني إذا مات إنسان وعليه صوم أو صلاة:
ليس على وليه أن يصوم ويصلي عنه، خلافاً للشافعي.
له: ما روي عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من مات وعليه صيام، صام عنه وليه" رواه البخاري وأبو داود.
ولنا: قوله عليه السلام: "لا يصوم أحدكم عن أحد ولا يصلي أحد عن أحد ولكن يطعم عنه" رواه النسائي. وعن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما: أنه عليه السلام قال: "من مات وعليه صوم شهر فليطعم عنه مكان كل يوم مسكيناً" رواه ابن ماجة.
قال القرطبي: إسناده حسن.
والجواب عن حديث البخاري: أن المراد منه: الطعام الذي يقوم مقام الصوم مجازاً، بدليل ما روينا.
قوله: (ومن أسلم، أو بلغ، أو طهرت الحائض، أو أفاق، أو قدم من سفر، أو بريء من مرض، أو أفطر خطأ أو عمداً: أمسك بقية يومه) تشبهاً للصائمين.
واختلفوا في هذا الإمساك: فقيل: مستحب، وقيل: واجب، وليس على الكافر الذي أسلم، والصبي الذي بلغ: قضاء ذلك اليوم، خلافاً لزفر في الكافر الذي أسلم.
قوله: (بخلاف الحائض والنفساء في حال الصوم) يعني الطاهرة إذا حاضت في أثناء الصوم: لا يلزمها إمساك بقية صموها، لتحقق المانع من التشبه.
قوله: (ولو أكل: فلا قضاء عليه) أي لو أكل الكافر الذي أسلم، أو الصبي الذي بلغ، في ذلك اليوم الذي أسلم وبلغ فيه: فلا قضاء عليهما، لانعدام الأهلية من الأول، بخلاف الصلاة، لأن سبب الوجوب: الجزء المتصل بالأداء، وقد وجدت الأهلية عند ذلك الجزء، فافهم.
قوله: (ومن سافر بعد الفجر ونوى الفطر، ثم قدم، أو صح) أي المريض (من مرضه قبل الزوال: لزمه الصوم) لزوال المانع، ولو أفطر: فلا كفارة عليه للشبهة.
قيد بقوله: (قبل الزوال) لأنه إذا قدم أوصح بعد الزوال: لا يجوز نيته للصوم على ما عرف، فافهم.
قوله: (وإذا علم المسافر أنه يدخل في يومه مصره أو موضع إقامته: كره له الفطر) لما أنه أعرض عن الصوم، وأما إذا علم أن دخول المصر لا يتفق له حتى تغيب الشمس: فلا بأس بأن يفطر، لأنه مسافر فيه.
قوله: (ومن أغمى عليه أو جن في رمضان: قضى ما بعد يوم الإغماء والجنون خاصة) يعني لا يقضي اليوم الذي حدث فيه الإغماء والجنون، لأن صومه في ذلك اليوم صحيح، بناءً على وجود النية منه ظاهراً، وقضى ما بعد ذلك لعدم النية فيه.
قوله: (والجنون المستوعب يسقط القضاء) دفعاً للحرج، خلافاً لمالك.
قوله: (بخلاف الإغماء) أي الإغماء إذا استوعب الشهر لا يسقط القضاء، لأنه نوع مرض يضعف القوى ولا يزيل الحجا، وكذلك الجنون غير المستوعب لا يسقط القضاء، لعدم الحرج.
قوله: (ومن لم ينو في رمضان صوماً ولا فطراً: لزمه القضاء) لأن المستحق عليه الإمساك بجهة العبادة، فلا يكون ذلك إلا بالنية.
وقال زفر: لا يجب عليه القضاء.
قوله: (ومن أصبح غير ناو للصوم، ونوى قبل الزوال، فأكل: لا كفارة عليه للشبهة) هذا عند أبي حنيفة، وقالا: إن كان ذلك قبل الزوال: فعليه القضاء والكفارة، وإن كان بعده: فعليه القضاء لا الكفارة، وقال زفر: عليه الكفارة في الصورتين.
قوله: (والحائض والنفساء تفطر وتقضي، بخلاف الصلاة) يعني لا يقضيان الصلاة، لما في قضائها من حرج، بخلاف قضاء الصوم.
قوله: (ومن ظن بقاء الليل فتسحر، أو غروب الشمس فأفطر، وبان خطأه) بأن ظهر أن الفجر طالع، والشمس لم تغرب (لزمه القضاء) لأنه مضمون عليه بالمثل، ولزمه التشبه موافقة للصائمين.
قوله: (لا غير) يعني لا تجب الكفارة لقصور الجناية لعدم القصد.
وذكر في المستصفى: أن المراد من الظن: غلبة الظن، حتى لو كان شاكاً تجب الكفارة.
قوله: (ولو شك في طلوع الفجر) بأنه طلع أو لا (فالأفضل له أن لا يفطر) تحرزاً عن المحرم (ولو أفطر لا قضاء عليه) لأن الأصل هو الليل، فلا يخرج بالشك، إلا إذا تبين أنه أكل بعدما طلع الفجر: فحينئذ يجب عليه القضاء لا غير.
قوله: (ولو شك في غروب الشمس) بأنها غربت أولاً (يجب أن لا يفطر) تحرزاً عن إفساد الصوم (ولو أفطر: لزمه القضاء، وفي الكفارة: روايتان) وإن تبين أنه أكل قبل الغروب: يجب عليه الكفارة.
قوله: (والسحور مستحب، وقيل: سنة) لقوله عليه السلام: "إن فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر"، ويروى:"السحور" رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجة.
وقال عليه السلام: "تسحروا فإن في السحور بركة" رواه البخاري ومسلم.
والسحور بفتح السين: اسم ما يؤكل وقت السحر.
قوله: (وكذا تأخره) أي كذا يستحب تأخير السحور، لما روى أبو ذر: أنه عليه السلام كان يقول: "لا تزال أمتي بخير ما أخروا السحور وعجلوا الفطر" رواه أحمد.
قوله: (ويستحب تعجيل الإفطار) لما روينا، ولما روي عن سهل بن سعد أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر" متفق عليه.
وعن أنس أنه عليه السلام: "كان يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم تكن رطبات فتميرات، فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من ماء" رواه أحمد وأبو داود والترمذي.
قوله: (ومن أكل ناسياً فظن أنه أفطر، أو علم أنه لم يفطر فأكل عمداً: لزمه القضاء لا غير) يعني لا الكفارة، لتحقق الشبهة (ولو احتجم: فظن أنه يفطره، فأكل متعمداً: فعليه القضاء والكفارة).
قوله: (ويحرم صوم يوم العيدين) لما روي أنه عليه السلام: "نهى عن صيام يومين: يوم الفطر ويوم الأضحى" رواه مالك في الموطأ وأبو داود في السنن.
قوله: (وأيام التشريق) أي يحرم صوم أيام التشريق أيضاً، وهي ثلاثة أيام بعد عيد الأضحى، لورود النهي فيها.
قوله: (ولا يكره صوم الستة من شوال موصولاً برمضان) لقوله عليه السلام: "من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر" رواه أبو داود وابن ماجة. وفي روايته: "كان كصوم الدهر".
قوله: (ويكره صوم الوصال) وهو أن يصوم أياماً لا يفطر بينها، لما روي عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: نهى عن الوصال، قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله، قال:"إني لست كهيئتكم إني أطعم وأسقى" رواه أبو داود.
قوله: (فإن صام في الأيام الخمسة المحرمة) وهي: يوما العيدين، وأيام التشريق:(فقولان في كراهة الوصال) في قول: يكره، وفي قول: لا يكره، للفاصل الذي يخرجه من الوصل المنهي.
قوله: (ويكره صوم الصمت، وهو أن لا يتكلم في الصوم) لأن صوم الصمت من فعل المجوس لعنهم الله.
وقال الإمام حميد الدين الضرير: إنما يكره الصمت إذا اعتقد قربة، أما إذا لم يعتقد قربة: فلا يكره، لقوله عليه السلام:"من صمت نجا".
قوله: (ويكره صوم السبت أو عاشوراء وحده) لما في ذلك من التشبه باليهود.
قوله: (ويستحب يوم الخميس) أي صوم يوم الخميس، لأن النبي عليه السلام كان يصوم يوم الاثنين ويوم الخميس، وسئل عن ذلك فقال:"إن أعمال العباد تعرض يوم الاثنين ويوم الخميس" رواه أبو داود.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يصوم الاثنين والخميس، فقيل: يا رسول الله إنك تصوم الاثنين والخميس فقال: "إن يوم الاثنين والخميس يغفر الله فيها لكل مسلم إلا مهتجرين يقول: دعهما يصطلحا" رواه ابن ماجة.
قوله: (والجمعة) أي يستحب صوم يوم الجمعة، قال في الإيضاح: لا بأس بصوم يوم الجمعة في قول أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: قد جاء حديث في كراهته، غلا أن يصوم قبله يوماً أو بعده يوماً، وهو ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لا يصم أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم قبله بيوم أو بعده" رواه مسلم وأبو داود.
قوله: (وأيام البيض) أي يستحب صوم أيام البيض، وهي: الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، سميت بيضاً: لأن لياليها مقمرة من أول الليل إلى آخره، ولما روي عن ابن ملحان القيسي عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نصوم البيض ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة، قال: وقال: "هي كهيئة الدهر" رواه أبو داود وابن ماجة.
قوله: (ويوم عرفة) أي يستحب صوم يوم عرفة، لقوله عليه السلام:"صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده" رواه مسلم.
قوله: (لغير الحاج) قيد به: لأن صوم يوم عرفة للحاج مكروه، لما روي أنه عليه السلام:"نهى عن صوم يوم عرفة" رواه أبو داود وابن ماجة.
قوله: (ولا تصوم المرأة تطوعاً بغير إذن زوجها) لقوله عليه السلام: "لا تصوم امرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه غير رمضان" رواه أبو داود.
قوله: (إلا أن يكون صائماً) أي إلا أن يكون الزوج صائماً أو مريضاً، فحينئذ تتطوع المرأة بغير إذنه، لأن النهي لحاجة الزوج، ولا حاجة في تلك الصورتين.
قوله: (ولا العبد) أي ولا يصوم العبد أيضاً تطوعاً بغير إذن مولاه (وإن كان صومه لا يضر مولاه) يعني لعدم ضعفه بسبب الصوم، وكذلك المدبر وأم الولد: لا يصومان بغير إذن مولاهما، وإن كان صومهما لا يضره.
قوله: (وكفارة صوم رمضان عتق رقبة
…
إلى آخره) لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينا نحن جلوس مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال يا رسول الله هلكت، فقال:"مالك؟ " قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هل تجد رقبة تعتقها؟ ". قال: لا، قال:"فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ " قال: لا، قال:"فهل تستطيع إطعام ستين مسكيناً؟ " قال: لا، فمكث النبي صلى الله عليه وسلم، فبينا نحن على ذلك أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه التمر، والعرق: المكتل، قال:"أين السائل؟ " قال: أنا، قال:"خذ هذا فتصدق به"، فقال الرجل: أعلى أفقر مني يا رسول الله؟ فوالله ما بين لا بيتها- يريد الحرتين- أفقر من أهل بيتي، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال:"أطعم أهلك" رواه البخاري وأبو داود.
قوله: (كما مر) أي في صدقة الفطر، وهو أن يطعم لكل مسكين نصف صاع من بر أو صاعاً من تمر.
قوله: (ولو أفطر مراراً في رمضان: بأن جامع أياماً، أو أكل أياماً، أو شرب أياماً: كفته كفارة واحدة) عندنا لاتحاد الجنس.
وكذلك الحكم إذا أفطر مراراً في رمضانين أو ثلاثة.
قوله: (إلا إذا تخللت الكفارة) بأن أفطر في رمضان يوماً، ثم كفر عنه، ثم أفطر
يوماً آخر: يلزمه كفارة أخرى في ظاهر الرواية لأن التداخل قبل أداء الأول لا بعده، كما في الحدود، فإنه إذا زنى فحد ثم زنى: يحد ثانياً.
قوله: (ويباح الفطر في التطوع بعذر، بعد الضيافة وغيرها) قيل: يباح الفطر من غير عذر، وهي رواية عن أبي يوسف، لما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:"دخل النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: "هل عندكم شيء؟ " فقلنا: لا، قال: "إني إذا صائم"، ثم أتى يوماً آخر فقلنا: يا رسول الله أهدي إلينا حيس فقال: "أرنيه فلقد أصبحت صائماً"، فأكل" رواه مسلم، وزاد النسائي:"ولكن أصوم يوماً مكانه". وصحح هذه الرواية أبو محمد عبد الحق.
وقيل: لا يباح الفطر إلا من عذر، وهو قول الكرخي وأبي بكر، لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال:"إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب، فإن كان مفطراً فليأكل، وإن كان صائماً فليصل" رواه أبو داود. وقال هشام: والصلاة: الدعاء.
قال القرطبي: ثبت هذا عنه عليه السلام، ولو كان الفطر جائزاً: كان الأفضل الفطر، لإجابة الدعوة التي هي السنة.
واختلفوا في الضيافة: هل تكون عذراً؟ قيل: لا تكون عذراً، لما روينا، وقيل: تكون عذراً قبل الزوال، وبعد الزوال لا تكون عذراً إلا إذا كان من الأبوين، وكذا إذا حلف عليه بالطلاق: يفطر قبل الزوال، ولا يفطر بعده، ثم إذا أفطر: عليه أن يقضي، خلافاً للشافعي. لما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: أصبحت أنا وحفصة صائمتين متطوعتين، فأهدي إلينا طعاماً، فأفطرنا عليه، فدخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدرتني حفصة وكانت ابنة أبيها، فسألته عن ذلك فقال عليه السلام:"اقضيا يوماً مكانه" ذكره في الموطأ والنسائي والترمذي. وهو قول أبي بكر وعمر وعلي وابن عباس، وغيرهم رضي الله عنهم.
قوله: (ولو شرع في صوم أو صلاة ظنها عليه) أي ظن أن في ذمته صوماً أو صلاة (ثم علم بعد الشروع أنها ليست عليه: فالأفضل الإتمام) صوناً للمشروع عن البطلان (ولو أفسد: فلا قضاء عليه) لأن ذلك مظنون فلا يجب. والله أعلم.