المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في المريض - منحة السلوك في شرح تحفة الملوك

[بدر الدين العيني]

الفصل: ‌فصل في المريض

‌فصل في المريض

وجه المناسبة بين الفصلين من حيث وجود المشقة في كل منهما

قوله: (من عجز عن قيام صلى قاعداً يركع ويسجد) لما روي عن عمران بن الحصين قال: "كان بي الناصور فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة، فقال: "صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جنب" رواه أبو داود وابن ماجة والبخاري، ولكن في البخاري: "كانت بي بواسير".

قوله: (فإن لم يطق) أي إن لم يقدر على الركوع والسجود (أومأ قاعداً) وجعل سجوده أخفض من الركوع، ليتحقق الفرق بينهما، ويقعد مثل القعود في الصلاة، وقيل: يتربع، والفتوى على الأول.

قوله: (ولا يرفع إلى وجهه شيئاً ليسجد عليه) لما روي أن ابن مسعود: "دخل على مريض يعوده فرآه يسجد على عود، فانتزعه وقال: هذا مما عرض به لكم الشيطان".

ص: 189

قوله: (فإن لم يطلق القعود) أي فإن لم يقدر القعود أيضاً (استلقى على ظهره وجعل رجليه إلى القبلة وأومأ بالركوع والسجود) وينبغي أن يوضع تحت رأسه وسادة حتى يكون شبه القاعد ليتمكن من الإيماء بالركوع والسجود، إذ حقيقة الاستلقاء يمنع الإيماء للصحيح، فكيف للمريض (أو اضطجع على جنبه متوجهاً إليها) أي إلى القبلة، وهذه رواية الطحاوي عن أبي حنيفة، وهو مذهب الشافعي أيضاً.

قوله: (فإن لم يطق الإيماء) أي إن لم يقدر الإيماء برأسه أيضاً (أخر الصلاة) لأن التكليف بقدر الوسع.

قوله: (ولم تسقط الصلاة ما دام مفيقاً) لأنه يفهم مضمون الخطاب، فلا يسقط وإن كان العجز أكثر من يوم وليلة، بخلاف المغمى عليه.

وقيل: الأصح أن عجزه إن زاد على يوم وليلة: لا يلزمه القضاء، وإن كان دون ذلك: يلزمه كما في الإغماء، لأن مجرد العقل لم يكف لتوجه الخطاب، فقد ذكر محمد: أن من قطعت يداه من المرفقين وقدماه من الساقين: لا صلاة عليه.

قوله: (ولا يومئ بغير رأسه) يعني العاجز عن الإيماء برأسه لا يومئ بعينيه وحاجبيه وقلبه، وقال زفر: يومئ بهذه الأعضاء عند العجز.

قوله: (وإذا قدر على القيام لا على الركوع والسجود: صلى قاعداً يومئ بهما) أي بالركوع والسجود، لأن فريضة القيام لأجل الركوع والسجود، ويسقط عند سقوط ما هو الأصل.

قوله: (أو قائماً) أي أو صلى قائماً مومئاً، ولكن الأول أولى، لأنه أشبه بالسجود.

قوله: (ومن مرض في صلاته: بنى على حسب ما قدر) صورته:

ابتدأ الصلاة قائماً، ثم عرضه مرض، فعجز عن القيام: أتمها قاعداً، وإن عجز

ص: 190

عن القعود مع الركوع والسجود: أومأ قاعداً، وإن عجز عن هذا: استلقى وأومأ مستلقياً، لأنه بناء الضعيف على القوي.

قوله: (ومن صلى قاعداً ثم صح) أي مريض كان يصلي قاعداً، ثم جاءته الصحة (بنى صلاته قائماً) ولا يستأنف عندهما، وقال محمد: يستأنف، والأصل ما مر في جواز اقتداء القائم بالقاعد.

قوله: (ومن صلى مومئاً ثم صح: استقبل) أي الصلاة، لأن بناء القوي على الضعيف: لا يجوز.

قوله: (ومن جن أو أغمي عليه يوماً وليلة: قضى) أي قضى صلوات ذلك اليوم والليلة بعد الإفاقة.

وقال الشافعي: لا يقضي إذا أغمى عليه وقت صلاة كاملة، لأنه عجز مانع عن فهم الخطاب، فنافى الوجوب إذا استوعب وقت صلاة. ولنا: ما روي أن علياً رضي الله عنه "أغمي عليه أربع صلوات فقضاهن". وابن عمر رضي الله عنه "أغمي عليه أكثر من يوم وليلة: فلم يقض".

قوله: (بخلاف الأكثر) يعني إذا أغمي عليه أكثر من يوم وليلة: لا يقضي شيئاً لما رويناه.

ص: 191

ثم الزيادة على يوم وليلة تعتبر بالأوقات عند محمد، حتى لا يسقط القضاء ما لم يستوعب ست صلوات، وعندهما: يعتبر من حيث الساعات، حتى لو أغمي عليه قبل الزوال، فأفاق من الغد بعد الزوال: فعندهما: لا يجب القضاء، وعند محمد: يجب إذا أفاق قبل خروج وقت الظهر.

قوله: (والنائم يقضي مطلقاً) يعني سواء نام يوماً وليلة أو أقل أو أكثر، لأن الامتداد في النوم نادر، فيلحق الممتد منه بالقاصر منه.

قوله: (ويقضي المريض فائتة الصحة على حسب حاله) صورته: رجل فاتته صلوات في صحته، ثم مرض وأراد أن يقضي تلك الصلوات الفائتة في مرضه، فله أن يقضيه بحسب حاله، غذ التكليف يعتمد الوسع، فيكلف في المرض على القضاء كما يكلف على الأداء.

قوله: (ويقضي الصحيح فائتة المرض كاملة) صورته: مريض فاتته صلوات في مرضه، ثم صح وأراد أن يقضيها: يقضيها كاملة كما يفعله الأصحاء، لأن تحصيل الركن فرض، وإنما يسقط عند الأداء للعذر.

ص: 192