المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في التيمم - منحة السلوك في شرح تحفة الملوك

[بدر الدين العيني]

الفصل: ‌فصل في التيمم

‌فصل في التيمم

هو لغة: مطلق القصد. وشرعاً: قصد الصعيد الطاهر واستعماله بصفة مخصوصة لإقامة القربة، وسبب وجوبه: ما هو سبب وجوب الوضوء، وشرط جوازه: العجز عن استعمال الماء.

والأصل في جوازه قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} [النساء: 43 والمائدة: 6].

قوله: (ومن لم يجد الماء) كلمة (من) موصولة في محل الرفع على الابتداء، وقوله:(لم يجد الماء) جملة وقعت صلة، وما بعدها كلها عطف عليها، وقوله:(تيمم) هو الخبر.

قوله: (خارج المصر) أي في خارج المصر، وبينه وبين المصر نحو الميل، وهو ثلث فرسخ، وهو أربعة آلاف خطوة، وهي ذراع ونصف بذراع العامة، وهو أربع وعشرون إصبعاً بعدد حروف لا إله إلا الله محمد رسول الله، وعرض كل إصبع: ست حبات شعير ملصقة ظهراً لبطن، والفرسخ اثني عشر ألف خطوة، وهذا المقدار هو المختار، للحوقه الحرج بذهابه وإيابه.

فإن قلت: لم قيد عدم وجدان الماء بكون الشخص خارج المصر، والله تعالى أطلقه بقوله {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} وهو يتناول من في المصر ومن في خارج المصر؟

قلت: بلى، ولكن الحكم للغالب، والغالب وجدان الماء في الأمصار، وخارج المصر مظنة فقدان الماء، حتى لو لم يوجد الماء في المصر أيضاً والعياذ بالله: يجوز لأهله التيمم.

قوله: (أو وجده) أي أو وجد الماء (ولكنه يخاف العطش على نفسه أو دابته) قوله: (أو كان مريضاً يخاف شدة مرضه بحركته) أي لما نحو الماء (أو باستعماله) أي

ص: 74

أو باستعمال الماء لتحقق العجز فيها، وعند الشافعي: لا يتيمم إلا إذا خاف تلف نفس أو عضو، وهو مردود، لإطلاق قوله تعالى:{وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} [النساء: 43 والمائدة: 6].

قوله: (أو كان جنباً في المصر يخاف شدة البرد بأني مرضه أو يقتله) وإنما قيد بقوله: (في المصر) وإن كان من في خارج المصر كذلك، لوجود الخلاف فيه، فإن جواز تيمم الجنب في المصر عند خوفه شدة البرد: قول أبي حنيفة، خلافاً لهما. قيل: هذا اختلاف زمان لا برهان.

قوله: (أو خائفاً) أي أو كان خائفاً، يعني يجد الماء، ولكنه يخاف من العدو أو السبع أن يصل إليه لحيالهما بينه وبين الماء: تيمم، لأنه عاجز حكماً، فهو كالعاجز حقيقة.

قوله: (أو وجده) أي أو وجد الماء (ولكنه يباع بغبن فاحش) وهو أن يباع بضعف قيمته، بأن يباع ما يساوي نصف: بدرهم، فلا يشتري، بل يتيمم، لأن تحمل الضرر غير واجب، كقطع موضع النجاسة حال عدم الماء.

قوله: (أو بثمن المثل) أي أو وجده يباع بثمن المثل (ولكنه لا يملكه) يعني ليس عنده ما يشتري: تيمم أيضاً للعجز.

قوله: (تيمم) جواب المسائل المذكورة كلها، وهي سبع مسائل مشتركة في الجواب.

قوله: (وتيمم مع وجود الماء إذا خاف فوت صلاة العيد) وقال الشافعي: لا يتيمم، الأصل في هذا: أنها تقضي عنده: فلا يتحقق الفوات، ولا تقضى عندنا:

ص: 75

فيتحقق، وأما إذا كان متوضئاً في العيد وسبقه الحدث: جاز له البناء بالتيمم عند أبي حنيفة، خلافاً لهما، قبل هذا اختلاف زمان لا برهان.

قوله: (أو الجنازة) أي يتيمم أيضاً لخوف فوت الجنازة، خلافاً للشافعي.

قوله: (والولي غيره) أي والحال أن الولي غير الخايف، قيد به: لأن الولي ينتظر، فلا يجوز له التيمم.

قوله: (لا لخوف فوت الجمعة) أي لا يتيمم إذا خاف فوت الجمعة والوقت، لأنهما يفوتان إلى خلف، وهو الظهر والقضاء.

قوله: (وإن كان مع رفيقه ماء: طلبه قبل التيمم) استحساناً، لعدم المنع غالباً، والقياس: أن لا يطلب، لأن فيه ذلاً، ولو تيمم قبل الطلب: أجزأه عند أبي حنيفة، لأنه لا يلزمه الطلب من ملك الغير.

وقالا: لا يجزئه، لأن الماء مبذول عادة.

قوله: (ولا يجب طلب الماء) أي على المسافر (إلا إذا غلب على ظنه أن بقربه ماء) وعند الشافعي: يجب عليه الطلب مطلقاً. والطلب: قدر الغلوة من جوانبه الأربع، وهي: ثلثمائة ذراع إلى أربعمائة، ولا يبلغ ميلاً، لأن فيه إضراراً به وبرفقته.

قوله: (والتيمم ضربتان) لما فرغ عن شرائط التيمم أخذ في صفته: وهي ضربتان (ضربة لوجهه وضربة ليده مع مرفقيه) وقال مالك في رواية: ضربة واحدة كافية وقال ابن سيرين: التيمم ثلاث ضربات: ضربة للوجه، وضربة للذراعين، وضربة

ص: 76

للوجه والذراعين جميعاً. والأصح: ما قلنا، لورود الأثر هكذا.

كيفيته: أن يضرب بيده الصعيد ثم ينفضهما ويمسح بهما وجهه، ثم يضرب ضربة أخرى فيسمح بأصابع كفه اليسرى ظاهر ذراعه الأيمن إلى المرفق، وبباطن كفه اليسرى باطن ذراعه الأيمن إلى الرسغ، هكذا يصنع باليد اليسرى وقال زفر: المرفقان لا يدخلان فيه، وقال مالك: التيمم إلى الكوعين، والكوع: طرف الزند مما يلي الإبهام، وبه قال الشافعي في القديم.

وفي الجديد: كقولنا، وعن الزهري: إلى الآباط.

قوله: (ويخلل أصابعه وينزع خاتمه) هذا على رواية اشتراط الاستيعاب، وهي الأصح للفتوى، حتى لو لم يخلل الأصابع ولم ينزع خاتمه: لم يجز، وعن أبي حنيفة: أن الاستيعاب ليس بشرط، حتى لو مسح أكثر الذراعين والكف: جاز.

ص: 77

قوله: (والنية فيه) أي في التيمم (فرض) وقال زفر: ليست بفرض، لأنه خلف عن الوضوء فلا يخالف أصله، ولنا: أنه عبارة عن النية، فكانت من ضروراته، بخلاف الوضوء، لأن الماء مطهر بنفسه، والتراب ملوث مغير، فلا يكون مطهراً إلا بالقربة، ولا قربة إلا بالنية.

قوله: (ويجوز التيمم بالصعيد الطاهر) والصعيد: فعيل بمعنى صاعد على وجه الأرض، أو بمعنى مصعود عليه، قيد بقوله:(طاهر) لأنه هو المعتبر بالإجماع.

قوله: (وهو) أي الصعيد الطاهر (كل ما كان من جنس الأرض كالتراب والرمل والحجر والنورة والكحل والزرنيخ) وكذلك الطين الأحمر والأخضر والحجر الأملس والحائط المطين والمجصص والملح الجبلي والياقوت والفيروزج والزمرد والخزف إن كان من طين طاهر، ولا يجوز بالخزف المخلوط بما ليس من جنس الأرض، ولا بالملح المائي، ولا باللآلئ مدقوقة أولاً، ولا بالزيبق، ولا بجميع ما ينطبع كالحديد والرصاص والنحاس والذهب والفضة، وما يترمد: كالخشب والحنطة وسائر الحبوب.

وعند الشافعي: لا يجوز إلا بالتراب المنبت، وعند أبي يوسف: لا يجوز إلا بالتراب والرمل خاصة، وبالغبار عند الضرورة، بأن يضرب ثوباً ونحوه، فإذا وقع الغبار على يديه: يتيمم.

قوله: (والتيمم للحدث والجنابة سواء) لقوله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ} فقد ذكر نوعي الحدث عند وجود الماء، ثم ذكر نوعي الحدث عند عدمه، وأمر بالتيمم لهما بصفة واحدة، وكذلك الحائض والنفساء.

قوله: (وينقضه) أي التيمم (ما ينقض الوضوء) لأن ما ينقض الأصل: فلأن ينقض الخلف أولى.

قوله: (ورؤية الماء) أي وينقضه أيضاً رؤية الماء (بشرط أن يقدر على استعماله) لقوله عليه السلام "ما لم يجد الماء"

ص: 78

ولو رآه في أثناء صلاته: تبطل صلاته عندنا، مسافراً كان أو حاضراً، وقال الشافعي: تبطل في الحضر لا في السفر.

قوله: (ومن يرجو الماء) أي وجود الماء (في آخر الوقت: فالأفضل له تأخير الصلاة) لتقع الصلاة بأكمل الطهارتين (وإن لم يرج: تيمم في الوقت المستحب) لأنه لا يفيد التأخير.

قوله: (ويصلي بتيممه) أي بتيممه الواحد (ما شاء من الفرائض والنوافل جميعاً) لأنها طهارة مطلقة كالوضوء، وقال الشافعي: لا يجوز بتيمم واحد إلا أداء فرض واحد وسننه، والنوافل على وجه التبعية للفرض.

قوله: (ولو نسي الماء في رحله) أي في رحله الذي وضع فيه الماء بنفسه، أو وضع فيه بأمره (أو كان بقربه ماء ولا يعلم، فتيمم وصلى به: أجزأه) حتى إذا تذكره بعدها: لا يعيد الصلاة، لأنه تيمم عند العجز عن الاستعمال حقيقة، خلافاً لأبي يوسف في المسألة الأولى.

قوله: (وما أعد في الطريق للشرب) يعني الماء الذي يضعه الناس في طريق المسلمين للشرب (لا يمنع جواز التيمم) لأن الواضع ما وضعه إلا للشرب، وهو مأذون في ذلك في الشرب لا غير، فيجوز له التيمم، حتى إذا علم بكثرته أنه موضوع للوضوء والشرب جميعاً: لا يجوز له التيمم، بل يتوضأ منه.

قوله: (وما يحمله الحجاج من ماء زمزم للعطية: يمنع التيمم).

مريض يجد من يوضئه ولا يستضر به: يتوضأ بإعانته، قيل: بغير بدل وقيل: ببدل يسير، ولو استضر بحركته: يتيمم.

ص: 79