الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
هذا الفصل مشتمل على أحكام
المحصر والعمرة والحج عن الغير والهدي
قوله: (محرم منعه عدو أو مرض: جاز له التحلل ببعث شاة تذبح في يوم يعلمه ليتحلل بعد الذبح) لقوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] والعبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب، فيعم الإحصار بالعدو والمرض، لا كما قاله الشافعي: أن الإحصار بالعدو فقط.
قوله: (ويتوقت دم الإحصار بالحرم) حتى لا يجوز ذبحه في غيره، ولا يتوقت بيوم النحر: حتى جاز ذبحه في أي وقت شاء وهذا عند أبي حنيفة، وقالا: يتوقت بالزمان وهو أيام النحر، وبالمكان هو الحرم، وهذا الخلاف في المحصر بالحج، وأما دم المحصر بالعمرة: فلا يتعين بالزمان بالإجماع.
قوله: (بخلاف دم المتعة والقران) حيث يختصان بالحرم ويوم النحر، لأنه دم نسك كالأضحية.
قوله: (والمحصر بالحج إذا تحلل: فعليه حجة وعمرة) كذا روي عن ابن عباس رضي الله عنه وابن عمر رضي الله عنه، وقال الشافعي: يلزمه حجة لا غير.
قوله: (وعلى المحصر بالعمرة: القضاء) يعني إذا تحلل المحصر بالعمرة: وجب عليه
القضاء لا غير، والإحصار عنها يتحقق عندنا، وقال مالك والشافعي: لا يتحقق.
قوله: (وعلى القارن: حجة وعمرتان) لأنه صح شروعه في الحج والعمرة، فيلزمه بالتحلل قضاؤها وقضاء عمرة أخرى، إذا لم يقض الحج في تلك السنة.
قوله: (ولو زال الإحصار قبل الذبح، فإن قدر على إدراك الحج والهدي: لزمه التوجه لأداء الحج) وليس له أن يتحلل بالهدي، لأنه قدر على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل، ويصنع بالهدي ما شاء.
قوله: (وإلا: لا) يعني وإن لم يقدر على إدراك الهدي والحج: لا يجب عليه التوجه، (وإن توجه ليتحلل بأفعال العمرة: جاز) لأن فيه فائدة: وهي سقوط العمرة عنه في القضاء.
قوله: (ومن قدر على الوقوف) أي بعرفة (أو الطواف) أي طواف الزيارة (أو منع بعد الوقوف بعرفة: فليس بمحصر) أما إذا قدر على الوقوف: فلأنه أمن من الفوات، وأما إذا قدر على الطواف: فلأن فائت الحج يتحلل به، والدم بدل عنه في التحلل، فلا حاجة إلى الهدي، وأما إذا منع بعد الوقوف: فلأنه لا يتصور الفوات بعده، فأمن منه.
قوله: (ومن فاته الوقوف) أي بعرفة (حتى طلع من الفجر يوم النحر: فقد فاته الحج) لأنه لا يمكن تدارك الوقوف بعده لذهاب وقته، فيتحلل بعمرة ويقضي الحج من قابل، ولا دم عليه.
قوله: (والعمرة لا تفوت: لأنها غير موقتة) وعليه الإجماع.
قوله: (وهي) أي العمرة (جائزة في كل وقت، إلا يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق) لما روي عن ابن عباس: "لا تعتمر في خمسة أيام واعتمر فيما قبلها وبعدها".
قوله: (وهي) أي العمرة (سنة) وهذا مكرر لا طائل تحته، لأنه ذكرها مرة في أول الحج.
قوله: (وتجوز النيابة في نفل الحج) اعلم أن الإنسان له أن يجعل ثواب عمله لغيره عند أهل السنة والجماعة، صلاة كان أو صوماً، أو حجاً، أو صدقة، أو قراءة القرآن والأذكار، إلى غير ذلك من جميع أنواع البر، يصل ذلك إلى الميت وينفعه.
وقالت المعتزلة: ليس له ذلك، ولا يصل إليه ولا ينفعه.
وقال الشافعي ومالك: يجوز ذلك في الصدقة والعبادة المالية: كالحج، ولا يجوز في غيره من الطاعات: كالصلاة والصوم وقراءة القرآن، وغيره.
ولنا: ما روي "أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كان لي أبوان أبرهما حال حياتهما، فكيف لي ببرهما بعد موتهما؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "إن من البر بعد البر أن تصلي لهما مع صلاتك، وأن تصوم لهما مع صومك" رواه الدارقطني.
وعن علي رضي الله عنه: أن النبي عليه السلام قال: "من مر على المقابر وقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} أحد عشر مرة، ثم وهب أجرها للأموات، أعطي من الأجر بعدد الأموات" رواه الدارقطني.
وعن معقل بن يسار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرؤوا على موتاكم سورة يس" رواه أبو داود.
وعنه عليه السلام "أنه ضحى بكبشين أملحين أحدهما عن نفسه والآخر عن أمته" متفق عليه، أي جعل ثوابه لأمته.
قوله: (مطلقاً) يعني سواء أكان له عجز دائم إلى الموت أو لم يكن، وذلك لأن باب النفل أوسع.
قوله: (وفي فرضه) أي تجوز النيابة في فرض الحج عند العجز الدائم إلى الموت، لأنه فرض العمر، فيعتبر عجز مستوعب لبقية العمر، ليقع به اليأس عن الأداء بالبدن، حتى لو حج عن نفسه وهو مريض: يكون مراعى، فإن مات به: أجزأه، وإن تعافى: بطل، كذا لو أحج عن نفسه وهو محبوس.
ثم الصحيح من المذهب فيمن حج عن غيره: أن أصل الحج يقع عن المحجوج عنه، لقوله عليه السلام لرجل:"حج عن أبيك واعتمر" رواه أبو داود والنسائي والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.
قوله: (ودم القران على المأمور) لأنه واجب شكراً لما وفقه الله بين الحج بين النسكين، والمأمور هو المختص بهذه النعمة.
قوله: (ودم الإحصار على الآمر) لأنه هو الذي أدخله في هذه العهدة فيجب عليه تخليصه.
قوله: (والهدي: من الإبل والبقر والغنم) وهو مجمع عليه.
والهدي: ما يهدى من النعم إلى الحرم.
قوله: (والعيب مانع كالأضحية) أي كما يمنع في الأضحية، والذي يمنع فيهما: هو العوراء، والعرجاء: التي لا تمشي إلى المنسك، والعجفاء: التي لا تبقى، ومقطوعة الأذن والذنب، ولا يمنع الجماء والخصي والثولاء والجرباء.
قوله: (ويجوز الأكل من هدي التطوع والمتعة والقران) لقوله تعالى: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج: 36]. ولا يجوز الأكل من هدي الجنايات، لأنها دماء كفارة.
قوله: (ويتوقت دم المتعة والقران خاصة بيوم النحر) لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 28 - 29]، وقضاء التفث والطواف يختص في الحرم بأيام النحر، فكذا الذبح، ليكون الكلام مسروداً على نسق واحد.
ويختص جميع دم يجب على الحاج: بالحرم، لقوله تعالى:{هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95].
قوله: (ويجوز التصدق بها) أي بالدماء (على ساكني الحرم وغيرهم من الفقراء) لأنه سد خلة المحتاج، ولا فرق بينهم وبين غيرهم، وقال الشافعي: لا يجوز التصدق على غيرهم، والله أعلم بالصواب.