المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل هذا الفصل في بيان شروط الصلاة وأركانها وواجباتها وسننها وآدابها وغير - منحة السلوك في شرح تحفة الملوك

[بدر الدين العيني]

الفصل: ‌ ‌فصل هذا الفصل في بيان شروط الصلاة وأركانها وواجباتها وسننها وآدابها وغير

‌فصل

هذا الفصل في بيان شروط الصلاة وأركانها وواجباتها

وسننها وآدابها وغير ذلك

الشرط ما يتوقف عليه الشيء ولا يكون منه: كالوضوء. والركن: ما يقوم به الشيء: كالقراءة. والفرض: أعم منهما، يطلق على الشرط والركن جميعاً، وهو: ما ثبت بدليل قطعي. والواجب: ما ثبت بدليل ظني. والسنة: ما في فعله ثواب، وتركه عتاب لا عقاب. والأدب: وهو التخلق بالأخلاق الحميدة.

قوله: (وشروط الصلاة ستة) أي ستة أشياء:

قوله: (الوقت) أي الشرط الأول: الوقت، عرفت فرضيته بالكتاب والسنة، أما الكتاب: فقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} [النساء: 103] أي فرضاً موقتاً، وقوله:{فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18)} [الروم: 17 - 18].

وقيل لابن عباس: هل تجد ذكر الصلوات الخمس في القرآن؟ قال: نعم، وتلا هذه الآية: تمسون: صلاة المغرب والعشاء، وتصبحون: صلاة الفجر، وعشياً: صلاة العصر، وتظهرون: صلاة الظهر، وعشياً: متعلق بقوله: {حِينَ تُمْسُونَ} .

ص: 99

{وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} اعتراض بينهما، كذا في الكشاف.

وأما السنة: فقوله عليه السلام "أمني جبريل عند البيت مرتين، فصلى بي الظهر حين زالت الشمس وكانت قدر الشراك، وصلى بي العصر حين صار ظله مثله، وصلى بي المغرب حين أفطر الصائم، وصلى بي العشاء حين غاب الشفق، وصلى بي الفجر حين حرم الطعام والشراب على الصائم، فلما كان الغد صلى بي الظهر حين كان ظله مثله، وصلى بي العصر حين كان ظله مثليه، وصلى بي المغرب حين أفطر الصائم، وصلى بي العشاء إلى ثلث الليل، وصلى بي الفجر فأسفر، ثم التفت إلي فقال: يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت ما بين هذين الوقتين" رواه أبو داود.

قوله: (والطهارة بأنواعها) أي الشرط الثاني: الطهارة بأنواعها، وهي الطهارة عن النجاسة الحقيقية: عن الثوب والبدن والمكان الذي يصلي به، والطهارة عن النجاسة الحكمية: وهي الحدث والجنابة والحيض والنفاس.

قوله: (وستر العورة) أي الشرط الثالث: ستر العورة لقوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31] أي استروا عورتكم عند كل صلاة.

قوله: (واستقبال القبلة) أي الشرط الرابع: استقبال القبلة لقوله تعالى: {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144] أي جهته.

قوله: (والنية) أي الشرط الخامس: النية لقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَاّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] والإخلاص لا يكون إلا بالنية.

قوله: (وتكبيرة الإحرام) أي الشرط السادس: تكبيرة الإحرام، وتسمى: تكبيرة الافتتاح، والتكبيرة الأولى، وعند الشافعي: تكبيرة الإحرام ركن. وفائدة الخلاف

ص: 100

تظهر في جواز بناء النفل على تحريمة الفرض، فعندنا: يجوز، وعنده لا يجوز، وفيما إذا كبر مقارناً لزوال الشمس، فعندنا: يجوز، وعنده: لا يجوز.

قوله: (وأركانها) أي أركان الصلاة (ستة) أشياء أيضاً (الأول: القيام) لقوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238](والثاني: القراءة) لقوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20](والثالث: الركوع) لقوله تعالى: {وَارْكَعُوا} (والرابع: السجود) لقوله تعالى: {وَاسْجُدُوا} [الحج: 77](والخامس: الانتقال من ركن إلى ركن) وذلك مثل أن ينتقل من القيام إلى الركوع، ومن الركوع إلى السجود، ومن السجود إلى القعدة، والصلاة لا توجد إلا بذلك، فكان فرضاً (والسادس: القعدة الأخيرة مقدار التشهد) والمراد من مقدار التشهد: قدر ما يتمكن فيه من قراءة التشهد إلى قوله: عبده ورسوله، إذ التشهد عند الإطلاق ينصرف إليه، وقيل: القدر المفروض من القعدة ما يأتي فيه بالشهادتين، والأول: أصح، وفرضيته: القعدة الأخيرة بقوله عليه السلام "إذا رفعت رأسك من القعدة الأخيرة وقعدت قدر التشهد فقد تمت صلاتك".

فإن قلت: كيف تثبت الفرضية بخبر الواحد؟ قلت: الفرضية لا تثبت به ابتداء، أما البيان: فيصح، وهذا لأن الإتمام ثابت بالكتاب، لأن نفس الصلاة ثابتة وتمامها بها، وهذا الخبر يبين كيفية الإتمام.

قوله: (وواجباتها) أي واجبات الصلاة (أحد عشر) قوله: (الفاتحة) أي الواجب الأول: قراءة الفاتحة في الركعتين الأوليين من الفرائض، وقال الشافعي: قراءة

ص: 101

الفاتحة فرض لقوله عليه السلام "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب" ولنا قوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] والتقييد بالفاتحة نسخ لمطلق النص، والحديث محمول على نفي الكمال، ولكن نقول بالوجوب لمواظبته عليه السلام عليها من غير ترك.

فإن قلت: اجعلها بياناً لا نسخاً، لأنها مقررة للمزيد عليه لا مبطلة، فتكون فرضاً، قلت: البيان يستدعي الإجمال، ولا إجمال هنا لإمكان العمل به قبله، ولكن خبر الواحد يوجب العمل، فقلنا بوجوبها عملاً، حتى تكره الصلاة بتركها.

قوله: (وسورة) أي الواجب الثاني: قراءة سورة أو قدرها مع الفاتحة، لمواظبته عليه السلام على ذلك من غير ترك.

قوله: (والجهر) أي الواجب الثالث: الجهر في الجهرية، وهي: الركعتان الأوليان من المغرب، والعشاء، وصلاة الفجر، والجمعة، والعيدين، للنقل المستفيض هكذا.

هذا في حق الإمام، أشار إليه بقوله:(للإمام) وأما المنفرد فهو مخير: إن شاء جهر وأسمع نفسه لكونه إمام نفسه، وإن شاء خافت، لأن الجهر لإسماع من خلفه، وليس خلفه أحد ليسمعه، والجهر أفضل، ليؤدي صلاته على هيئة الجماعة.

قوله: (والمخافتة) أي الواجب الرابع: المخافتة (في السرية) أي الصلاة السرية مطلقاً، أي سواء كان إماماً أو منفرداً، لورود الأثر هكذا.

قوله: (والطمأنينة) أي الواجب الخامس: الطمأنينة، وهي الاستقرار في الركوع والسجود، هذا عندهما، وعند أبي يوسف: هي فرض، لقوله عليه السلام لمن خفف الصلاة:"قم صل فإنك لم تصل".

ص: 102

وبه قال الشافعي، ولهما: إطلاق قوله تعالى: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] والزيادة نسخ، والأمر بإلإعادة: لقلعه عن العادة الذميمة.

قوله: (وترتيب أفعالها) أي الواجب السادس: ترتيب أفعال الصلاة، والمراد منه الترتيب في فعل متكرر في ركعة كالسجدة، حتى لو ترك السجدة الثانية وقام إلى الركعة الثانية: لا تفسد صلاته، أما ترتيب القيام على الركوع، وترتيب الركوع على السجود: فرض، لأن الصلاة لا توجد إلا بذلك كما مر، نص عليه في الكافي.

قوله: (والقعدة الأولى) أي الواجب السابع: القعدة الأولى، لمواظبته عليه السلام على ذلك.

قوله: (والتشهد) أي الواجب الثامن قراءة التشهد (في القعدتين) يعني في الأولى والأخيرة جميعاً، نص عليه هكذا في المحيط، وذكر في الهداية:"وقراءة التشهد في القعدة الأخيرة". وهذا التقييد يؤذن بأن قراءته في القعدة الأولى ليست بواجبة، وهو قول البعض، والأصح أنه سنة فيهما، وقال الشافعي: هو فرض في الثانية.

قوله: (والتسليم) أي الواجب التاسع: إصابة لفظ السلام، لقوله عليه السلام:"وتحليلها التسليم".

ص: 103

قوله: (والقنوت) أي الواجب العاشر: قراءة القنوت في الوتر لما يجيء في الوتر، إن شاء الله تعالى.

قوله: (وتكبيرات العيدين) أي الواجب الحادي عشر: تكبيرات العيدين، لما يجيء في موضعه.

قوله: (وسننها) أي سنن الصلاة (ما سوى ذلك) مما ذكره من الأركان والواجبات.

قوله: (من أقوالها وأفعالها المطلوبة) أما أقوالها المطلوبة: فمثل: الثناء والتعوذ والتسمية والتأمين والتسميع والتحميد والتكبيرات التي تتخلل في الصلاة، وتسبيحات الركوع والسجود، والصلاة على النبي عليه السلام في القعدة الأخيرة، ونحو ذلك على ما يجيء مفصلاً إن شاء الله تعالى.

وأما أفعالها المطلوبة: فمثل رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، ووضع اليمين على الشمال، وإبداء ضبعيه، وتوجيه أصابع رجليه نحو القبلة، وغير ذلك على ما يجيء مفصلاً إن شاء الله تعالى.

قوله: (الشرط الأول: الوقت) أي الشرط من الشروط الستة: الوقت، قدم بيان الوقت: لأن الصلاة كتاب موقوت، فلا بد من بيانه أولاً، ثم قدم وقت الصبح: لأنه ما اختلف في أوله وآخره.

قوله: (ووقت الصبح من طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس) ثم الفجر فجران: كاذب: وهو الذي يبدأ طولاً ثم يعقبه ظلمة، فلا يخرج به وقت العشاء، ولا يحرم الأكل والجماع للصائم، وصادق: وهو البياض المعترض في الأفق، فيحرم به

ص: 104

السحور، ويدخل به وقت الفجر، وأول وقت الصبح: هو الفجر الثاني، وآخره: ما لم تطلع الشمس، بالإجماع.

قوله: (والظهر من زوالها) أي يدخل وقت الظهر من زوال الشمس عن كبد السماء، حتى يصير ظل كل شيء مثليه، سوى فيء الزوال عند أبي حنيفة رضي الله عنه، لإمامة جبريل عليه السلام للعصر في اليوم الثاني حين صار ظل كل شيء مثليه، وعندهما: حتى يصير ظل كل شيء مثله، لإمامته عليه السلام للعصر في اليوم الأول حين صار ظل كل شيء مثله، وهو قول زفر والشافعي.

صورة معرفة فيء الزوال: هي أن تغرز جريدة في حال استواء الشمس، وتخط على منتهى ظل الجريدة، فتنظر إليه، فإن كان ينقص: فالشمس لم تزل بعد، وإن أخذ في الزيادة: فقد زالت، وإن صار بحال لا يزيد ولا ينقص: فذلك فيء الزوال.

قوله: (وهو أول) أي آخر الظهر على الاختلاف (أول وقت العصر).

قوله: (وآخره غروبها) أي آخر وقت العصر: غروب الشمس، وقال الحسن بن زياد: آخر وقت العصر حين تصفر الشمس.

قوله: (وهو أول وقت المغرب) أي غروب الشمس: أول وقت صلاة المغرب، لما روى سلمة بن الأكوع:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب" رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

قوله: (وآخره) أي آخر وقت المغرب (غروب الشفق) لقوله عليه السلام: "وقت صلاة

ص: 105

المغرب ما لم يسقط ثور الشفق" رواه مسلم. وهو حجة على الشافعي في تقديره: بستر ووضوء وأذانين وخمس ركعات.

قوله: (الأبيض) صفة الشفق، وهو ما يكون بعد الحمرة، وهذا قول أبي حنيفة وزفر، لأنه من أثره، وهو قول أبي بكر الصديق، وأنس بن مالك، ومعاذ بن جبل، وعائشة، وأبي، وابن الزبير، وهو رواية عن ابن عباس رضي الله عنهم، وبه قال عمر ابن عبد العزيز،

ص: 106

واختاره المبرد وثعلب اللغويان.

وعندهما: الشفق هو الحمرة، وهي رواية أسد بن عمرو عن أبي حنيفة، وقول الشافعي.

وهو قول عبد الله بن عمر، وشداد بن أوس، وعبادة بن الصامت، رضي الله عنهم، وبه قال الزبيري والفراء والخليل.

ص: 107

قوله: (وهو أول وقت العشاء) أي غروب الشفق على الاختلاف: أول وقت العشاء، وآخره طلوع الفجر الصادق.

قوله: (ووقت الوتر وقت العشاء) وذكر في المختصر: وأول وقت الوتر بعد العشاء، قلت: المذكور فيه قولهما، وأما عند أبي حنيفة: وقته إذا غاب الشفق، إلا أنه مأمور بتقديم العشاء عليه للترتيب، كصلاة الوقت والفائتة، وهذا الاختلاف فرع اختلافهم في صفة الوتر.

قوله: (ويجب تأخيره عنها) أي تأخير الوتر على العشاء لما قلنا.

قوله: (ويستحب الإسفار بالفجر) لقوله عليه السلام: "أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر" رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

والمراد من الإسفار: التنوير لا الاصفرار، حتى أن التأخير إنما يستحب بحيث أن يقدر على صلاة بقراءة مسنونة وترتيل، وإعادتها وإعادة الوضوء قبل طلوع الشمس لو ظهر سهو.

قوله: (إلا للحاج بمزدلفة فالتغليس أفضل) لتدارك الوقوف بالمزدلفة قبل طلوع الشمس، وأصل الغلس: ظلام آخر الليل، ولكن المراد به: طلوع الفجر الثاني من غير تأخير قبل أن يزول الظلام وينتشر الضياء، كذا في الطلبة.

ص: 108

قوله: (والإبراد) أي يستحب الإبراد (بالظهر في الصيف) لحديث أنس رضي الله عنه أنه عليه السلام "إذا كان الحر أبرد بالصلاة وإذا كان البرد عجل بالصلاة" رواه النسائي والبخاري بمعناه.

وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا اشتد الحر فأبردوا بالظهر عن الصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم" رواه الترمذي.

قوله: (وتأخير العصر) أي يستحب تأخير صلاة العصر (ما لم يتغير قرص الشمس في الصيف والشتاء) لأنه عليه السلام "كان يؤخر العصر ما دامت الشمس بيضاء نقية" رواه أبو داود، وروى الدارقطني عن رافع بن خديج مثله، والعبرة لتغير القرص، لا لتغير الضوء كما قال النخعي والحاكم الشهيد، لأن ذا يحصل بعد الزوال، فمتى صار القرص بحيث لا تحار فيه العين: فقد تغير، وإلا فلا.

ص: 109

قوله: (وتعجيل المغرب) أي يستحب تعجيل صلاة المغرب (دائماً) يعني في الصيف والشتاء، والسفر والحضر جميعاً، لقوله عليه السلام:"لن تزال أمتي بخير ما لم يؤخروا المغرب إلى اشتباك النجوم" رواه أحمد وأبو داود.

فإن قلت: كيف وجه التمسك به؟ قلت: لما كان التأخير سبباً لزوال الخير، كان التعجيل سبباً لاستجلابه.

قوله: (وتأخير العشاء) أي يستحب تأخير العشاء (إلى ثلث الليل) لحديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخر العشاء حتى ذهب من الليل ما شاء الله، فقال عمر: يا رسول الله نام النساء والولدان، فخرج فقال:"لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يصلوا العشاء في هذه الساعة" رواه البخاري ومسلم.

قوله: (وفي يوم الغيم يعجل العصر والعشاء) أما العصر: فلئلا يقع في حال تغير الشمس، وأما العشاء فلئلا يؤدي إلى تقليل الجماعة على اعتبار المطر والطين.

قوله: (ويؤخر البواقي) وهي الفجر والظهر والمغرب، أما الفجر: فلأنه إذا عجل لأدى إلى تقليل الجماعة بسبب الظلمة، ولأنه لم يؤمن أن يقع قبل الصبح. وأما الظهر: فلئلا يقع قبل الزوال، وأما المغرب: فلئلا يقع قبل الغروب.

قوله: (ولا يجمع بين صلاتين في وقت) مثل ما يجمع الشافعي بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، لعذر السفر والمطر ولو في الحضر. ولا جمع عندنا إلا في موضعين: الأول: في عرفة، يصلي الإمام بالناس الظهر والعصر في وقت الظهر بأذان وإقامتين، حتى لا يجوز للمنفرد ذلك عند أبي حنيفة، خلافاً لهما، والثاني: في مزدلفة: يصلي الإمام بهم المغرب والعشاء في وقت العشاء بأذان وإقامة واحدة، وعند

ص: 110

الشافعي: بأذان وإقامتين، والدليل لنا في هذا الباب ما قال ابن مسعود رضي الله عنه:"والذي لا إله غيره ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة قط إلا لوقتها، إلا صلاتين جمع بين الظهر والعصر بعرفة وبين المغرب والعشاء بجمع" رواه البخاري ومسلم.

قوله: (ويستحب الوتر في آخر الليل) إن وثق بالانتباه، لقوله عليه السلام:"اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً" رواه البخاري ومسلم وغيرهما، وإن لم يثق بالانتباه: أوتر قبل النوم، لحديث جابر رضي الله عنه أنه عليه السلام قال:"أيكم خاف أن لا يقوم آخر الليل فليوتر ثم ليرقد" رواه مسلم وغيره.

قوله: (وقت الجمعة وقت الظهر) حتى يخرج وقتها بخروج وقت الظهر،

وعند مالك: لا يخرج إلى المغرب، وعند الحنابلة: يجوز قبل الزوال.

قوله: (ووقت صلاة العيدين من ارتفاع الشمس إلى زوالها) لأنه عليه السلام "كان يصلي العيد والشمس على قيد رمح أو رمحين".

ص: 111

قوله: (وأوقات الكراهية ثمانية) لما فرغ من الأوقات المستحبة شرع في بيان الأوقات المكروهة، وهي ثمانية على ما يفصل:

قوله: (ثلاثة) أي ثلاثة أوقات (تكره فيها كل صلاة وسجدة تلاوة وسجدة سهو، وهي: عند طلوع الشمس واستوائها وغروبها) لقول عقبة بن عامر: "ثلاث أوقات نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي فيها وأن نقبر فيها موتانا: عند طلوع الشمس حتى ترتفع، وعند زوالها حتى تزول، وحين تضيف للغروب حتى تغرب" رواه مسلم وغيره.

قوله: (إلا عصر يومه) لأنه أداه كما وجب، حتى لا يجوز عصر أمسه.

قوله: (ووقتان) أي وقتان من هذه الأوقات الثمانية (يكره فيهما التطوع، والصلاة المنذورة، وركعتا الطواف، وقضاء تطوع أفسده) يعني بعد الشروع، ولا يكره غير ذلك مثل: قضاء الفرائض الفائتة، والوتر الفائت، وصلاة الجنازة، وسجدة التلاوة.

(وهما: ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وما بعد العصر إلى الغروب) لقوله عليه السلام: "لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس" رواه البخاري ومسلم.

ص: 112

والنهي لمعنى في غير الوقت، وهو جعل الوقت كالمشغول فيه بفرض الوقت حكماً، وهو أفضل من النفل الحقيقي، فلا يظهر في حق فرض آخر مثله.

فإن قلت: فعلى هذا ينبغي أن لا تكره المنذورة، لأنها صارت فرضاً بالنذر كما هو مذهب أبي يوسف، قلت: إن ما التزمه بالنذر نفل، لأن النذر سبب موضوع لالتزام النفل.

قوله: (وثلاث أوقات) أي من الأوقات الثمانية (يكره فيها التطوع لا غير: الأول: بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب) لأن فيه تأخير المغرب، وهو مكروه (والثاني: وقت خطبة الجمعة) لقوله عليه السلام: "إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب فقد لغوت" رواه البخاري ومسلم.

ص: 113

فإذا كان الأمر بالمعروف مع كونه فرضاً: حراماً في هذه الحالة، فما ظنك بالنفل. (والثالث قبل صلاة العيد) لأنها لم تنقل.

قوله: (الثاني) أي الشرط الثاني: الطهارة، قوله:(طهارة المصلي ولباسه ومكانه: شرط) أما طهارة المصلي: فهي طهارة بدنه من الحدث والخبث، أما من الحدث: فلقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6]. وأما من الخبث: فلأن الصلاة مناجاة مع ربه، فيجب أن يكون على أحسن حال، وذا: في طهارته وطهارة ما يتصل به، وأما طهارة لباسه: فلقوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] وأما طهارة مكانه: فبالاقتضاء، لأنه إذا وجب في الثوب وجب في المكان بطريق الاقتضاء، لأنه ألزم للمصلي من الثوب، إذ لا وجود للمصلي بدونه.

قوله: (والنجاسة) يريد أن يبين النجاسة المائعة من المخففة والمغلظة، ويريد أن يبين المخففة ما هي، والمغلظة ما هي، فتقدير كلامه: النجاسة على نوعين: أحدهما (مخففة) وهي كبول الفرس وبول ما يؤكل لحمه، وعند محمد: طاهر، ومن المخففة: خرء ما لا يؤكل لحمه من الطيور عند أبي حنيفة، وعندهما: مغلظة، وقد مر بيانه في أول الكتاب.

ص: 114

قوله: (ومنع) أي (من المخففة قدر ربع العضو) وقد بيناه.

قوله: (لا ما دونه) أي لا يمنع ما دون الربع.

قوله: (ومغلظة) أي النوع الثاني من النجاسة: نجاسة مغلظة، وهي بقية النجاسات: كالعذرة والأرواث والأخثاء، وبول ما لا يؤكل لحمه.

قوله: (ووزن المثقال) وهو الدرهم المثقالي (عفو في ذات الجرم) وهو النجس المستجسد مع الكراهة، وما فوقه مانع من جواز الصلاة، وقال الشافعي: قليلها وكثيرها مانع من الصلاة مخففة كانت أو مغلظة، لإطلاق النص الموجب للتطهير. قلنا: التحرز عن القليل لا يمكن، فيجعل عفواً، وأما التعيين بعرض الكف في المانعة فلقول عمر: مثل ظفري هذا لا يمنع حتى يكون أكثر منه، وظفره كان قريباً من كفنا، وأما التقدير بالربع في الحقيقة: فلأن للربع حكم الكل.

قوله: (ومحل الاستنجاء خارج عن العفو) لأن محل الاستنجاء ساقطة العبرة، فبقي الاعتبار في المنع، والعفو بما وراءها.

قوله: (ورشاش البول) أي انتضاحه (مثل رءوس الإبر: عفو) لا يجب غسله، لأنه لا يمكن الاحتراز عنه، خصوصاً في مهب الرياح. قيل: قوله: (رءوس الإبر) يدل على أن الجانب الآخر من الإبر معتبر، وليس كذلك، بل لا يعتبر الجانبان، وعن أبي يوسف: إذا انتضح من البول شيء يرى أثره: لابد من غسله إن كان أكثر من قدر الدرهم.

قوله: (ولو صلى على بساط صغير في طرفه نجاسة: صح) هذا إذا لم تكن النجاسة في موضع قيامه، وكذا إذا لم تكن في موضع سجوده على الصحيح، وإن كانت في غير تلك المواضع: تجوز صغيراً كان البساط أو كبيراً، وهو المختار. وقيل: إن كان صغيراً: لا يجوز، وإن كان كبيراً بحيث لو رفع أحد طرفيه، لا يتحرك الطرف الآخر: جاز.

ص: 115

وذكر في الواقعات: إذا كان البساط بحال: يتحرك الطرف الذي عليه النجاسة بقيامه أو قعوده: لا تجوز صلاته، وإن كان بخلافه: يجوز. ولو كان البساط مبطناً، فأصابت النجاسة البطانة، فصلى على طهارته وهو قائم في ذلك الموضع: يجوز عند محمد. وعن أبي يوسف: أنه لا يجوز. وذكر في القدوري: رجل سجد على فراش وجهه طاهر، وفي باطنه نجاسة: جاز، بخلاف حشو الجبة، حيث يمنع تنجسه الجواز.

قوله: (ولو حمل المصلي نافجة مسك) النافجة معربة من العجم، وأصلها: نافة، وهي السرة، فصورته: إذا صلى رجل وهو حامل نافجة مسك (فلا تخلو النافجة: إما أن تكون بحيث لو أصابها الماء لا يفسدها) أي لا يغيرها إلى النتن والفساد (صحت صلاته مطلقاً) يعني سواء كانت النافجة من حيوان مذكى أو غير مذكى (وإن كانت يفسدها الماء: لا تصح صلاته) إلا إذا كانت من حيوان مذكى، لأن للتذكية أثراً في الطهارة. وذكر في شرح الكنز لفخر الدين الزيلعي رحمه الله:"الأصح أن النافجة طاهرة بكل حال".

قوله: (ومن لم يجد ما يزيل به النجاسة) كلماتها مقصورة غير ممدودة، ليتناول الماء وجميع المائعات الطاهرة.

قوله: (وربع ثوبه) أي والحال أن ربع ثوبه (طاهر) فقط. قوله: (صلى فيه) أي في ذلك الثوب الذي ربعها طاهر. قوله: (حتماً) أي على وجه الحتم أي الوجوب. قوله: (ولم يعد) أي ولا يعيد صلاته التي صلاها في ذلك الثوب بعد القدرة على الثوب الطاهر، لأنه أدى ما وجب عليه، فلا يطالب بالإعادة.

ص: 116

قوله: (وإن كان الطاهر أقل من الربع) أي وإن كان الطاهر من الثوب أقل من الربع (يخير بين الصلاة فيه قائماً بركوع وسجود، وبين الصلاة عارياً، قاعداً بإيماء) لأنه ابتلي ببليتين، فيخير، وهذا عندهما، وعند محمد وزفر: لزمه أن يصلي فيه بركوع وسجود.

قوله: (والأول أفضل) أي الصلاة فيه قائماً بركوع وسجود أفضل عندهما، كما هو الواجب عند محمد.

قوله: (الثالث) أي الشرط الثالث (ستر العورة) وقد مر الدليل فيه.

قوله: (عورة الرجل ما بين سرته إلى ركبته) هذا لفظ الحديث، ويروى:"عورة الرجل ما دون سرته حتى يجاوز ركبته" فتبين أن السرة ليست بعورة، والركبة عورة، وقال الشافعي: الركبة ليست بعورة، وأما السرة فكذلك ليست بعورة عنده على الصحيح، وما ذكره صاحب المنظومة من قوله: ثم منها السرة، ليس بمعتمد مذهبه.

قوله: (والحرة جميع بدنها وشعرها عورة) لقوله عليه السلام: "الحرة عورة مستورة" أي يجب سترها، وهي اسم للمجموع، فيتناول كلها، فإن قلت: الصيغة صيغة الإخبار حقيقة فكيف تأولها هكذا؟

قلت: نعم إخبار حقيقة لكنها غير مرادة، لأننا نشاهدها غير مستورة، فلو حمل

ص: 117

على حقيقته للزم الخلف في كلام الشارع، فحملنا على وجوب الستر، إذ الوجوب ملازم للإخبار، والوجوب مفضي إليه.

فإن قلت: ما ذكرت من النص فهو عام يتناول جميع بدنها على ما قلت، فبأي شيء خرج منه البعض، وهو وجهها وكفاها وقدماها؟

قلت: خرجت تلك الأشياء للضرورة، فإن المرأة لا تجد بداً من مناولة الأشياء بيدها، وتحتاج إلى كشف وجهها خصوصاً في الشهادة والمحاكمة والنكاح، وتضطر إلى المشي في الطرقات وظهور قدميها، لاسيما الفقيرات منهن، فلو جعلت هذه الأشياء عورة لحرجن، على أن هذا معنى قوله تعالى:{إِلَاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] أي إلا ما جرت العادة والجبلة على ظهوره.

ورأيت في بعض النسخ: (وعورة الحرة جميع بدنها وشعورها عورة)، والأول أصوب على ما لا يخفى على الفطن، وإنما أفرد الشعر بالذكر بقوله:(وشعرها) وإن كان داخلاً في قوله: (جميع بدنها) تنبيهاً على أن الأصح أن شعرها عورة فافهم.

قوله: (وعورة الأمة مثل عورة الرجل) لأنها محل الشهوة، فما كان عورة في حقه كان عورة في حقها بالطريق الأولى (وبطنها وظهرها عورة أيضاً) لأن النظر إليها سبب للفتنة، وما سوى ذلك ليس بعورة، والمكاتبة وأم الولد والمدبرة: كالأمة.

قوله: (والعورة الغليظة والخفيفة سواء) أي في حكم الانكشاف المانع وغير المانع. العورة الغليظة: هي القبل والدبر، والخفيفة: غيرهما من موضع العورة، وفائدة كونهما على السواء: يظهر فيما إذا انكشف قدر ربع العضو: تمنع، سواء كانت من الخفيفة أو الغليظة، وما دونه: لا يمنع فيهما، وهذا هو الصحيح، وذكر الكرخي: أنه يعتبر في الغليظة: قدر الدرهم، وفي الخفيفة: الربع، كما في نوعي النجاسة، وهذا ليس بقوي، لأنه قصد به التغليظ في العورة الغليظة، وهو في الخفيفة: تخفيف: لأنه اعتبر

ص: 118

في الدبر قدر الدرهم، والدبر لا يكون أكثر من قدر الدرهم، فهذا يقتضي جواز الصلاة وإن كان كل الدبر مكشوفاً، وهو تناقض.

قوله: (وما دون ربع العضو عفو) يعني إذا انكشف ما دون ربع العضو مما ذكرنا أنه عورة: لا يمنع جواز الصلاة، وإذا انكشف قدر الربع: يمنع، وإذا انكشف ربع ساقها: فكذلك يمنع،

وقال أبو يوسف: إن كان المكشوف أكثر من النصف: يمنع، وإن كان أقل منه: لا يمنع، وفي النصف عنه روايتان.

وأما الخصيتان: فقيل إنهما تبعان للذكر، فيعتبر الكل عضواً واحداً، والصحيح: أنه يعتبر كل واحد عضواً على حدة كما في الدية. ومذهب الشافعي: أن قليل الانكشاف وكثيره مانع.

قوله: (والساتر الرقيق الذي لا يمنع رؤية العورة لا يكفي) أي لا يكفي لجواز الصلاة، لعدم الستر الواجب عليه، هذا إذا وجد غيره، أما إذا لم يجد غير ذلك: فله أن يصلي فيه، لأنه لا يكون حاله أدنى من العاري، وصلاة العاري جائزة، فهذا أولى. وإذا صلى في ثوب واحد محلول الجيب، أشار في نوادر ابن شجاع: إلى أنه يجوز.

وسوى بين كث اللحية وخفيفها، فإنه ذكر عن أبي حنيفة وأبي يوسف: أنه لو نظر إلى عورته: لا تفسد صلاته، وهو الصحيح، ذكره في الغنية.

وقال القدوري: ذكر ابن شجاع: أنه إذا كان محلول الأزرار، وكان إذا نظر رأى

ص: 119

عورة نفسه من زيقه: لم يجز. قال في الواقعات: إنما لا تفسد صلاة المصلي إذا نظر إلى عورته، لأن العورة إنما تعتبر عورة في حق غيره دون نفسه.

قوله: (ومن فقد الساتر) أي ومن لم يجد ما يستر به عورته (صلى عرياناً قاعداً يومئ بالركوع والسجود) أو صلى قائماً بركوع وسجود، والأول أفضل، لأنه أستر، وقال الشافعي: يلزمه أداء الصلاة بإتمام أركانها، وبه قال زفر.

قوله: (الرابع) أي الشرط الرابع (استقبال القبلة) وقد مر الدليل فيه.

قوله: (وفرض عين الكعبة: للمكي) هذا بالإجماع، حتى لو صلى المكي في بيته ينبغي أن يصلي بحيث لو أزيلت الجدران يقع استقباله على شطر الكعبة، بخلاف الآفاقي.

قوله: (وجهتها) أي فرض جهة الكعبة (لغير المكي) لأنه ليس في وسعه إلا هذا، والتكليف بحسب الوسع، وقال الجرجاني:"فرض الغائب عنها: إصابة عينها كالمكي"، والأول أصح، وفائدة الخلاف تظهر في اشتراط نية عين الكعبة، فعنده: يشترط، وعند غيره: لا.

قوله: (ومن اشتبهت عليه القبلة) والاشتباه يكون بانطماس الأعلام وتراكم الظلام.

قوله: (لا يتحرى وعنده من يسأله) أي لا يتحرى والحال أن عنده من يسأله، لإمكان الوصول إليها بالاستخبار.

قوله: (ولا في الصحراء والسماء مصحية) أي ولا يتحرى أيضاً في الصحراء، والحال أن السماء مصحية غير متغيمة، لإمكان الوصول إلى القبلة بواسطة القمر والنجوم، بخلاف ما إذا كانت متغيمة.

ص: 120

قوله: (وإذا عدم الدلائل) وهي الشمس والقمر والنجوم (وعدم المخبر أيضاً في الصحراء: تحرى وصلى) لقوله تعالى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] أي قبلة الله، نزلت في الصلاة حال الاشتباه، والتحري: بذل المجهول في نيل المقصود.

قوله: (فلو تبين الخطأ فيها) أي في الصلاة (بنى على صلاته وأتمها) ولكن يستدير إلى القبلة، لأن أهل قباء لما بلغهم نسخ القبلة: استداروا في الصلاة كهيئتهم، واستحسنه النبي صلى الله عليه وسلم.

قوله: (ولو تبين) أي الخطأ (بعد الصلاة لا يعيد ما صلى) وقال الشافعي: يعيد إن استدبر، لأنه مأمور باستقبال القبلة، ولم يوجد. ولنا: ما تلونا.

قوله: (الخامس) أي الشرط الخامس (النية، وهي إرادة الصلاة بقلبه) وهي أن يعلم بقلبه أي صلاة يصلي، وأدناه: ما لو سئل: لأمكنه أن يجيب على البديهة، وإن لم يقدر على أن يجيب إلا بتأمل: لم تجز صلاته، وهذا هو الأصل، ولا عبرة للذكر باللسان، لأنه كلام لا نية، فإن فعله لتجتمع عزيمته عليه فهو حسن، وهو معنى قوله:(واللفظ سنة) أي القول باللفظ سنة.

قوله: (والمقتدي ينوي أصل الصلاة) بأن يعينها: كالظهر مثلاً، ولو نوى فرض الوقت: يجوز أيضاً، لأنه مشروع الوقت، والفائتة غير مشروع الوقت، فانصرف مطلق النية إليه، كنقد البلد، إلا في الجمعة، للاختلاف في فرض الوقت.

ولا يشترط أن ينوي أعداد الركعات، لأنه لما نوى الظهر فقد نوى عدد الركعات، ولو نوى الظهر خمساً، ثم سلم على رأس الأربع: جاز ظهره ولغت نيته. كذا في التتمة.

قوله: (ومتابعة الإمام) أي ينوي متابعة الإمام أيضاً، لأن الفساد يلحقه من إمام،

ص: 121

فلا بد من التزامه، صورته: أن يقول: نويت أن أصلي لله فرض الظهر تابعاً للإمام.

قوله: (أو الاقتداء به) أي أو ينوي الاقتداء بالإمام، مثل أن يقول: نويت أن أصلي لله فرض الظهر مقتدياً بالإمام.

قوله: (ونحو ذلك) مثل أن يقول: نويت أن أصلي لله فرض الظهر مأموماً، والأفضل للمقتدي أن يقول: أقتدي بمن هو إمامي، أو بهذا الإمام، ولو قال: مع هذا الإمام جاز، ولو اقتدى بالإمام ولم يخطر بباله أزيد هو أم عمرو: جاز، ولو اقتدى به وهو يظن أنه زيد فإذا هو عمرو: جاز، ولو نوى الاقتداء بزيد فإذا هو عمرو: لم يجز، لأنه نوى الاقتداء بغائب.

قوله: (والأحوط) أي الأفضل (مقارنة النية التكبير) لتتصل نيته بعبادته التي لا تصح إلا بها.

قوله: (فإن قدمها عليه) أي فإن قدم النية على التكبير (صح إن لم يبطل بقاطع) لأن النية المتقدمة على التكبير كالقائمة عند التكبير ما لم يوجد قاطع، وهو عمل لا يليق بالصلاة، مثل ما إذا نوى ثم اشتغل بالكلام أو الأكل أو الشرب أو نحوها.

وعن محمد: أن من توضأ يريد به صلاة الوقت، وعريت عنه النية عند الشروع: جازت صلاته.

وفي الرقيات: من خرج من منزله يريد الصلاة التي كان القوم فيها، فلما انتهى إلى القوم: كبر ولم تحضره النية: فهو داخل مع القوم، لأن النية وجدت، فتبقى حكماً حتى يأتي المبطل ولم يوجد. فإن قلت: ما حكم النية المتأخرة عن التكبير؟

ص: 122

قلت: لا معتبر بها في ظاهر الرواية، وقال الكرخي: تصح ما دام في الثناء، وقيل: تصح إذا تقدمت على الركوع.

قوله: (السادس) أي الشرط السادس (تكبيرة الإحرام) إنما سميت التكبيرة الأولى تكبيرة الإحرام لأنها تحرم الأشياء المباحة قبل الشروع، بخلاف سائر التكبيرات.

قوله: (ويصح الافتتاح) أي افتتاح الصلاة (بالتكبير) وهو الله أكبر، (والتهليل) وهو: لا إله إلا الله (والتسمية) وهي: بسم الله الرحمن الرحيم، (وبكل اسم من أسماء الله تعالى) نحو: الله أجل، أو الله أعظم، والرحمن أكبر، أو الرحيم أكبر، أو الحمد لله أو سبحان الله.

وهذا عند أبي حنيفة ومحمد لقوله تعالى: {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 15] نزلت في تكبيرة الافتتاح، فقد اعتبر مطلق الذكر، فيجوز بكل ما فيه ذكر.

وقال مالك: لا يجوز إلا بالله أكبر، وقال الشافعي: لا يجوز إلا به وبالله الأكبر، وقال أبو يوسف: إن كان يحسن التكبير لم يجز إلا بالله أكبر، الله أكبر، الله كبير، الله الكبير.

قوله: (وبقوله اللهم) أي يصح الافتتاح أيضاً بقوله: اللهم، هذا عند أهل البصرة، لأن معناه: يا الله، والميم المشددة بدل عن حرف الندا، فكان ثناءً خالصاً. ولا يصح عند أهل الكوفة لأن تقديره: يا الله أمنا بخير، أي أردنا واصرفه إلينا، فكان سؤالاً.

قوله: (لا باللهم اغفر لي) أي لا يصح الافتتاح باللهم اغفر لي، لأنه ليس بتعظيم خالص، إذ هو مشوب، لأنه سؤال وهو غير الذكر.

ولو قال: الله فقط، يصير شارعاً عندهما، لأنه تعظيم خالص.

ولو كبر بالفارسية: جاز عند أبي حنيفة مطلقاً، وقالا: لا يجوز إلا إذا لم يحسن العربية.

ص: 123

وكذا الخلاف: في القراءة والتشهد والخطبة يوم الجمعة بالفارسية، وفي الأذان يعتبر العرف، لتحصيل الإعلام.

قوله: (ولو أدرك الإمام راكعاً) أي لو أدرك المقتدي الإمام في الصلاة حال كون الإمام راكعاً (فكبر للركوع صار مفتتحاً) أي آتياً بتكبيرة الافتتاح وشارعاً في الصلاة.

ثم هل يأتي بالثناء؟ فإن كان أكبر رأيه على أنه لو أثنى يدركه في شيء من الركوع: يثني، وإلا فلا، ويتابع في الركوع.

وعن محمد بن سلمة عند الخوف: يثني في حال الركوع كتكبيرات العيدين. وإن أدرك الإمام في القيام، هل يأتي بالثناء؟ قال خواهر زادة: وإن أدركه في قيام مخافتة: يثني، وكذا إن أدركه في الأخريين من الجهرية، وإن أدركه في الأوليين منها قيل: يثني، وقيل: يستمع، وقيل: يثني حرفاً حرفاً عند سكتات الإمام.

قوله: (ولو كبر قبل الإمام) أي ولو كبر المقتدي قبل أن يكبر الإمام (ناوياً الاقتداء به: بطل شروعه مع الإمام أصلاً) لأن صحة شروعه مبنية على شروع الإمام، فإذا سبق إمامه بالتكبير: كان مخالفاً، فيبطل، ثم هل يصير شارعاً في صلاة نفسه؟ قيل: يصير شارعاً، وقيل: لا، وهو الأصح، وإليه أشار المصنف بقوله:(بطل أصلاً) يعني في حق الشروع مع الإمام، وفي حق الشروع في صلاة نفسه. فانظر كيف خرجت لك هذه الدقيقة الخفية، والمنة لملهم الصواب.

قوله: (والأفضل مقارنة الإمام في التكبير) هذا عند أبي حنيفة، وعندهما: يكبر بعد تكبيرة الإمام.

قيل: الاختلاف في الجواز، والأصح أنه في الأفضلية، فعنده: لا يدرك فضيلة تكبيرة الافتتاح ما لم يكبر معه، مقارناً تكبيره مع تكبير الإمام، كمقارنة الخاتم بالإصبع، وعندهما: لا يدركها ما لم يكبر عقيب تكبيره.

وقيل: ما لم يفرغ الإمام من الفاتحة: يدركها، وهذا لا يصح، قاله خواهر زادة.

ص: 124

قوله: (ويرفع يديه) هذا شروع في بيان أفعال الصلاة وأقوالها المطلوبة، يعني إذا أراد أن يشرع في الصلاة ينبغي أن يرفع يديه حتى يحاذي بإبهاميه شحمتي أذنيه، وأصابعه فروع أذنيه، لما روى البراء بن عازب قال:"كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كبر لافتتاح الصلاة رفع يديه حتى يكون إبهاماه قريباً من شحمة أذنيه" رواه الطحاوي في شرح الآثار.

وما رواه الشافعي من حديث أبي حميد أنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كبر رفع يديه إلى منكبيه" فمحمول على أنه كان للبرد.

ثم عند أبي حنيفة ومحمد: يقدم رفع اليد على التكبير، لأن الرفع إشارة إلى نفي الكبرياء عن غير الله تعالى، والتكبير إثباتها له، والنفي مقدم على الإثبات، وعند أبي يوسف: يقارن الرفع مع التكبير، لأن الرفع سنة التكبير فيقارنه، وبه قال الطحاوي.

قوله: (ولا يفرج أصابعه) أي عند رفع يديه عند تكبيرة الافتتاح، والتفريج: هو النشر.

قوله: (وكذا الرفع في القنوت) أي وكذا رفع اليدين محاذياً بإبهاميه شحمتي أذنيه: في القنوت وتكبيرات العبدين الزوائد، كما في افتتاح الصلاة.

قوله: (وترفع المرأة حذو منكبيها) لأن مبنى حالها على الستر، وهو أستر لها، وعند أبي حنيفة: أنها كالرجل.

ص: 125

قوله: (ولا يرفع يديه في غير تكبيرة الإحرام) وعند الشافعي: يرفع حالة الانحطاط للركوع وحالة القيام منه، لحديث ابن عمر:"أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع".

ولنا حديث جابر بن سمرة قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "مالي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس، اسكنوا في الصلاة" رواه مسلم.

وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "ألا أصلي بكم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، فصلى ولم يرفع يديه إلا في أول مرة" وقال الترمذي: حديث حسن.

وما رواه: كان ثم نسخ. وإذا رفع الحنفي يديه كالشافعي لا تفسد صلاته، نص عليه في الجامع. وذكر الصدر الشهيد في شرح الجامع الصغير: رواية مكحول عن أبي حنيفة: أنه تفسد الصلاة.

ص: 126

قوله: (والسنة قيام الإمام والقوم عند قول المؤذن حي على الصلاة) لأن قوله: حي على الصلاة أمر بالمسارعة إليها، ولا يحصل هذا إلا عند هذا، وقال زفر: إذا قال المؤذن أولاً: قد قامت الصلاة: قاموا، وإذا قال ثانياً: افتتحوا.

قوله: (ويكبر الإمام عند قوله) أي المؤذن (قد قامت الصلاة) هذا عندهما، وعند أبي يوسف: عقيب الفراغ من الإقامة.

قوله: (الأركان) لما فرغ عن بيان الشروط شرع في بيان الأركان، وهو مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف: أي هذه الأركان، ويجوز أن يكون مبتدأ، وقوله: القيام: خبره، وتكون الجملة خبراً عن المبتدأ الأول.

قوله: (أولها) أي أول الأركان (القيام) لقوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238].

قوله: (ولا يجوز تركه) أي ترك القيام (في الفرض والواجب بغير عذر) لأنه ركن، فلا يترك إلا عند عذر محقق، بخلاف النوافل، حيث يجوز ترك القيام فيها، لأن باب النفل أوسع.

قوله: (إلا في السفينة الجارية خاصة) صورة المسألة: صلى في السفينة قاعداً وهي جارية، وهو غير معذور، جاز عند أبي حنيفة مع الإساءة، لأن الغالب فيها دوران الرأس، والغالب بمنزلة الكائن.

ص: 127

وعندهما: لا يجوز، لأن القيام ركن فلا يسقط إلا بعذر متحقق، وبه قال الشافعي.

قيد بقوله: (الجارية) لأنها إذا كانت مربوطة إلى جانب الشط فإنها إن كانت ساكنة مستقرة: لا تجوز الصلاة فيها إلا قائماً بالاتفاق، وإن كانت مضطربة: لم تجز الصلاة فيها، لأنها تشبه الدابة.

قوله: (وإذا كبر) أي تكبيرة الافتتاح (وضع يمينه على يساره) لما روي أن ابن مسعود رضي الله عنه: "كان يصلي فوضع يده اليمنى على اليسرى" رواه أبو داود.

وعن قبيصة بن هلب عن أبيه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمنا فيأخذ شماله بيمينه" رواه الترمذي وقال: حديث حسن.

وصفة الوضع: أن يضع باطن كفه اليمنى على ظاهر كفه اليسرى، يحلق بالخنصر والإبهام على الرسغ.

قوله: (تحت سرته) وقال الشافعي: يضعهما على صدره، لقوله تعالى:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] أي ضع اليمين على الشمال فوق النحر، وهو الصدر، ولنا حديث علي رضي الله عنه:"إن من السنة وضع اليمين على الشمال تحت السرة"، ولأنه

ص: 128

أقرب إلى الخضوع. والجواب عن الآية: أنه أريد به نحر الجزور بعد صلاة العيد.

قوله: (والمرأة تضع يدها على صدرها) لأن حالها مبنية على الستر، والوضع على الصدر أستر لها.

قوله: (ثم يقول: سبحانك اللهم إلى آخره) لقوله تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} [الطور: 48] قيل: هو سبحانك اللهم. لما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة قال: سبحانك اللهم

" إلى آخره. رواه الجماعة.

وقال مالك: إذا كبر: شرع في القراءة، ولا يشتغل بالثناء والتعوذ والتسمية.

وقال الشافعي: يقول موضع الثناء:

"وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين".

ص: 129

وقال أبو يوسف: "يجمع بين الثناء، ووجهت، ثم إن شاء: قدم وجهت على الثناء، أو أخره" كذا في شرح الطحاوي، والأقطع. ومعنى قوله "سبحانك اللهم" أنزهك يا الله عما لا يليق لذاتك. ونصب سبحان: على المصدرية، وهو علم للتسبيح، كعثمان: علم للرجل، غير منصرف إلا عند الإضافة. ومعنى تبارك اسمك: أي تعاظم اسمك عن سمات المخلوقين، وتعالى جدك: أي عظمتك، وينبغي أن تمد لام تعالى. فإن قلت: وبحمدك معطوف على أي شيء؟ قلت: هذا عطف على محذوف، كأنه قال: سبحانك اللهم بجميع آلائك وبحمدك سبحانك. فافهم فإنه من خبايا الزوايا.

قوله: (الثاني) أي الركن الثاني (القراءة).

قوله: (ثم يتعوذ) عطف على قوله: (ثم يقول: سبحانك اللهم) أي يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، إن كان إماماً أو منفرداً، لقوله تعالى:{فَإِذَا قَرَاتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ} [النحل: 98]. فإن قلت: ظاهر الآية يقتضي أن يتعوذ بعد القراءة كما هو مذهب الظاهرية، قلت: ظاهره متروك، تقديره: إذا أردت قراءة القرآن، فأطلق اسم المسبب على السبب، كما يقال: إذا دخلت على الأمير فتأهب، أي إذا أردت الدخول.

فإن قلت: ينبغي أن يكون التعوذ واجباً لظاهر الأمر. قلت: نعم، إلا أن السلف أجمعوا على سنيته. والمختار: أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وهو اختيار حمزة. وقال صاحب الهداية: "والأولى أن يقول: أستعيذ بالله من الشيطان

ص: 130

الرجيم، ليوافق القرآن، ويقرب منه: أعوذ".

قوله: (ثم يسمي) أي يقول: بسم الله الرحمن الرحيم.

(ولا يجهرها) لما روي عن أنس أنه قال: "صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وخلف أبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحداً منهم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم" رواه مسلم.

وقال الشافعي: يجهرها عند الجهر بالقراءة.

وهي آية أنزلت للفصل بين السور، ليست من الفاتحة ولا من كل سورة.

وقال الشافعي: هي من الفاتحة قولاً واحداً، وكذا من غيرها على الصحيح.

ولنا ما روي عن ابن عباس رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف فصل السورة حتى ينزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم" رواه أبو داود والحاكم في المستدرك.

قوله: (ويقرأ الفاتحة إلى آخره) قراءة الفاتحة لم يتعين ركناً عندنا، وكذا ضم السورة إليها، وإنما الركن: قراءة القرآن مطلقاً، وقد بينا ذلك في الواجبات.

قوله: (وواجباتها) أي واجبات الصلاة، ما بينا في أول الفصل.

قوله: (وإذا قام الإمام: ولا الضالين، أمن هو) أي الإمام (والقوم جميعاً) لقوله عليه السلام: "إذا أمن الإمام فأمنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه"

ص: 131

رواه مسلم والبخاري وأبو داود ومالك في الموطأ والترمذي، وقال حديث حسن صحيح.

قوله: (سراً) يعني يسر الإمام والقوم بالتأمين سراً ولا يجهرونها، لحديث وائل: أنه عليه السلام قال: "آمين" خفض بها صوته. رواه أحمد وأبو داود والدارقطني، وقال الشافعي: يجهر بها عند الجهر بالقراءة. ومعناها: كذلك فليكن. وقيل: اللهم اسمع واستجب، وقيل: هي فارسية، يعني: همين، فقلبت الهاء همزة: كأراق وهراق، وهي بالمد والقصر، والتشديد: خطأ يفسد الصلاة. والفتوى: على أنه لا يفسد، تصحيحاً لصلاة العامة.

قوله: (والفاتحة وحدها) أي قراءة الفاتحة وحدها (في الركعتين الأخريين سنة) لقول أبي قتادة: "أنه عليه السلام قرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب وحدها" وعن أبي حنيفة

ص: 132

أنها واجبة، حتى يجب سجود السهو بتركها، والأول أصح.

قوله: (وإن سبح فيهما) أي في الركعتين الأخريين (جاز) لأن علياً وابن مسعود رضي الله عنهما ما كانا يسبحان فيهما (ولو سكت كره) لأنه ترك السنة.

قوله: (والقراءة واجبة في كل ركعات النفل) لأن كل ركعتين منه: صلاة، ألا يرى أنه لا يجب بالتحريمة فيه إلا ركعتان في ظاهر الرواية، ويستفتح على رأس الأخريين في الرباعية، وكذلك تجب القراءة في ركعات الوتر للاحتياط.

قوله: (ويجهر الإمام حتماً) أي وجوباً (في صلاة الفجر والركعتين الأوليين من المغرب والعشاء) وقد استوفيا الكلام فيه عند عد الواجبات.

قوله: (ويخير المنفرد) أي بين الجهر والإخفاء.

قوله: (ويخفيان) أي الإمام والمنفرد جميعاً (في الباقي) وهو الظهر والعصر والركعتان الأخيرتان من العشاء، والركعة الثالثة من المغرب على سبيل الوجوب.

قوله: (ويجهر) أي الإمام (في الجمعة والعيدين: للتوارث) وكذلك في التراويح والوتر.

قوله: (وفي النفل يخفي نهاراً) أي وفي صلاة النفل يخفي المصلي القراءة في النهار، لأن النوافل أتباع للفرائض.

قوله: (ويخير ليلاً) أي يخير في النفل في الليل: بأن شاء جهر، وإن شاء خافت، والجهر أفضل اعتباراً بالفرض في حق المنفرد.

قوله: (ويكره تخصيص سورة بصلاة) لما فيه من هجر الباقي، وفيه احتراز عن قول الشافعي، فإن عنده الفاتحة مخصوصة بالقراءة في الصلوات.

ص: 133

قوله: (إلا إذا كان أيسر عليه) مثل ما إذا كان عامياً فلم يتيسر عليه إلا سورة الإخلاص مثلاً، فإنه إذا خصصها لصلاته لا يكره، لأن التكليف بقدر الوسع.

قوله: (أو اتبع النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما إذا خصص سورة "الم السجدة" لصلاة الفجر إتباعاً للنبي عليه السلام، فإنه عليه السلام كان يقرأها في الفجر، ولكن بشرط أن يعتقد التسوية بينها وبين سائر القرآن، ولا يفضل بعضها على بعض، لأن كلام الله في الفضيلة سواء. ومعتقداً: حال من الضمير الذي في (اتبع) فافهم.

قوله: (ولا يقرأ المؤتم خلف الإمام) وقال مالك: يقرأ في السرية لا في الجهرية، وقال الشافعي: يقرأ الفاتحة في الكل، والأصح ما قلنا، لقوله تعالى:{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا} [الأعراف: 204] وأكثر أهل التفسير على أن هذا خطاب للمقتدين.

وقال أحمد: أجمع الناس على أن هذه الآية في الصلاة.

وفي حديث أبي هريرة وأبي موسى "وإذا قرأ فأنصتوا" قال مسلم: هذا الحديث

ص: 134

صحيح. وذكر في الكافي: "ومنع المقتدي عن القراءة مأثور عن ثمانين نفراً من كبار الصحابة منهم: المرتضى والعبادلة، وقد دون أهل الحديث أساميهم" ثم المقتدي إذا قرأ خلف الإمام في صلاة المخافتة قيل: لا يكره، وإليه مال الشيخ الإمام أبو حفص، وقيل: عند محمد لا يكره، وعندهما: يكره.

قوله: (الثالث) أي الركن الثالث (الركوع) لقوله تعالى: {ارْكَعُوا} .

قوله: (فإذا فرغ من اقراءة كبر وركع) أي كبر مع الركوع، لأن في الواو معنى المعية (وقال: سبحان ربي العظيم ثلاثاً) لما روي عن عقبة بن عامر أنه قال: "لما

ص: 135

نزلت: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اجعلوها في ركوعكم"، فلما نزلت:{سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} قال: "اجعلوها في سجودكم" رواه أبو داود. وعند أبي مطيع: هذا فرض.

قوله: (وهو أدنى الكمال) أي القول ثلاثاً: أدنى الفضيلة، وإن سبح مرة: كره، لأنه مخالفة لما في السنة.

قوله: (فإذا اطمأن راكعاً) أي حال كونه راكعاً (قال: سمع الله لمن حمده، لا غير) يعني لا يقول: ربنا لك الحمد، وهذا عند أبي حنيفة، وعندهما: يجمع بينهما كيلا يكون محرضاً غيره وناسياً نفسه فيستحق التوبيخ، قال تعالى:{لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2].

ص: 136

وله: قوله عليه السلام: "إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا لك الحمد" رواه البخاري ومسلم.

ومعنى سمع الله لمن حمده: أجاب الله، والهاء للسكتة لا للكناية، فلهذا تحريكه خطأ.

قوله: (ويقول المؤتم: ربنا لك الحمد) هذا وظيفة القوم عندنا، وعند الشافعي: يأتون بالتسميع أيضاً.

قوله: (والمنفرد يجمع بينهما) أي بين التحميد والتسميع. وصفة التحميد: ربنا لك الحمد، ربنا ولك الحمد، اللهم ربنا لك الحمد، وهو الأحسن، والكل منقول عن النبي صلى الله عليه وسلم. فهذه الواو زائدة، وقيل: عاطفة، تقديره: ربنا حمدناك ولك الحمد.

قوله: (الرابع) أي الركن الرابع (السجود) وهو وضع الجبهة على الأرض.

قوله: (فإذا اطمأن قائماً) أي من الركوع (كبر وسجد وقال: سبحان ربي الأعلى

ص: 137

ثلاثاً وذلك أدناه) ويستحب الزيادة بالإيتار، وهو: الخمس أو السبع، وإن كان إماماً: لا يزيد على وجه يمل القوم، لأنه يؤدي إلى تنفير الجماعة (ثم يرفع رأسه مكبراً) أي ثم يرفع رأسه من السجدة حال كونه مكبراً (ويقعد، فإذا اطمأن كبر وسجد ثانية كالأولى) والسجدتان كلتاهما فرض، حتى تفسد الصلاة بترك واحدة منها.

فإن قلت: ما الأصل في تكرار السجود دون الركوع؟

قلت: هذا أمر تعبدي عند الفقهاء، ولكن فيه حكمة، وهي أن الأولى: لامتثال الأمر، والثانية: لرغم إبليس، حيث لم يسجد استكباراً، وقيل: الأولى: لشكر الإيمان، والثانية: لبقائه، وقيل الأولى: إشارة إلى خلق الإنسان من التراب، والثانية: إشارة إلى أنه يعود إليه.

فرع: وضع القدمين على الأرض حالة السجود فرض، فإن وضع إحداهما دون الأخرى: يجوز ويكره، ذكره في التتمة. والسجود باليدين والركبتين ليس بواجب عندنا، خلافاً لزفر والشافعي.

قوله: (ويجوز السجود على كور عمامته وطرف ثوبه).

وقال الشافعي: لا يجوز.

ولنا: حديث أنس قال: "كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم في شدة الحر فإن لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه" رواه البخاري ومسلم.

ص: 138

وقال البخاري في صحيحه: قال الحسن: "كان القوم يسجدون، على العمامة والقلنسوة" ولو سجد على كفه وهي على الأرض: جاز على الأصح، ولو بسط كمه على النجاسة فسجد عليه: يجوز، وقيل: لا يجوز.

ولو سجد على فخذه من غير عذر: لا يجوز على المختار، وبعذر: يجوز على المختار. وعلى ركبتيه: لا يجوز في الوجهين.

ولو سجد على ظهر من هو في صلاته: يجوز، وعلى ظهر من يصلي صلاة أخرى، أو ليس في الصلاة: لا يجوز. والمستحب أن يسجد على التراب.

قوله: (والخامس) أي الركن الخامس (الانتقال من ركن إلى ركن) على ما بينا من أنه مثل الانتقال من القيام إلى الركوع، ومن الركوع إلى السجود، ومن السجدة إلى السجدة، ألا يرى أن رفع الرأس كيف يشترط ليتحقق الانتقال؟ حتى لو تحقق الانتقال بلا رفع الرأس بأن سجد على وسادة، فنزعت الوسادة من تحت رأسه، وسجد على الأرض: يجوز.

فعلم من ذلك أن الانتقال فرض، واشتراط رفع الرأس لأجله، لا لكونه فرضاً بنفسه.

قوله: (السادس) أي الركن السادس (القعدة الأخيرة قدر التشهد) وقد مر الكلام فيه مستوفى.

قوله: (وإذا قرأ التشهد يشير بمسبحته عند كلمة التوحيد) وهي قوله: أشهد أن لا إله إلا الله، لما قال محمد: أنه عليه السلام كان يشير، ونحن نصنع بصنعه عليه السلام. قال: وهو قول أبي حنيفة.

ص: 139

وإنما قال في الأصح: لأن كثيراً من المشايخ لا يرون الإشارة، وكرهها في منية المفتي، وقال في الفتاوى: لا إشارة في الصلاة إلا عند الشهادة في التشهد، وهو حسن.

قوله: (ولا يزيد في القعدة الأولى على قوله: أشهد أن محمداً عبده ورسوله) لأن الزيادة ما نقلت.

قوله: (ويزيد في الثانية) أي في القعدة الثانية (الصلاة على النبي عليه السلام قلت: سها المصنف في قوله: (في الثانية) لأنه لا يشتمل قعدة الصبح وتشهد المسافر في الرباعية، ولو قال:(ويزيد في الأخيرة) لكان أشمل، فافهم.

ثم اعلم أن الصلاة على النبي عليه السلام فرض في العمر مرة واحدة، أما فرضيتها فلقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ} [الأحزاب: 56] والأمر للوجوب.

وأما كونها مرة: فلأن الأمر لا يقتضي التكرار، وقال الطحاوي: يكرر كلما ذكر النبي عليه السلام. وأما في الصلاة: فهي سنة عندنا، وقال الشافعي: فرض.

قلنا: لو كان فرضاً لعلمها الأعرابي حين علمه فرائض الصلاة.

قوله: (وما شاء من الدعاء) أي يزيد في الثانية أيضاً ما شاء من الدعاء، والمراد منه الدعاء الذي يشبه القرآن أو السنة، نحو: اللهم اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين والمؤمنات.

ص: 140

وما ليس من القرآن: مفسد، كقوله: اللهم اغفر لزيد وعمرو، أو لعمي وخالي. ولو قال: اللهم ارزقني من بقلها وقثائها وفومها: لا تفسد، لأنه موجود في القرآن، ولو قال: اللهم ارزقني بقلاً وقثاءً وفوماً: تفسد: لأنه ليس من القرآن.

وهذا كله إذا لم يقعد قدر التشهد في آخر الصلاة، وأما إذا قعد: فصلاته تامة، ويخرج به من الصلاة.

قوله: (والسؤال) أي يزيد أيضاً من السؤال الذي لا يعطيه إلا الله، كالرحمة والمغفرة والرضا والجنة والاستعاذة من النار ومن الشيطان الرجيم، ولا يسأل بما لا يستحيل سؤاله من العباد، نحو: أعطني كذا، أو زوجني امرأة، وعند الشافعي: يجوز أن يدعو بما شاء مطلقاً ولنا قوله عليه السلام: "إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، وإنما هي التسبيح والتهليل وقراءة القرآن" رواه مسلم.

قوله: (ثم يسلم عن يمينه) أي بعد الفراغ عن التشهد والصلاة والدعاء: يسلم عن يمينه فيقول: السلام عليكم ورحمة الله، ثم يسلم عن يساره كذلك.

والسلام ليس بفرض عندنا، حتى يصح الخروج بغيره، وقال الشافعي: هو فرض لقوله عليه السلام: "تحريمها التكبير وتحليلها التسليم".

ولنا: ما روي عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قعد الإمام

ص: 141

في آخر صلاته، ثم أحدث قبل أن يتشهد تمت صلاته"، وفي رواية: "قبل أن يسلم"، وفي رواية: "قبل أن يتكلم" رواه أبو داود والترمذي والبيهقي.

وما رواه إن صح: لا يفيد الفرضية، لأنها ثبتت بخبر الواحد، وإنما يفيد الوجوب، وقد قلنا بوجوبه.

قوله: (وينوي بكل تسليمة من في تلك الجهة من الملائكة والحاضرين رجالاً ونساءً) لأن السلام قربة والأعمال بالنيات، والأصح أن لا ينوي النساء في زماننا ولا من لا شركة له في الصلاة. نص عليه في الهداية ولا ينوي الملائكة عدداً محصوراً لاختلاف الأخبار في عددهم.

فقال ابن عباس: مع كل مؤمن خمس من الحفظة: واحد عن يمينه يكتب الحسنات، وواحد عن يساره يكتب السيئات، وواحد أمامه يلقنه الخبرات، وواحد ورائه يدفع عنه الآفات، وواحد عند ناصيته يكتب ما يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويلقيه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.

وقيل: مع كل مؤمن ملكان، وقيل: ستون ملكاً، وقيل: مائة وستون، فصار كالأنبياء عليهم السلام، فإنه لا ينبغي أن يعين عدداً في إيمانهم، للاختلاف، فربما يؤمن بمن ليس نبي، أو لا يؤمن بمن هو نبي لو عين عدداً.

ص: 142

ثم المصنف قدم الملائكة على الحاضرين كما هو في المبسوط. وفي الجامع الصغير: عكسه، ولا يتعلق بذلك حكم، لأن الواو لا تقتضي الترتيب.

قوله: (والمأموم ينوي إمامه في أي جهة كان) فإن كان في يمينه: نواه في التسليمة الثانية، وإن كان في يساره: نواه في التسليمة الأولى، وإن كان بحذائه: نواه فيهما أي في التسليمتين.

ص: 143