الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
هذا الفصل في أحكام الجنايات
قوله: (إذا طيب المحرم عضواً: لزمه دم) أي شاة، وذلك مثل الرأس والفخذ والساق، لأن الجناية تتكامل بتكامل الارتفاق، وذلك في العضو الكامل، وكذا إذا أكل طيباً كثيراً عند أبي حنيفة، وقالا: صدقة.
قوله: (وإن كان أقل) أي من العضو (لزمه الصدقة لقصور الجناية).
[والمراد من الصدقة في هذا الباب جميعه: نصف صاع من بر أو صاع من تمر أو شعير، إلا ما يجب بقتل جرادة أو قمل، أو بإزالة شعرات قليلة من رأسه أو عضو آخر من أعضائه.
قوله: (وإن خضب رأسه بالحناء: لزمه دم) لأن الحناء طيب، لقوله عليه السلام:"الحناء طيب" رواه البيهقي.
قوله: (وإن لبد) أي وإن لبد (رأسه بالحناء: لزمه دمان، دم للتطيب ودم لتغطية الرأس) فظهر من هذا أن المراد من قوله: (خضب رأسه) هو أن يكون الحناء مائعاً.
قوله: (وإن ادهن بزيت) إلى قوله: (لزمه دم) أما إذا ادهن بزيت: فلأنه أصل الطيب، فيجب دم، هذا عند أبي حنيفة، وقالا: صدقة، وهذا الخلاف في الزيت البحت، والخل البحت: أي الخالص الذي لا يخالطه طيب.
أما المطيب بالبنفسج والزنبق والبان وما أشبه ذلك: يجب فيه الدم بالإجماع، وهذا إذا استعمله على وجه التطيب، أما لو داوى به جرحه أو شقوق رجليه: فلا شيء عليه بالإجماع.
وأما إذا لبس مخيطاً يوماً: فعند الشافعي: يجب الدم بنفس اللبس. ولنا: أن
الارتفاق الكامل به لا يحصل إلا بالدوام، لأن المقصود منه: دفع الحر والبرد، واليوم يشتمل عليهما، فقدرناه به، وكذلك الكلام في تغطية الرأس يوماً.
وأما إذا حلق ربع رأسه أو ربع لحيته: فلأن الربع يقوم مقام الكل، وأما إذا حلق كل رقبته: فلأنها عضو كامل يكمل الارتفاق بحلقه، وكذلك الإبطان أو أحدهما.
قوله: (وإن كان أقل) يعني إذا لبس أو غطى رأسه أقل من يوم، أو حلق أقل من ربع رأسه أو لحيته، أو حلق بعض رقبته أو بعض إبطه (لزمه صدقة لقصور الجناية).
قوله: (وإن قص من شاربه شيئاً: فعليه حكومة عدل) وتفسيره: أنه ينظر أن هذا المأخوذ: كم يكون من ربع اللحية؟ فيجب عليه بحسابه من الطعام، حتى إذا أخذ منه نصف ثمن اللحية: يجب عليه ربع الدم.
قوله: (وإن حلق موضع المحاجم، أو قص أظفاره في مجلس أو ربعها: لزمه دم).
أما إذا حلق موضع الحجامة: فعليه دم عند أبي حنيفة، لأنه حلق موجود لأمر مقصود وهو الحجامة، وقالا: عليه صدقة، والمحاجم جمع محجمة بكسر الميم وفتح الجيم: وهي قارورة الحجام، وأما المحجم، بفتح الميم والجيم: فهو اسم مكان، من الحجم، وجمعه محاجم أيضاً، والمراد ها هنا: الأول، ولا يلزم الخلل، على ما لا يخفى على الفطن والفهم.
وأما إذا قص أظافره في مجلس: فلأن إزالة ما ينمو من بدن الإنسان من محظورات الإحرام، وقد ارتكبه، فيجب عليه الدم، وأما إذا قص أربع أظافر فكذلك يجب دم، لأن الربع يقوم مقام الكل.
قوله: (وإن قص الكل) أي وإن قص جميع أظافره (في أربع مجالس: لزمه أربعة دماء) لاختلاف المجلس، فصار كاللبس المتفرق والتطيب المتفرق.
قوله: (وإن قص أقل من خمسة مجتمعة أو خمسة متفرقة: لزمه لكل ظفر صدقة) أما إذا قص أقل من خمسة مجتمعة: فلأنه لم يحصل له الارتفاق الكامل ولا الزينة، فلا يجب الدم.
وقال محمد: يجب عليه بحساب ذلك من الدم، وقال زفر والشافعي: إن قص ثلاثة: فعليه دم.
وأما إذا قص أقل من خمسة متفرقة من يديه ورجليه: فكذلك صدقة عندهما، وقال محمد: دم. ولا شيء بأخذ ظفر منكسر.
قوله: (وإن تطيب أو لبس أو حلق بعذر: تخير بين دم، وثلاثة أصوع من بر، يطعمها لستة مساكين، وصوم ثلاثة أيام) لما روي عن كعب بن عجرة أنه قال: "كان بي أذى من رأسي، فحملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي، فقال: "ما كنت أرى الجهد بلغ منك ما أرى، أتجد شاة؟ " قلت: لا، فنزلت الآية:{فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} قال: هو صوم ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين: نصف صاع لكل مسكين" متفق عليه.
وفسر النسك عليه السلام: بالشاة، فيما رواه أبو داود.
وكلمة (أو) للتخيير، والصوم يجزئه في أي مكان شاء، وكذا الصدقة عندنا، وأما النسك: فيختص بالحرم بالاتفاق.
قوله: (وإن قبل أو لمس بشهوة: لزمه دم) لأن فيه الاستمتاع بالنساء، وهو منهي عنه، فإذا أقدم عليه: فقد ارتكب المحرم، فيجب دم.
قوله: (وإن جامع قبل الوقوف بعرفة: فسد حجة بالإجماع) وعليه شاة عندنا، وعند الشافعي: بدنة، اعتباراً بما لو جامع بعد الوقوف.
ولنا: أن الجناية قبل الوقوف أكمل، لوجودها في مطلق الإحرام، فيكون جزاؤه أغلظ، وروي أن رجلاً جامع امرأته وهما محرمان فسألا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهما:"اقضيا نسككما وأهديا هدياً" الحديث رواه البيهقي، والهدي يتناول الشاة.
قوله: (ويتمه) أي يتم ذلك الحج الفاسد (ويقضيه من عام قابل) لما روي عن ابن عمر وعلي وابن مسعود أنهم قالوا: "يريقان دماً، ويمضيان في حجهما، وعليهما الحج من قابل".
قوله: (ولا يفارق امرأته في القضاء) لأن الافتراق ليس بنسك في الأداء فكذا في القضاء، لأن القضاء يحكي الأداء.
وقال زفر ومالك والشافعي: يفترقان فيه، فعند مالك: عند الخروج من المنزل، وعند الشافعي: عند المكان الذي جامعها فيه، وعند زفر: عند الإحرام.
قوله: (وإن جامع بعد الوقوف: لم يفسد حجه) خلافاً للشافعي، لقوله عليه السلام:
"من أدرك معنا هذه الصلاة، وأتى عرفات قبل ذلك ليلاً أو نهاراً، فقد تم حجه وقضى تفثه" رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، فبعد التمام لا يلحقه الفساد.
قوله: (ومن طاف طواف القدوم أو الصدر محدثاً: فعليه صدقة) لأنه دخله نقص بترك الطهارة، فيجبر بالصدقة.
قوله: (وإن طاف جنباً) أي وإن طاف طواف القدوم أو الصدر جنباً (فعليه شاة) لأنه نقص كثير.
قوله: (ومن طاف للزيارة محدثاً: فعليه شاة) لأن النقص الحاصل بالحدث يسير، فوجب جبره بالشاة، فصار كترك شوط منه.
قوله: (وإن طاف جنباً) أي وإن طاف طواف الزيارة جنباً (فعليه بدنة) كذا روي عن ابن عباس، ولأن الجناية أغلظ.
قوله: (ومن ترك من طواف الزيارة ثلاثة أشواط فما دونها) مثل شوطين أو شوط (فعليه شاة) لأن النقصان يسير فيجبر بالدم.
قوله: (وإن ترك أربعة) أي وإن ترك أربعة أشواط من طواف الزيارة (فهو محرم أبداً في حق النساء حتى يطوفه) لأن للأكثر حكم الكل، فصار كأنه لم يطف.
قوله: (ومن ترك من طواف الصدر ثلاثة أشواط: فعليه صدقة).
وهي نصف صاع من بر لكل شوط، ولا يجب فيه دم، بخلاف طواف الزيارة.
قوله: (وإن ترك أربعة) أي أربعة أشواط من طواف الصدر (فعليه دم) لأن طواف الصدر واجب، فتركه يوجب الدم، فكذا أكثره.
قوله: (ومن ترك السعي) أي السعي بين الصفا والمروة (وأفاض من عرفة قبل الإمام، أو ترك الوقوف بمزدلفة، أو ترك رمي كل الجمار، أو ترك رمي وظيفة يوم، أو ترك أكثرها) بأن ترك الجمرة الأولى والثانية، أو الثانية والثالثة، أو الأولى والثالثة (لزمه دم) لأن في ذلك ترك الواجب فيجبر بالدم.
قوله: (فإن كان أقل) أي فإن كان تركه من الرمي أقل (من وظيفة يوم) بأن ترك الجمرة الأولى، أو الوسطى، أو الأخيرة (لزمه صدقة) لكل حصاة نصف صاع من بر، أو صاع من تمر أو شعير.
قوله: (ومن أخر الحلق أو طواف الزيارة عن وقته وهو أيام النحر: لزمه دم) هذا عند أبي حنيفة، وقالا: لا شيء عليه فيهما.
وعلى هذا: الخلاف في تأخير الرمي، وفي تقديم نسك على نسك، كالحلق قبل الرمي، ونحر القارن قبل الرمي، والحلق قبل الذبح.
قوله: (وكذا الحلق في وقته خارج الحرم) المراد منه: أن يحلق في غير الحرم، في أيام النحر، وأما إذا خرجت أيام النحر فحلق في غير الحرم: فعليه دمان عند أبي حنيفة، وقال محمد: دم واحد في الحج والعمرة، وقال زفر: إن حلق للحج في أيام النحر فلا شيء عليه، وإن حلق بعده فعليه دم.