الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
هذا الفصل في بيان الجنايات على الصيد
قوله: (محرم قتل صيداً) الصيد: هو الحيوان الممتنع المتوحش بأصل الخلقة، وهو بري: إذا كان توالده وتناسله في البر، وبحري: إذا كان في الماء، ويحرم الأول على المحرم، دون الثاني لقوله تعالى:{لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 95]، وقوله تعالى:{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96].
قوله: (أو قتل سبعاً) أي أو قتل سبعاً (غير صائل) أي حامل، قيد به: لأنه إذا قتله لصولته أو حملته: لا يجب عليه شيء، خلافاً لزفر.
قوله: (عمداً أو سهواً) أي سواء قتله بطريق العمد والقصد أو السهو (وسواء كان في ذلك عايداً أو بادياً) المراد بالبادي: الذي قتل الصيد مرة، ومن العايد: الذي قتل مرة بعد مرة، لأن الموجب للضمان لا يختلف باختلاف هذه الأحوال.
قوله: (أو دل عليه) أي على صيد (من قتله) بأن قال: إن في مكان كذا صيداً، فقتله المدلول: يجب على الدال الجزاء، سواء كان المدلول محرماً أو حلالاً، وذلك لارتكابه محظور إحرامه، وقال الشافعي: لا شيء عليه.
قوله: (فعليه) أي فعلى المحرم المذكور (قيمة الصيد الذي قتله).
قوله: (بقول عدلين) حال من قيمته، أي عليه قيمة الصيد حال كونهما مقومة بقول عدلين، وهو أن يقوماه في مقتله أو أقرب موضع منه، ثم يخير فيها: بين الهدي إن بلغت قيمته هدياً، والطعام يتصدق به، على كل مسكين نصف صاع من بر أو صاعاً من تمر وشعير، والصيام يصوم عن كل نصف صاع يوماً، وهذا عندهما، وقال محمد والشافعي: يجب النظير فيما له نظير، ففي الظبي شاة، وفي الضبع: شاة، وفي
الأرنب: عناق، وفي اليربوع: جفرة، وفي النعامة بدنة، وفي حمار الوحش وبقر الوحش: بقرة، وفيما لا نظير له كالعصفور ونحوه: تجب القيمة.
قوله: (ولو عيب الصيد) بأن جرحه أو قطع عضوه أو نتف شعره (ضمن النقصان) اعتباراً للجزء بالكل في حقوق العباد، وكذلك لو قلع سنه أو ضرب عينه فابيضت.
قوله: (ولو أزال امتناعه ضمن كل القيمة) لأنه فوت عليه الأمن بنقص آلة الامتناع، فيغرم قيمته، وزوال الامتناع أعم من أن يكون بقطع القوائم ونتف الريش.
قوله: (ولو كسر بيض صيد ضمنه) أي ضمن قيمة البيض لأنه أصل للصيد.
قوله: (وضمن فرخه الميت إن خرج منه) أي من البيض، لأن البيض معد ليخرج منه فرخ، والتمسك بالأصل واجب حتى يظهر خلافه، وكسر البيض قبل وقته سبب لموت الفرخ، والظاهر أنه مات به فيجب، وكذا لو ضرب بطن ظبية فألقت جنيناً ميتاً ثم ماتت: يجب عليه قيمتهما، لأن الضرب سبب صالح لموتهما، بخلاف من ضرب بطن امرأة فألقت جنيناً ميتاً ثم ماتت: حيث يجب ضمان الأم ولا يجب ضمان الولد، غير الغرة في الحرة.
وفي الأمة: يجب قيمة الأم ونصف عشر قيمة الولد لو كان ذكراً، وعشر قيمته لو كان أنثى، لأن الجنين جزء من وجه، ونفس من وجه، فجزاء الصيد مبني على الاحتياط، فرجحنا فيه جانب النفس، فأوجبنا فيه ضمانهما، بخلاف حقوق العباد، فافهم.
قوله: (ولا شيء عليه) أي على المحرم (في قتل الغراب المؤذي) المراد منه: الغراب الأبقع الذي يأكل الجيف أو يخلط، وأما العقعق: فلا يحل قتله للمحرم،
والأصل فيه: أنه عليه السلام "أمر بقتل خمس فواسق في الحل والحرم: الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور" متفق عليه.
والمراد من الكلب العقور: الذئب، فعلى هذا: الكلب غير العقور لا يحل قتله، وعن أبي حنيفة: أن الكلب العقور وغير العقور والمستأنس منه والمستوحش: سواء.
وأما النمل والبراغيث والقراد والبق والذباب: فلأنها ليست بصيود، وإنما هن من الحشرات، وكذلك السلحفا والخنفسا، والمراد من النمل: السوداء والصفراء التي تؤذي بالعض، وما لا يؤذي: لا يحل قتلها، ولكن لا يضمن، لأنها ليست بصيد.
وفي المحيط: وليس في القنافذ والوزغ والزنبور والحلمة وصباح الليل والصرصر وأم حنين وابن عرس: شيء، لأنها من هوام الأرض، وليست بصيود.
قوله: (ومن قتل قملة أو جرادة: تصدق بكف من الطعام أو بالتمرة) لما روي: "أن أهل حمص أصابوا جراداً كثيراً في إحرامهم فجعلوا يتصدقون مكان كل جرادة بدرهم، فقال عمر رضي الله عنه: أرى دراهمكم كثيرة يا أهل حمص، تمرة خير من جرادة".
والتصدق بكف من الطعام: في الجراد، وفيما إذا قتل قملة أو قملتين، وأما إذا قتل كثيراً: أطعم نصف صاع من بر.
قوله: (ويجب الجزاء بأكل الصيد مضطراً) أي في حالة الاضطرار، لأن الإذن مقيد بالكفارة بالنص، وهو قوله تعالى:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَاسِهِ فَفِدْيَةٌ} [البقرة: 196] وجه التمسك: أن الحلق محظور الإحرام، وقد أذن له الشارع فيه حالة الضرورة مقيداً بالكفارة، وكذا قتل الصيد محظور الإحرام: يستباح لأجل الضرورة مقيداً بالكفارة.
قوله: (ويحل للمحرم ذبح غير الصيد) مثل الشاة والبقرة والبعير والدجاجة والبط الأهلي، لإجماع الأمة عليه.
قوله: (والحمام المسرول والظبي المستأنس: صيد) لأنهما صيد بأصل الخلقة، والاستئناس عارض، فلا يبطل الحكم الأصلي، بخلاف البعير الناد، حيث لا يكون صيداً في حق المحرم، ولكن يأخذ حكم الصيد في حق الذكاة.
قوله: (ويحل للمحرم لحم صيد اصطاده حلال، وذبحه بلا واسطة محرم) يعني إن لم يدل عليه ولم يأمره بصيده، وذلك: لأن أبا قتادة لم يصد الحمار الوحشي لنفسه خاصة، بل صاده لنفسه ولأصحابه وهم محرمون، فأباحه لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يحرمه عليهم بإرادته أنه لهم، هكذا قاله الطحاوي.
قوله: (وفي صيد المحرم إذا ذبحه الحلال: قيمته يتصدق بها لا غير) يعني لا يجزئه الصوم، لقوله عليه السلام:"إن الله حرم مكة لا يخلى خلاها، ولا يعضد شوكها، ولا ينفر صيدها"، فقال العباس: إلا الإذخر فإنه لقبورنا وبيوتنا، فقال عليه السلام:"إلا الإذخر" متفق عليه.
وإنما لم يجزه الصوم: لأنه غرامة وليس بكفارة، فأشبه غرامات الأموال.
قوله: (وكذا في حشيشه) أي وكذا تجب القيمة في حشيش الحرم (وشجره غير المملوك، والمنبت عادة وغير المنبت عادة ما لم يجف) لما روينا، أما التقييد بغير المملوك: فلأنه إذا كان في ملك إنسان: فعلى قاطعه قيمتان: قيمة حقاً للشرع، وقيمة لمالكه، وأما التقييد بغير المنبت عادة: فلأنه إذا كان منبتاً عادة مثل الحنطة والبقول والرياحين: فالضمان عليه لحق صاحبه لا لحق الحرم.
وأما الذي هو ليس بمنبت عادة كأم غيلان: فلا يخلو: إما أنبته منبت، أو نبت بنفسه، والنابت بنفسه لا يخلو أيضاً: إما أن نبت في ملك أحد، أو في غير ملك أحد.
أما الذي أنبته منبت: فلا ضمان فيه لحق الحرم، حيث ملكه بالإنبات فصار مما ينبته الناس عادة، وأما الذي نبت بنفسه وكان في ملك أحد: فعلى القاطع فيه ضمانان: ضمان لحق الحرم وضمان لحق صاحبه.
وأما الذي نبت بنفسه ولم يكن في ملك أحد: فعليه فيه ضمان واحد لحق الحرم، وأما التقييد بعدم الجفاف: فلأنه إذا قطع شجرة يابسة أو حشيشاً يابساً: لا شيء عليه، لأنه حطب.
قوله: (ولا يرعى حشيش الحرم) لما رويناه، وجوز أبو يوسف رعيه لمكان الحرج.
قوله: (ولا يقطع منه) أي من حشيش الحرم (غير الإذخر) لما روينا.
قوله: (ويحل قلع الكمأة) أي من الحرم، لأنها ليست من نبات الأرض، وإنما هي مودعة فيها، ولأنها لا تنمو ولا تبقى، فأشبهت اليابس من النباتات.
قوله: (وما يوجب على المفرد دماً، يوجب على القارن دمين: دماً لحجته ودماً لعمرته) وقال الشافعي: دم واحد، وهذه قاعدة مطردة إلا في مسألة واحدة، وهي مجاوزة القارن الميقات: فإن عليه دماً واحداً فيه، وقال زفر: عليه دمان.
قوله: (ولو قتل محرمان صيداً: فعلى كل واحد منهما جزاء) أي جزاء كامل، لأن كلاً منهما جان.
وقال الشافعي: جزاء واحد.
قوله: (ولو قتل حلالان صيد المحرم: فعليهما جزاء واحد) لأن الواجب فيه بدل المحل لا جزاء الفعل، وهو واحد.
قوله: (وبيع المحرم الصيد وشراءه: باطل) لأن بيعه حياً: تعرض للصيد، وبيعه بعد قتله: بيع ميتة، بخلاف ما إذا باع لبن الصيد، أو بيضه، أو الجراد، أو شجر الحرم، لأن هذه الأشياء لا يشترط فيها الذكاة، والله أعلم.