المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الزكاة وجه المقارنة بالصلاة قد مر في أول الكتاب. وهي - منحة السلوك في شرح تحفة الملوك

[بدر الدين العيني]

الفصل: ‌ ‌كتاب الزكاة وجه المقارنة بالصلاة قد مر في أول الكتاب. وهي

‌كتاب الزكاة

وجه المقارنة بالصلاة قد مر في أول الكتاب. وهي لغة: عبارة عن النماء، يقال: زكا الزرع: إذا نما، وقيل: عن الطهارة، قال الله تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى: 14]، أي تطهر.

وشرعاً: "إعطاء شقص من النصاب الحولي إلى فقير غير هاشمي ولا مولاه، بطريق التمليك، بشرط قطع المنفعة له من كل وجه لله تعالى".

قوله: (الزكاة تجب على كل حر بالغ عاقل مسلم).

أقول: معنى يجب: يفترض، لأن الوجوب مستعمل بمعنى الفرض توسعاً، واحترز بقوله:(حر) عن الرقيق، ومعتق البعض، وبقوله:(بالغ عاقل) عن الصبي والمجنون.

وقال الشافعي: يجب عليهما، لعموم النصوص.

قلنا: الأهلية معدومة فيهما، فصارت كالصلاة. وبقوله:(مسلم) احترز عن الكافر، لعدم أهليته لأداء العبادات.

قوله: (ملك نصاباً) صفة لقوله: (حر بالغ) لأنه بملك النصاب يصير غنياً، والزكاة إنما تجب على الغني.

قوله: (ملكاً تاماً) احتراز عن الملك الناقص، حيث لا يجب فيه الزكاة، كالبيع قبل القبض: لا زكاة فيه، وكالدية على العاقلة، والمهر إذا كان ديناً، وبدل الصلح عن دم العمد، وبدل الخلع.

ص: 217

قوله: (رقبة ويداً) أي من حيث الرقبة، ومن حيث اليد، وبه احترز عن المكاتب، فإنه وإن كان مالكاً لما في يده من حيث اليد، لكنه غير مالك من حيث الرقبة.

قوله: (وتم عليه) أي على النصاب (حول) لقوله عليه السلام: "ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول" رواه أبو داود.

قوله: (وجوباً) مفعول لقوله: (يجب).

قوله: (على الفور) وهو قول الكرخي وعامة أهل الحديث، وقيل: على التراخي، لأن جميع العمر وقت للأداء.

وفائدته: أنه هل يأثم بالتأخير؟ وهل ترد شهادته أم لا؟

قوله: (وكل دين لآدمي يمنع بقدره) أي يمنع الزكاة بقدر الدين، سواء كان الدين حالاً أو مؤجلاً، مثلاً: إذا كان له أربع مائة، وعليه دين مائتا درهم: فإنه يمنع زكاة المائتين، ولو كان له مائتان أو ثلثمائة: لا زكاة عليه أصلاً على هذا.

وقال الشافعي: ديون العباد لا تمنع الزكاة، كفرض الحج.

قلنا: إنه مشغول بحاجته، بخلاف الحج، لأنه لا مطالب له من العباد.

وإنما أطلق بقوله: (كل دين لآدمي) ليتناول جميع أنواع الديون مثل: دين استهلاك، ومهر ولو مؤجلاً، وعشر، وخراج، ونفقة قريب وزوجة قضيت بها، وإذا لم

ص: 218

يقض بها: لا يمنع، وكذلك دين الزكاة منع عندنا، خلافاً لزفر، وأما ديون النذور والكفارات: لا تمنع، لأنه ليس لها مطالب من جهة العباد.

قوله: (ومن مات وعليه زكاة أو صدقة فطر أو صوم نذر أو كفارة: سقطت) لأنها حق الله تعالى، ولا يؤخذ من تركته إلا إذا أوصى، فيؤخذ من الثلث، لأن تصرفه من الثلث لا غير.

وقال الشافعي: يؤخذ من تركته، أوصى بها أو لم يوص.

قوله: (ولا زكاة في غير الفضة والذهب والسوائم إلا بنية التجارة) وذلك كالعروض والأمتعة والسلع ونحوها، ولا زكاة فيها إلا بنية التجارة، لأنها مبادلة المال بالمال، والنية للتمييز والإخلاص، فلابد منها، بخلاف النقدين والسوائم.

قوله: (ولا زكاة في مال الضمار، وهو) أي الضمار (ما لا يقدر عليه بنفسه ولا بنائبه) مثل المال الضائع والساقط في البحر، والمدفون في المفازة، والعبد الآبق، والمغصوب، والدين المجحود، إذا لم يكن عليهما بينة، والمودع عند من لا يعرفه، والذي أخذه السلطان مصادرة. وقال زفر: يجب في الضمار: الزكاة، لإطلاق النصوص.

ولنا: قول علي رضي الله عنه: "لا زكاة في المال الضمار" موقوفاً ومرفوعاً. وفي المدفون في الأرض والكرم: اختلاف المشايخ.

قوله: (ولا تصح) أي الزكاة (إلا بنية مقارنة للأداء أو لعزلها) لأن النية لابد منها لأداء العبادات، فالزكاة تؤدى متفرقاً، فربما يحرج في النية عند أداء كل دفعة، فاكتفى بها عند العزل تسهيلاً وتيسيراً.

ص: 219

قوله: (إلا إذا تصدق بكل النصاب فإنه لا يحتاج حينئذ إلى النية) لأن الزكاة جزء من المال، وكان متعيناً فيه، فلم يحتج إلى التعيين.

وعند زفر والشافعي: لا تسقط.

قوله: (نصاب الفضة: مائتا درهم) لما فرغ عن بيان من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب، شرع في بيان نصب الأموال الزكوية، وقدم زكاة النقدين: لأغلبهما، وقدم الفضة على الذهب: لكثرتها بالنسبة إلى الذهب.

قوله: (وزن سبعة) أي العشرة من الدراهم تكون وزن سبعة مثاقيل في الزكاة، ونصاب السرقة وتقدير الديات والمهر.

وأصله: أن الدراهم كانت مختلفة في زمن عمر رضي الله عنه، وكانت على ثلاثة أصناف: صنف منها: كل عشرة: عشرة مثاقيل، كل درهم: عشرون قيراطاً، وصنف منها كل عشرة: ست مثاقيل، كل درهم: اثني عشر قيراطاً، وهو ثلاثة أخماس مثقال، وصنف منها: كل عشرة: خمسة مثاقيل، كل درهم: نصف مثقال، وهو عشرة قراريط.

وكان المثقال نوعاً واحداً، وهو عشرون قيراطاً، وكان عمر رضي الله عنه يطالب الناس في استيفاء الخراج بأكبر الدراهم، ويشق عليهم ذلك، فالتمسوا منه التخفيف، فشاور عمر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاجتمع رأيهم على أن يأخذ عمر من كل نوع ثلثه، فأخذ، فصار الدرهم بوزن أربعة عشر قيراطاً، فاستقر الأمر عليه في ديوان عمر رضي الله عنه.

وهذا لأن ثلث العشرين قيراطاً: ستة وثلثان، وثلث الاثني عشر: أربعة، وثلث العشرة: ثلاثة وثلث، فالمجموع: أربعة عشر قيراطاً، فيكون عشر دراهم مثل وزن سبعة مثاقيل، لأن سبعة مثاقيل: مائة وأربعون قيراطاً، فكذا عشرة دراهم: مائة وأربعون قيراطاً. وذكر في الغاية: أن دراهم مصر: أربعة وستون حبة، وهو أكبر من درهم الزكاة، فالنصاب: مائة وثمانون درهماً وحبتان.

ص: 220

قوله: (أغلبها فضة) اعتباراً للغالب، حتى لو كان الغش غالباً على الفضة: يكون في حكم العروض، ولم يعتبر القليل: للضرورة، لأن الفضة لا تنطبع إلا بقليل غش.

قوله: (وفيه خمسة دراهم) أي وفي مائتي درهم: خمسة دراهم لقوله عليه السلام: "هاتوا ربع العشور، من كل أربعين درهماً: درهم، وليس عليكم شيء حتى تتم مائتي درهم، فإذا كانت مائتي درهم: ففيها خمسة دراهم، فما زاد فعلى حساب ذلك" رواه أبو داود.

قوله: (ثم في كل أربعين درهماً: درهم، والناقص عفو) يعني إذا زاد على المائتين شيء: لا شيء فيه عند أبي حنيفة حتى يبلغ أربعين درهماً، فإذا بلغ أربعين درهماً: ففيه درهم، وتكون الجملة ستة دراهم: خمسة من المائتين، ودرهم في الأربعين، ولا شيء فيما دون الأربعين.

وقالا: ما زاد على المائتين فبحسابه، حتى إذا زادت عشرة على المائتين مثلاً: يعطي خمسة دراهم وربع درهم، وإذا زادت خمسة عشر: يعطي خمسة دراهم وربع درهم وثمن درهم، وإذا زادت عشرين: يعطي خمسة دراهم ونصف درهم، وعلى هذا لما مر من قوله صلى الله عليه وسلم:"فما زاد فعلى حساب ذلك".

وله: قوله عليه السلام: "لا تأخذوا من الكسور شيئاً" رواه أبو بكر الرازي في شرح مختصر الطحاوي.

ص: 221

قوله: (ونصاب الذهب: عشرون مثقالاً) لما روت عائشة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأخذ من كل عشرين ديناراً فصاعداً: نصف دينار، ومن الأربعين: ديناراً" رواه ابن ماجة.

والمثقال: ستة دوانق، وهو عشرون، قيراطاً، كل قيراط: خمس شعيرات.

قوله: (أغلبها ذهب) اعتباراً للغالب، وقد مر.

قوله: (وفيه) أي في عشرين مثقالاً (نصف مثقال) لما رويناه.

قوله: (ثم في كل أربعة مثاقيل: قيراطان) يعني إذا زاد على عشرين مثقالاً: لا شيء فيه عند أبي حنيفة على أن يبلغ أربعة مثاقيل، فإذا بلغ: ذلك ففيه قيراطان، والقيراطان من أربعة مثاقيل: ربع العشر، لأن عدد المثاقيل وهي أربعة، إذا ضرب في عدد قراريط المثقال وهو عشرون: يكون ثمانين، وعشر ثمانين: ثمانية، وربع الثمانية: اثنان، فيكون القيراطان: ربع عشر أربعة مثاقيل. فافهم. وقالا: ما زاد فبحسابه، وقد مر.

قوله: (والتبر والحلي والآنية: نصاب) يعني في وجوب الزكاة.

التبر: القطعة المأخوذة من المعدن.

وقال الشافعي: لا زكاة في حلي النساء، وخاتم الفضة للرجال.

ص: 222

ولنا: ما روي عن أم سلمة قالت: كنت ألبس أوضاحاً من ذهب، فقلت: يا رسول الله أكنز هو؟ قال: "ما بلغ أن تؤدي زكاته فزكي فليس بكنز" رواه أبو داود. والوضح: الحلي، وجمعه أوضاح.

وما رواه الشافعي من حديث جابر: أنه عليه السلام قال: "ليس في الحلي زكاة" فلا أصل له، رواه البيهقي.

قوله: (وما غلبه منهما) أي من الذهب والفضة (غش: فهو كعروض التجارة) فلا يزكى إلا بنية التجارة، ويقوم عند الزكاة إلى أن يخلص منه نصاب، فحينئذ لا يشترط فيهما نية التجارة ولا القيمة.

قوله: (ونصاب العروض: أن يبلغ قيمتها نصاباً، لأنه الأنفع للفقراء) وذلك لرعاية حق الفقراء.

وعن أبي يوسف: أن يقوم بما اشتري إذا كان الثمن من النقود، وإن اشتراها بغير النقود: يقومها بالغالب من النقود. وعن محمد: أنها تقوم بالنقد الغالب على كل حال، ويقوم بالمصر الذي هو فيه، وإن كان في مفازة: يقوم في المصر الذي يليه.

قوله: (وكمال النصاب في طرفي الحول كاف) صورته:

إذا كان النصاب كاملاً في ابتداء الحول وانتهائه، فنقصانه فيما بين ذلك لا يسقط الزكاة، لأن ما بين ذلك ليس بوقت الوجوب، ولا بوقت الانعقاد، فلم يعتبر كمال النصاب فيه، خلافاً لزفر.

قوله: (ويضم الذهب والفضة والعروض بعضها إلى بعض بالقيمة) أما نفس الضم:

ص: 223

فليس فيه خلاف عندنا، ولكن الخلاف في كيفية الضم، فعند أبي حنيفة: يضم الذهب إلى الفضة بالقيمة، وعندهما: بالأجزاء، حتى إذا كان النصف من أحدهما، والنصف من الآخر، أو الثلث من أحدهما، والثلثان من الآخر، أو الربع من أحدهما، وثلاثة الأرباع من الآخر: يضم بالاتفاق.

أما إذا كان من أحدهما النصف، ومن الآخر ربع تساوي قيمته النصف من الآخر: يضم عند أبي حنيفة، خلافاً لهما، فيؤدي الزكاة من أي النوعين شاء، أو يؤدي من الدراهم حصتها، ومن الدنانير حصتها.

وأما العروض: فعند أبي حنيفة: إن شاء قوم العروض، فيضم قيمتها إلى الذهب والفضة، وإن شاء قوم الذهب والفضة، فيضم القيمة إلى قيمة العروض، وعندهما: لا يضم الذهب والفضة بالقيمة، ولكن يقوم العروض فيضم باعتبار الأجزاء.

قوله: (ويضم ما دون الأربعين) أي من الدراهم (إلى ما دون أربعة مثاقيل من الدنانير) صورته:

إذا كان الفاضل على المائتين مثلاً: ثلاثين، وعلى عشرين مثقالاً: ثلاثة مثاقيل، يضم أحدهما إلى الآخر على الخلاف المذكور، فافهم.

قوله: (ونصاب الإبل في كل خمس شاة) إلى قوله: (إلى مائة وعشرين) لما روى البخاري في صحيحه مسنداً إلى ثمامة بن عبد الله بن أنس، أن أنساً حدثه أن أبا بكر رضي الله عنه كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين: "بسم الله الرحمن الرحيم: هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين، والتي أمر الله بها رسوله، فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها، ومن سئل فوقها فلا يعط: في أربع وعشرين من الإبل فما دونها: من الغنم، في كل خمس: شاة، إذا بلغت خمساً وعشرين إلى خمس وثلاثين: ففيها بنت مخاض أنثى، فإذا بلغت ستاً وثلاثين إلى خمس وأربعين: ففيها بنت لبون أنثى، فإذا بلغت ستاً وأربعين إلى ستين: ففيها حقة طروقة الجمل، فإذا بلغت واحدة

ص: 224

وستين إلى خمس وسبعين: ففيها جذعة، فإذا بلغت يعني ستاً وسبعين إلى تسعين: ففيها بنتا لبون، فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة: ففيها حقتان طروقتا الجمل، فإذا زادت على عشرين ومائة: ففي كل أربعين: بنت لبون، وفي كل خمسين حقة".

قوله: (ثم يبدأ كما مر إلى خمس وعشرين) اعلم أنه لا خلاف بين الفقهاء إلى مائة وعشرين، ولكن اختلفوا في الزيادة عليها، فقال أصحابنا: يستأنف الفريضة، فيكون في خمس: شاة مع الحقتين، وفي العشر: شاتان، هكذا إلى مائة وخمس وأربعين: ففيها حقتان وبنت مخاض، إلى مائة وخمسين: ففيها ثلاث حقاق، ثم يستأنف الفريضة هكذا، في كل خمس شاة، فإذا بلغت مائة وخمسة وسبعين: ففيها ثلاث حقاق وبنت مخاض، إلى مائة وستة وثمانين: ففيها ثلاث حقاق وبنت لبون، إلى مائة وستة وتسعين: فيجب فيها أربع حقاق، إلى مائتين، ثم يستأنف الفريضة أبداً مثل ما استؤنفت من مائة وخمسين إلى مائتين.

وقال الشافعي: إذا زادت على مائة وعشرين واحدة: ففيها ثلاث بنات لبون، وإذا صارت مائة وثلاثين: ففيها حقة وبنتا لبون، ثم يدور الحساب على الأربعينات والخمسينيات، فيجب في كل أربعين: بنت لبون، وفي كل خمسين: حقة، كما يدور في البقر على الثلاثينات والأربعينات.

ولنا: كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمرو بن حزم فكان فيه: "إذا بلغت إحدى وتسعين: ففيها حقتان، إلى أن يبلغ عشرين ومائة، فإذا كانت أكثر من ذلك، ففي كل خمسين: حقة، وفي كل أربعين: بنت لبون، فما فضل فإنه يعاد إلى أول فرائض الإبل، فما كان أقل من خمس وعشرين: ففيه الغنم، في كل خمس ذود: شاة" رواه أبو داود والطحاوي، وقال

ص: 225

أبو الفرج: قال أحمد بن حنبل: حديث ابن حزم في الصدقات صحيح.

وما تمسك به الشافعي: بما روي في البخاري: "فإذا زادت على عشرين ومائة، ففي كل أربعين: بنت لبون، وفي كل خمسين: حقة" فجوابه: أنا نعمل به أيضاً، ألا ترى أن في تسعين ومائة: يجب ثلاث حقاق وبنت لبون، وكذا في المائتين: أربع حقاق عندنا؟ فيحمل حديث الخصم عليه، لأن ظاهره يدل على زيادة فيها: أربعون، وفيها خمسون، ولكن تخلل الغنم بحديث عمروا بن حزم.

قوله: (والبخت والعراب سواء) لأن اسم الإبل يتناولهما. والبخت: جمع بختي، وهو منسوب إلى بخت نصر، والعراب: جمع عربي، والأناسي: عرب.

قوله: (ونصاب البقر ثلاثون، وفيه: تبيع إلى أربعين، ثم مسنة) لما روي عن معاذ ابن جبل: "أنه عليه السلام بعثه إلى اليمن وأمره أن يأخذ من كل ثلاثين بقرة: تبيعاً أو تبيعة ومن كل أربعين: مسنة" رواه الترمذي.

قوله: (وما زاد بحسابه) أي وما زاد على الأربعين: يعتبر بحسابه، مثلاً: في الواحدة الزائدة: ربع عشر مسنة، أو ثلثي عشر التبيع، وفي التثنتين: نصف عشر مسنة،

ص: 226

أو ثلثي عشر تبيع، وفي الثلاثة: ثلاثة أرباع عشر مسنة، أو عشر تبيع، وهذا عند أبي حنيفة في رواية الأصل، وفي رواية الحسن: أنه لا يجب في الزيادة شيء إلى أن يبلغ خمسين، ثم فيها: مسنة وربع مسنة أو ثلث تبيع.

وقالا: لا شيء في الزيادة حتى يبلغ ستين، وهو رواية عن أبي حنيفة.

قوله: (ثم تبيعان) أي في ستين: تبيعان (إلى سبعين ففيها: مسنة وتبيع، إلى ثمانين ففيها: مسنتان، إلى تسعين ففيها: ثلاثة أتبعة، إلى مائة ففيها: تبيعان ومسنة).

قوله: (وهكذا أبداً) أي وهكذا يتغير الفرض من التبيع إلى المسنة، ومن المسنة إلى التبيع، فليتدبر، فإنه ظاهر على الفطن الذكي.

قوله: (والجواميس والبقر سواء) لأنها نوع منه، فتتناولهما النصوص الواردة باسم البقر.

بخلاف ما إذا حلف لا يأكل لحم البقر، حيث لا يحنث بأكل الجاموس، لأن مبنى الأيمان على العرف، وفي العادة أوهام الناس لا يسبق إليه.

قوله: (ونصاب الغنم أربعون) إلى آخره، ملا روى البخاري في صحيحه: في كتاب أبي بكر لأنس: "وفي صدقة الغنم في سائمتها: إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة: شاة، فإذا زادت على عشرين ومائة إلى مائتين: شاتان، فإذا زادت على مائتين إلى ثلاثمائة: ففيها ثلاث شياه، فإذا زادت على ثلاثمائة: ففي كل مائة: شاة".

قوله: (والضأن والمعز سواء) لأن النص ورد باسم الشاة والغنم، وهو شامل لها، فكانا جنساً واحداً، فيكمل نصاب أحدهما بالآخر.

قوله: (ويؤخذ الثني منهما) أي من الضأن والمعز، وهو ما تمت له سنة (ولا يؤخذ الجذع) وهو ما أتى عليه أكثرها.

وروى الحسن عن أبي حنيفة: أنه يجوز الجذع من الضأن، وهو قولهما وقول الشافعي.

قوله: (وما ينتج بين ظبي وشاة، أو بقرة وحشية أو أهلية: يعتبر أمه) حتى إذا نزى

ص: 227

ظبي على شاة، أو بقرة وحشية على أهلية، فولدت شاة وبقرة: تلحق بأمها، حتى يجوز التضحية بها، ويكمل بها النصاب ونحوهما، وبالعكس: لا.

قوله: (ونصاب الخيل اثنان: ذكراً وأنثى) هذا التقدير على قول أبي حنيفة، وقيل: ثلاثة، وعن الطحاوي: خمس، والأصح: أن لا تقدير، لعدم النقل به.

قوله: (وفيه ديناران) أي أن الواجب في نصاب الخيل وهو اثنان: ذكر وأنثى: ديناران، يعطي عن كل فرس: ديناراً، أو يقومها، ويعطي عن كل مائتي درهم: خمس دراهم.

وقال أبو يوسف ومحمد: لا زكاة في الخيل أصلاً إذا لم تكن للتجارة، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ليس على المسلم صدقة في عبيده ولا في فرسه" رواه البخاري ومسلم وابن ماجة وغيرهم. ولأبي حنيفة: ما روى جابر عن النبي عليه السلام أنه قال: "في كل فرس سائمة: دينار، وليس في الرابطة شيء" رواه الدارقطني وأبو بكر الرازي في شرحه لمختصر الطحاوي. والجواب عما روى البخاري: أن المراد من الفرس: فرس الغازي.

قوله: (ولا يجب شيء في ذكور أو إناث محضة) فالمشهور عن أبي حنيفة: أنه لا يجب فيها شيء، وروي عنه: أنه يجب فيها أيضاً وإن كانت إناثاً محضة، فلذلك فيه روايتان. وإن كانت علوفة أو سائمة للحمل والركوب والجهاد: فلا يجب الزكاة فيها. وإن كانت للتجارة: يجب فيها الزكاة، وسواء كانت تعلف في المصر أو تسام في البراري، كذا في التحفة.

قوله: (ولا في البغال) أي ولا تجب الزكاة أيضاً في البغال والحمير بالإجماع، لقوله عليه السلام:"ليس في الجبهة ولا في الكسعة ولا في النخعة: صدقة".

ص: 228

الجبهة: الخيل، والكسعة: الحمير، والنخعة: البقر العوامل.

قوله: (ولا في الصغار الأتبعاء للكبيرة) صورته:

إذا اشترى أربعين من الحملان، أو ثلاثين من العجاجيل، أو خمسة وعشرين من الفصلان، فهل ينعقد الحول عليها؟

فعندهما: لا ينعقد، وعند أبي يوسف: ينعقد، حتى لو حال الحول من حين ملكه: يجب فيها الزكاة.

وأما إذا كانت كبيرة معها: ينعقد عليها الحول بالاتفاق، فتجب الزكاة عند تمام حولان الحول، ثم إذا أخذ الساعي منها: يأخذ الصغير عندنا، وقال زفر: يأخذ منها ما يأخذ في المسان.

قوله: (وليس في العلوفة ولا في الحوامل والعوامل السائمة: زكاة) العلوفة بفتح العين: ما يعلف من الغنم وغيرها، الواحد والجمع سواء، والحوامل جمع حاملة، والعوامل جمع عاملة.

وقال مالك: يجب فيها الزكاة.

ولنا: ما روي عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس في العوامل صدقة" قال أبو الحسن القطان: إسناده صحيح. وعن جابر أنه عليه السلام قال: "ليس في المثيرة صدقة" رواه الدارقطني.

ص: 229

قوله: (والسائمة: الراعية أكثر الحول لا للركوب والعمل) هذا تفسير السائمة، وهي من سامت الماشية سوماً: أي رعت.

قيد بقوله: (الراعية أكثر الحول) لأنه لو علفها نصف حول: لا تكون سائمة حتى لا يجب فيها الزكاة.

وقيد بقوله: (لا للركوب والعمل) لأنه إذا كانت للركوب أو العمل: لا زكاة فيها.

قوله: (وبنت مخاض: ما دخل في السنة الثانية) أي بنت مخاض: ما تمت له سنة ودخل في السنة الثانية، وإنما سميت بها: لأن أمها حملت بعدها وهي ماخض، يقال: مخضت الحامل مخضاً: أي أخذها وجع الولادة.

قوله: (وبنت لبون: في الثالثة) أي بنت لبون: ما تمت له سنتان، ودخل في السنة الثالثة، سميت بها: لأن أمها حملت قبلها وولدت وهي ذات لبن.

قوله: (والحقة: في الرابعة) أي الحقة: ما تمت له ثلاث سنين ودخل في السنة الرابعة، سميت بها: لأنها استحقت أن يحمل عليها.

قوله: (والجذعة: في الخامسة) أي الجذعة: ما تمت له أربع سنين ودخل في السنة الخامسة، سميت بها: لأنها أطاقت الجذع، يقال جذع الدابة: أي حبسها على غير علف.

قوله: (والتبيع: في الثانية) أي التبيع: ما تمت له سنة ودخل في السنة الثانية، سمي بذلك: لأنه يتبع أمه.

قوله: (والمسنة: في الثالثة) أيا لمسنة: ما تمت لها سنتان ودخلت في السنة الثالثة.

قوله: (وثني الغنم: ما بلغ سنة، وجذعها: ما بلغ أكثرها) أي جذع الغنم: ما بلغ أكثر السنة. والجذع من البقر: ابن سنة، والثني: ابن سنتين، والجذع من الإبل: ابن أربع سنين، والثني: ابن خمسة.

قوله: (ومن وجب عليه السن) أي ذات سن (وصاحبه لا يملكه: أعطى أعلى منه وأخذ الزائد برضا الساعي) يعني: لا يجبر الساعي على القبول، لأن فيه شراء الزيادة، ولا إجبار فيه.

ص: 230

قوله: (أو أعطى أسفل منه مع الزائد مطلقاً) يعني سواء رضي الساعي أو لم يرض، حتى إذا لم يرض: يجبر على القبول.

قوله: (ويجوز دفع القيمة في الزكاة والفطر والكفارة والعشر والخراج والنذر) وقال الشافعي: لا يجوز قياساً على الهدي والأضحية.

ولنا: ما روى البخاري من حديث ثمامة: أن أنساً حدثه: أن أبا بكر كتب له الفريضة التي أمر الله ورسوله: "من بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقة: فإنها تقبل منه الحقة .. " الحديث.

قوله: (والواجب أخذ الوسط من النصاب) حتى لو وجب عليه بنت لبون مثلاً: لا يؤخذ منه خيار بنت لبون في ماله، ولا أردأ بنت لبون فيه، وإنما يؤخذ بنت لبون وسط، وكذا غيرها، لقوله عليه السلام:"إياكم وكرائم أموالهم" رواه الجماعة.

قوله: (ومطلق المستفاد يضم في الحول) اعلم أن الفائدة على ضربين: ما يكون من جنس الأصل، وما يكون من غير جنس الأصل، والثاني لا يضم إلى الأصل بالاتفاق، بل يستأنف له حول آخر، كما إذا كانت له إبل، فاستفاد بقراً أو غنماً في أثناء الحول.

والأول لا يخلو: إما أن يكون حاصلاً بسبب الأصل: كالأولاد والأرباح: وذاك

ص: 231

يضم بالإجماع. وإن كان حاصلاً بسبب مقصود في نفسه كالموروث والمشتري والموهوب: يضم عندنا. خلافاً للشافعي. والمراد من الضم: أن تجب الزكاة في الفائدة عند تمام الحول على الأصل.

قوله: (وغيرهما) أي غير الربح والولد (يضم إلى أقرب جنسه حولاً) صورته: إذا كان له نصاب من الفضة، ونصاب آخر من عروض التجارة، ثم وهب له دراهم: يضم الدراهم إلى الفضة إن كان نصاب الفضة أقرب إلى تمام الحول، ويضم إلى نصاب العروض إن كان أقرب إلى الحول.

قوله: (والزكاة واجبة في النصاب دون العفو) هذا عندهما، وعند محمد وزفر: يجب فيما.

قوله: (فلا يسقط شيء بهلاك العفو) فائدة الخلاف المذكور، فلهذا أتى بالفاء، ي لا يسقط شيء من الزكاة إذا بقي النصاب وهلك العفو، صورته:

إذا كان له تسع من الإبل مثلاً، فحال عليها الحول، فهلك منها أربعة التي هي عفو: تسقط أربعة أتساع شاة عند محمد، ولو كان له مائة وعشرون شاة، فحال عليها الحول، فهلك منها ثمانون: سقط عند محمد ثلثا شاة وبقي الثلث.

وعندهما: لا يسقط شيء من الفصلين جميعاً.

قوله: (ولو هلك النصاب بعد وجوب الزكاة: سقطت) وقال الشافعي: إذا هلكت الأموال الباطنة بعد الوجوب وبعد التمكن من الأداء: لا يسقط.

ولنا: أن المال محل الزكاة، فيفوت بفوات المحل.

قوله: (ولو هلك بعضه) أي بعض النصاب (سقط بقدره) مثل ما إذا هلك مائة، وبقي مائة: يجب عليه زكاة المائة، وعلى هذا قوله:(ولو أهلك المالك: ضمن التعدي).

ص: 232

قوله: (ولو هلك بعد طلب الساعي فقولان: في قول مشايخ ما وراء النهر: لا يضمن) وهو اختيار أبي طاهر الدباس وأبي سهل الزجاجي، وهو الصحيح (وفي قول العراقيين: يضمن) وهو اختيار الكرخي.

قوله: (ويصح التعجيل لسنتين، أو لنصب أيضاً بعد ما ملك النصاب) وقال مالك: لا يصح.

ولنا: أنه عليه السلام:"استسلف من عباس زكاة عامين" رواه الشيخ أبو الحسين القدوري.

وروي أن العباس: "سأل رسول الله صلى الله عليه سولم في تعجيل صدقته قبل أن تحل،

ص: 233

فرخص له في ذلك" رواه ابن ماجة. ومعنى قوله: (أو لنصب) أن يكون عنده نصاب، فيقدم زكاة نصب كثيرة ليست في ملكه بعدك فإنه يجوز، خلافاً لزفر.

قوله: (المعدن والركاز) أي هذا بيان أحكام المعدن والركاز.

والمعدن: اسم لمال خلقه الله تعالى في الأرض يوم خلقها.

والكنز: اسم لمال دفنه بنو آدم. والركاز: اسم لهما جميعاً، فقد يذكر ويراد به المعدن، وقد يذكر ويراد به الكنز.

قوله: (ومن وجد معدناً من جوهر ذائب) كالذهب والفضة والنحاس والرصاص ونحوها (في أرض مباحة: ففيه الخمس) وقال الشافعي: لا شيء فيه، لأنه مباح سبقت يده إليه، إلا إذا كان ذهباً أو فضة: فإنه يجب فيه الزكاة إذا بلغ نصاباً، من غير اشتراط الحول.

ولنا: قوله عليه السلام: "العجماء جبار والبئر جبار والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس" رواه البخاري وغيره.

وعن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "في الركاز الخمس"، قيل: وما الركاز يا رسول الله؟ قال: "الذهب الذي خلقه الله تعالى في الأرض يوم خلقت" رواه البيهقي.

قوله: (والباقي له) أي أربعة أخماسه للواجد.

ص: 234

قوله: (ولو وجد) أي ولو وجد المعدن (في داره: فلا شيء فيه).

هذا عند أبي حنيفة، وعندهما: فيه أيضاً، لإطلاق الحديث، وله: أنه مالك الدار بجميع أجزائها، والمعدن من أجزائها، ولا مؤنة في سائر أجزائها، فكذا في هذا الجزء.

قوله: (بخلاف الكنز) يعني إذا وجد كنزاً في داره ففيه الخمس بالاتفاق، لأنه ليس من أجزاء الأرض، لأنه ليس بمركب فيها.

قوله: (ولو وجد في أرضه) أي ولو وجد المعدن في أرضه (فروايتان) عن أبي حنيفة، على رواية الأصل: لا شيء فيه، وعلى رواية الجامع الصغير: فيه الخمس.

قوله: (ومن وجد كنزاً: ففيه الخمس) هذا بالاتفاق، لقوله عليه السلام:"وفي الركاز الخمس".

قوله: (ولو كان متاعاً) أي ولو كان الكنز متاعاً من الأثاث والسلاح وأثاث المنازل ونحوها.

قوله: (والباقي لقطة في الضرب الإسلامي) يعني إذا وجد كنزاً وعليه علامة الإسلام، كما إذا كانت عليه كلمة الشهادة: يؤخذ الخمس، والباقي حكمه حكم اللقطة في التعريف والتصدق على نفسه إن كان فقيراً، وإلا على غيره إن كان غنياً.

قوله: (وفي الجاهلية: هو للواجد إن كانت الأرض مباحة) يعني إذا كانت العلامة عليه جاهلية، كما إذا كان نقشها صليباً: ففيه الخمس بلا خلاف، لأنه دفين الكفار، وحكمه: حكم الغنيمة، وأربعة أخماسه للواجد إذا كانت الأرض مباحة: مثل المفاوز والجبال، سواء كان الواجد حراً أو عبداً، مسلماً أو ذمياً، صغيراً أو كبيراً، غنياً أو فقيراً، لأنهم من أهل الغنيمة.

قوله: (وإن لم يكن) أي وإن لم تكن الأرض مباحة: مثل ما إذا كانت مملوكة (ففيه الخمس أيضاً، وأربعة أخماسه لمالكها أول الفتح).

وهو الذي يسمى: المختط له، وهو الذي خصه الإمام بتمليك هذه البقعة حين فتح أهل الإسلام تلك البلدة، أو لورثته إن عرفوا، والمصنف ترك هذا.

ص: 235

وإن جهل مالكها أول الفتح وورثته: فلأقصى مالك الأرض يعرف في الإسلام أو ورثته، وإن لم يعرفوا: فلبيت المال.

قوله: (فإن خفي الضرب) بأن اشتبه عليهم (يجعل جاهلياً في ظاهر المذهب) لأنه الأصل، وقيل: يجعل إسلامياً في زماننا، لتقادم العهد.

قوله: (ولا شيء في الفيروزج) أي لا خمس، وهو حجر مضيء يوجد في الجبال، لقوله عليه السلام:"لا خمس في الحجر".

وكذا لا يجب في الياقوت واللؤلؤ والعنبر والزمرد، وجميع الجواهر والفصوص من الحجارة.

وعند أبي يوسف: يخمس العنبر واللؤلؤ، وكل حلية تستخرج من البحر.

قوله: (وفي الزئبق: الخمس) خلافاً لأبي يوسف، فهو جعله: كالقير والنفط، وهما: كالرصاص.

قوله: (زكاة النبات) أي هذا بيان أحكام زكاة النبات، وهي العشر.

قوله: (يجب عشر كل نابت بماء السماء أو سيحاً) المراد من ماء السماء: المطر، ومن السيح: الماء الجاري، وذلك لقوله تعالى:{وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141]. وانتصاب (سيحاً) بنزع الخافض، تقديره: أو بسيح.

قوله: (إلا الحطب والقصب والحشيش) يعني لا شيء فيها، لأن سبب العشر الأرض النامية، وهذه الأشياء إذا غلبت على الأرض أفسدتها، ولا يحصل بها النماء.

ص: 236

قال في خلاصة الفتاوى: "لا عشر في الطرفاء، وشجر القطن، والباذنجان، ولا عشر في الأدوية: كالهليلج، ولا في الكندر، والصمغ".

قوله: (من غير شرط نصاب أو حول أو عول أو بلوغ) هذا يتعلق بقوله: (يجب عشر كل ناب) وهذا عند أبي حنيفة، والخلاف ها هنا في موضعين: في اشتراط النصاب، وفي اشتراط البقاء، فعند أبي حنيفة: لا يشترط واحد منهما، وعندهما: كلاهما شرط. لهما في الأول: قوله عليه السلام: "ليس في حب ولا تمر صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق" رواه مسلم.

وقوله عليه السلام: "ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة" رواه أبو داود.

وله: قوله عليه السلام: "فيما سقت السماء والغيم: العشر، وفيما سقي بالسانية: نصف العشر" رواه مسلم وغيره. وقوله عليه السلام: "فيما سقت السماء والعيون أو كان عثرياً: العشر، وفيما سقي بالنضح: نصف الشعر" رواه الجماعة غير مسلم. كل ذلك بلا فصل بين القليل والكثير، وتأويل ما روياه: زكاة التجارة.

ص: 237

ولهما في الثاني: قوله عليه السلام: "ليس في الخضروات صدقة" والزكاة ليست بمرادة، فتعين العشر.

وله: ما روينا، ولأن السبب هي الأرض النامية، وقد يستنمى بما لا يبقى، فيجب العشر كالخراج، وما روياه: ليس بثابت.

قوله: (وإن جعل أرضه محطبة أو مقصبة أو محشيشاً: وجب فيه العشر) لأنه حينئذ يقصد بها الاستغلال.

قوله: (وما سقي بغرب أو دالية: ففيه نصف العشر) لما روينا. والغرب: الدلو العظيمة، والدالية: الدولاب وهي الناعورة.

قوله: (وإن سقي سيحاً وبدالية: حكم بأكثر الحول) يعني إذا سقيت الأرض بالماء الجاري والدالية جميعاً: حكم بأكثر الحول، فإن كان السقي بالسيح في أكثر الحول: ففيها العشر كاملاً، وإن كان بالدالية: ففيها نصف العشر.

قوله: (وفي العسل: العشر) هذا إذا أخذ من الأرض العشرية، وإن أخذ من أرض الخراج فلا شيء فيه.

قوله: (ولو وجد في الجبل) واصلاً بما قبله، أي لو وجد العسل في الجبل: ففيه العشر، كالثمر الموجود فيه، لأنه مال.

وعن أبي يوسف والحسن: إذا وجد في الجبال والمفاوز وعلى الأشجار والكهوف: فلا شيء فيه، وهو بمنزلة الثمار تكون في الجبال والأودية، ولا خراج فيها ولا عشر.

ثم إذا وجب العشر: فعند أبي حنيفة: يجب في قليله وكثيره، وعند أبي يوسف: إذا بلغ قيمة خمسة أوسق: ففيه العشر، وعنه: لا شيء فيه حتى يبلغ عشر قرب، كل قربة خمسون مناً، وعنه: لا شيء فيه حتى يبلغ خمسة أمناء، وعند محمد: إذا بلغ

ص: 238

خمسة أفراق، والفرق: ستة وثلاثون رطلاً بالعراقي: ففيه العشر.

قوله: (ولا يطرح أجر العمال ونفقة البقر قبل العشر) لإطلاق ما تلونا وما روينا، وكذلك في كري الأنهار وأجرة الحافظ ونحوهما.

قوله: (ولا شيء في القير والنفط) هذا إذا كان في أرض عشر، ولو كانت في أرض خراج: يجب الخراج، لأنهما ليسا من الأموال، وإنما هما عين فوارة كعين الماء، غير أنه إن كان حريمه يصلح للزراعة: يجب فيها الخراج، وإلا فلا خراج فيه أيضاً.

والقير: الزفت، ويقال: القار. والنفط بفتح النون: دهن يكون على وجه الماء.

قوله: (مصارف الزكاة والعشر) مبتدأ، وقوله:(سبعة) خبره، ويجوز أن يكون التقدير: هذا بيان مصارف الزكاة، بأن يكون المبتدأ محذوفاً، وقوله:(سبعة) أي هي سبعة، على حذف المبتدأ أيضاً. والأصل فيه قوله تعالى:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] وهم ثمانية أصناف، وقد سقط منها المؤلفة قلوبهم، لأن الله تعالى أعز الإسلام وأغنى عنهم، وهو من قبيل انتهاء الحكم لانتهاء علته، إذ لا نسخ بعده عليه السلام.

قوله: (الفقير) أي المصرف الأول: الفقير: وهو من له أدنى شيء.

قوله: (والمسكين) أي المصرف الثاني: المسكين وهو من لا شيء له، وقيل: بالعكس، أي قيل: المسكين من له أدنى شيء، والفقير من لا شيء له، وهو قول الشافعي أيضاً.

قوله: (والعامل) أي المصرف الثالث: العامل: يدفع إليه إن عمل بقدر عمله، فيعطيه ما يكفيه وأعوانه غير مقدر، بشرط أن يكون غير هاشمي، فإن الهاشمي لا يحل له عندنا، خلافاً للشافعي، وأما إذا كان غنياً: فلا يضر، وتحل له العمالة بالإجماع.

ص: 239

قوله: (والمكاتب) أي المصرف الرابع: المكاتب: يعان في حل رقبته. وعند مالك: يبتاع رقبته فيعتق، فيكون الولاء على مذهبه: لجماعة المسلمين دون المعتق.

قوله: (والمديون) أي المصرف الخامس: المديون: يدفع إليه إذا لم يملك نصاباً فاضلاً عن دينه.

قوله: (والغازي المنقطع) أي المصرف السادس: الغازي المنقطع، وهو تفسير قوله تعالى:{وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 60]. فقال أبو يوسف: المراد منه الغازي المنقطع، لما روى البخاري في صحيحه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن خالداً احتبس أدرعه

ص: 240

في سبيل الله"، ولا شك أن الدرع للحرب لا للحج.

وقال محمد: الحاج المنقطع، لما روى البخاري أيضاً عن أبي لاس الخزاعي أنه قال:"حملنا النبي صلى الله عليه وسلم على إبل الصدقة للحج". فعلم بذلك أن سبيل الله: منقطع الحاج، لأنه عليه السلام صرف الصدقة إليه.

قوله: (ومن ماله بعيد عنه) أي المصرف السابع: ابن السبيل: وهو من ماله بعيد عنه فيدفع إليه الزكاة لأنه فقير في الحال، وإن كان غنياً، بالنظر إلى حيث ماله.

قوله: (وللمالك أن يعم المصارف وأن يخص بعضها) وهو قول عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وابن عباس، ومعاذ بن جبل، وحذيفة بن اليمان، وجماعة أخر، ولم يرو عن غيرهم من الصحابة خلاف ذلك، فكان إجماعاً.

وعند الشافعي: لا يجوز، إلا إذا دفع إلى ثمانية أصناف، من كل صنف ثلاثة أنفس، إلا العامل.

قوله: (ولا يدفع إلى غني وإن كان نصابه غير تام) لقوله عليه السلام: "لا تحل الصدقة

ص: 241

لغني" رواه أبو داوود والنسائي والترمذي. وقال مالك والشافعي: يجوز دفعها إلى غني الغزاة إذا لم يكن له شيء في الديوان، ولم يكن يأخذ من الفيء.

قوله: (ولا إلى ذمي) أي ولا يدفع الزكاة إلى ذمي أيضاً، لما روي من حديث معاذ أنه عليه السلام قال:"أعلمهم أن الله فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم" متفق عليه. وقال زفر: يجوز.

قوله: (بخلاف غير الزكاة) يعني غير الزكاة مثل: صدقة الفطر والكفارات والصدقة المنذورة، فيجوز دفعها إليه عندهما، خلافاً لأبي يوسف والشافعي. وأما التطوع: فدفعه إليه جائز اتفاقاً.

قوله: (ولا يبنى منها) أي من الزكاة (مسجد) لأن التمليك شرط فيها، فلم يوجد، وكذا لا يبنى منها القناطر والسقايات وإصلاح الطرقات وكري الأنهار والحج والجهاد، وكل ما لا تمليك فيه.

قوله: (ولا يكفن بها) أي بالزكاة (ميت) لانعدام التمليك.

قوله: (ولا يقضى دينه) أي دين الميت، لانعدام التمليك أيضاً.

قوله: (ولا يعتق بها عبد) يعني لا يجوز أن يشتري بها عبد فيعتق. خلافاً لمالك، وقد مر.

ص: 242

قوله: (ولا يدفعها المزكي إلى أصوله) وهم الآباء والأجداد والأمهات والجدات من قبل الأب والأم وإن علوا (وفروعه) وهم الأولاد وأولاد الأولاد وإن سفلوا، لعدم تحقيق التمليك على الكمال.

قوله: (وزوجته) أي ولا يدفعها أيضاً إلى زوجته، لعدم كمال التمليك، ولوجود الاشتراك في المنافع بينهما.

قوله: (وزوجها) أي ولا تدفع المرأة زكاتها إلى زوجها أيضاً، هذا عند أبي حنيفة، وعندهما: يجوز، لقوله عليه السلام:"لها أجران: أجر القرابة وأجر الصدقة" رواه البخاري والطحاوي في شرح الآثار، وذلك حين سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن جواز إنفاق زينب على زوجها عبد الله وأيتام لها في حجرها.

وله: أن المنافع متصلة، فلا يتحقق التمليك على الكمال.

والجواب عن الحديث: أن زينب كانت صناع اليدين، ولم يكن لها مال يجب عليها فيه زكاة، فكانت صدقتها على عبد الله نافلة لا فريضة.

قوله: (ومكاتبه) أي ولا يدفعها المزكي إلى مكاتبه ومدبره وأم ولده وعبده الذي أعتق بعضه، لعدم الإخراج الصحيح، لأن كسب المملوك لسيده، فصار كأنه دفع إلى نفسه.

ص: 243

وإذا دفع إلى مكاتب غيره: يجوز، وإن كان مولاه غنياً.

قوله: (ولا إلى مملوك غني) لأن المملوك واقع للمولى، فلم يجز (ولا إلى ولده الصغير) لأنه يعد غنياً بيسار أبيه.

قوله: (بخلاف امرأته) يعني إذا دفع إلى امرأة الغني يجوز، لأنها لا تعد غنية بيسار الزوج، وبقدر النفقة لا تصير موسرة، وكذلك يجوز دفعها إلى البنت الكبيرة الفقيرة لغني.

قوله: (ولا إلى هاشمي) أي ولا يدفع أيضاً إلى هاشمي، لقوله عليه السلام:"نحن أهل بيت لا تحل لنا الصدقة" رواه البخاري. وقوله عليه السلام: "إنما هذه الصدقات هي أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد" رواه مسلم.

والهاشمي: آل عباس وآل علي وآل جعفر وآل الحارث بن عبد المطلب.

ذكرهم القدوري هكذا.

وفائدة تخصيصهم بالذكر: جواز الدفع إلى بعض بني هاشم وهم بنو أبي لهب.

وقال أبو نصر البغدادي: وما عدا المذكورين: لا تحرم عليهم الزكاة.

قوله: (ومولاه) أي ولا يدفع أيضاً إلى مولى الهاشمي، لقوله عليه السلام:"إن الصدقة لا تحل لنا، وإن مولى القوم من أنفسهم" رواه الجماعة وصححه الترمذي.

ص: 244

قوله: (ولو ظنه مصرفاً) يعني دفع إلى رجل يظنه فقيراً (فأخطأ) بأن بان أنه غني أو هاشمي أو كافر، أو دفع في ليلة مظلمة فبان أنه أبوه أو ابنه (سقطت عنه الزكاة) ولا إعادة عليه عندهما، خلافاً لأبي يوسف، لأن خطأه ظهر بيقين.

ولهما: ما روي عن معن بن يزيد قال: كان أبي يزيد أخرج دنانير يتصدق بها، فوضعها عند رجل في المسجد، فجئت فأخذتها فأتيته بها، فقال: والله ما إياك أردت، فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"لك ما نويت يا يزيد، ولك ما أخذت يا معن" رواه البخاري.

قوله: (إلا في مكاتبه) يعني لا تسقط في هذه الصورة، لأنه لم يوجد الإخراج عن ملكه، وكذلك إذا ظهر عبده أو مدبره أو أم ولده.

قوله: (ولو أعطاه شاكاً: لم تسقط) يعني إذا دفع الزكاة إليه وهو شاك، ولم يتحر ولم يظهر أنه مصرف: لا يسقط، إلا إذا ظهر صوابه يقيناً، أو بأكبر رأيه، فحينئذ يجوز.

وكذا إذا تحرى ووقع أكبر رأيه ليس بمصرف، فدفع مع ذلك: لا يجزئه، إلا إذا ظهر أنه فقير أو أجنبي بيقين أو بدليل غالب.

قوله: (ويكره نقلها) أي نقل الزكاة (إلى بلد آخر) لأن فيه ترك رعاية حق الجوار (إلا إذا نقل إلى قريبه، أو قوم هم حوج من أهل بلده) لأن فيه صلة القريب، وزيادة دفع الحاجة. والحوج بضم الحاء وسكون الواو: جمع أحوج.

قوله: (صدقة الفطر) أي هذا في بيان أحكام صدقة الفطر، أو تكون: صدقة الفطر مبتدأ، وقوله:(تجب) خبره.

ص: 245

الأصل في وجوبها: ما قال ابن عباس رضي الله عنه: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهوراً للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات" رواه أبو داود.

قوله: (على كل مسلم مالك نصاباً فاضلاً عن حاجته الأصلية) أما اشتراط الإسلام: فلوقوع القربة، وأما اشتراط ملك النصاب: فلقوله عليه السلام: "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول" رواه البخاري.

وهو أن يكون مالكاً لمقدار النصاب، فاضلاً عن مسكنه وثيابه وأثاثه وفرسه وسلاحه وعبيده.

وقال الشافعي: تجب على كل من يملك زيادة على قوت يومه لنفسه وعياله.

قوله: (وإن كان) أي النصاب (غير تام) يعني لا يشترط أن يكون النصاب نامياً لوجوب صدقة الفطر، لأنها تجب بالقدرة الممكنة دون الميسرة، بخلاف الزكاة.

قوله: (عنه) أي عن نفسه (وعن ولده الصغير الذي لا شيء له، وعن عبيده للخدمة) لأن السبب رأس يمونه ويلي عليه، لما روي أنه عليه السلام:"أمر بصدقة الفطر على الصغير والكبير والحر والعبد بمن يمونون" رواه الدارقطني.

وهؤلاء المذكورون بهذه الصفة على الكمال.

قيد بقوله: (الذي لا شيء له) لأنه إذا كان له مال: تجب من ماله عندهما، خلافاً لمحمد.

ص: 246

وقيد بقوله: (عبيده للخدمة) لأنه إذا كان للتجارة: لا يجب عليه عنه شيء.

قوله: (ولو أنه كافر) أي ولو أن العبد كافر، لإطلاق ما روينا.

قوله: (بخلاف ولده الكبير) أي لا يجب عليه عن ولده الكبير، لأنه لا يمونه ولا يلي عليه، فانعدم السبب.

قوله: (ولا عن زوجته أيضاً) لأنه لا يلي عليها ولا يمونها إلا لضرورة مصالح النكاح، ولهذا لا يجب عليه [غير] الرواتب نحو الأدوية.

قوله: (ولو أدى عنهما) أي ولو أدى الوالد عن ولده الكبير، أو الزوج عن زوجته (على وجه التبرع وهما لم يعلما ذلك: أجزأهما استحساناً) لأنه مأذون فيه عادة.

قوله: (ولا يجب عن مكاتبه) لعدم الولاية عليه، وكذا، المستسعى، ذكره صاحب التحفة.

قوله: (بخلاف مدبره وأم ولده) يعني يجب على المولى أن يخرج صدقة الفطر عن مدبره وأم ولده لأنه يلي عليهما.

قوله: (ولا عن عبد) أي ولا يجب عن عبد أو عبيد بين موليين، لوجود الولاية والمؤنة في حق كل منهما.

وقال أبو يوسف ومحمد: يجب على كل واحد منهما ما يخصه من الرءوس دون الأشقاص، ففي الثلاثة: يجب لأجل العبدين، وفي الخمسة: يجب لأجل الأربعة. قوله: (وهي) أي صدقة الفطر (نصف صاع من بر أو صاع من تمر أو شعير) وقال

ص: 247

الشافعي: من كل نوع صاع، لما روي عن أبي سعيد الخدري قال:"كنا نخرج زكاة الفطر صاعاً من طعام أو صاعاً من شعير أو صاعاً من تمر أو صاعاً من أقط أو صاعاً من زبيب" رواه البخاري.

ولنا: ما روي أنه عليه السلام "قام خطيباً، فأمر بصدقة الفطر: صاع تمر أو صاع شعير عن كل رأس، أو صاع بر أو قمح بين اثنين، عن الصغير والكبير والحر والعبد" رواه أبو داود.

وروي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب قبل يوم العيد بيومين فقال: "إن صدقة الفطر مد من بر على كل إنسان، أو صاع مما سواه من الطعام" رواه الدارقطني.

والجواب عن حديث أبي سعيد: أنه ليس بحجة علينا، لأنه أخبر بفعل نفسه حيث قال: كنا نخرج، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم ليس بموجب، ففعل الصحابة أولى بأن لا يكون موجباً.

والعجب من الشافعي أنه لا يرى تقليد الصحابي واجباً، فكيف قلد أبا سعيد في هذه المسألة؟

قوله: (أو دقيقه) أي دقيق البر (أو سويقه أو دقيق الشعير وسويقه) كلها جائز عندنا، خلافاً للشافعي.

ولنا ما روى سفيان بإسناده إلى أبي سعيد قال: "كنا نخرج على عهد

ص: 248

رسول الله صلى الله عليه وسلم صاع تمر أو شعير أو أقط أو زبيب أو صاعاً من دقيق" رواه أبو داود.

قوله: (وفي الزبيب روايتان) في رواية مشهورة عن أبي حنيفة: يجب نصف صاع، لأن نصف صاع لما وجب من التمر: ففي الزبيب أولى، لأنه أعلى قيمة منه، وفي رواية: يجب صاع، كما هو قولهما.

قوله: (والدقيق أفضل من البر) وهو اختيار الفقيه أبي جعفر، ذكره في الهداية.

قوله: (والدارهم أفضل منهما) أي من الدقيق والبر، وهو رواية عن أبي يوسف.

قوله: (وقيل: البر أفضل منهما) أي من الدارهم والدقيق، لأنه أبعد عن الخلاف، وهو رواية أبي بكر الأعمش.

قوله: (والصاع: ثمانية أرطال بالعراقي) وهذا عندهما: وعند أبي يوسف: خمسة أرطال وثلث رطل، وهو مذهب أهل الحجاز، وقيل: لا خلاف بينهم في الصاع، وإنما أبو يوسف لما حرر صاع أهل المدينة: وجده خمسة أرطال وثلث رطل برطل أهل المدينة، وهو أكبر من رطل أهل بغداد، لأنه ثلاثون أستاراً، والرطل البغدادي: عشرون أستاراً، فإذا قابلت ثمانية أرطال بالبغدادي بخمسة أرطال وثلث بالمدني: تجدهما سواء.

قوله: (ووقتها) أي وقت صدقة الفطر (فجر يوم الفطر) وبه أخذ الشافعي في القديم.

ص: 249

وقال في الجديد: وقتها: غروب الشمس من آخر يوم من رمضان. ولنا: ما روى ابن عمر رضي الله عنه قال: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير" رواه أبو داود.

والفطر من رمضان: بطلوع الفجر من يوم الفطر.

وإذا ثبت أن وقت الوجوب يدخل بطلوع الفجر، فمن مات قبل ذلك: سقطت فطرته، لأنه يدرك وقت الوجوب.

ومن أسلم أو ولد بعد طلوع الفجر: لم تجب فطرته، لأنه لم يكن وقت الوجوب من أهل الفطرة.

قوله: (ويستحب دفعها قبل الخروج إلى صلاة العيد) لما روى ابن عمر قال: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة" رواه أبو داود.

قوله: (ويصح تعجيلها مطلقاً) أي سواء عجل قبل الفطر في رمضان، أو قبل رمضان، لوجود أداء المسبب بعد وجود السبب، كالتعجيل في الزكاة.

وعند خلف بن أيوب: يجوز تعجيلها بعد دخول رمضان لا قبله وقيل: يجوز

ص: 250

تعجيلها في النصف الأخير من رمضان، وقيل: في العشر الأخير. وعند الحسن بن زياد: لا يجوز تعجيلها أصلاً، والأصح ما ذكره المصنف.

قوله: (ولا تسقط بالتأخير) لأنه يقدر على مثلها من عنده قربة، بخلاف الأضحية: حيث تسقط إذا فاتت عن وقتها، لأنه لا يقدر على الإتيان بمثلها، لأنها لم تشرع قربة في سائر الأيام.

وقال الحسن بن زياد: تسقط صدقة الفطر بالتأخير كالأضحية والله أعلم.

ص: 251