الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
هذا الفصل في بيان أحكام الذبائح
قوله: (وذبيحة المسلم والكتابي حلال) لإطلاق قوله تعالى: {إِلَاّ مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3].
قوله: (بخلاف ذبيحة المجوسي) يعني ذبيحة المجوسي ونحره: حرام.
أما المجوسي: فلقوله عليه السلام: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب غير ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم".
والوثني: كالمجوسي، لأنه مشرك مثله، وأما المرتد: فلأنه لا ملة له، ولهذا لا تجوز ذكاته، بخلاف اليهودي إذا تنصر، أو النصراني إذا تهود، أو تنصر المجوسي أو تهود، ولو تمجس اليهودي: لا تحل ذكاته، والمتولد بين الكتابي والمشرك: يعتبر بالكتابي، لأن المشرك شر من الكتابي.
قوله: (وذبيحة المحرم: الصيد) أي لا تحل ذبيحة المحرم الصيد، لأن فعله فيه غير مشروع، وذبيحته في غير الصيد تؤكل، لأن فعله فيه مشروع.
قوله: (وما ذبح) أي لا يحل ما ذبح (من الصيد في الحرم، ولو ذبحه حلال) لأنه منهي عنه، فلا يكون مشروعاً، وكذا الكتابي لو ذبح صيداً في الحرم: لا يحل.
قوله: (والصبي والمجنون والسكران إن كان يقدر على الذبح ويعقل التسمية: حل)
لأن التسمية على الذبيحة شرط بالنص، وذلك بالعقل، وصحته بالمعرفة والضبط، وهو أن يعلم شرائط الذبح: من فري الأوداج والتسمية.
وكذلك يحل ذبيحة الأقلف، والأخرس، والمرأة، والمعتوه كالصبي إذا كان ضابطاً.
قوله: (وإلا فلا) يعني وإن لم يقدر على الذبح ولم يعقل التسمية: لا يحل، لما ذكرنا.
قوله: (ومتروك التسمية عمداً: ميتة) لقوله تعالى: {وَلا تَاكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121]. وهو حجة على الشافعي في جوازه ذلك.
قوله: (ومتروكها ناسياً: حلال) لأن النسيان مرفوع بقوله عليه السلام: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان".
وقال مالك: حرام.
قوله: (ووقت التسمية في غير الصيد: عند الذبح) لقوله تعالى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36]. وهي حالة النحر.
قوله: (وفي الصيد) أي وقت التسمية في الصيد: (عند الرمي أو إرسال الجارح) لأن التكليف بحسب الوسع، والذي في وسعه هذا.
قوله: (ولو أضجع شاة وسمى وذبح غيرها) أي غير تلك الشاة (بتلك التسمية: لم يحل) لأن المعتبر أن يذبح عقيب التسمية، وأنه سمى للأولى، فبقيت الثانية بلا تسمية.
قوله: (بخلاف الإرسال والرمي) يعني إذا أرسل الجارح إلى صيد وسمى، أو رمى إلى صيد وسمى، فأصاب صيداً آخر: حل، لتعلق التسمية بالآلة.
قوله: (ولو أضجع شاة وسمى، ثم رمى السكين وذبح بأخرى) أي بسكين أخرى (حل) لعدم تعلق التسمية بالآلة.
قوله: (ولو سمى على سهم ثم رمى بغيره) أي بغير ذلك السهم (فقتل: لم يحل) لتعلق التسمية بالآلة.
قوله: (ولو قال في تسميته: بسم الله محمداً رسول الله) يعني منصوباً من غير عطف (ومحمد رسول الله) بالرفع من غير عطف، (أو قال: اللهم تقبل مني أو من فلان: حل) لعدم الشركة، وكره لوجود الوصل صورة.
قوله: (ولو قال: ومحمد بالجر) يعني ولو قال: بسم الله ومحمد رسول الله، بكسر الدال (لم يحل) لوجود الشركة، وكره لوجود الوصل صورة.
قوله: (ولو قال: ومحمد بالجر) يعني ولو قال: بسم الله ومحمد رسول الله، بكسر الدال (لم يحل) لوجود الشركة، كذا ذكر في النوادر.
وقيل: هذا إذا كان يعرف النحو، والأوجه: أن لا يعتبر الإعراب، بل يحرم مطلقاً بالعطف، لأن كلام الناس اليوم لا يجري عليه.
قوله: (ولو قال: بسمل بغير هاء، وقصد به التسمية: حل) لوجود القصد بالتسمية.
قوله: (ولو قال: اللهم اغفر لي وقصد به التسمية: لم يحل) لأنه دعاء وسؤال.
والشرط: الذكر الخالص.
قوله: (ولو سبح) بأن قال: سبحان الله (أو حمد) بأن قال: الحمد لله (أو كبر) بأن قال الله أكبر (وقصد التسمية: حل) لوجود الذكر على الذبح.
قوله: (ولو عطس عند الذبح فحمد الله: لم يحل) في الأصح، لأنه يريد الحمد على النعمة دون التسمية، بخلاف الخطبة: حيث يجزيه.
قوله: (ولو سمى ثم عمل عملاً آخر قبل الذبح، إن كان قليلاً كشرب أو تكليم إنسان: حل، وإلا فلا) يعني وإن كان كثيراً: لا يحل، لأن إيقاع الذبح- متصلاً بالتسمية، بحيث لا يتخلل بينهما شيء- لا يمكن إلا بحرج عظيم، فأقيم المجلس مقام الاتصال، فالعمل القليل لا يقطع المجلس، والكثير يقطع.
قوله: (والذبح بين الحلق واللبة) لما روي أنه عليه السلام بعث منادياً ينادي في فجاج منى: "ألا إن الذكاة في الحلق" الحديث رواه الدارقطني.
وفي الجامع: "لا بأس بالذبح في الحلق: كله ووسطه وأعلاه وأسفله".
والتقييد بالحلق واللبة يفيد أنه لو ذبح أعلى من الحلقوم أو أسفل منه: يحرم، لأنه ذبح في غير المذبح، ذكره في الواقعات.
ولكن في جواب الإمام الرستغفني ما يخالف ذلك، وهو أنه سئل عمن ذبح
شاة، فبقيت عقدة الحلقوم مما يلي الصدر، وكان يجب أن يبقى مما يلي الرأس، أيؤكل أم لا؟ قال: يجوز أكلها، سواء بقيت العقدة مما يلي الرأس أو مما يلي الصدر.
وفي فتاوى سمرقند: قصاب ذبح الشاة في ليلة مظلمة، فقطع أعلى من الحلقوم أو أسفل منه: يحرم أكلها.
قوله: (والعروق المقطوعة فيه) أي في الذبح أو الحلق (أربعة وهي: الحلقوم والمري والودجان) لقوله عليه السلام: "أفر الأوداج بما شئت" وهي عروق الحلق في المذبح، والمري: مجرى الطعام والشراب، والحلقوم: مجرى النفس.
قوله: (ولابد من قطع ثلاثة منها) أي من العروق الأربعة (أيها كانت) أي: أي ثلاثة كانت، وهذا قول أبي حنيفة، وأبي يوسف أولاً، وعن أبي يوسف: أنه يشترط قطع الحلقوم والمري وأحد الودجين، وعن محمد: لابد من قطع أكثر كل واحد من هذه الأربعة.
وقال الشافعي: يكتفي بقطع الحلقوم والمري، وقال مالك: لابد من قطع الأربع.
قوله: (ويجوز الذبح بكل محدد أنهر الدم) مثل: السكين، والسيف، والليطة، والمروة، ونحوها، لقوله عليه السلام:"أفر الأوداج بما شئت واذكر الله" رواه مسلم.
وأفر: أمر، من قولك: فريت الشيء أفر فرياً: إذا قطعته لإصلاحه، والليطة بكسر اللام: قشر القصب.
قوله: (إلا السن المتصل، والظفر والقرن، فإن المذبوح بها ميتة) لقوله عليه السلام: "ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ما لم يكن سناً أو ظفراً، وسأحدثكم عن ذلك، أما السن: فعظم، وأما الظفر: فمدي الحبشة" رواه البخاري ومسلم، وتأويله: إذا كان قائماً.
قوله: (والذبح بالمنفصل منها) أي من السن والظفر والقرن (مكروه) لأنها آلة، جارحة فيحصل بها ما هو المقصود: وهو إخراج الدم، ولكن يكره، لأن فيه زيادة الألم.
وقال الشافعي: المذبوح بهذه الأشياء ميتة.
قوله: (وكذا بالعظم) أي وكذا يكره الذبح بالعظم لما قلنا.
قوله: (وبكل ما فيه) أي وكذا يكره الذبح بكل شيء فيه (إبطاء الإماتة) لأن فيه زيادة الألم للحيوان، وقد نهينا عنه.
قوله: (ويستحب إحداد السكين قبل الإضجاع) لقوله عليه السلام: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم: فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم: فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته" رواه مسلم وأحمد وغيرهما.
قوله: (ويكره بعده) أي يكره إحداد السكين بعد الإضجاع، لما روي أنه عليه السلام "رأى
رجلاً أضجع شاة وهو يحد شفرته، فقال:"لقد أردت أن تميتها موتات، هلا حددتها قبل أن تضجعها".
قوله: (ومن بلغ بالسكين النخاع) وهو خيط أبيض في جوف عظم الرقبة (أو قطع الرأس: حل وكره) لنهيه عليه السلام عن نخع الشاة، وفي قطع رأسه زيادة تعذيب بلا فائدة.
والنخع بفتح النون وسكون الخاء: أن يجوز بالذبح إلى النخاع.
قوله: (وكل زيادة تعذيب لا يحتاج إليها: مكروه) لأنه تعذيب الحيوان بلا فائدة، وذلك: كجر المذبوح برجله إلى المذبح، وسلخه قبل أن يتم موته، وكذا لو مات ولم يبرد أيضاً: عند البعض، وعند البعض: إذا سلخ بعد موته: لا يكره ولو لم يبرد، ويؤكل في جميع ذلك.
قوله: (ولو ذبح من القفا وبقي حياً حتى قطع العروق الثلاثة: حل وكره) أما الحل: فلتحقق الموت بما هو ذكاة، وأما الكراهة: فلزيادة الألم.
قوله: (وإلا فلا) يعني وإن لم يبق حياً إلى أن يقطع العروق الثلاثة: لم يحل، لوجود الموت بما ليس بذكاة.
قوله: (وما استأنس من الصيد: فذكاته الذبح) لأن ذكاة الاضطرار لا يصار إليه إلا عند العجز عن ذكاة الاختيار، ولم يتحقق العجز فيما استأنس من الصيد.
قوله: (وما توحش من النعم بصيال) أي حملة (أو ند: فذكاته الجرح) لتحقق
العجز، بشرط قصد الذكاة (لا دفع الصيال فقط) فإنه إذا قصد دفع الصيال فقط وقتله: لم يحل.
قوله: (وكذا البعير) يعني البعير إذا وقع في النهر، ووقع العجز عن ذكاته: يحل بالجرح، بشرط أن لا يتوهم بعد الجرح موته بالماء، حتى إذا علم أنه مات من الماء: لا يؤكل، وإن أشكل ذلك: أكل، لأن الظاهر أن الموت من الجرح.
قوله: (والشاة إذا ندت في الصحراء فهي وحشية) حتى تحل بالعقر، لتحقق العجز عن ذكاة الاختيار.
قوله: (وإن ندت في المصر: فلا) أي فلا تكون وحشية، حتى لا تحل بالعقر، لأنها لا تدفع عن نفسها، فيمكن أخذها.
قوله: (بخلاف البعير والبقر) يعني البعير والبقر إذا ندت: صارت وحشية، سواء ندت في الصحراء أو ندت في المصر، حتى تحل بالعقر، لتحقق العجز في ذلك.
قوله: (والمستحب في الإبل: النحر) لقوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2]. أي انحر الجزور، ولأنه أيسر في الإبل، حتى يكره الذبح.
قوله: (وفي البقر) أي يستحب في البقر (والغنم: الذبح) لأن السنة المتواترة هكذا، قال الله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَامُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67]، وقال:{وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107]. ولأنه أيسر فيهما، حتى يكره النحر فيهما.
قوله: (والجنين الميت في الذبيحة: حرام أكله وإن تم خلقه) وهذا عند أبي حنيفة وزفر والحسن، وقالا: إذا تم خلقه: حل أكله بذكاتهما، لقوله عليه السلام:"ذكاة الجنين ذكاة أمه".
وله: أن الله حرم الميتة، وهو اسم لحيوان مات من غير ذكاة، ألا يرى أن الله شرط التذكية بقوله:{إِلَاّ مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3]. وحرم المنخنقة، والجنين مات خنقاً: فيحرم بالكتاب، وما روي: لا يعارض الدليل القطعي.
قوله: (والمنخنقة) وهي التي خنقوها، أو انخنقت بسبب (والموقوذة) وهي التي أثخنوها ضرباً بعصا أو حجر (والمتردية) وهي التي تردت من جبل أو في بئر (والنطيحة) هي التي نطحتها أخرى (وفريسة السبع) هي التي خرقها مثل: الأسد والنمر والضبع والذئب ونحوها (فإذا ذبحت هذه المذكورات) والحال أن فيها حياة مثل حياة المذبوح (حلت في ظاهر المذهب) لقوله تعالى: {إِلَاّ مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3]. وعن أبي حنيفة: أنها إنما تحل إذا كانت بحال تعيش يوماً لولا الذكاة، لأنها إذا كانت بحال تموت سريعاً: لا يدري أنها ماتت بذبحه أو بما أصابها، فدخل الشك، وعن أبي يوسف: أنها إذا كانت تعيش اليوم لولا الذكاة: تؤكل، وإلا فلا، إقامة للأكثر مقام الكل.
وعن محمد: أنها إذا بقي من حياتها أكثر من حياة المقطوع أوداجه: يحل، وإلا فلا، وهذا أيسر.
قوله: (ويكره ذبح الحامل المقرب) أي التي قربت ولادتها، لأن في ذلك ترك الترحم.
قوله: (ولو رمى حمامة له) أي لنفسه في الهواء (إن كانت ضالة عن منزله: يحل) لأنه حينئذ صيد، فتصير ذكاته اضطرارية، فيحل بالجرح أين اتفق.
قوله: (وإن كانت) أي الحمامة (تهتدي إلى منزله: لم يحل) لعدم الاضطرار، إلا إذا أصاب مذبحها، وهو ما بين الحلق واللبة: فينوب عن الذبح.
قوله: (وكذا الظبي) أي وكذا حكم الظبي (المستأنس إذا خرج إلى الصحراء فرماه رجل، إن أصاب مذبحه: حل، وإلا فلا) لعدم تحقق العجز عن الذكاة الاختيارية.