الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الصيد والذبائح
الصيد: مصدر صاد يصيد، وينطلق على المفعول، يقال: صيد الأمير: أي مصيوده، وهو: ما يمتنع بجناحيه أو بقوائمه.
والذبائح: جمع ذبيحة: وهي ما اتخذ للذبح، والذبح: قطع الأوداج، وهو في البقر والغنم خاصة، والنحر: هو الطعن في الصدر، وهو في الإبل خاصة.
قوله: (يجوز الصيد) لقوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2].
قوله: (بالكلب والفهد والبازي والصقر) لقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4]. أي صيد ما علمتم من الجوارح، وهي الكواسب، والجرح: الكسب، والمكلب: المعلم من الكلاب ومؤدبها، ثم عم في كل ما أدب: بهيمة كانت أو طائراً.
قوله: (وكل جارح معلم) مثل: النمر، والضبع، والثعلب، والعقاب، والشاهين، والباشق، وسائر الجوارح من كل ذي ناب من السباع، وذي مخلب من الطيور، بشرط أن تكون معلمة.
قوله: (إلا الخنزير) فإن الاصطياد به لا يجوز بالإجماع، لنجاسة عينه.
قوله: (وقيل: إلا الأسد) وهو رواية عن أبي يوسف. أما الأسد: فإنه لا ينقاد لعلو همته، وأما الذيب: فإنه لا يقبل التعليم، وأما الدب والحدأة: فلخياستهما.
قوله: (وتعلم الكلب ونحوه) مثل الفهد وغيره (بتركه الأكل ثلاث مرات) أما شرط التعليم فلقوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّهُ} [المائدة: 4].
ولقوله عليه السلام لثعلبة: "ما صدت بكلبك المعلم فذكرت اسم الله عليه فكل، وما صدت بكلبك غير المعلم فأدركت ذكاته فكل" رواه البخاري ومسلم وأحمد.
وأما التقدير بترك الأكل ثلاث مرات: فلأن ترك العادة في هذا، وهذا قولهما، وهي رواية عن أبي حنيفة.
قوله: (وقيل: تعلمه بغلبة ظن صاحبه أنه تعلم) لأن غلبة الظن دليل شرعي، فإذا غلب ظنه أنه صار معلماً بتركه الأكل مرة واحدة: صار معلماً، وإن لم يغلب على ظنه أنه صار معلماً بتركه الأكل ثلاث مرات: لا يصير معلماً، حتى يغلب على ظنه أنه صار معلماً، وهذا أيضاً رواية عن أبي حنيفة.
قوله: (وقيل تعلمه: بقول الصيادين أنه تعلم) لأنه يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال، فيفوض إليهم، وهذا أيضاً رواية عن أبي حنيفة.
قوله: (وتعلم البازي ونحوه) مثل الباشق والصقر والعقاب ونحوها (بإجابته لصاحبه إذا دعاه) لأن الرجوع في معرفة ذلك إلى أهل الصنعة، وهم يعدون ذلك تعليماً.
قوله: (فإذا أرسل الجارح المعلم، وسمى عند إرساله، فجرح صيداً أو مات: حل) أي الصيد، وها هنا أربعة شروط:
الأول: كون المرسل مسلماً أو ذمياً.
الثاني: أن يكون الجارح معلماً.
الثالث: التسمية عند الإرسال، لقوله عليه السلاملعدي بن حاتم: "إذا أرسلت كلبك
فاذكر اسم الله تعالى، فإن أمسك عليك فأدركته حياً فاذبحه، وإن أدركته قد قتل ولم يأكل منه: فكله، فإن أخذ الكلب ذكاة". رواه مسلم والبخاري وأحمد.
الرابع: الجرح، وهو شرط في ظاهر الرواية، لقوله تعالى:{وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ} [المائدة: 4]. ولأن الذكاة الاضطرارية تتحقق به، وعن أبي حنيفة وأبي يوسف: ليس بشرط، رواه الحسن عنهما، وهو قول الشعبي.
قوله: (وإن لم يجرح) أي وإن لم يجرح الجارح المعلم (الصيد: لم يحل أكله) لما قلنا.
قوله: (وكذا لو خنقه) أي وكذا لو خنق الصيد أو كسره، لانعدام الجرح وهو شرط، وعن أبي حنيفة: أنه إذا كسر منه عضو فمات: حل، رواها الحسن عنه، وكذلك روي عن أبي يوسف.
قوله: (فإن أكل منه) أي من الصيد (الكلب أو الفهد: لم يحل) لأنه خرج عن كونه معلماً، سواء كان أكله نادراً أو معتاداً، وللشافعي قولان: فيما إذا أكل نادراً. ولو اعتاد الأكل: حرم ما ظهرت عادته فيه، وهل يحرم ما أكل منه قبل الذي ظهرت عادته فيه؟ وجهان.
قوله: (ولا يحل ما اصطاده قبل هذا) أي قبل أكله، سواء كان محرزاً في البيت أو في الصحراء، وهذا عند أبي حنيفة، لأن الله تعالى شرط الإمساك علينا بقوله:{فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4]. ولم يوجد، وعندهما: يجوز أكل ما صاده من قبل، لوجود الإمساك فيه.
قوله: (ولا ما يصيده بعده) أي ولا يحل ما يصيده بعد الأكل (حتى يصير معلماً) بما ذكرنا من الأقوال، وهذا بالاتفاق.
قوله: (ولو فر باز من صاحبه ولم يجبه إذا دعاه، ثم صاد: فحكمه) أي حكم هذا البازي: (كحكم الكلب في الوجوه كلها) يعني يصير ما صاده قبل الفرار حراماً، سواء كان محرزاً في البيت أو في الصحراء، ولا يجوز ما صاده بعد، حتى يصير معلماً بما ذكرنا.
قوله: (ولو شرب الكلب من دم الصيد ولم يأكل منه: حل) لأنه ممسك عليه، وهذا من غاية علمه، حيث شرب ما لا يصلح لصاحبه، وأمسك عليه ما يصلح له.
قوله: (وكذا لو أكل) أي وكذا يحل لو أكل الكلب (ما أعطاه صاحبه منه) أي من الصيد (أو حفظه من صاحبه فأكل منه) لأنه أمسك على صاحبه وسلمه إليه، وأكله بعد ذلك لا يضر.
قوله: (ولو قطع من الصيد قطعة فأكلها، ثم اتبعه فقتله ولم يأكل منه: لا يحل) لأنه صيد كلب جاهل، حيث أكل من الصيد.
قوله: (ولو ألقى ما قطعه) يعني إذا رمى ما قطعه من الصيد (ثم أتبعه فقتله ولم يأكل منه حتى أخذه صاحبه، ثم مر بتلك القطعة التي رماها فأكلها: حل) لأنه لو أكل من نفس الصيد في هذه الحالة لا يضره، فإذا أكل ما بان منه وهو لا يحل لصاحبه: أولى.
قوله: (وإن أدرك المرسل الصيد حياً مثل حياة المذبوح: وجبت ذكاته) لما روينا من حديث عدي بن حاتم.
قوله: (فإن تركها) أي الذكاة (حتى مات: لم يحل أكله) لأن بتركه: صار ميتة وهذا إذا تمكن من ذبحه، أما إذا وقع في يده ولم يتمكن من ذبحه، وفيه من الحياة فوق
ما يكون في المذبوح: لم يؤكل في ظاهر الرواية، وعن أبي حنيفة وأبي يوسف: أنه يحل، وهو قول الشافعي.
قوله: (وكذا البازي والسهم) أي وكذا الحكم فيما إذا أدرك مرسل البازي أو رامي السهم، الصيد حياً مثل حياة المذبوح: ينبغي أن يذكي، حتى إذا ترك الذكاة، فمات: لم يحل كما قلنا.
قوله: (وكذا إن لم يتمكن لضيق الوقت) أي وكذا لا يحل إذا لم يتمكن المرسل أو الرامي من الذكاة، لأجل ضيق الوقت، لأنه بالوقوع في يده لم يبق صيداً، فلم يعتبر ذكاة الاضطرار فيه.
وقال الحسن بن زياد ومحمد بن مقاتل: يحل استحساناً، وهو قول الشافعي.
قوله: (أو لعدم الآلة) يعني إذا لم يتمكن من الذكاة لعدم الآلة: لا يحل أيضاً، لأن التقصير من قبله، حيث لم يحمل آلة الذكاة معه.
قوله: (كالأهلي إن لم يتمكن من ذبحه: لا يحل بذكاة الاضطرار) يعني الأهلي مثل الغنم ونحوه، إذا أصابه آفة من مرض أو سقوط ولم يتمكن من ذبحه: لا يحل بذكاة الاضطرار، لأنه وقع في يده حياً فلم تجز ذكاة الاضطرار.
قوله: (ولو وقع الصيد عند مجوسي، وقدر على ذبحه ثم مات: لم يؤكل) لأنه بالوقوع عنده لم يبق صيداً، وإن كان المجوسي غير أهل للذكاة.
قوله: (ولو أرسل كلبه على صيد فأخذ غيره) أي غير ما أرسل إليه (حل) لأنه لا يتعين بالتعيين، خلافاً لمالك.
قوله: (ولو أرسله) أي ولو أرسل الكلب (على صيود كثيرة، وسمى مرة واحدة:
يحل له كل ما قتله بتلك التسمية) لأن الذبح يبقى بالإرسال، ولهذا يشترط التسمية عنده، والفعل وهو الإرسال: واحد، فيكتفي بتسمية واحدة.
قوله: (بخلاف الشاتين اللتين لم تضجع إحداهما فوق الأخرى) يعني إذا أضجع شاتين، ولم يضجع إحداهما فوق الأخرى، فذبحهما بتسمية واحدة: لا تحل، لأن الفعل متعدد، حتى إذا أضجع إحداهما فوق الأخرى فذبحهما دفعة واحدة بتسمية واحدة: حل، لعدم التعدد.
(وكمون الفهد لا يقطع حكم إرساله) الكمون: الاستتار، يعني إذا أرسل فهداً خلف صيد، فكمن حتى يستمكن من الصيد، ثم أخذه فقتله: يؤكل، لأن ذلك عادة له يحتال لأخذه لا للاستراحة، فلا ينقطع به حكم الإرسال.
قوله: (وكذا الكلب إذا اعتاد عادته) أي وكذا كمون الكلب واختفاؤه: لا يقطع حكم الإرسال، إذا اعتاد عادة الفهد من الكمون لأجل الاحتيال، لما قلنا.
قوله: (وإذا أخذ الجارح صيداً بعد صيد بإرسال واحد، حل الكل ما لم يعرض لاستراحة) لأن الإرسال قائم لم ينقطع، وهو بمنزلة ما لو رمى سهماً إلى صيد، فأصابه وغيره. قيد بقوله:(ما لم يعرض لاستراحة) لأنه إذا أعرض لاستراحة: لا يحل الصيد الثاني، لانقطاع حكم الإرسال.
قوله: (كما لو جثم على الصيد) الجثوم: الوقوف على الشيء بالملازمة، يعني كما لو جثم الجارح على الصيد المرسل إليه زماناً طويلاً، فمر به صيد آخر فقتله: لم يحل الثاني، لانقطاع الإرسال بمكثه طويلاً، إذ لم يكن ذلك منه حيلة للأخذ، وإنما هو استراحة.
قوله: (ولو مر السهم من الصيد المقصود إلى آخر فقتله: حلا) يعني إذا قصد صيداً فرماه بسهم، وتجاوز السهم منه إلى غيره فقتله: حل الأول والثاني جميعاً، لعدم تخلل الفاصل.
قوله: (ولو أرسل بازيه على صيد، فنزل على شيء، ثم طار وأخذه: حل إن قصر الزمان بقدر ما يكون تمكناً لاستراحة) لقيام حكم الإرسال (حتى إذا مكث زماناً طويلاً للاستراحة: لا يحل) لانقطاع حكم الإرسال.
قوله: (ولو أخذ جارح معلم صيداً، ولم يعلم هل أرسله أحد أم لا: لم يحل) لوقوع الشك في الإرسال، ولا تثبت الإباحة بدونه، ولئن كان مرسلاً: فهو مال الغير، فلا يجوز تناوله إلا بإذن صاحبه.
قوله: (وإن شاركه كلب غير معلم، أو كلب مجوسي، أو كلب لم يذكر اسم الله عليه عمداً: لم يحل) لقوله عليه السلام: "إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله عليه، فإن وجدت مع كلبك كلباً غيره وقد قتل، فلا تأكل، فإنك لا تدري أيهما قتله" رواه البخاري ومسلم وأحمد.
قيد بقوله: (عمداً) لأنه إذا كان نسياناً: لا يضر.
قوله: (ولو رده عليه ولم يجرحه معه) أي ولو رد الصيد كلب من الكلاب المذكورة على الكلب المعلم الذي أرسله، ولم يجرحه معه، بل مات بجرح المعلم (حل: وكره) لوجود المعاونة في الأخذ وفقدها في الجرح، ثم قيل: الكراهة تنزيه، وقيل: تحريم، وهو اختيار الحلواني.
قوله: (ولو رده عليه مجوسي، أو أغراه به فزاد عدوه: لم يكره) يعني لو رد الصيد على الكلب المعلم المرسل: مجوسي، أو أغرى الكلب. بأن هيجه وصال عليه فزاد جري الكلب بذلك: لمي كره، لأن فعل المجوسي ليس من جنس فعل الكلب، فلا تتحقق المشاركة أصلاً.
قوله: (وكذا لو لم يرده عليه الثاني، بل حمل عليه فزاد عدوه) أي وكذا لا يكره لو لم يرد الكلب الثاني الصيد على الكلب الأول، بل حمل عليه، فزاد جري الأول بسبب ذلك. لأن فعل الكلب الثاني أثر في الكلب الأول حتى ازداد طلباً، ولم يؤثر في الصيد، فكان تبعاً لفعله، لأنه بناءً عليه، فلا يضاف الحكم إلى التبع.
قوله: (ولو أرسله مجوسي، فأغراه مسلم فزاد عدوه: لم يحل) لأن الزجر دون
الإرسال لكونه بناءً عليه، فلا ينفسخ به الإرسال: فلا يحل، وعلى هذا: لو أرسله مسلم، فأغراه مجوسي، فزاد عدوه: يحل كما ذكرنا.
قوله: (وتعتبر الأهلية وعدمها عند الإرسال لا عند الأخذ) حتى أن المجوسي إذا أرسل كلبه إلى صيد، ثم أسلم وأخذ ما صاده كلبه: لم يحل، لكونه غير أهل عند الإرسال، والمسلم إذا أرسل كلبه، ثم ارتد والعياذ بالله، وأخذ ما صاده كلبه: يحل، لكونه أهلاً عند الإرسال.
قوله: (وكل من لا تحل ذكاته، وهو مثل: الوثني والمرتد والمحرم في حق الصيد، وتارك اسم الله عمداً: فهو كالمجوسي) فيما ذكرنا من المسائل الماضية، حتى لو أرسل كلبه إلى صيد وسمى، ثم زجره من لم يسم: يؤكل، وبعكسه لا يؤكل، وعلى هذا غيره، فافهم.
قوله: (والمسلم وغيره سواء في صيد السمك والجراد) لأنهما لا يحتاجان إلى الذكاة.
قوله: (ولو انفلت كلب مجوسي) الانفلات: أن يذهب الكلب من يده بغير إرساله منه، يعني إذا لم يرسل المجوسي كلبه بل عدا بنفسه (فأغراه مسلم، وزجره بالصيد فأخذه: حل) لأن الزجر عند عدم الإرسال يجعل إرسالاً، لأن انزجاره عقيب زجره: دليل طاعته، فيحل، والبازي كالكلب.