الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الجهاد
أقول: لما فرغ عن بيان الحج، شرع في بيان الجهاد، على التناسب الذي في خطبة الكتاب، ويسمى هذا كتاب السير أيضاً، وهو مصدر: جاهد.
قوله: (هو) أي الجهاد (فرض كفاية وإن لم يبدأ الكفار بالقتال) لقوله تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: 36].
فإذا حصل من البعض: سقط عن الباقين، كصلاة الجنازة، ودفن الميت، ورد السلام، وكانت الصحابة يغزو بعضهم ويقعد البعض، ولو كان فرض عين لما قعدوا.
قوله: (ولا جهاد على امرأة، وعبد، وأعمى، ومقعد، وأقطع) لقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ} [الفتح: 17]، نزلت في أصحاب الأعذار حين اهتموا بالخروج مع النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت آية التخلف.
قوله: (إلا إذا هجم العدو) فحينئذ يكون الجهاد فرض عين، تخرج المرأة والعبد بلا إذن زوجها وسيده.
قوله: (ويقدم طلب الإسلام) يعني إذا حاصر أهل الإسلام الكفار: يدعونهم إلى الإسلام أولاً، لما روي عن ابن عباس أنه قال:"ما قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً قط إلا دعاهم" رواه أحمد.
قوله: (ثم الجزية) يعني إذا لم يقبلوا الإسلام: يدعونهم إلى الجزية، لما روي أنه عليه السلام "كان إذا أمر أميراً على جيش أو سرية: أمره به" في حديث فيه طول، رواه أحمد والترمذي وصححه.
قوله: (فإن أبوهما) أي إن أبوا الإسلام والجزية (قوتلوا بالسلاح والمنجنيق .. إلى آخره) لما روي أنه عليه السلام كان يقول في وصية أمراء الجيش: "فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن أجابوك: فاقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا: فاستعن بالله عليهم وقاتلهم" رواه مسلم.
قوله: (ويرمون قاصدين الكفار وإن تترسوا بالمسلمين) أي بالمسلمين الذين هم أسارى عندهم، لأن دفع الضرر العام بالضرر الخاص جائز، وفي بعض النسخ:(ويرمون مقصودين) فإن صح هذا فوجهه أن يقرأ (يرمون) على صيغة المبني للمفعول، ويكون (مقصودين) حال من الضمير الذي في (يرمون).
قوله: (ويكره إخراج النساء والمصاحف إن خيف عليهما) لما فيه من تعريض المصحف على الاستخفاف، وتعريض المرأة على الضياع والفضائح، وإن لم يخف عليهما: فلا بأس بإخراج العجائز للخدمة: من الطبخ والخبز ومعالجة المرض وغير ذلك.
وأما الشواب منهن: فقرارهن في البيوت أسلم، والأولى: أن لا يخرجن أصلاً، فإن تحققت الضرورة: تخرج الإماء دون الحرائر.
قوله: (ويحرم الغلول) لأنه عليه السلام نهى عنه، وهو الخيانة، وكذلك تحرم المثلة والغدر، لقوله عليه السلام:"لا تمثلوا ولا تغدروا ولا تقتلوا وليداً" رواه ابن ماجة.
والغدر: الخيانة أيضاً، إلا أن الغلول في المغنم، والغدر أعم.
قوله: (وقتل المجنون) أي يحرم قتل المجنون (والصبي والمرأة) إلى آخره، لما روي أنه عليه السلام "نهى عن قتل النساء والصبيان" رواه أحمد والبخاري ومسلم وجماعة آخرون.
وعن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "انطلقوا باسم الله وعلى ملة رسول الله، لا تقتلوا شيخاً فانياً ولا طفلاً ولا صغيراً ولا امرأة" رواه أبو داود.
وقيد بقوله: (غير الملكة) لأن المرأة إذا كانت ملكة: تقتل، لأن في قتلها كسر شوكتهم.
قوله: (والهرم) هو الشيخ الفاني.
قوله: (ونحوهم) مثل المقطوع إحدى يديه وإحدى رجليه، أو اليمنى.
قوله: (إلا دفعاً لشر قتاله) يعني إذا كان أحد من هؤلاء مقاتلاً أو ذا رأي في الحرب: يقتل لما قلنا، وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل دريد بن الصمة وكان ابن مائة وعشرين سنة، وقيل ابن مائة وستين سنة، لأنه كان صاحب رأي وهو أعمى.
قوله: (ويكره للمسلم قتل أبيه الكافر) لقوله تعالى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} [لقمان: 15]. وليست البداية بالقتل من المعروف.
قوله: (إلا دفعاً) استثناء من قوله: (ويكره) يعني إذا قصد الأب قتله ولم يمكنه دفعه إلا بقتله: فله أن يقتله دفعاً.
قوله: (كالمسلم) يعني كما يجوز له أن يدفع اباه المسلم بالقتل إذا قصد الأب قتله، فإذا ثبت في هذه الصورة: ففي الصورة الأولى أولى وأحرى.
قوله: (وللإمام الصلح مجاناً) يعني بلا شيء، هذا إذا كان الصلح خيراً للمسلمين، لقوله تعالى:{وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: 61]. أي وإن مالوا للصلح.
قوله: (وبمال) أي وللإمام الصلح أيضاً بمال أخذاً ودفعاً، فالأخذ: أن يأخذ المال منهم، والدفع: أن يدفع المال إليهم، وذلك لأن الصلح: جهاد في المعنى إذا كان فيه مصلحة، إذ المقصود من الجهاد: دفع الشر، ولكن الصلح بالدفع إنما يجوز إذا خاف الهلاك على المسلمين، لأن دفع الهلاك بأي طريق أمكن: واجب، وإذا لم يخف: لا يفعل ذلك، لما فيه من إلحاق الذلة بالمسلمين.
قوله: (ونقضه) أي وللإمام نقض الصلح (بعد الإعلام متى رآه مصلحة) لأن المصلحة لما تبدلت: كان النقض جهاداً، هذا إذا صالحهم مدة، فرأى نقضه قبل مضي المدة، وأما إذا انقضت المدة: يبطل الصلح بمضيها.
قوله: (وإن بدوا بخيانة: لم يجب الإعلام) يعني وإن بدأ الكفار بخيانة بعد الصلح: نقض الإمام الصلح بدون الإعلام، لأن الإعلام لنقض العهد، وقد انتقض بالخيانة.
قوله: (ويكره بيع السلاح والحديد والخيل منهم) أي من الكفار، لأن فيه تقوية لهم، فيحرم.
قوله: (ولو كان سلماً) واصل بما قبله، السلم بكسر السين وفتحها: بمعنى الصلح، يعني ولو كانوا مصطلحين مع المسلمين: يكره بيع السلاح منهم، لما ذكرنا.
قوله: (بخلاف الطعام) لا يكره بيع الطعام واللباس منهم، والقياس أن يمنع منهم، لأن فيه تقويتهم، إلا أنا تركناه لما روي عنه عليه السلام "أنه أمر ثمامة أن يمير أهل مكة".
قوله: (وإذا أمنهم حر: صح) يعني أمان الحر الواحد من المسلمين: كافراً واحداً أو جماعة: صحيح، لقوله عليه السلام:"ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم" رواه أحمد.
والذمة: العهد، وأدناهم: أي أقلهم عدداً، وهو الواحد.
قوله: (إلا أن يرى الإمام نقضه) أي نقض أمان الحر الواحد إذا كان شراً لمصالح المسلمين، واحترازاً عن الغدر، وقال عليه السلام:"لكل غادر لواء يوم القيامة يعرف به" رواه أحمد والبخاري ومسلم.
قوله: (ولا يصح أمان ذمي) لأنه منهم (ولا أمان أسير وتاجر) لأنهما مقهوران تحت أيديهم، (ولا أمان مسلم غير مهاجر) وهو الذي أسلم في دارهم ولم يهاجر إلينا، (ولا أمان عبد غير مأذون في القتال) لأنه لم يباشر القتال، فلا يخافونه، فلا يصح أمانه، وقال محمد والشافعي: يجوز أمانه.