المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في المسافر - منحة السلوك في شرح تحفة الملوك

[بدر الدين العيني]

الفصل: ‌فصل في المسافر

‌فصل في المسافر

وجه المناسبة بين الفصلين: من حيث أن صلاة العيد ركعتان، وصلاة المسافر ركعتان أيضاً سوى المغرب.

قوله: (المرخص للمطيع والعاصي) أي السفر المرخص لقصر الصلاة وترك الصوم ونحوهما (مقدر بثلاثة أيام ولياليها) سواء كان المسافر مطيعاً أو عاصياً، مثل قاطع الطريق والعبد الآبق، وعند الشافعي: لا يرخص للعاصي.

والأصل فيه قوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلاةِ} [النساء: 101].

وأما تقدير المدة بالثلاثة: فلقوله عليه السلام: "يمسح المقيم يوماً وليلة والمسافر ثلاثة أيام ولياليها".

ووجه الاستدلال: أن المسافر ذكر محلى بالألف واللام، فاستغرق الجنس لعدم المعهود، واقتضى تمكن كل مسافر من مسح ثلاثة أيام ولياليهن، ولا يتصور أن يمسح

ص: 182

كل مسافر ثلاثة أيام إلا وأن يكون أقل مدة السفر ثلاثة أيام، إذ لو كان أقل من ذلك يخرج بعض المسافرين عن استيفاء هذه الرخصة، والزيادة عليها منتفية إجماعاً، فكان الاحتياج إلى إثبات: أن الثلاثة أقل مدة السفر.

قوله: (بسير الإبل ومشي الأقدام) وذلك لأن أعجل السير سير البريد، وأبطأه سير العجلة، وخير الأمور أوسطها.

وعن أبي حنيفة: أنه اعتبر ثلاث مراحل، وهو قريب من ثلاثة أيام، لأن العادة من السير في كل يوم: مرحلة، خصوصاً في أقصر أيام السنة.

ولا معتبر بالفراسخ، لأن ذا يختلف باختلاف الطرق في السهول والجبال والبحار، وقيل: يعتبر بالفراسخ: أحد وعشرون، أو ثمانية عشر، أو خمسة عشر، ولا يعتبر السير في الماء بالسير في البر، والمعتبر في البحر ما يليق بحاله كما في الجبل.

والفتوى: على أن ينظر: أن السفينة كم تسير في ثلاثة أيام ولياليها عند استواء الريح؟ لم تكن عاصفة ولا هادية، فيجعل ذلك أصلاً.

قوله: (وفرض المسافر في كل رباعية) مثل الظهر والعصر والعشاء (ركعتان) ولا يقصر المغرب ولا الوتر، وإن كان أبو حنيفة يقول بفرضيته.

وفائدة هذه المسألة: تظهر في التي تليها وهي قوله: (فلو صلى أربعاً) أي فلو صلى المسافر الرباعية أربعاً على حالها ولم يقصر (ينظر إن كان قرأ في الأوليين، وقعد في الركعة الثانية قدر التشهد: صحت صلاته) وتصير الأوليتان فرضاً والأخريان نفلاً (وإن لم يقعد في الثانية قدر التشهد: بطلت صلاته) لأن القعدة في الثانية فرض في حقه، وقد تركه.

والشافعي يخالفنا في ذلك.

ص: 183

والأصل فيه أن القصر هل هو رخصة أو عزيمة؟

فعندنا: عزيمة، وعنده: رخصة يظهر بالتأمل.

قوله: (ويترخص المسافر بمفارقته بيوت المصر) حتى لو كان أمامه دار أو داران: لا يقصر، لما روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:"صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعاً والعصر بذي الحليفة ركعتين" رواه أبو داود ومسلم.

قوله: (حتى يرجع إليها) أي إلى بيوت مصره، فإذا رجع إليها ودخل فيها: أتم وإن لم ينو الإقامة.

قوله: (أو ينوي الإقامة في بلد أو في قرية خمسة عشر يوماً) أما النية: فلأن السفر لا ينقطع إلا بالإقامة الصحيحة، وذلك بالنية.

ص: 184

وأما تقديرها بخمسة عشر يوماً: فلما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: "إذا نوى إقامة خمسة عشر يوماً أتم الصلاة" وروي مثله عن سعيد بن جبير، وسعيد بن المسيب، كذا ذكره محمد بن الحسن في موطأه.

قوله: (لا في مفازة) أي لا تصح نية إقامته بخمسة عشر يوماً أو أكثر في مفازة، لأنها ليست بمحل للإقامة، فلم تصادف النية محلها، فلغت.

قوله: (فيتم) أي حين رجع إلى مصره ودخلها، وحين نوى الإقامة في بلد أو قرية بخمسة عشر يوماً، يتم الصلاة.

قوله: (ولو دخل مصراً ولم ينو الإقامة فيه، وتمادت) أي تطاولت (حاجته شهراً) وذكر الشهر: تمثيل لا تقييد، حتى لو لم ينو الإقامة، وبقي على ذلك سنين (يترخص

ص: 185

برخص المسافرين) لما روي عن جابر بن عبد الله قال: "أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة" رواه أبو داود.

قوله: (ولا تصح نية إقامة العسكر المحارب للكفار أو البغاة) لأن حالهم يبطل عزيمتهم، لأنهم إما أن هزموهم، أو انهزموا بإزعاجهم، وعند زفر وهو رواية عن أبي يوسف: أنه تصح نيتهم الإقامة.

قوله: (بخلاف أهل الكلأ) أي تصح نية إقامتهم، وهم أهل الأخبية والخيام، كالأعراب والأتراك والأكراد، لأن الإقامة للمرء أصل، والسفر عارض، فلا يبطل بالانتقال من مرعى إلى مرعى.

وعن أبي يوسف: أن الرعاء إذا كانوا في تطواف وترحال من المفاوز والمهامة، من مساقط الغيث إلى مساقط الغيث، ومعهم رحالهم وأثقالهم: كانوا مسافرين حيث نزلوا، إلا إذا نزلوا مرعى كثير الكلأ والماء، واتخذوا المخابز والمعالف والأواري، وضربوا الخيام، وعزموا على الإقامة مدة خمسة عشر يوماً، والكلأ والماء يكفيهم: فإني أستحسن أن أجعلهم مقيمين.

قوله: (ويتم المسافر المقتدي بالمقيم) لأن التبعية معتبرة كنية الإقامة.

قوله: (وإذا صلى المسافر بالمقيمين ركعتين: سلم) أي على رأس الركعتين (وقال للجماعة: أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر) بذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صلى بأهل مكة في سفره، وهذا إعلام من الإمام للقوم، وهو مستحب.

والسفر بسكون الفاء: جمع سافر، كركب جمع راكب.

ص: 186

قوله: (ومن توطن في غير وطنه ثم دخل وطنه الأول: قصر).

صورته: شامي انتقل من الشام بأهله وعياله، وتوطن المصر، ثم سافر فدخل الشام: يقصر الصلاة، لأنه لم يبق له، لإبطاله الوطن الأول بتوطنه في غيره، كمكة للنبي صلى الله عليه وسلم.

قوله: (وفائتة الحضر تقضى في السفر أربعاً) لأن القضاء يجب بالسبب الذي يجب به الأداء، فيحكيه، وعلى هذا الأصل تقضى فائتة السفر في الحضر ركعتين، إلا عند الشافعي تقضى أربعاً.

قوله: (والمعتبر في ذلك) أي في وجوب القضاء (أربعاً أو ركعتين آخر الوقت عندنا) وذلك بقدر التحريمة، وعند زفر: يعتبر قدر ما يتمكن من أداء الصلاة فيه، حتى أن مسافراً لو أقام في آخر الوقت وبقي منه قدر ما يتمكن من أن يصلي فيه ركعتين: قصر عنده، وإن بقي أقل منه: أتم، والحيض والطهر على هذا، وقد مر في أول كتاب الصلاة.

قوله: (ويصير المسافر مقيماً بمجرد النية) لأن النية هي المعتبرة في تغير حاله، فيؤثر فيما يصادف محلها، حتى لا يصير المقيم مسافراً إلا بالنية مع الخروج.

قوله: (ويباح السفر يوم الجمعة قبل الزوال وبعده) أما بعد الزوال فظاهر، وأما قبله: فملا روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة في سرية، فوافق ذلك يوم الجمعة، فغدا أصحابه وقال: أتخلف فأصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ألحقهم، فملا صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه فقال:"ما منعك أن تغدو مع أصحابك؟ " فقال: أردت أن أصلي معك ثم ألحقهم، فقال:"لو أنفقت ما في الأرض ما أدركت فضل غدوتهم" أخرجه الترمذي.

ص: 187

قوله: (ومن بداله) أي ظهر له (أن يرجع من الطريق إلى مصره وليس بينهما) أي بينه وبين مصره (مدة سفر) وهي ثلاثة أيام (صار مقيماً في الحال) فلا يقصر الصلاة، لعدم وجود مدة السفر.

قوله: (وإلا فهو مسافر) أي وإن كان بينه وبين مصره مدة سفر: فهو مسافر حتى يدخل مصره، لوجود مدة السفر، فلا يتم الصلاة.

قوله: (وكل تبع يصير بنية متبوعه إذا علم بها) أي بنية متبوعه، فالتبع: كالجندي والعبد والمرأة والأجير والتلميذ.

والمتبوع: كالأمير والمولى والزوج والمستأجر والأستاذ.

والمرأة إنما تكون تبعاً للزوج: إذا أوفاها مهرها المعجل، وإلا فلا، قبل الدخول وبعده. والجندي إنما يكون تبعاً للأمير: إذا كان يرتزق من الأمير، ولو كان العبد مشتركاً بين مسافر ومقيم، قيل: يتم، وقيل: يقصر، وقيل: إن كان بينهما مهايأة في الخدمة: يقصر في نوبة المسافر ويتم في نوبة المقيم.

ص: 188