المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في مسح الخف - منحة السلوك في شرح تحفة الملوك

[بدر الدين العيني]

الفصل: ‌فصل في مسح الخف

‌فصل في مسح الخف

خالف المصنف في ذلك سائر المصنفين بتقديمه المسح على التيمم، نظراً إلى أن المسح خلف عن البعض، والتيمم خلف عن الكل، فالأول: مقدم على الثاني، والصواب: ترتيب غيره، لأن التيمم أقوى من المسح، لأنه ثابت بالسنة، والتيمم بالكتاب، ولأنه في كتاب الله تعالى ذكر التيمم عقيب الوضوء.

قوله: (يمسح المقيم) الأصل فيه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام وللمقيم يوماً وليلة" رواه أبو داود. وروي أنه عليه السلام سئل عن المسح على الخفين فقال: "للمسافر ثلاثاً وللمقيم يوماً" رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

قوله: (من الحدث خاصة) أي الحدث الأصغر خاصة، فلا يجوز عن الجنابة، لأنها ألزمته غسل كل البدن بالنص، ومع الخف لا يتأتى ذلك.

صورته: مسافر أجنب في المدة وليس عنده ماء، فتيمم ثم أحدث، ووجد من الماء ما يكفي وضوءه: لا يجوز له المسح، لأن الجنابة سرت إلى القدمين.

قوله: (من وقت الحدث) أي ابتداء المدة يعتبر من حين الحدث الذي يوجد بعد اللبس، حتى لو توضأ مقيم عند طلوع الفجر، ولبس عند طلوع الشمس، وأحدث بعدما صلى الظهر، يصلي الظهر في الغد بالمسح، لا العصر. فافهم.

قوله: (بشرط لبسه على طهارة كاملة) احترز به عن طهارة ناقصة، مثل: ما إذا بقي من أعضائه لمعة لم يصبها الماء، فأحدث قبل الاستيعاب: لا يجوز له المسح، واحترز به عن وضوء ناقص بأي شيء كان نقصه: كوضوء المستحاضة ومن بمعناها إذا لبسوا الخف ثم خرج الوقت، وكالمتيمم إذا لبس خفيه ثم وجد الماء، فافهم: لا يمسحون، لعدم اللبس على طهارة كاملة.

قوله: (عند الحدث) أي اشتراط كمال الطهارة عند الحدث لا عند اللبس، خلافاً

ص: 69

للشافعي، حتى لو غسل رجليه ولبس خفيه ثم أتم الوضوء قبل أن يحدث: جاز له المسح عليه، خلافاً له، وكذا لو لبس خفيه محدثاً، وخاض الماء، فوصل الماء إلى رجليه، ثم أتم سائر الأعضاء ثم أحدث: جاز له المسح، خلافاً له، ولو غسل رجليه، ثم لبس خفيه، ثم أحدث ثم أكمل الوضوء: لا يجوز له المسح بالإجماع.

قوله: (ويجوز المسح على خف فوق خف) لأنه يصير حينئذ كخف ذي طاقين. قوله: (وعلى جرموق فوق خف) أي ويجوز المسح أيضاً على جرموق فوق خف لما قلنا، وقال الشافعي: لا يجوز.

قوله: (إن لبسه) أي لبس الجرموق (قبل الحدث) قيد به، لأنه إذا أحدث بعد لبس الخف، ثم لبس الجرموق: لا يمسح عليه، لأن ابتداء مدة المسح من وقت الحدث، وقد انعقد في الخف، فلا يتحرك إلى الجرموق.

قوله: (وعلى جورب) أي ويجوز المسح على جورب، لما قال المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"توضأ ومسح على الجوربين والنعلين" رواه أبو داود والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح.

قوله: (لا يشف) صفة الجورب، وكذا قوله:(ويقف على الساق بلا ربط) فمهما كان الجورب على هاتين الصفتين: يجوز المسح عليه في قولهما، وقول أبي حنيفة المرجوع إليه، ولو لم يكن مجلداً، وأما في قوله المرجوع عنه: فلا يجوز إلا إذا كان مجلداً، والفتوى على قوله المرجوع إليه، رجع إليه قبل موته بسبعة أيام، وقيل: بثلاثة.

قوله: (ولو سافر مقيم في مدته: أتم ثلاثاً) أي ثلاثة أيام ولياليها.

ص: 70

وقال الشافعي: ليس له ذلك، وهذا بناءً على أن مدة المقيم هل تتغير أم لا؟ فعنده لا تتغير، فلا يجوز، وعندنا: تتغير فيجوز.

قوله: (ولو أقام مسافر في مدته، لم يزد على يوم وليلة من حين مسح) وهذا بالإجماع، لأن مدة المسافر قبل استكمالها تصير مدة المقيم عند الإقامة.

قوله: (ومسح ظاهر الخف) هذا بيان محل المسح، وهو ظاهر الخف عندنا، حتى لا يجوز باطنه أو عقبه أو ساقه أو جوانبه أو كعبه، لقول علي رضي الله عنه:"لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على ظاهر خفيه" رواه أبو داود.

قوله: (وأقله) أي أقل المسح (قدر ثلاثة أصابع من أصابع اليد) وقيل: من الرجل، لأن الحدث لا يتجزأ، لأنه يجب غسله لظهور بعض القدم، وهذا هو القياس في القليل أيضاً، لكنه سقط للحرج.

قوله: (وينقض المسح: كل ما ينقض الوضوء) لأن ما ينقض الغسل: فلأن ينقض المسح أولى.

قوله: (وينقضه: مضي المدة) لأنها إذا مضت: يسري الحدث إلى القدمين، فعليه غسلهما، إلا إذا خاف ذهاب رجليه من البرد.

قوله: (ونزع إحدى القدمين) أي ينقض المسح أيضاً: نزع إحدى القدمين إلى ساق الخف، لأن موضع المسح فارق مكانه، فكأنه ظهر رجله، وكذا ينقض المسح: بخروج أكثر القدم في الصحيح، لأن للأكثر حكم الكل، وعن أبي حنيفة: إن زال عقب الرجل،

ص: 71

أو زال أكثر عقب الرجل: بطل مسحه، وهو قول أبي يوسف، وعن محمد: إن بقي من ظهر القدم في موضع المسح قدر ثلاث أصابع: لم يبطل مسحه، وعليه أكثر المشايخ.

قوله: (ومتى بطل المسح بمضي المدة) أي مدة الإقامة أو السفر أو نزع الخف (كفى غسل القدمين من غير إعادة الوضوء) هذا إذا كان وجد على الوضوء، لأنه ليس بحدث مبتدأ، حتى يجب غسل باقي الأعضاء، وأما إذا وجد على الحدث: فعليه إعادة الوضوء.

قوله: (ويمسح الجبيرة) وهي العيدان التي تجبر بها العظام المكسورة.

قوله: (وانشد بها محدثاً) واصل بما قبله، أي وإن شد الجبيرة وهو على غير وضوء، وهذا المسح: مستحب عند أبي حنيفة، حتى لو ترك من غير عذر: جاز، وعندهما: واجب، فلا يترك إلا من عذر، والمجروح مثل المكسور.

قوله: (ولا يتوقت) أي المسح على الجبيرة غير موقت، يمسحها متى شاء، لعدم التوقيف بالتوقيت.

قوله: (وإن سقطت) أي الجبيرة (عن غير برء: بقي المسح) لأن سقوط الغسل للعذر، وهو قائم، والمسح قائم وإن زال الممسوح، كما لو مسح رأسه ثم حلقه.

قوله: (وإن كان) أي سقوط الجبيرة (عن برء: بطل المسح) لزوال العذر.

قوله: (وإن كان في الصلاة) أي وإن كان السقوط عن برء في الصلاة:

(استقبلها) لأنه قدر على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل.

قوله: (وعصابة الفصد) العصابة ما يعصب به الجراحة أي يشد.

قوله: (ونحوه) مثل عصابة الحجامة والقرحة والجراحة ونحوها.

قوله: (إن ضره حلها) أي إن ضر المتوضي حل العصابة (مسح على جميعها) سواء كان تحتها الجراحة كلها أو لا، لأنها لا تعصب على وجه تأتي على موضع الجراحة

ص: 72

فحسب، بل يدخل ما حول الجراحة تحت العصابة، فكان مسح ما يواري حول الجراحة ضرورة، فله أن يمسح ما يواري الجراحة وعلى ما يواري ما حول الجراحة، ويكتفي بالمسح على أكثرها في الصحيح، لئلا يؤدي إلى إفساد الجراحة، فلو تركه: جاز وإن لم يضره عند أبي حنيفة، وعندهما: إن لم يضره لم يجز.

قوله: (مع فرجتها) وهي الموضع الذي يبقى بين العقدين، قيل: يفترض غسل تلك الفرجة لأنها بادية، وقيل: لا، ويكفيه المسح، وهو الأصح، لأنه لو كلف غسل ذلك الموضع: ربما يبتل جميع العصابة، وتنفد البلة إلى موضع الفصد ونحوه، فيتضرر. ثم إنما يجوز المسح على عصابة الفصد ما لم ينسد موضع الفصد، فإذا علم يقيناً أن موضع الفصد قد انسد: يلزمه غسل ذلك الموضع ولا يجزيه المسح. ومن كان في يديه شقاق ولا يمكنه استعمال الماء، وقد عجز عن الوضوء: يستعين بغيره ليوضئه، فإن لم يستعن بغيره وتيمم وصلى: جازت صلاته عند أبي حنيفة، خلافاً لهما.

ومن انكسر ظفره فجعل عليه علكاً أو نحوه: إن ضر نزعه: أمر الماء عليه، ولو كان المسح على العلك يضره: يجوز تركه، وقيل: لا.

ومن أرسل علقة على يده أو رجله، فسقطت العلقة، فجعل الحنا في موضعهما، ولا يمكنه غسله: مسحه، فإن أضره المسح تركه، فيغسل ما حوله ويترك ذلك الموضع. كذا في التتمة.

ص: 73