الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول ما هي الحاجة إلى تفسير القرآن
؟!
قال العلّامة اللغوي مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي:
(الفسر: الإبانة، وكشف المغطّى، كالتفسير، والفعل كضرب ونصر، ونظر الطبيب إلى الماء، كالتفسرة، أو هي البول، كما يستدل به على المرضى، أو هي مولّدة.
ثعلب: (التفسير والتأويل واحد) أو هو كشف المراد عن المشكل، والتأويل ردّ أحد المحتملين إلى ما يطابق الظاهر
…
) (1).
والدليل الواضح على أن معنى التفسير هو: الإيضاح والتبيين، قول الله تعالى:(وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً)(2).
وأما تعريف التفسير في الاصطلاح:
فله تعريفات كثيرة، منها ما نسبه الإمام السيوطي إلى المفسّر أبي حيّان الأندلسي (ت: 754 هـ) أنه قال: (علم يبحث فيه عن كيفية النّطق بألفاظ القرآن، ومدلولاتها، وأحكامها الإفرادية والتركيبية، ومعانيها التي تحمل عليها حال التركيب، وغير ذلك كمعرفة: النسخ، وسبب النزول، وما به من توضيح المقام كالقصة والمثل)(3).
(1) القاموس المحيط: مادة (فسر): 1/ 636.
(2)
الفرقان: 33.
(3)
الإتقان: 2/ 1191.
وأما شرف التفسير:
(فلا يخفى، قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً)(1) قال:
المعرفة بالقرآن، ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ومقدّمه ومؤخره، وحلاله وحرامه، وأمثاله.
وبالتالي أجمع العلماء على أن التفسير من فروض الكفايات، وأجلّ العلوم الثلاثة الشرعية.
قال الأصبهاني: أشرف صناعة يتعاطاها الإنسان تفسير القرآن، بيان ذلك أن شرف الصناعة إما بشرف موضوعها مثل الصياغة، فإنها أشرف من الدّباغة، لأن موضوع الصياغة الذهب والفضة، وهما أشرف من موضوع الدباغة الذي هو جلد الميتة.
وإما بشرف غرضها، مثل صناعة الطبّ، فإنها أشرف من صناعة الكناسة، لأن غرض الطب إفادة الصحة، وغرض الكناسة تنظيف المستراح.
وإما لشدة الحاجة إليها كالفقه، فإن الحاجة إليه أشدّ من الحاجة إلى الطب، إذ ما من واقعة في الكون في أحد من الخلق إلا وهي مفتقرة إلى الفقه، لأن به انتظام صلاح أحوال الدنيا والدّين، بخلاف الطب، فإنه يحتاج إليه بعض الناس في بعض الأوقات.
إذا عرف ذلك، فصناعة التفسير قد حازت الشرف من الجهات الثلاث.
أما من جهة الموضوع: فلأن موضوعه كلام الله تعالى الذي هو ينبوع كل حكمة، ومعدن كل فضيلة، فيه نبأ ما قبلكم وخبر
(1) البقرة: 269
ما بعدكم، وحكم ما بينكم، لا يخلق على كثرة الردّ، ولا تنقضي عجائبه.
وأما من جهة الغرض، فلأن الغرض منه هو الاعتصام بالعروة الوثقى، والوصول إلى السعادة الحقيقية التي لا تفنى.
وأما من جهة شدّة الحاجة، فلأن كل كمال ديني أو دنيوي، عاجليّ أو آجلي، مفتقر إلى العلوم الشرعية والمعارف الدينية، وهي متوقفة على العلم بكتاب الله تعالى) (1).
لكن السؤال المطروح: ما هي الحاجة إلى التفسير؟ خاصة وأن الله أنزل القرآن الكريم واضحا بيّنا؟!
يقول الحافظ جلال الدين السيوطي رحمه الله تعالى:
(إن القرآن إنما نزل بلسان عربي في زمن أفصح العرب، وكانوا يعلمون ظواهره وأحكامه، أما دقائق باطنه، فإنما كان يظهر لهم بعد البحث والنظر، مع سؤالهم النبي صلى الله عليه وسلم في الأكثر، كسؤالهم لما نزل قوله تعالى: (وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ)(2).
فقالوا: وأيّنا لم يظلم نفسه؟!
ففسّره النبي صلى الله عليه وسلم، واستدل عليه بقوله تعالى:(إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)(3).
وكسؤال عائشة رضي الله عنها عن الحساب، فقال صلوات الله عليه:«ذلك العرض» (4).
(1) الإتقان في علوم القرآن: 4/ 171 - 173 (باختصار وتصرف).
(2)
الأنعام: 82.
(3)
لقمان: 13.
(4)
صحيح البخاري: رقمه (103)، صحيح مسلم:(2876).
وكقصة عديّ بن حاتم في الخيط الأبيض والأسود (1) وغير ذلك، ممن سألوا عن آحاد منه، ونحن محتاجون إلى ما كانوا يحتاجون إليه وزيادة على ذلك مما لم يحتاجوا إليه من أحكام الظواهر، لقصورنا عن مدارك أحكام اللغة بغير تعلّم، فنحن أشد الناس احتياجا إلى التفسير، ومعلوم أن تفسيره بعضه يكون من قبل بسط الألفاظ الوجيزة، وكشف معانيها، وبعضه من قبل ترجيح بعض الاحتمالات على بعض .. ) (2).
إذا:
لا بدّ من تفرّغ بعض العلماء لتقديم تفاسير مناسبة لكل زمان، حيث يستدلّ الناس من خلالها على كنوز الحكمة وذخائرها، لا أن يهتمّ المسلمون فقط بتنميق المصحف وزركشته و .. ما إلى هنالك؟
فالله أنزله وسيلة هداية، وسبيل تذكر واعتبار، وطريق فوز ونجاح
…
وهذا هو السرّ وراء تقدّم السلف الصالح، وهو ذاته السرّ الكامن وراء تخلف الخلق!!
…
(1) صحيح البخاري: رقمه (1817)، صحيح مسلم:(1090).
(2)
الإتقان: 4/ 170 - 171.