الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث الإسرائيليات في تفسير الصحابة
!!
ساق البيان الإلهي طائفة من أخبار الأمم الماضية، وذلك من باب العبرة والذكرى، مصداق ذلك قوله تعالى- وذلك بعد سرد قصة يوسف عليه السلام:(لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)(1).
لكن أنّى للأمة الأمية- أمة العرب- أن تستطيع معرفة ذلك، وهم أبعد ما يكونون عن الحضارة والعلم والتاريخ.
مما أدّى إلى أن يلجئوا- مضطرّين- إلى أهل الكتاب ليستفسروا منهم عن تفصيلات حكايات الأمم الماضية، وخاصة الذين أسلموا منهم.
وبالطبع فذاك أمر مسموح به في الميزان الشرعي، مصداق ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:«حدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عليّ متعمّدا فليتبوأ مقعده من النار» .
لكن هل السماح بالأخذ عنهم هو سماح مطلق؟ أم أنه سماح مقيّد ومنضبط؟!
بعض الحاقدين على الإسلام- وخاصة المستشرقين منهم- صوّروا
(1) يوسف: 111.
الصحابة تصويرا يدل على أنهم يتصفون بالغفلة والسذاجة، بحيث إنهم يصدّقون كل ما يرد عن (كعب الأحبار، ووهب بن منبه) وغيرهما، لكن الحقيقة هي أنهم كانوا يصدّقونهم في الأمور التي تتّفق مع الإسلام، ويسقطون كل ما يخالف الإسلام، ويتوقّفون عند كل ما يحتمل الصدق والكذب، ولا يسألون عن الشبهات .. ، وخاصة ما يتعلق بالعقيدة.
ولذلك لم يرد مطلقا أن الصحابة سألوا واحدا من أهل الكتاب عن طول سفينة نوح عليه السلام! أو عن اسم كلب أهل الكهف! أو عن صفة الغلام الذي قتله الخضر! ولا عن تفصيلات حكاية بقرة بني إسرائيل و
…
!!
فتلك من القضايا التي لا تقدّم ولا تؤخر، وليست من الأوليات، إنما هي من الأمور التي إن عرفها الإنسان فلا ضير، وإن لم يعرفها ولم يسأل عنها فلا ضير أبدا.
إذا:
الحاكم للمسألة، والقول الفصل فيها هو حكم الشريعة الإسلامية، دليل ذلك قول الرسول صلوات الله عليه:«لا تصدّقوا أهل الكتاب ولا تكذّبوهم، وقولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون» .
لكن- كما هي العادة- فقد أخذ ذلك بعض المستشرقين، ومن ثمّ سلّطوا عليه المجاهر المكبّرة، فاتّهموا الصحابة الكرام تهما لا تليق، واعتبروا أن كثيرا مما رواه الصحابة مكذوب وما إلى هنا لك، وذلك لأن مصدره أهل الكتاب.
من ذلك قول محمود أبو ريّة: (وتلقّى الصحابة ومن تبعهم كل ما يلقيه هؤلاء الدهاة- يقصد عبد الله بن سلام وكعب الأحبار ووهب بن
منبه- بغير نقد أو تمحيص، معتبرين أنه صحيح لا ريب فيه) (1).
ثم يقول: (وكان من أثر وثوق الصحابة بمسلمة أهل الكتاب واغترارهم بهم أن صدّقوهم فيما يقولون، ويروون عنهم ما يفترون
…
، وكان أبو هريرة- رضي الله عنه أكثر الصحابة وثوقا بهم وأخذا عنهم وانقيادا لهم) (2).
وأجمل ما يردّ على الافتراءات أن الكتب المعتمدة والصحيحة قد نقلت لنا طائفة من الأمور التي تدلّ- وبكل وضوح- على أن الصحابة الكرام كانوا يناقشون أهل الكتاب، فإذا وجدوا صحة وتثبتا في المسألة، أخذوا بها، وإذا وجدوا فيها خطأ ومخالفة لأمور الشريعة ردوا عليهم خطأهم، وبينوا الصواب في ذلك.
مصداق ذلك ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة فقال:«فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلّي يسأل الله تعالى شيئا إلا أعطاه إياه» (3).
ودار نقاش بين أبي هريرة وبين كعب الأحبار، فقال كعب: إنها في جمعة واحدة من السنة، فردّ عليه أبو هريرة وقال: بل هي- ساعة الإجابة- في كل جمعة.
فعاد كعب إلى التوراة، فرأى أنه قد أخطأ بذلك، وأن الصواب مع قول أبي هريرة، فعاد إلى قوله.
مثال آخر: رواه ابن جرير عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن
(1) أضواء على السنّة المحمدية: 110.
(2)
أضواء على السنة المحمدية: 125 - 126.
(3)
صحيح البخاري: 2/ 13.