الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خاتمة القسم الثاني (التفسير في عهد الصحابة)
شاء الله سبحانه وتعالى أن ينزل كتابه الخالد على الأمّة الأمّية، فأكرمها بأن كان القرآن الكريم بلغتها، وزاد في ذلك بأن تكفّل سبحانه بحفظه وبيانه، مصداق ذلك قوله تعالى:(إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) (1).
وفي عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كان المفسّر للقرآن هو القرآن نفسه، وإلا كان المرجع الوحيد للتفسير هو النبي صلى الله عليه وسلم.
وبعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى أصبح بعض الرموز من الصحابة الكرام هم المرجع في تفسير القرآن الكريم، وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون، وأبيّ بن كعب، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود، و
…
رضي الله عنهم أجمعين.
وقد اجتهد هؤلاء الصحابة في القضايا التي لم يرد فيها نصّ صريح- من القرآن والسنة- واعتمدوا في بعض القضايا- خاصة ما يتعلق بقصص الأنبياء وقصص الأمم السابقة- على المعلومات المتوفّرة لدى علماء أهل الكتاب.
ثم جاء من بعدهم التابعون وتابعوا التابعين، ولما دوّن علم التفسير اعتمد تفسير الصحابة على أساس (المرفوع الذي شهد له الوحي)، أو
(1) القيامة: 17 - 19.
في حكم الموقوف، وفي كلتا الحالتين يرجع إليه.
لكن أهم ما تميّز تفسير الصحابة أنه لم يدوّن بشكل مستقل، إنما اتخذ شكل الحديث النبوي.
ورحم الله ابن مسعود عند ما قال في معرض اتخاذ الأسوة والقدوة:
(من كان منكم متأسّيا فليتأسّ بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنهم كانوا أبرّ هذه الأمّة قلوبا، وأعمقها علما، وأقلّها تكلّفا، وأقومها هديا، وأحسنها حالا، اختارهم الله لصحبة نبيّه صلى الله عليه وسلم وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم).
ورحم الله الإمام الشافعي عند ما قال عن الصحابة: وهم فوقنا في كل علم واجتهاد، وورع وعقل، وأمر استدرك به علم، واستنبط به حكم، وآراؤهم لنا أحمد وأولى بنا من آرائنا عندنا لأنفسنا (1).
أجل!
هكذا كانوا مع القرآن الكريم، تلاوة وفهما، يحلّون حلاله، ويحرّمون حرامه، لكن دار الزمن دورته، فاهتم المسلمون بشكليات القرآن فأخذوا يتفنّنون بطباعته وزخرفته، ولا أحد- إلا من رحم ربك- يهتمّ بجوهره وروحه، وكأن القرآن في هذه الأيام ينادي بلسان الحال:
(وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً)(2).
فالقرآن أنزله الله هداية وصلاحا، دستورا وشريعة، نورا وبرهانا، وتكفّل الله للناس أن يجدوا فيه ما يحتاجون إليه من أمور دينهم ودنياهم، مصداق ذلك قوله تعالى:(يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)(3).
(1) علوم الحديث لابن الصلاح: 263 - 264.
(2)
الفرقان: 30.
(3)
يونس: 57.
وكل بعد عن القرآن يعني الخسران المبين، لأن فيه العلاج للأمراض، والحلول للمشكلات و .. ، قال تعالى:(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً)(1).
نسأل الله تعالى أن يعيد المسلمين إلى منهج القرآن والسنة، عسى أن تعمّ البركات كل المعمورة، كما قال الله تعالى:(كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ)(2).
ونضرع إليه سبحانه أن يجعلنا من الوقّافين لما في القرآن من أحكام، إنه هو البر الرحيم، وصلى الله وسلم على خاتم الأنبياء محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
…
(1) الإسراء: 82.
(2)
ص: 29.