الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع أهم أسباب الخلاف بين الصحابة في التفسير
!!
في كتب التفسير- خاصة كتب التفسير بالمأثور- آراء كثيرة للصحابة، وذلك في مجالات تفسير آيات القرآن.
لكن الملاحظ أن هناك اختلافا في آرائهم، لكن هل هو خلاف تضادّ، أم هو خلاف تنوّع؟!
الإمام ابن تيمية رحمه الله تحدّث عن ذلك، وذكر طائفة من الأسباب التي تؤدّي إلى ذلك، فقال:(ولهذا كان النزاع بين الصحابة في تفسير القرآن قليلا جدا، وهو وإن كان في التابعين أكثر منه في الصحابة، فهو قليل بالنسبة إلى من بعدهم).
ثم أكّد على فكرة أن الخلاف ليس إلا خلاف تنوّع، لا خلاف تضاد، وذلك بقوله:(إن الخلاف بين السلف في التفسير قليل، وخلافهم في الأحكام أكثر من خلافهم في التفسير، وغالب ما يصحّ عنهم من الخلاف يرجع إلى اختلاف تنوّع لا اختلاف تضاد).
ثم وضع عدة أسباب أدّت إلى الخلاف بين الصحابة في التفسير، وأهمها:
أ- أن يعبّر كل واحد منهم عن المراد بعبارة غير صاحبه تدلّ على معنى في المسمّى غير المعنى الآخر مع اتحاد المسمّى، بمنزلة الأسماء المتكافئة التي بين المترادفة والمتباينة: (ومعلوم أن هذا ليس اختلاف
تضاد كما يظنه بعض الناس، مثال ذلك تفسيرهم للصراط المستقيم، فقال بعضهم: هو القرآن، أي اتباعه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في سنن الترمذي-:«هو حبل الله المتين، والذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم» .
وقال بعضهم هو الإسلام، لقوله صلوات الله عليه:«ضرب الله مثلا صراطا مستقيما، وعلى جنبتي الصراط سوران، وفي السورين أبواب مفتحة»
…
«رواه الترمذي» .
فهذان القولان متفقان، لأن دين الإسلام هو اتباع القرآن ولكن كل منهما نبّه على وصف غير الوصف الآخر، كما أن لفظ (الصراط) يشعر بوصف ثالث، وكذلك قول من قال: هو السنّة والجماعة، وقول من قال: هو طريق العبودية، وقول من قال: هو طاعة الله ورسوله، لكن وصفها كلّ بصفة من صفاتها).
ب- أن يذكر كل منهم من الاسم العام بعض أنواعه على سبيل التمثيل، وتنبيه المستمع على النوع لا على سبيل الحدّ المطابق للمحدود في عمومه وخصوصه، مثال ذلك ما نقل في قوله تعالى:
(ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ)(1).
فمعلوم أن الظالم لنفسه يتناول المضيّع للواجبات والمنتهك للحرمات، والمقتصد يتناول فاعل الواجبات وتارك المحرمات، والسابق يدخل فيه من سبق فتقرب بالحسنات مع الواجبات، فالمقتصدون هم أصحاب اليمين، والسابقون أولئك المقربون.
ج- أن يكون اللفظ فيه محتملا للأمرين: إما لكونه مشتركا في اللغة، كلفظ (قسورة) الذي يراد به الرمي، ويراد به الأسد
…
، وإما
(1) فاطر: 32.
لكونه متواطئا في الأصل، لكن المراد به أحد النوعين، أو أحد الشيئين كالضمائر في قوله تعالى:(ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى (8) فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) (1).
د- أن يعبّروا عن المعاني بألفاظ متقاربة لا مترادفة، فإن الترادف في اللغة قليل، وأما في ألفاظ القرآن فإما نادر وإما معدوم، وقلّ أن يعبّر عن لفظ واحد بلفظ واحد يؤدي جميع معناه، بل يكون فيه تقريب لمعناه، وهذا من أسباب إعجاز القرآن، مثاله: قال أحدهم: (أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ)(2) أي: تحبس، وقال الآخر: ترتهن، ونحو ذلك، فهذا اختلاف تنوع، لا اختلاف تضاد، إذ قد يكون المحبوس مرتهنا، وقد لا يكون (3).
…
(1) النجم: 8 - 9.
(2)
الأنعام: 70.
(3)
للتوسع يراجع: مقدمة في أصول التفسير: 10 - 13.