الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس أهم مميزات تفسير الصحابة
يمتاز التفسير في عهد الصحابة بعدد من الميزات، أهمها:
أولا: لم يفسّر القرآن جميعه، وإنما فسّر بعض منه، وهو ما غمض فهمه، وهذا الغموض كان يزداد كلما بعد الناس عن عصر النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة، فكان التفسير يتزايد تبعا لتزايد هذا الغموض، إلى أن تمّ تفسير آيات القرآن جميعها.
ثانيا: قلّة الاختلاف بينهم في فهم معانيه.
ثالثا: كانوا كثيرا ما يكتفون بالمعنى الإجمالي، ولا يلزمون أنفسهم بتفهّم معانيه تفصيلا، فيكفي أن يفهموا من مثل قوله تعالى:(وَفاكِهَةً وَأَبًّا)(1) أنه تعداد لنعم الله تعالى على عباده.
رابعا: الاقتصار على توضيح المعنى اللغوي الذي فهموه بأخصر لفظ، مثل قولهم في قول الله تعالى:(غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ)(2)، أي:
غير متعرّض لمعصية، فإن زادوا على ذلك فمما عرفوه من أسباب النزول.
خامسا: ندرة الاستنباط العلمي للأحكام الفقهية من الآيات القرآنية وعدم وجود الانتصار للمذاهب الدينية بما جاء في كتاب الله، نظرا
(1) عبس: 31.
(2)
المائدة: 3.
لاتحادهم في العقيدة، ولأن الاختلاف المذهبي لم يقم إلا بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم.
سادسا: لم يدوّن شيء من التفسير في هذا العصر، لأن التدوين لم يكن إلا في القرن الثاني للهجرة، نعم أثبت بعض الصحابة بعض التفسير في مصاحفهم، فظنها بعض المتأخرين من وجوه القرآن التي نزل بها من عند الله تعالى.
سابعا: اتخذ التفسير في هذه المرحلة شكل الحديث، بل كان جزءا منه وفرعا من فروعه، ولم يتخذ التفسير له شكلا منظما، بل كانت هذه التفسيرات تروى منثورة لآيات متفرقة، كما كان الشأن في رواية الحديث، فحديث صلاة بجانب حديث جهاد، بجانب حديث ميراث، بجانب حديث في تفسير آية
…
وهكذا.
وليس لمعترض أن يعترض علينا بتفسير ابن عباس، فإنه لا تصحّ نسبته إليه، بل جمعه الفيروزآبادي ونسبه إليه، معتمدا في ذلك على رواية واهية، هي رواية محمد بن مروان السدّي، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، وهذه هي سلسلة الكذب كما قيل (1).
أجل!
وهذه الميّزات التي امتاز بها تفسير الصحابة جعل من تفسيرهم حجّة يجب الأخذ بها، وفرّق العلماء بين أن يكون التفسير هو مجرّد آراء واجتهادات اجتهد بها بعض الصحابة، وبين أن يكون نقلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ودون اجتهادات منهم، وما إلى هنالك.
فإذا كان تفسير الصحابة مما يرجع إلى أسباب النزول فحكمه حكم المرفوع، أما ما يكون للرأي فيه مجال ولم يسنده الصحابي إلى النبي صلوات الله عليه فحكمه حكم الموقوف، كما قال ابن الصلاح: (وأما
(1) التفسير والمفسرون: 1/ 98.
من قال: تفسير الصحابي مرفوع، فذاك في تفسير يتعلق بسبب نزول آية، كقول جابر رضي الله عنه: كانت اليهود تقول: من أتى امرأته من دبرها في قبلها جاء الولد أحول!!
فأنزل الله تعالى: (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ)(1) رواه مسلم، أو نحوه مما لا يمكن أن يؤخذ إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا مدخل للرأي فيه، وغيره موقوف، وكذا يقال
في التابعي إلا أن المرفوع من جهته مرسل) (2).
…
(1) البقرة: 223
(2)
مقدمة ابن الصلاح: 121.