الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والسلام: «لا وصية لوارث» بيان منها أن آية الوصية للوالدين والأقربين منسوخ حكمها وإن بقيت تلاوتها، وحديث:«البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام» بيان منه أيضا لنسخ حكم الآية الكريمة: (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ)(1) وغير هذا كثير.
الوجه الخامس: بيان التأكيد، وذلك بأن تأتي السنّة موافقة لما جاء به الكتاب، ويكون القصد من ذلك تأكيد الحكم وتقويته، وذلك كقوله عليه السلام:«لا يحلّ مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه منه» فإنه يوافق قوله تعالى: (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ)(2).
وقوله عليه السلام: «اتقوا الله في النساء فإنهن عوان في أيديكم، أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله» فإنه موافق لقوله تعالى: (وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)(3).
…
لكن ما هي مصادر التفسير النبوي
؟
لدى تتبع ما جاء في بطون أمهات الكتب تبين أن أهم مصادر التفسير النبوي هي:
1 -
كتب الأحاديث الشريفة: ذلك لأن علماء الحديث كانوا يجمعون الأحاديث النبوية كلها، ولا يفرقون بين الأحاديث التي تتحدث عن التفسير عن الأحاديث العامة، وعند ما صنّفت وبوّبت، وضعت الأحاديث المتعلقة تحت باب مستقل يسمّى باب التفسير، ولو نظرنا
(1) النساء: 15.
(2)
النساء: 29.
(3)
النساء: 19، وللتوسّع يراجع التفسير والمفسرون: 1/ 57 - 58.
- مثلا- في صحيح البخاري لوجدنا بابا مستقلا يدعى باب التفسير، وفيه (548) خمسمائة وثمان وأربعون حديثا شريفا.
لكن يمكن تقسيم كتب الأحاديث إلى طبقات وذلك حسب منهج المحدثين، وذلك:
الطبقة الأولى: في صحيحي البخاري ومسلم وموطأ مالك، وهذه المصنفات فيها الأحاديث المتواترة والحسنة.
الطبقة الثانية: وفيها بعض الأحاديث التي لم ترق إلى مقام ما أورده البخاري ومسلم، مثالها: سنن الترمذي، ومسند أحمد.
والطبقة الثالثة: وفيها الشاذ والمنكر والمضطرب، مثال ذلك:
مسند ابن أبي شيبة، ومعاجم الطبراني، وسنن البيهقي.
الطبقة الرابعة: وفيها ما جمع من أفواه الوعاظ والقصّاص ونحو ذلك، ومثالها ما صنفه أبو الشيخ وابن مردويه.
2 -
كتب التفسير: وخاصة المشهورة منها، وأهمها: تفسير الطبري، وبحر العلوم للسمرقندي، ومعالم التنزيل للبغوي، وزاد المسير لابن الجوزي، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي، والتفسير الكبير للرازي، وأمثالهم.
3 -
كتب التاريخ والسير والمغازي: ولعل أهمها السيرة النبوية لابن هشام، وطبقات ابن سعد، وتاريخ الأمم والملوك للطبري وغيرهم.
4 -
كتب علوم القرآن وأسباب النزول: مثل كتاب البرهان للزركشي، والإتقان للسيوطي، وأسباب النزول للسيوطي، وأسباب نزول القرآن للواحدي.
لكن الإشكاليات هنا تدور حول الكذب والوضع على النبي صلى الله عليه وسلم في أبواب تفسيراته له.
ونرى ذلك بوضوح فيما يتعلّق بمسألة فضائل القرآن الكريم وسوره:
فالمحققون من العلماء وجدوا أن فضائل القرآن سورة سورة، جمع في حديث أو أكثر ونسب إلى رسول الله كذب وموضوع، وهذا ما ذهب إليه ابن الصلاح، وابن تيمية، والزركشي، والسيوطي، وعيرهم (1).
مثال ذلك ما أورده الزركشي: عن نوح بن أبي مريم أنه قيل له: من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضائل القرآن سورة سورة؟
فقال: إني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة، ومغازي محمد بن إسحاق، فوضعت هذه الأحاديث حسبة!!
ومن الأمثلة على الأحاديث الموضوعة التي نسبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أورده الواحدي بالسند المتصل إلى أبيّ بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قرأ سورة مريم أعطي من الأجر بعدد من صدّق بزكريا وكذّب به، وبيحيى، وعيسى، وهارون، وإبراهيم، وإسحاق، ويعقوب وإسماعيل، عشر حسنات، وبعدد من دعا لله ولدا، وبعدد من لم يدع له ولدا)!! (2)
لكن لا يعني هذا أن كل ما ورد من أحاديث في فضائل السور فهو موضوع!!
أبدا، فهناك طائفة من الأحاديث الصحيحة تتحدث عن فضائل بعض السور وبعض الآيات (3).
إضافة إلى أن بعض علماء التفسير قد انتهجوا نهجا رائعا، حيث رفضوا كل أمثال تلك الأحاديث الموضوعة وبينوا بطلانها، مثال ذلك:
التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي الكلبي الأندلسي (ت: 741 هـ)،
(1) للتوسع: مقدمة ابن الصلاح: 112، مقدمة في أصول التفسير: 31، البرهان:
1/ 432، الإتقان 20/ 198.
(2)
الوسيط: 2/ 139.
(3)
للتوسع يراجع: صحيح البخاري: كتاب فضائل القرآن: 3/ 159.
وفتح البيان في مقاصد القرآن لصديق حسن خان (ت: 1307 هـ).
إذا:
اعتمد المسلمون في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم في تفسيرهم للقرآن على أربعة مصادر:
1 -
القرآن الكريم: حيث نبّه رسول الله في كثير من الأحايين إلى فكرة تفسير القرآن بالقرآن، مثال ذلك ما رواه أنس قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ذكر الله الطلاق مرتين، فأين الثالثة؟
فقال: (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ)(1).
2 -
الرسول صلى الله عليه وسلم: وسيأتي بيان تفصيلي لهذا الأمر.
3 -
الاجتهاد وقوة الاستنباط: وذلك إذا لم يجدوا في القرآن تفسيرا، ولم ينقل إليهم حديث نبوي في ذلك.
4 -
أهل الكتاب من اليهود والنصارى: على أساس أن لديهم آثارا من الكتب السماوية السابقة، ولعل هذا الأمر هو الذي أدى إلى إدخال الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير!.
وهكذا نستطيع القول بلا ريب أبدا: إن المفسرين قدموا عناية فائقة بما ورد من تفسير النبي صلى الله عليه وسلم، وكان الوضوح في ذلك من خلال: كثرة الاستشهاد بها، والاكتفاء بذلك دون غيره في تفسير الآيات، وترجيح التفسير النبوي على غيره من التفسير المأثور، ورد بعض تفسيرات السلف الصالح إذا كانت مخالفة للمأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أراد التوسع فليراجع كتب التفاسير.
…
وفي نهاية المطاف ننقل بعض أقوال الإمام ابن تيمية (ت: 728 هـ)
(1) البقرة: 229، وللتوسع: الإتقان للسيوطي: 2/ 246.
رحمه الله تعالى من مقدمته في أصول التفسير، لما فيها من الإفادة والفائدة الشيء الكبير.
فإن الكتب المصنفة في التفسير مشحونة بالغث والسمين، والباطل الواضح والحق المبين، والعلم إما نقل مصدّق عن معصوم، وإما قول عليه دليل معلوم، وما سوى ذلك فإما مزيّف مردود، وإما موقوف لا يعلم أنه بهرج ولا منقود.
فمثال ما لا يفيد ولا دليل على الصحيح منه: اختلافهم- المفسرين- في لون كلب أصحاب الكهف، وفي البعض الذي ضرب به موسى من البقرة، وفي مقدار سفينة نوح وما كان خشبها، وفي اسم الغلام الذي قتله الخضر، ونحو ذلك، فهذه الأمور طريق العلم بها النقل، فما كان من هذا منقولا نقلا صحيحا عن النبي صلى الله عليه وسلم، كاسم صاحب موسى أنه الخضر، فهذا معلوم، وما لم يكن كذلك، بل كان مما يؤخذ عن أهل الكتاب- كالمنقول عن كعب، ووهب، ومحمد بن إسحاق، وغيرهم، ممن يأخذ عن أهل الكتاب- فهذا لا يجوز تصديقه ولا تكذيبه إلا بحجة، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، فإما أن يحدثوكم بحق فتكذبوه، وإما أن يحدثوكم بباطل فتصدقوه» (1).
وكذلك ما نقل عن بعض التابعين وإن لم يذكر أنه أخذه عن أهل الكتاب، فمتى اختلف التابعون لم يكن بعض أقوالهم حجة على بعض.
ومعلوم أن المنقول في التفسير أكثره كالمنقول في المغازي والملاحم، ولهذا قال الإمام أحمد: ثلاثة أمور ليس لها إسناد:
التفسير، والملاحم، والمغازي.
(1) فتح الباري: 5/ 323، المسند: 4/ 136.
ويروى: ليس لها أصل، أي إسناد، لأن الغالب عليها المراسيل، مثل ما يذكره عروة بن الزبير، والشعبي، والزهري، وموسى بن عقبة، وابن إسحاق، ومن بعدهم كيحيى بن سعيد الأموي، والوليد بن مسلم، والواقدي، ونحوهم من كتّاب المغازي.
فإن قال قائل: فما أحسن الطرق للتفسير؟ فالجواب: إن أصحّ الطرق في ذلك أن يفسّر القرآن بالقرآن، فما أجمل في مكان فإنه قد فسّر في موضع آخر، وما اختصر في مكان فقد بسط في موضع آخر.
فإن أعياك ذلك فعليك بالسنّة، فإنها شارحة للقرآن وموضحة له، بل قد قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي: كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن،
…
ولهذا قال رسول الله:
«ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه» (1) يعني السنّة، والسنة أيضا تنزل عليه بالوحي كما ينزل القرآن، لا أنها تتلى كما يتلى، وقد استدل الإمام الشافعي، وغيره من الأئمة على ذلك بأدلة كثيرة، ليس هذا موضع ذلك، والغرض: أنك تطلب تفسير القرآن منه، فإن لم تجده فمن السنة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن:«بم تحكم؟» قال: بكتاب الله، قال:«فإن لم تجد؟» قال: بسنة رسول الله، قال:«فإن لم تجد؟» قال: أجتهد رأيي، قال: فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدره وقال: «الحمد لله الذي وفّق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله» (2).
ولكن هذه الأحاديث الإسرائيلية تذكر للاستشهاد لا للاعتقاد، فإنها على ثلاثة أقسام:
أحدها: ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق، فذاك صحيح.
(1) سنن أبي داود: 4/ 279، سنن ابن ماجة: 1/ 6.
(2)
مختصر سنن أبي داود: 5/ 212، سنن الدارمي: 1/ 60.
والثاني: ما علمنا كذبه بما عندنا مما يخالفه.
والثالث: ما هو مسكوت عنه، لا من هذا القبيل، ولا من هذا القبيل، فلا نؤمن به، ولا نكذبه، وتجوز حكايته، لما تقدم، وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني!
ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب في مثل هذا كثيرا، ويأتي عن المفسرين خلاف لسبب ذلك، كما يذكرون في مثل هذا أسماء أصحاب الكهف، ولون كلبهم، وعدّتهم، وعصا موسى- عليه السلام من أي الشجر كانت، وأسماء الطيور التي أحياها الله تعالى لإبراهيم عليه السلام وتعيين البعض الذي ضرب به القتيل من البقرة! ونوع الشجرة التي كلّم الله منها موسى عليه السلام، إلى غير ذلك مما أبهمه الله تعالى في القرآن، مما لا فائدة من تعيينه تعود على المكلفين في دنياهم ولا دينهم.
وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قال:
حدثنا سفيان، عن أبي الزناد قال: قال ابن عباس رضي الله عنهما:
التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله تعالى ذكره، والله سبحانه وتعالى أعلم (1).
أجل!
ففي هذه الرسالة اللطيفة من الفوائد الشيء الكثير، لذا على الدارس والباحث مراجعتها ليتوقف عند المنهج الذي كان يسير عليه علماء هذه الأمة، وخاصة فيما يتعلق بكتاب الله تعالى.
…
(1) مقدمة في أصول التفسير، بتحقيق الدكتور عدنان زرزور، ط 1، 1971 م دار القرآن الكريم.