المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثالث موقف التابعين من الإسرائيليات - موسوعة التفسير قبل عهد التدوين

[محمد عمر الحاجى]

فهرس الكتاب

- ‌القسم الأول تفسير القرآن الكريم في العهد النّبويّ

- ‌الباب الأول مع القرآن الكريم

- ‌تمهيد

- ‌الفصل الأول الفرق بين التفسير والتأويل

- ‌الفصل الثاني لماذا العودة إلى العهد الأول

- ‌1 - قصة مكذوبة عن النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌2 - قصة المسخ:

- ‌3 - بناء الكعبة:

- ‌4 - في هجران المرأة الناشز:

- ‌5 - قصة القوم الجبّارين:

- ‌6 - خرافات في بعض القصص المتعلقة بالأنبياء عليهم السلام:

- ‌7 - قصة سفينة نوح عليه السلام:

- ‌8 - في قصة يوسف عليه السلام:

- ‌9 - في إفساد بني إسرائيل:

- ‌10 - قصة أهل الكهف:

- ‌10 - في قصة يأجوج ومأجوج:

- ‌11 - قصة بلقيس ملكة سبأ:

- ‌12 - قصة داود عليه السلام:

- ‌13 - قصة أيوب عليه السلام:

- ‌الفصل الثالث هل فسّر الرسول صلى الله عليه وسلم القرآن كله

- ‌ مغالاة الفريقين:

- ‌مناقشة أدلة الفريق الأول:

- ‌مناقشة أدلة الفريق الثاني:

- ‌اختيارنا في المسألة:

- ‌ لكن ما هي أوجه بيان السنة للقرآن الكريم

- ‌ لكن ما هي مصادر التفسير النبوي

- ‌الباب الثاني التفسير النبويّ الصّحيح

- ‌1 - سورة الفاتحة

- ‌2 - سورة البقرة

- ‌3 - سورة آل عمران

- ‌4 - سورة النساء

- ‌5 - سورة المائدة

- ‌6 - سورة الأنعام

- ‌7 - سورة الأعراف

- ‌8 - سورة الأنفال

- ‌9 - سورة التوبة (براءة)

- ‌10 - سورة يونس

- ‌11 - سورة هود

- ‌12 - سورة يوسف عليه السلام

- ‌13 - سورة الرعد

- ‌14 - سورة إبراهيم عليه السلام

- ‌15 - سورة الحجر

- ‌16 - سورة النحل

- ‌17 - سورة الإسراء (بني إسرائيل)

- ‌18 - سورة الكهف

- ‌19 - سورة مريم

- ‌20 - سورة طه

- ‌21 - سورة الأنبياء

- ‌22 - سورة الحج

- ‌23 - سورة المؤمنون

- ‌24 - سورة النور

- ‌25 - سورة الفرقان

- ‌26 - سورة الشّعراء

- ‌27 - سورة النمل

- ‌28 - سورة القصص

- ‌30 - سورة الروم

- ‌31 - سورة لقمان

- ‌32 - سورة السجدة

- ‌33 - سورة الأحزاب

- ‌34 - سورة سبأ

- ‌36 - يس

- ‌38 - سورة ص

- ‌39 - سورة الزمر

- ‌42 - سورة الشورى

- ‌45 - سورة الجاثية

- ‌46 - سورة الأحقاف

- ‌47 - سورة محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌48 - سورة الفتح

- ‌4 - سورة الحجرات

- ‌50 - سورة ق

- ‌54 - سورة القمر

- ‌55 - سورة الرحمن

- ‌59 - سورة الحشر

- ‌61 - سورة الصف

- ‌62 - سورة الجمعة

- ‌63 - سورة المنافقون

- ‌65 - سورة الطلاق

- ‌66 - سورة التحريم

- ‌68 - سورة القلم

- ‌72 - سورة الجنّ

- ‌74 - سورة المدثر

- ‌79 - سورة النازعات

- ‌80 - سورة عبس

- ‌83 - سورة المطففين

- ‌84 - سورة الانشقاق

- ‌85 - سورة البروج

- ‌88 - سورة الغاشية

- ‌89 - سورة الفجر

- ‌91 - سورة الشمس

- ‌92 - سورة الليل

- ‌93 - سورة الضحى

- ‌96 - سورة العلق

- ‌99 - سورة الزلزلة

- ‌102 - سورة التكاثر

- ‌108 - سورة الكوثر

- ‌110 - سورة النصر

- ‌112 - سورة الإخلاص

- ‌113 - سورة الفلق

- ‌114 - سورة الناس

- ‌الباب الثالث واقع المسلمين مع سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌1 - فهم السنة النبوية في ضوء القرآن الكريم:

- ‌2 - جمع الأحاديث الواردة في الموضوع الواحد:

- ‌3 - الجمع أو الترجيح بين مختلف الحديث:

- ‌4 - فهم الأحاديث في ضوء أسبابها وملابساتها ومقاصدها:

- ‌5 - التمييز بين الوسيلة المتغيرة والهدف الثابت للحديث:

- ‌6 - التفريق بين الحقيقة والمجاز في فهم الحديث:

- ‌7 - التفريق بين الغيب والشهادة:

- ‌8 - التأكد من مدلولات ألفاظ الحديث:

- ‌1 - فيما يتعلق بجانب الطعام:

- ‌2 - كذلك فيما يتعلق بأمور اللباس:

- ‌3 - أما ما يتعلق في المسكن:

- ‌خاتمة القسم الأول

- ‌القسم الثاني تفسير القرآن الكريم في عهد الصّحابة الأكارم

- ‌الباب الأول مع الصحابة الكرام

- ‌الفصل الأول ما هي الحاجة إلى تفسير القرآن

- ‌الفصل الثاني ماذا تعني الصّحبة

- ‌أ- عدالة الصحابة:

- ‌ب- موقفنا مما جرى بين الصحابة من مشاجرات واقتتال

- ‌ج- حكم سبّ أحد الصحابة

- ‌د- هل هم متفاوتون في الفضل

- ‌هـ- ما هي أهم سمات الصحابة

- ‌ز- أفضلية الصحابة في القرآن والسنّة:

- ‌الفصل الثالث الإسرائيليات في تفسير الصحابة

- ‌أ- عبد الله بن عباس رضي الله عنهما:

- ‌ب- أبو هريرة رضي الله عنه:

- ‌ج. عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما:

- ‌د- عبد الله بن سلام رضي الله عنه:

- ‌الباب الثاني تفسير القرآن في عهد الصحابة

- ‌الفصل الأول ماذا عن تفسير الصحابة

- ‌الفصل الثاني ما هي أهم مصادر تفسير الصحابة

- ‌أ- القرآن الكريم:

- ‌ب- النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌ج- الاجتهاد وقوة الاستنباط:

- ‌د- أهل الكتاب من اليهود والنصارى:

- ‌الفصل الثالث أشهر المفسّرين في عهد الصحابة

- ‌1 - عبد الله بن عباس رضي الله عنهما:

- ‌2 - عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:

- ‌3 - أبيّ بن كعب رضي الله عنه:

- ‌4 - علي بن أبي طالب رضي الله عنه:

- ‌الفصل الرابع أهم أسباب الخلاف بين الصحابة في التفسير

- ‌الفصل الخامس أهم مميزات تفسير الصحابة

- ‌الفصل السادس ما هي القيمة العلمية لتفسير الصحابة

- ‌الفصل السابع هل يجوز أن تفسّر الآيات القرآنية بالشّعر

- ‌1 - قال نافع لابن عباس:

- ‌2 - قال نافع:

- ‌3 - قال نافع لابن عباس:

- ‌الباب الثالث تطبيقات عملية من تفسير الصحابة

- ‌الفصل الأول التفسير المأثور عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه

- ‌الفصل الثاني تفسير أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها

- ‌الفصل الثالث تفسير حبر الأمّة عبد الله بن عباس رضي الله عنه

- ‌الفصل الرابع منهج ابن مسعود رضي الله عنه في التفسير

- ‌الفصل الخامس تفسير أبيّ بن كعب رضي الله عنه

- ‌خاتمة القسم الثاني (التفسير في عهد الصحابة)

- ‌القسم الثالث تفسير القرآن الكريم في عهد التابعين

- ‌الباب الأول مع التابعين الكرام

- ‌الفصل الأول مدخل إلى التفسير قبل عهد التابعين

- ‌الفصل الثاني ماذا يعني مصطلح التابعين

- ‌الفصل الثالث موقف التابعين من الإسرائيليات

- ‌الباب الثاني تفسير القرآن في عهد التابعين

- ‌الفصل الأول ما هي أهم مصادر تفسير التابعين

- ‌1 - القرآن الكريم:

- ‌2 - المصدر الثاني للتفسير: النبي صلى الله عليه وسلم:

- ‌3 - المصدر الثالث: تفسير الصحابة رضي الله عنهم:

- ‌4 - المصدر الرابع: أهل الكتاب:

- ‌5 - المصدر الخامس: اجتهادات التابعين:

- ‌الفصل الثاني مدارس التفسير في عهد التابعين

- ‌أ- مدرسة التفسير بمكة:

- ‌1 - سعيد بن جبير رحمه الله تعالى:

- ‌2 - مجاهد بن جبر رحمه الله تعالى:

- ‌3 - عكرمة رحمه الله تعالى:

- ‌4 - طاوس بن كيسان رحمه الله تعالى:

- ‌5 - عطاء بن أبي رباح رحمه الله تعالى:

- ‌ب- مدرسة التفسير بالمدينة المنورة:

- ‌1 - رفيع بن مهران (أبو العالية) رحمه الله:

- ‌2 - محمد بن كعب القرظي رحمه الله تعالى:

- ‌3 - زيد بن أسلم رحمه الله:

- ‌ج- مدرسة التفسير بالعراق:

- ‌د- مدرسة التفسير بالشام:

- ‌هـ- وفي مصر:

- ‌الفصل الثالث أهم مميزات التفسير في عهد التابعين

- ‌الفصل الرابع القيمة العلمية لتفسير التابعين

- ‌الفصل الخامس أسباب اختلاف المفسرين في عهد التابعين

- ‌الباب الثالث تطبيقات عملية من تفسير التابعين

- ‌الفصل الأول التفسير المأثور عن (قتادة) رحمه الله

- ‌الفصل الثاني تفسير (مجاهد) رحمه الله تعالى

- ‌الفصل الثالث التفسير المأثور عن (الحسن البصري) رحمه الله تعالى

- ‌الفصل الرابع منهج (الضّحاك) في التفسير

- ‌الخاتمة

- ‌المصادر والمراجع

الفصل: ‌الفصل الثالث موقف التابعين من الإسرائيليات

‌الفصل الثالث موقف التابعين من الإسرائيليات

!!

قسم الدكتور محمد أبو شهبة أخبار بني إسرائيل وأقاويلهم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول:

ما علمنا صحته مما بأيدينا من القرآن والسنة، والقرآن هو الكتاب المهيمن، والشاهد على الكتب السماوية قبله، فما وافقه فهو حق وصدق، وما خالفه فهو باطل وكذب، قال تعالى:(وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ) (1).

وهذا القسم صحيح، وفيما عندنا غنية عنه، ولكن يجوز ذكره، وروايته للاستشهاد به، ولإقامة الحجة عليهم من كتبهم، وذلك مثل:

ما ذكر في صاحب موسى عليه السلام، وأنه الخضر، فقد ورد في الحديث الصحيح، ومثل: ما يتعلق بالبشارة بالنبي صلى الله عليه وسلم وبرسالته، وأن التوحيد هو دين جميع الأنبياء، مما غفلوا عن تحريفه، أو حرفوه، ولكن بقي شعاع منه يدلّ على الحق.

(1) المائدة: 48 - 49.

ص: 258

وفي هذا القسم ورد قوله صلى الله عليه وسلم: «بلّغوا عني ولو آية، وحدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «أي لا ضيق عليكم في الحديث عنهم، لأنه كان تقدم منه صلوات الله عليه الزجر عن الأخذ عنهم، والنظر في كتبهم، ثم حصل التوسّع في ذلك، وكان النهي وقع قبل استقرار الأحكام الإسلامية، والقواعد الدينية، خشية الفتنة، ثم لما زال المحذور وقع الإذن في ذلك، لما في سماع الأخبار التي كانت في زمنهم من الاعتبار» (1).

القسم الثاني:

ما علمنا كذبه مما عندنا ما يخالفه، وذلك مثل: ما ذكروه في قصص الأنبياء، من أخبار تطعن في عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كقصة يوسف، وداود، وسليمان عليهم السلام، ومثل:

ما ذكروه في توراتهم من أن الذبيح إسحاق، لا إسماعيل، فهذا لا تجوز روايته وذكره إلا مقترنا ببيان كذبه، وأنه مما حرّفوه، وبدّلوه، قال تعالى:(يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ)(2).

وهذا القسم: ورد النهي عن النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة عن روايته، والزجر عن أخذه عنهم، وسؤالهم عنه، قال الإمام مالك رحمه الله في حديث:«حدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج» المراد: جواز التحديث عنهم بما كان من أمر حسن، أما ما علم كذبه فلا.

ولعل هذا هو المراد من قول ابن عباس رضي الله عنهما: (يا معشر

(1) فتح الباري شرح صحيح البخاري: 6/ 388.

(2)

المائدة: 41.

ص: 259

المسلمين! كيف تسألون أهل الكتاب، وكتابكم الذي أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم أحدث (1)، تقرءوه لم يشب (2)، وقد حدّثكم الله أن أهل الكتاب بدلوا كتاب الله، وغيّروه، وكتبوا بأيديهم الكتاب، وقالوا: هو من عند الله، ليشتروا به ثمنا قليلا، ألا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم؟ لا والله ما رأينا منهم رجلا يسألكم عن الذي أنزل عليكم.

القسم الثالث:

ما هو مسكوت عنه، لا من هذا، ولا من ذاك، فلا نؤمن به، ولا نكذبه، لاحتمال أن يكون حقا فنكذبه، أو باطلا فنصدّقه، ويجوز حكايته لما تقدم من الإذن في الرواية عنهم.

ولعل هذا القسم المراد بما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: «كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية، ويفسّرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تصدّقوا أهل الكتاب، ولا تكذّبوهم» (وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ)(3).

ومع هذا، فالأولى عدم ذكره، وأن لا نضيع الوقت في الاشتغال به.

وفي هذا المعنى ورد حديث أخرجه الإمام أحمد، وابن أبي شيبة، والبزار من حديث جابر: أن عمر رضي الله عنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب، فقرأه عليه، فغضب، وقال:«لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق، فتكذّبوا به، أو بباطل، فتصدّقوا به، والذي نفسي بيده! لو أن موسى حيّا ما وسعه إلا أن يتّبعني» .

قال ابن بطال عن المهلب: (هذا النهي في سؤالهم عما لا نصّ

(1) أي: آخر الكتب نزولا من عند الله سبحانه.

(2)

أي: لم يخلط بغيره قطّ.

(3)

العنكبوت: 46.

ص: 260

فيه، لأن شرعنا مكتف بنفسه، فإذا لم يوجد فيه نص، ففي النظر والاستدلال غنى عن سؤالهم، ولا يدخل في النهي سؤالهم عن الأخبار المصدّقة لشرعنا، والأخبار عن الأمم السالفة) (1) يعني بتشديد سيدنا عمر على من كان يكتب شيئا من كتب اليهود

(2).

لكن ما هو موقف التابعين من الإسرائيليات؟

مرّ معنا في قسم (تفسير الصحابة): أن الصحابة لم يكونوا يعودون إلى أهل الكتاب، إلا في دائرة محددة ضيقة، لكن في عهد التابعين زاد ذلك الأمر وتضخّم.

قال نجم الدين الطوفي في تبيان علّة ذلك:

(ثم تفرق الصحابة رضي الله عنهم بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم في البلاد، ونقلوا ما علموه من التفسير إلى تابعيهم، وليس كل صحابي علم تفسير جميع القرآن بل بعضه، إذ الجامعون للقرآن على عهده صلى الله عليه وسلم كانوا نفرا معدودين، وشرذمة قليلين، فألقى الصحابي ذلك البعض إلى تابعه، ولعل ذلك التابعي لم يجتمع بصحابي آخر يكمل له التفسير، أو اجتمع بمن لا زيادة عنه على ما عند الصحابي الذي أخذ منه، فاقتصر عليه وشرع يكمل تفسير القرآن باجتهاده استنباطا من اللغة تارة، ومن السنة أخرى، ومن نظير الآية المطلوب تفسيرها من القرآن تارة أخرى، ومن مدارك أخر رآها صالحة لأخذ التفسير منها، كالتاريخ، وأيام الأمم الخالية، والإسرائيليات ونحوها، فاتسع الخرق وكثر الدخل في التفسير حتى آل الأمر إلى الأقوال الكثيرة، تفعل كل طبقة من المفسرين، كفعل التي قبلها من زيادة الوجوه والاختيارات كما تراهم

(1) فتح الباري: 13/ 285.

(2)

الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير: 106 - 108.

ص: 261

يصرّحون في تفسيرهم، وينسبون الأقوال إلى آرائهم ومذاهبهم) (1).

وعلق الدكتور رمزي نعناعة على ذلك بقوله:

كذلك يرجع سبب تضخم التفسير بالإسرائيليات في عهد التابعين إلى كثرة من دخل من أهل الكتاب في الإسلام، وميل نفوس القوم لسماع التفاصيل عما يشير إليه القرآن من أحداث يهودية أو نصرانية، كما يرجع إلى كثرة الوضع ونشاط القصّاص في هذا المضمار، فقد وجدنا في كتب التفسير أمثلة على هذا القصص لا حصر لها معزوة إلى بعض التابعين، أمثال قتادة، ومسروق، ومجاهد، وكعب، ووهب، وعكرمة، والحسن، والضحاك، وابن جبير، وزيد بن أسلم، وعطاء، وطاوس، وغيرهم، هذه القصص التي نسبت إليهم فيها كثير من الإغراب والمبالغة والخيال، والبعد عن المنطق والعقل والإمكان.

ومن الأمثلة على ذلك ما رواه عكرمة في تفسير الرعد، قال: ملك في السحاب يجمع السحاب، كما يجمع الراعي الإبل، فيؤلف بينها، فذلك الصوت تسبيحه!! (2).

ومن ذلك ما يروى عن السدي عن زيد بن أسلم في سياق المناظرة بين إبراهيم عليه السلام والملك نمرود، وهذه القصة قد وردت في تفسير مقاتل (3)، كما وردت في تفسير ابن كثير (4)، وفيها أن الله سلّط البعوض على النمرود، وجنوده وقت طلوع الشمس، فلم يروا عين الشمس، سلطها عليهم فأكلت لحومهم ودماءهم، وتركتهم عظاما

(1) الإكسير في قواعد التفسير: 639.

(2)

تفسير الطبري: 1/ 116.

(3)

تفسير مقاتل: 147.

(4)

تفسير ابن كثير: 1/ 605.

ص: 262

بادية، ودخلت واحدة منها، فمكثت فيه أربعمائة سنة يعذبه الله بها، حتى كان يضرب رأسه بالمرزبّة (1) في هذه المدة، ثم أهلكه بها (2).

واشتهر برواية الإسرائيليات من التابعين: كعب الأحبار، ووهب بن منبه، وغيرهما.

ولنأخذ مثلا على ذلك تفسير قتادة، والذي جمعه هو الدكتور عبد الله أبو السعود بدر، ومما جاء فيه:

( .. ولقد سقطت في تفسير قتادة بعض الإسرائيليات كما سقطت في غيره من التفاسير الأخرى.

فمثلا يقول عن بلقيس: بلغني أنها امرأة يقال لها (بلقيس)، يقول راويته- أحسبه قال ابنة شراحيل، أحد أبويها من الجن!!

مؤخّر قدميها كحافر الدابة، ويقول: كانت صاحبة سبأ إذا رقدت غلقت الأبواب وأخذت المفاتيح فوضعتها تحت رأسها، فلما أغلقت الأبواب وأوت إلى فراشها، جاءها الهدهد حتى دخل من كوّة بيتها، فقذف الصحيفة على بطنها بين فخذيها!!

ويتحدث عن هديتها لسليمان عليه السلام فيقول: فبعث إليهم بلبنة من ذهب من حرير وديباج، فبلغ ذلك سليمان، فأمر بلبنة من ذهب، فصنعت ثم قذفت تحت أرجل الدواب على طريقهم تبول عليها وتروث، فلما جاء رسلها واللبنة تحت أرجل الدواب، صغر في أعينهم الذي جاءوا به!

وكل هذه إسرائيليات، فالأسلوب الإسرائيلي واضح جدا، وروح الرواية الإسرائيلية لا تخفى هنا على أي مشتغل بهذه الدراسات، ففيها الشطح والإغراب والمغالاة، وتهويل الحقير وتحقير العظيم، والتعالي

(1) أي: عصية من حديد.

(2)

يراجع: الإسرائيليات وأثرها في كتب التفسير: 126.

ص: 263

بالأنبياء اليهود، وعبادة الذهب والإطناب في ترديد أسماء الجواهر، والمفارقات العجيبة والخضوع للتهويمات والأساطير وما إلى ذلك! ومن الإسرائيليات أيضا:

عند تفسير قول الله تعالى: (قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ)(1).

يقول: (لم تأت يومئذ دابة إلا أطفأت عنه النار إلا الوزغ).

فهو بهذه الرواية الإسرائيلية يودّ لو يقول مباشرة: إن إكرام الله لإبراهيم عليه السلام جعله يسخر له كل الدواب لإطفاء نار الكفار، ولم تشذّ عن هذه القاعدة إلا الوزغ، وهو أسلوب إسرائيلي في الاستثناءات الغريبة.

ومن سمات الإسرائيليات أيضا والتي نجدها في تفسير قتادة:

تحديد العدد، فالإسرائيليات مغرمة بتحديد أعداد كل شيء من ناس وسنين وأيام وأعمار ومسافات وأطوال، وما إلى ذلك.

ومن هذه التحديدات العددية التي جاءت في تفسير قتادة: أن من خرجوا مع قارون في زينته كانوا على أربعة آلاف دابة، وأن عدد أهل مشورة بلقيس كانوا ثلاثمائة واثني عشر، كل رجل منهم على عشرة آلاف، وأن عدد بني إسرائيل الذين قطع بهم موسى البحر كانوا ستمائة ألف مقاتل وعشرين ألفا فصاعدا، وتبعهم فرعون على ألف ألف حصان ومائتي ألف حصان، وأن آدم كان رأسه في السماء ورجلاه في الأرض وكانت الملائكة تهابه فنقص إلى ستين ذراعا، وأن ما بين صخرة بيت المقدس وبين

السماء ثمانية عشر ميلا، وأنه كان بين آدم ونوح ألف سنة، وبين نوح وإبراهيم ألف سنة، وبين عيسى ومحمد ستمائة سنة، وأنه شيع جنازة هارون أربعون ألفا من بني إسرائيل كل منهم يسمى هارون، وأن طول سفينة نوح ثلاثمائة ذراع وعرضها

(1) الأنبياء: 69.

ص: 264

خمسون ذراعا وطولها في السماء ثلاثون ذراعا، وبابها في عرضها، وأنها استقلت بهم في عشر خلون من رجب، وكانت في الماء خمسين ومائة يوم، وأنهم أهبطوا إلى الأرض في عشر ليال خلون من المحرم، فقال نوح لمن معه: من كان منكم اليوم صائما فليتم صومه، ومن كان مفطرا فليصم!!

إذا:

فلا يمكن أن ننف عن قتادة أنه كان يورد الإسرائيليات في تفسيره، فهي واضحة وكثيرة، ولكنها تتركّز بالذات عند الآيات التي تعرض لأهل الكتاب وتذكر أخبارهم وتتحدث عن أنبيائهم، وكذلك الآيات التي تحكي قصص الأنبياء الآخرين مثل نوح ولوط وهود عليهم السلام، وأيضا بعض الموضوعات التي كانت تحلو حكاياتها عند أهل ذلك العصر، مثل قصة الخليقة الأولى، وآدم وحواء، والشيطان والحيّة، وقصة هابيل وقابيل، وقصة هاروت وماروت، ويأجوج ومأجوج، وذي القرنين، وسيدنا الخضر، وأصحاب الكهف، وصوت يونس، وما إلى ذلك.

وإذا كان قتادة يسبق إسرائيليات تفسيره بقوله بقوله (ذكر لنا) أو (كان يقال لنا) وما شابه ذلك من العبارات الاحترازية، فهو بلا شك أيضا مسئول عما يورده (1).

أجل:

إن عصر الصحابة الأكارم لم يعرف من الإسرائيليات إلا القليل، بحيث لم يشغلوا أنفسهم بالسؤال عن سفاسف الأمور، وإلا ما هي الفائدة من بحث مطوّل حول اسم كلب أهل الكهف؟! أو نوع النملة؟

(1) باختصار وتصرّف من (تفسير قتادة) إعداد الدكتور عبد الله أبو السعود بدر:

122 -

114.

ص: 265

أو اسم الغلام الذي قتله الخضر ونحو ذلك!! لكن التابعين توسّعوا كثيرا في الأخذ عنهم، فكثرت الإسرائيليات في التفسير، ولا سيما أنه قد دخل في الإسلام من أهل الكتاب الكثير.

ولذلك نجد في التفاسير الموجودة الآن أمورا تناقض العقل وتصادم صريح النقل!! وهذا ما أدى إلى فقد الثقة في كثير من كتب التفسير، مما جعل للمستشرقين والحاقدين على الإسلام مجالا رحبا للطعن ببعض الصحابة

وبعض التابعين .. وبعض كبار العلماء المفسرين، وبالتالي اختلطت الأخبار الصحيحة بالكاذبة .. فكيف التمييز والغربلة؟! ولنأخذ هذه الأمثلة من تفسير الضحاك.

عن تفسير قوله تعالى: (حَتَّى إِذا لَقِيا غُلاماً)(1) قال: اسم الغلام حيسون!

وعند تفسير قوله تعالى: (قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ)(2) قال: اسم النملة طاحية!

وعند تفسير قوله تعالى: (وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ)(3) قال: إن اسم أخت موسى كثلمة!!

وعند تفسير قوله تعالى: (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ)(4) قال الضحاك:

ق جبل محيط بالأرض، من زمردة خضراء، منه خضرة السماء، والسماء مقبقبة- أي: كهيئة القبة- وعليه كتفاها!!

والسؤال المطروح هنا: ماذا نستفيد من حشو كتب التفاسير بأمثال

(1) الكهف: 74.

(2)

النمل: 18.

(3)

القصص: 11.

(4)

ق: 1.

ص: 266

هذه الإسرائيليات؟ وهل سنسأل يوم القيامة عن اسم النملة، أو اسم أخت موسى، أو اسم الغلام وما إلى هنالك؟!

رحم الله سفيان الثوري عند ما قال: الإسناد سلاح المؤمن، فإذا لم يكن معه سلاح فبأي شيء يقاتل؟! (1).

(1) شرح علل الترمذي لابن رجب الحنبلي: 88.

ص: 267