الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخاتمة
تحت ظلال قول الله تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)(1).
نكون قد قاربنا من نهايات هذه الموسوعة، والتي عنونّاها (التفسير قبل التدوين) حيث كان القسم الأول يدور حول محور واحد هو (التفسير النبوي للقرآن الكريم) وتلا ذلك القسم الثاني، ومحوره (تفسير الصحابة)، وكان (تفسير التابعين) هو القسم الثالث والأخير.
وغطّت هذه السلسلة الفترة الممتدة من بدايات عهد النبي صلى الله عليه وسلم وإلى أوائل العهد العباسي.
فكان الطابع العام للتفسير يتميز بعدم التدوين، حيث كان الصحابة الكرام قد سمعوا تفسير بعض الآيات من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحفظوها ..
ووعوها .. ورووها عنه .. وروى بعضهم عن بعض.
ثم كان عهد التابعين، فرووا تلك التفسيرات عن الصحابة، وأضافوا إليها بعض ما فهموه- ولم يبيّنه الرسول ولا الصحابة من قبل- حيث اعتمدوا ضوابط دقيقة في التفسير.
ولما كانت بدايات عهد التدوين، حيث قام كبار علماء الحديث بجمع الأحاديث النبويّة، وترتيبها، وتهذيبها، وتدوينها، فاعتبر
(1) يونس: 58.
التفسير آنئذ بابا من الأبواب التي اشتمل عليها الحديث، ولم يفرد له تأليف خاص.
وعرف من ذلك ما قام به كلّ من: شعبة بن الحجاج (ت: 160 هـ)، ووكيع بن الجرّاح (ت: 197 هـ)، وسفيان بن عيينة (ت: 198 هـ) وغيرهم.
وبعد فترة وجيزة خطا التفسير خطوة أخرى، حيث انفصل التفسير عن الحديث النبوي، ليصبح علما قائما بنفسه، فوضع التفسير لكل آية وحسب ترتيب المصحف الشريف، وكان من أبرز ما قام بهذا العمل:
ابن ماجة (ت: 273 هـ)، وابن جرير الطبري (ت: 310 هـ)، وابن حبّان (ت: 369 هـ)، والحاكم (ت: 405 هـ) وغيرهم.
وتمتاز جهود العلماء في تلك الفترة أنها تركّزت على (التفسير المأثور) بعيدا عن (التفسير بالرأي)، حيث رووا التفسير بالإسناد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وإلى الصحابة والتابعين .. ، ولذلك كانت الإسرائيليات والموضوعات والترف الفكري أبعد ما يكون عن ذلك العمل!!
ودار الزمن دورته، وانتشرت التفسيرات الكثيرة للقرآن الكريم، حيث طغى على التفسير كثير من فنون العلوم، فهذا قد اعتنى بالتفسير عن طريق أقوال الحكماء والفلاسفة، وذاك قد تبحّر في الفروع الفقهية، والآخر قد شغل نفسه بالقصص والحكايات التاريخية، وإلى غير ذلك.
ولذلك نجد في كتب التفسير الموجودة في المكتبات الآن الغثّ والسمين، فإلى جانب الأمور الصحيحة نجد أمورا ترفية
…
أبعدت التفسير عن هدفه .. ، وإلا ما هي الفائدة من ذكر عدة احتمالات لاسم كلب أهل الكهف!؟ أو ذكر اسم النملة في قصة سليمان عليه السلام؟
أو اسم الحيّة؟! أو .. أو .. !!!
ولذلك، فنحن بحاجة ماسّة إلى غربلة كتب التفسير، وحذف ما حشي بها من موضوعات وإسرائيليات وما إلى هنا لك، وذلك من باب تنزيه تفسير كلام الله تعالى.
نسأل الله أن يسدّد الخطى نحو ما يحبّه ويرضاه، وأن يسامحنا بكل ما وقعنا به من هفوات، مرددين قوله تعالى:(لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ)(1).
وليس الهدف من كتابة هذه الموسوعة المتواضعة إلّا السّير في ظلال قول خطيب الأنبياء شعيب عليه السلام:
(إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)(2).
سائلين الله تعالى أن يأخذ بأيدينا إلى كل ما فيه صلاح وإصلاح، للفرد والمجتمع، نسأله سبحانه أن يرفع بنا راية القرآن والسنّة، وأن يستخدمنا في خدمة هذا الدّين الحنيف، آمين.
وصلى الله على الشفيع النذير محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الكرام أجمعين، ومن سار على الدرب إلى يوم الدين.
…
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
(1) البقرة: 286.
(2)
هود: 88.