الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع منهج (الضّحاك) في التفسير
قدّم الباحث محمد شكري أحمد الزاويتي بحثا قيما بعنوان (تفسير الضحّاك)، وذلك لنيل شهادة الدكتوراة في التفسير.
وقد تحدّث فيه عن حياة التابعي، ثم عن تفسيره: مصادره في التفسير، ومدى اهتمامه بالقراءات، والناسخ والمنسوخ، وأسباب النزول.
وتعميما للفائدة، واستكمالا للبحث، ننقل بعض ما ورد في رسالته.
41 -
في تفسير قوله تعالى: (رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ)(1) قال الضحّاك: كنتم ترابا قبل أن يخلقكم، فهذه ميتة، ثم أحياكم فخلقكم، فهذه حياة، ثم يميتكم فترجعون إلى القبور، فهذه ميتتان وحياتان (2).
42 -
في تفسير قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)(3).
قال الضحّاك: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) صدّقوا.
(كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) يعني: أطعموا من حلال الرزق الذي
(1) غافر: 11.
(2)
تفسير ابن كثير: 1/ 67.
(3)
البقرة: 172.
أحللناه لكم؛ فطاب لكم بتحليلي إياه لكم مما كنتم تحرمونه أنتم ولم أكن حرّمته عليكم من المطاعم والمشارب.
(وَاشْكُرُوا لِلَّهِ) يقول: وأثنوا على الله بما هو أهل له على النّعم التي رزقكم وطيّبها لكم.
(إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) يقول: إن كنتم منقادين لأمره سامعين مطيعين، فكلوا مما أباح لكم أكله وطيّبه لكم، ودعوا في تحريمه خطوات الشيطان (1).
43 -
وفي تفسير قوله تعالى: (فَقالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ)(2).
قال الضحاك (3): إنهم فرّوا من الجهاد لما أمرهم الله به على لسان حزقيل النبي صلى الله عليه وسلم، فخافوا الموت بالقتل في الجهاد، فخرجوا من ديارهم فرارا من ذلك، فأماتهم الله ليعرّفهم أنه لا ينجّيهم من الموت شيء، ثم أحياهم وأمرهم بالجهاد، بقوله:(وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ)(4).
44 -
في تفسير قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً)(5).
قال الضحاك: أن لا ينفق الرجل ماله خير من أن ينفقه ثم يتبعه منّا وأذى، فضرب الله مثله كمثل كافر أنفق ماله لا يؤمن بالله واليوم الآخر، فضرب الله مثلهما جميعا كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل
(1) تفسير الطبري: 2/ 50، الدر المنثور: 1/ 168.
(2)
البقرة: 243.
(3)
تفسير القرطبي: 3/ 227.
(4)
البقرة: 190.
(5)
البقرة: 264.
فتركه صلدا، فكذلك من أنفق ماله، ثم أتبعه منّا وأذى (1).
45 -
في تفسير قوله تعالى: (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)(2).
قال الضحاك: بعث النبي صلى الله عليه وسلم طلائع، فغنم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقسم بين الناس ولم يقسم للطلائع شيئا.
فلما قدمت الطلائع فقالوا: قسم الفيء ولم يقسم لنا، فأنزل الله هذه الآية (3).
46 -
وفي تفسير قوله تعالى: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (4).
قال الضحاك: لما أصيب الذين أصيبوا يوم أحد، لقوا ربهم فأكرمهم، فأصابوا الحياة والشهادة والرزق الطيّب.
قالوا: يا ليت بيننا وبين إخواننا من يبلّغهم: إنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا، فقال الله تعالى: أنا رسولكم إلى نبيّكم وإخوانكم، فأنزل الله هذه الآية (5).
47 -
وفي تفسير قول الله تعالى: (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ
(1) تفسير الطبري: 3/ 45.
(2)
سورة آل عمران: 161.
(3)
تفسير الطبري: 4/ 103، الدر المنثور: 2/ 91.
(4)
آل عمران: 169 - 170.
(5)
تفسير ابن كثير: 1/ 427، مسند أحمد: 1/ 265.
فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (1).
قال الضحاك: كان قوم بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم ميثاق، فنقضوا العهد، وقطعوا السبيل، وأفسدوا في الأرض، فخيّر الله عز وجل نبيّه صلى الله عليه وسلم فيهم، فإن شاء قتل، وإن شاء صلب، وإن شاء قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، أو ينفوا من الأرض.
قال: هو أن يطلبوا حتى يعجزوا، فمن تاب قبل أن يقدر عليه قبل ذلك منه (2).
48 -
وفي تفسير قوله تعالى: (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً)(3).
قال الضحاك: معناه: شياطين الإنس التي مع الإنس وشياطين الجنّ التي مع الجنّ، وليس للإنس شياطين.
وذلك أن إبليس جعل جنده فريقين، فبعث فريقا منهم إلى الإنس، وفريقا منهم إلى الجنّ، وكلا الفريقين أعداء للنبي صلى الله عليه وسلم ولأوليائه وهم يلتقون في كل حين، فيقول شيطان الإنس لشيطان الجنّ: أضللت صاحبي بكذا فأضل صاحبك بمثله، ويقول شياطين الجن لشياطين الإنس كذلك، فذلك يوحي بعضهم إلى بعض (4).
49 -
في تفسير قوله تعالى: (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ (15) أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ
(1) المائدة: 33 - 34.
(2)
تفسير الطبري: 6/ 133، زاد المسير: 2/ 243.
(3)
الأنعام: 112.
(4)
تفسير ابن كثير: 2/ 166.
وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (1).
قال الضحاك: إن أهل الرياء يعطون بحسناتهم في الدنيا، وذلك أنهم لا يظلمون نقيرا، يقول: من عمل صالحا التماس الدنيا صوما أو صلاة أو تهجّدا بالليل لا يعمله إلا التماس الدنيا، يقول الله تعالى:
أوفّيه الذي التمس في الدنيا من المثابة، وحبط عمله الذي كان يعمله لالتماس الدنيا، وهو في الآخرة من الخاسرين (2).
50 -
وفي تفسير قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ)(3).
قال الضحاك: كان ناس من قبائل العرب حول المدينة من القرى، كانوا يقولون: نأتي محمدا صلى الله عليه وسلم فننظر في شأنه، فإن صادفنا خيرا ثبتنا معه، وإلا لحقنا بمنازلنا وأهلينا، وكانوا يأتونه فيقولون: نحن على دينك فإن أصابوا معيشة ونتجوا خيلهم وولدت نساؤهم الغلمان اطمأنوا، وقالوا: هذا دين صدق، وإن تأخّر عنهم الرزق وأزلقت خيولهم وولدت نساؤهم البنات، قالوا: هذا دين سوء فانقلبوا على وجوههم (4).
51 -
وفي تفسير قول الله تعالى: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ)(5).
سئل الضحاك عن أرواح الشهداء، فقال: تجعل أرواحهم في
(1) هود: 15 - 16.
(2)
تفسير الطبري: 12/ 9، تفسير ابن كثير: 2/ 439.
(3)
الحج: 11.
(4)
تفسير الطبري: 17/ 96، تفسير القرطبي: 12/ 26.
(5)
غافر: 46.
أجواف طير خضر تسرح في الجنة، وتأوي بالليل إلى قناديل من ذهب معلّقة بالعرش فتأوي فيها.
قيل: فأرواح الكفار؟ قال: توحّد أرواحهم فتجعل في أجواف طير سود تغدو وتروح على النار، ثم قرأ هذه الآية (1).
52 -
وفي تفسير قوله تعالى: (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى)(2).
قال الضحاك: يعني قريشا.
يقول: إنما أنا رجل منكم فأعينوني على عدوّي واحفظوا قرابتي، وإن الذي جئتكم به لا أسألكم عليه أجرا إلا المودّة في القربى، أن تودّوني لقرابتي، وتعينوني على عدوّي (3).
53 -
وفي تفسير قول الله تعالى: (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ)(4).
قال الضحاك (5): زعموا أن الشياطين تنزلت به على محمد صلى الله عليه وسلم، فأخبرهم الله أنها لا تقدر على ذلك ولا تستطيعه، وما ينبغي لهم أن ينزلوا بهذا، وهو محجوب عنهم، وقرأ قول الله تعالى:(وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ) (6).
54 -
وفي تفسير قوله تعالى: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ)(7).
(1) الدر المنثور: 2/ 352، تفسير ابن كثير: 4/ 82.
(2)
الشورى: 23.
(3)
تفسير الطبري: 25/ 6، تفسير ابن كثير: 4/ 112.
(4)
الواقعة: 79.
(5)
تفسير الطبري: 27/ 118.
(6)
الشعراء: 211 - 212.
(7)
الصف: 8.
قال الضحاك: (نُورَ اللَّهِ) محمد صلى الله عليه وسلم، يريدون هلاكه بالأراجيف (1).
55 -
وفي تفسير قوله تعالى: (وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ)(2).
قال الضحاك: إذا ذكرت- أي: ذكر الله تعالى- ذكرت يا محمد معي، ولا تجوز خطبة ولا نكاح إلّا بذكرك معي صلى الله عليه وسلم (3).
(1) تفسير القرطبي: 18/ 82.
(2)
الشرح: 4.
(3)
الدر المنثور: 6/ 363، تفسير القرطبي: 20/ 107.