الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْبَاب التَّاسِع وَالْأَرْبَعُونَ
فِي الْفرق بَين الْمُحْتَسب الْمَنْصُوب وَبَين الْمُحْتَسب المتطوع
رُوِيَ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه أَنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا رأى أحد مِنْكُم مُنْكرا فليغيره بِيَدِهِ فَإِن لم يسْتَطع فبلسانه فَإِن لم يسْتَطع فبقلبه وَذَلِكَ أَضْعَف فعل أهل الْإِيمَان قَالَ بَعضهم التَّغَيُّر بِالْيَدِ لِلْأُمَرَاءِ وباللسان للْعُلَمَاء وبالقلب للعامة
وَالثَّانِي أَن المتطوع إِذا علم أَنهم يسمعُونَ كَلَامه يجب عَلَيْهِ أَن يَأْمُرهُم وينهاهم وَإِلَّا فَلَا وَلِهَذَا لَو رأى رجل على ثوب مُسلم نَجَاسَة أَكثر من قدر الدِّرْهَم إِن وَقع فِي قلبه أَنه لَو أخبرهُ اشْتغل بِغسْلِهِ لم يَسعهُ أَن لَا يُخبرهُ لِأَن الْإِخْبَار مُفِيد وَإِن وَقع فِي قلبه أَنه لَو أخبرهُ لَا يلْتَفت إِلَى كَلَامه كَانَ فِي سَعَة أَن لَا يُخبرهُ لِأَن الْإِخْبَار لَا يُفِيد
وَأما الْمُحْتَسب الْمَنْصُوب فَإِن علم أَنهم لَا يَسْتَمِعُون يجب عَلَيْهِ الْأَمر
لِأَنَّهُ لأقدر على الْجَبْر على الانقياد بِخِلَاف المتطوع
الثَّالِث حريق وَقع فِي محلّة فهدم إِنْسَان دَار غَيره بِغَيْر أَمر صَاحبهَا حَتَّى انْقَطع الْحَرِيق من دَاره فَهُوَ ضَامِن إِذا لم يفعل بِأَمْر السُّلْطَان لِأَنَّهُ أتلف ملك الْغَيْر لَكِن يعْذر فَيضمن فَلَا يَأْثَم كالمضطر بِأخذ طَعَام غَيره يكره صَاحبه لَا يَأْثَم وَيضمن قَالَ يحْتَسب فِيهِ كالسلطان لِأَنَّهُ نَائِبه فِي إِقَامَة الْحِسْبَة وَهَذَا من الْحِسْبَة لِأَنَّهُ أوقع للضَّرَر الْعَام بتحمل الضَّرَر الْخَاص
وَالرَّابِع أَن المتطوع فِي الْأَمر بالعروف على وُجُوه لَو علم أَنه لَو أمره بِهِ يطيعه يجب عَلَيْهِ إِقَامَة الْحِسْبَة وَلَو علم أَنه لَا يأتمر بأَمْره فَهُوَ على وَجْهَيْن أما أَن يَقع بَينهمَا عَدَاوَة ويصل مِنْهُ إِلَى الْأَمر مَكْرُوه بِقَذْف أَو شتم أَو لَا يَقع فَإِن لم يَقع فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ أَمر وَإِن شَاءَ ترك وَالْأَمر أفضل إحرازا للثَّواب وَإِن علم أَنه لَو أَمر ضربه أَو شَتمه فَهُوَ على وَجْهَيْن إِن علم أَنه يصبر على أذاهم فالترك رخصَة وَالْأَمر عَزِيمَة ومجاهدة فِي سَبِيل الله تَعَالَى وَإِن علم أَنه لَا يُغير فالترك أفضل توقيا عَن الْفِتْنَة وَهَذَا كُله لَا يَتَأَتَّى فِي الْمُحْتَسب الْمَنْصُوب لِأَنَّهُ يقدر على دفع الْمَكْرُوه عَن نَفسه بأعوانه وَأَعْوَان سُلْطَانه
وَالْخَامِس التَّصَرُّف المضر فِي طَرِيق الْعَامَّة لكل وَاحِد أَن يُزِيلهُ لِأَن الْحق للعامة وَالْأولَى أَن يرفع إِلَى الْحَاكِم حَتَّى يَأْمر بِالْقَلْعِ وَالْحَاكِم فِي هَذَا
هُوَ الْمُحْتَسب لِأَن أَمر الشوارع مفوض إِلَيْهِ
وَالسَّادِس هُوَ أَن الْمَنْصُوب للحسبة لَا يضمن بِإِتْلَاف المعازف عِنْد أبي حنيفَة والمتطوع يضمن عِنْده وَالْحِيلَة أَن لَا يضمن المتطوع أَيْضا أَن يستوهبه من الْمَالِك فَإِن وهبه يكسرهُ وَلَا يضمن إِجْمَاعًا وَعَن ابْن الْمُبَارك أَنه أَتَى على قدم يضْربُونَ بالطنبور فَقَالَ لَهُم هبوا هَذَا لي فدفعوه إِلَيْهِ فَضرب بِهِ الأَرْض وكسره فَقَالُوا يَا شيخ خدعتنا
وَالسَّابِع هُوَ أَن المتطوع يحْتَاج فِي احتسابه إِلَى إخلاص النِّيَّة لِأَنَّهُ قربَة أما الْمَنْصُوب فَهُوَ فرض عَلَيْهِ والرياء لَا يدْخل فِي الْفَرْض
وَذكر فِي الْكِفَايَة الشعبية حكى عَن أبي بكر العياض أَنه خرج إِلَى رِبَاط فَرَأى فتيانا فَوق تِلْكَ يشربون الْخمر فَأَخَذته الحمية وقصدهم فَلَمَّا دنا مِنْهُم سلوا عَلَيْهِ السيوف والسكاكين فهرب مِنْهُم ثمَّ أخْلص النِّيَّة لله تَعَالَى فَعَاد لعيهم فَهَرَبُوا مِنْهُ