الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَسْأَلَة
إِذا ترك الْمُحْتَسب مَعْرُوفا أَو ارْتكب مَنْهِيّا هَل يجب عَلَيْهِ أَن يَأْمر بِهِ غَيره أَو ينهاه عَنهُ
الْجَواب
نعم لقَوْله عليه السلام مروا بِالْمَعْرُوفِ وَإِن لم تعملوا بِهِ وأنهوا عَن الْمُنكر وَإِن لم تنتهو عَنهُ قَالَ العَبْد وَيكون ثَوَاب الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر إِن كَانَ مخلصا فِيهِ وَعَلِيهِ وزر مخالفتهما إِن لم يتب والوعيد فِي حَقه شَدِيد قَالَ عليه السلام يُؤْتى بِالرجلِ يَوْم الْقِيَامَة فَيلقى فِي النَّار فتندلق أقتاب بَطْنه فيدور بهَا كَمَا يَدُور الْحمار بالرحى قَالَ فيجتمع عَلَيْهِ أهل النَّار فَيَقُولُونَ لَهُ يَا فلَان مَا لَك أما اكنت تَأمر بِالْمَعْرُوفِ وتنهى عَن الْمُنكر فَيَقُول بلَى كنت آمُر بِالْمَعْرُوفِ فَلَا آتيه وأنهى عَن الْمُنكر وآتيه قَالَ العَبْد وللصوفيه فِي الاحتساب شَرط آخر وَهُوَ أَن لَا يرى نَفسه فِي الاحتساب فَإِن رَآهَا فِيهِ ترك
حُكيَ عَن أبي بكر الشبلي رحمه الله أَن سفينة مشحونة بخواب من خمر
حملت من مصر للخليفة فَألْقى نَفسه فِيهَا فَجعل يَأْخُذ وَاحِدًا ويريقها كلهَا وَالْقَوْم سكُوت من هيبته حَتَّى بَقِي وَاحِد فَلم يرقها فَأتى بِهِ إِلَى الْخَلِيفَة وَهُوَ المعتصم فَقَالَ لَهُ لم فعلت هَذَا قَالَ أيد الله تَعَالَى الْخَلِيفَة لَو علمت أَن فِي بَطْنك خمرًا لشققته بِهَذِهِ الحربة فَقَالَ لَهُ المعتصم أَنا أعلم مَا قصدك من هَذَا قصدك أَن أَقْتلك حَتَّى تصير شَهِيدا فَلَا أفعل مَا قصدت ثمَّ قَالَ لم تركت الخابية الْوَاحِدَة فَقَالَ حِين كنت أريقها لم أكن أرى نَفسِي فِيهَا فَلَمَّا لم يبْق إِلَّا وَاحِد رَأَيْت نَفسِي عِنْدهَا فتركتها وَلم أريقها بِمُرَاد نَفسِي
وَيَنْبَغِي أَلا يخَاف فِي احتسابه إِلَّا الله تَعَالَى بل يَسْتَعِين بِهِ وَيدخل فِيهِ متوكلا على الله تَعَالَى لقَوْله تَعَالَى {أتخشونهم فَالله أَحَق أَن تخشوه إِن كُنْتُم مُؤمنين}
وَحكي أَن أَبَا غياث الزَّاهِد كَانَ يسكن بمقابر بُخَارى فَدخل الْمَدِينَة ليزور خَاله فِي الله تَعَالَى وَكَانَ غلْمَان الْأَمِير نصر بن أَحْمد والمغنون يخرجُون من دَاره مَعَهم المعازف والملاهي وَكَانَ هُنَاكَ ضِيَافَة عِنْد الْأَمِير فَلَمَّا رَآهُمْ الزَّاهِد
قَالَ يَا نفس وَقع الْأَمر إِن نهيت فَفِيهِ خوف تلفك وَإِن سكت فَأَنت شريكهم فَرفع رَأسه إِلَى السَّمَاء واستعان بِاللَّه تَعَالَى وَأخذ الْعَصَا وَحمل عَلَيْهِم حَملَة فَوَلوا منهزمين مُدبرين إِلَى دَار السُّلْطَان وخلفهم الزَّاهِد فَأرْسل إِلَيْهِ فَأتى الزَّاهِد فَقَالَ لَهُ السُّلْطَان أما تعلم أَن من خرج على السُّلْطَان يتغذى فِي السجْن فَقَالَ لَهُ غياث أما علمت أَن من يخرج على الرَّحْمَن يتعشى فِي النيرَان فَقَالَ لَهُ الْأَمِير من ولاك الْحِسْبَة قَالَ الَّذِي ولاك الامارة قَالَ ولاني الْإِمَارَة الْخَلِيفَة قَالَ غياث ولاني الْحِسْبَة رب الْخَلِيفَة فَقَالَ الْأَمِير وليتك الْحِسْبَة بسمرقند قَالَ عزلت نَفسِي عَنْهَا قَالَ الْعجب فِي أَمرك تحتسب حَيْثُ لم تُؤمر وتمتنع حَيْثُ تُؤمر قَالَ لِأَنَّك إِذا وليتني عزلتني وَإِذا ولاني رَبِّي لم يعزلني أحد قَالَ الْأَمِير سل حَاجَة قَالَ أترد عَليّ شَبَابِي قَالَ الْأَمِير لَيْسَ ذَلِك إِلَيّ سل أُخْرَى قَالَ أكتب إِلَى مَالك خَازِن جنهم أَن لَا يُعَذِّبنِي قَالَ لَيْسَ ذَلِك إِلَيّ سل أُخْرَى قَالَ أكتب إِلَى رضوَان أَن يدخلني الْجنَّة قَالَ لَيْسَ ذَلِك إِلَيّ قَالَ فَأَنا مَعَ الرب الَّذِي هُوَ مَالك الْحَوَائِج كلهَا لَا أسأله حَاجَة إِلَّا أجابني إِلَيْهَا فخلى الْأَمِير سَبيله فَذهب
وَذكر فِي شرعة الْإِسْلَام وشرائط الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ ثَلَاثَة
الأول صِحَة النِّيَّة فِيهِ وَهُوَ أَن يُرِيد إعلاء كلمة الله تَعَالَى
وَالثَّانِي معرفَة الْحجَّة
وَالثَّالِث الصَّبْر على مَا يُصِيبهُ من الْمَكْرُوه
وَيجب أَن يكون فِيهِ ثَلَاث خِصَال رفق فِيمَا يَأْمر بِهِ وَينْهى عَنهُ قَالَ الله تَعَالَى فبمَا رَحْمَة من الله لنت لَهُم وَلَو كنت فظا غليظ الْقلب لَا نفضوا من حولك
فَإِن الغلظة لَا تزيد إِلَّا فَسَادًا وحلم فِي ذَلِك عَمَّا يَنَالهُ من الْمَكْرُوه وَفقه كَيْلا يصير أمره بِالْمَعْرُوفِ مُنْكرا
وَفِي شرح أدب القَاضِي للخصاف إِذا دخل القَاضِي الْمَسْجِد فَلَا بَأْس بِأَن يسلم على الْخُصُوم يُرِيد بِهِ تَسْلِيمًا عَاما ثمَّ اخْتلف الْمَشَايِخ فَمنهمْ من قَالَ إِن سلم عَلَيْهِم فَلَا بَأْس بِهِ وَإِن ترك وَسعه لتبقى وتكثر الحشمة وَلِهَذَا جرى الرَّسْم أَن الْوُلَاة والأمراء إِذا دخلُوا لَا يسلمُونَ لتبقى الهيبة وتكثر الحشمة فَإِن ترك وَتَأَول بِهَذَا فَلَا بَأْس بِهِ وَإِلَى هَذَا القَوْل مَال صَاحب الْكتاب وَمِنْهُم من قَالَ عَلَيْهِ أَن يسلم وَلَا يَسعهُ التّرْك وَهَكَذَا الْوَالِي والأمير إِذا دخل عَلَيْهِ أَن يسلم وَلَا يَسعهُ التّرْك لِأَنَّهُ سنة فَلَا يَسعهُ ترك السّنة بِسَبَب تقلد الْعَمَل هَذَا هُوَ الْكَلَام وَقت الدُّخُول فَأَما إِذا جلس للْحكم فَلَا يسلم على الْخُصُوم وَلَا يسلمُونَ عَلَيْهِ فعلى هَذَا قيس أَن الْمُحْتَسب لَا يسلم على أهل السُّوق فِي طَوَافه للحسبة ليبقى على الهيبة
وَفِي الْكِفَايَة الشعبية حُكيَ عَن أبي الْقَاسِم الْحَكِيم أَنه قيل لَهُ كَيفَ تَأمر بِالْمَعْرُوفِ فَقَالَ أكرورييش كولي شكتن حرمت بودوجون أزيس كولي غيبت
بودواكربجاي ماني ترك نصيحت بودت وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ لَا يَخْلُو من هَذِه الْأَوْجه الثَّلَاثَة فَكيف تصنع قَالَ إِن كَانَ أكبر مِنْك فالسبيل أَن تريه عَاقِبَة ذَلِك وتقبحه عَلَيْهِ وَتقول إِن ذَلِك الشَّيْء حرَام وَأَنه يعيب من يَفْعَله وتسأله إِن من ابتلى بِهَذَا فَكيف يفعل بِهِ حَتَّى يَقُول بِنَفسِهِ أَنه يعيب عَنهُ حُكيَ أَن حسنا وَحسَيْنا رضي الله عنهما خرجا إِلَى الصَّحرَاء فرأيا شَيخا يتَوَضَّأ وَلَا يحسن الْوضُوء فَقَالَا مَعَ أَنفسهمَا أَنه شيخ فَكيف تَقول لَهُ أَنَّك لَا تعلم الْوضُوء لَعَلَّه يغْضب من ذَلِك فاتفقا على أَن يجيئا إِلَيْهِ ليتعلما مِنْهُ الْوضُوء فدنيا مِنْهُ وَقَالا يَا شيخ أنظر إِلَيْنَا أَيّنَا أحسن علما بِالْوضُوءِ فَتَوَضَّأ بَين يَدَيْهِ وَهُوَ ينظر إِلَيْهِمَا فَقَالَ أنكما تحسنان الْوضُوء وَلَكِنِّي لَا أحْسنه فتعلمت مِنْكُمَا وَإِن كَانَ مثلك فِي السن تشفع إِلَيْهِ وترفق بِهِ ثمَّ تَأمره لِئَلَّا يضيق قلبه كَمَا حُكيَ عَن إِبْرَاهِيم الْخَلِيل صلى الله عليه وسلم إس تُضَاف مِائَتي مَجُوسِيّ فَلَمَّا أكلُوا الطَّعَام قَالُوا لَهُ مَا تَأْمُرنَا يَا إِبْرَاهِيم قَالَ إِن لي إِلَيْكُم حَاجَة فَقَالُوا مَا حَاجَتك فَقَالَ اسجدوا لرَبي مرّة وَاحِدَة فتشاوروا فِيمَا بَينهم وَقَالُوا إِن هَذَا الرجل قد اصْطنع مَعْرُوفا كثيرا فَلَو سجدنا لرَبه مرّة وَاحِدَة ثمَّ رَجعْنَا إِلَى آلِهَتنَا لَا يضر ذَلِك فسجدوا جَمِيعًا فَلَمَّا وضعُوا رؤوسهم على الأَرْض نَاجِي ربه فَقَالَ إلهي أَنِّي جهدت جهدي حَتَّى حملتهم على هَذَا وَلَا طَاقَة لي فَوق هَذَا وَإِنَّمَا التَّوْفِيق وَالْهِدَايَة بِيَدِك اللَّهُمَّ أشرح صُدُورهمْ بِالْإِسْلَامِ فَرفعُوا رؤوسهم من السُّجُود فأسلموا
جَمِيعًا وَمن آدَاب الاحتساب مَا رُوِيَ عَن عمر رضي الله عنه أَنه كَانَ يعس ذَات لَيْلَة فَنظر إِلَى مِصْبَاح من خلل بَاب فَاطلع فَإِذا قوم هم على شراب فَلم يدر كَيفَ يصنع فَدخل الْمَسْجِد فَأخْرج عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فجَاء بِهِ إِلَى الْبَاب فَنظر وَقَالَ وَكَيف ترى أَن نعمل فَقَالَ أرى وَالله تَعَالَى قد آتَيْنَا مَا نَهَانَا الله تَعَالَى عَنهُ لأَنا تحبسنا واطلعنا على عَورَة قوم ستروا دُوننَا وَمَا كَانَ لنا أَن نكشف ستر الله فَقَالَ مَا أَرَاك إِلَّا قد صدقت فانصرفا وَفِي هَذَا الْخَبَر فَوَائِد
أَحدهَا أَن العسس شُرُوع بل هُوَ سنة عمر رضي الله عنه
وَالثَّانِي أَن الْمُحْتَسب يَنْبَغِي لَهُ أَن يشاور أَصْحَابه فِيمَا أشكل عَلَيْهِ كَمَا سَأَلَ عمر رضي الله عنه عبد الرَّحْمَن بن عَوْف
وَالثَّالِث أَن التَّجَسُّس للمحتسب أَيْضا منهى عَنهُ وَرُوِيَ نَحْو هَذَا أَن عمر رضي الله عنه كَانَ يعس مَعَ ابْن مَسْعُود رضي الله عنه فَأطلع من خلال بَاب فَإِذا شيخ بَين يَدَيْهِ شراب وقينة مغنية فتسور فَقَالَ عمر مَا أقبح شَيخا مثلك أَن يكون على مثل هَذِه الْحَال فَقَامَ الرجل فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أنْشدك الله تَعَالَى أَن تصغي حَتَّى أَتكَلّم قَالَ قل قَالَ إِن كنت عصيت الله تَعَالَى وَاحِدَة فقد عصيته انت فِي ثَلَاث قَالَ مَا هن قَالَ تجسست وَقد نهاك الله تَعَالَى عَنهُ