المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌في تفضيل منصب الاحتساب - نصاب الاحتساب

[السنامي]

فهرس الكتاب

- ‌فِي تَفْسِير اللَّفْظَيْنِ المتداولين فِي هَذَا الْكتاب أَحدهمَا الاحتساب وَالثَّانِي الْحِسْبَة

- ‌الاحتساب على من يستخف بالحروف والكواغد وَنَحْوهَا

- ‌مَسْأَلَة

- ‌فِي الاحتساب على المخنث

- ‌مَسْأَلَة

- ‌فِي الْفرق بَين الْمُحْتَسب الْمَنْصُوب والمتطوع

- ‌فِي التَّعْزِير

- ‌مَسْأَلَة

- ‌ مَسْأَلَة

- ‌الْجَواب

- ‌‌‌مَسْأَلَة

- ‌مَسْأَلَة

- ‌‌‌‌‌مَسْأَلَة

- ‌‌‌مَسْأَلَة

- ‌مَسْأَلَة

- ‌فِي الاحتساب على الْفُقَرَاء

- ‌مَسْأَلَة

- ‌الْجَواب

- ‌مَسْأَلَة

- ‌الْجَواب

- ‌مَسْأَلَة

- ‌الْجَواب

- ‌مَسْأَلَة

- ‌الْجَواب

- ‌مَسْأَلَة

- ‌الْجَواب

- ‌‌‌مَسْأَلَة

- ‌مَسْأَلَة

- ‌الْجَواب

- ‌‌‌مَسْأَلَة

- ‌مَسْأَلَة

- ‌‌‌الْجَواب

- ‌الْجَواب

- ‌مَسْأَلَة

- ‌الْجَواب

- ‌‌‌مَسْأَلَة

- ‌مَسْأَلَة

- ‌فِي الاحتساب على الظَّالِم بإعانة الْمَظْلُوم

- ‌فِي الاحتساب على النِّسَاء

- ‌مَسْأَلَة

- ‌مَسْأَلَة

- ‌مَسْأَلَة

- ‌الْجَواب

- ‌‌‌مَسْأَلَة

- ‌مَسْأَلَة

- ‌الْجَواب

- ‌‌‌مَسْأَلَة

- ‌مَسْأَلَة

- ‌مَسْأَلَة

- ‌فِي الاحتساب بِسَبَب الغلمان

- ‌فِي الاحتساب فِي الْأكل وَالشرب والتداوي

- ‌فِي الاحتساب على اللّعب

- ‌مَسْأَلَة

- ‌الْجَواب

- ‌فِي الاحتساب على الْقُضَاة وأعوانهم

- ‌مَسْأَلَة

- ‌فِي الاحتساب على من يتَصَرَّف فِي الْمَقَابِر مَا يجوز وَمَا لَا يجوز

- ‌‌‌مَسْأَلَة

- ‌مَسْأَلَة

- ‌الْجَواب

- ‌فِي الاحتساب فِي من يخبر الْمُحْتَسب بالمنكرات

- ‌فِي الاحتساب فِي الْمَسْجِد

- ‌مَسْأَلَة

- ‌مَسْأَلَة

- ‌الْجَواب

- ‌‌‌مَسْأَلَة

- ‌مَسْأَلَة

- ‌الْجَواب

- ‌فِي الاحتساب على من يحضر للتعزية فِي الْمَسْجِد والمقابر فِي الْيَوْم الثَّانِي وَالثَّالِث من الْمَوْت وَبَيَان مَا فِيهِ من الْأُمُور الْمُحرمَة والمكروهة

- ‌فِي الاحتساب على الخطباء

- ‌فِي الاحتساب على من حلف بِغَيْر الله تَعَالَى اَوْ حلف بِهِ

- ‌مَسْأَلَة

- ‌فِي الاحتساب على من يتَكَلَّم بِكَلِمَات الْكفْر

- ‌مَسْأَلَة

- ‌فِي الاحتساب على الْوَالِدين وَالْأَوْلَاد

- ‌فِي الاحتساب فِي الْخُصُومَة الْوَاقِعَة بَين الْجِيرَان

- ‌فِي تَفْضِيل منصب الاحتساب

- ‌فِي الاحتساب على من كشف عَوْرَته أَو نظر إِلَى عَورَة غَيره

- ‌فِي الاحتساب على من يظْهر الْقُبُور الكاذبة وَيُشبه الْمَقَابِر بِالْكَعْبَةِ

- ‌فِي الاحتساب بِسَبَب الصُّورَة فِي الْبَيْت

- ‌فِي الاحتساب فِي الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير وَغَيرهمَا من أَنْوَاع الْأَثْمَان

- ‌مَسْأَلَة

- ‌فِي الاحتساب على أهل الذِّمَّة

- ‌فِي الاحتساب على الْمُسَافِرين

- ‌فِي الاحتساب بالاحراق

- ‌فِي الْفرق بَين الْمُحْتَسب وَبَين المتعنت

- ‌فِي الاحتساب على من يكْتب التعويذ ويستكتبه

- ‌فِي الاحتساب على من يَأْخُذ شَيْء على الاحتساب من النَّاس

- ‌فِي الاحتساب فِي بَاب الْعلم

- ‌فِي الاحتساب على السَّحَرَة والزنادقة والرقية وَنَحْوهم

- ‌مَسْأَلَة

- ‌فِي الاحتساب فِيمَا يجوز التَّصَرُّف فِي ملك الْغَيْر وَغير الْملك عقارا أَو عرُوضا

- ‌فِي الاحتساب فِي اتلاف البنج على الْمُسلم وتعزير اكله وشاربه

- ‌فِي الاحتساب على من اسْتعْمل الذَّهَب وَالْفِضَّة وَغَيرهمَا

- ‌فِي الاحتساب فِي الثِّيَاب

- ‌فِي الاحتساب على من ينظر بِغَيْر حل

- ‌فِي الاحتساب على أهل الِاكْتِسَاب

- ‌فِي الاحتساب على المماليك

- ‌فِيمَا يتَعَلَّق بمسائل الْمَوْتَى

- ‌فِي إِرَاقَة الْخمر وَقتل الْخِنْزِير

- ‌فِي الاحتساب على أَصْحَاب الزروع والباغات

- ‌فِي الاحتساب على من يفعل فِي جسده أَو شعره أَو فِي اسْمه بِدعَة

- ‌فِي الاحتساب فِي فعل الْبدع من الطَّاعَات وَترك السّنَن

- ‌فِيمَا تسْقط بِهِ فَرِيضَة الاحتساب

- ‌‌‌مَسْأَلَة

- ‌مَسْأَلَة

- ‌‌‌الْجَواب

- ‌الْجَواب

- ‌فِي الاحتساب على المفرط فِي التَّوَاضُع للنَّاس

- ‌مَسْأَلَة

- ‌الْجَواب

- ‌فِي الْفرق بَين الْمُحْتَسب الْمَنْصُوب وَبَين الْمُحْتَسب المتطوع

- ‌فِي بَيَان سَبَب انتساب الاحتساب إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ

- ‌فِي الملاهي وأواني الْخمر

- ‌‌‌مَسْأَلَة

- ‌مَسْأَلَة

- ‌فِي بَيَان اداب الاحتساب

- ‌مَسْأَلَة

- ‌الْجَواب

- ‌مَسْأَلَة

- ‌الْجَواب

- ‌مَسْأَلَة

- ‌مَسْأَلَة

- ‌فِي الاحتساب على من يظْهر الْبدع فِي الْبيُوت وَفِي هجوم الْمُحْتَسب على بيُوت المفسدين بِلَا اذنهم

- ‌فِيمَا يمْنَع الْمُحْتَسب من الطَّرِيق وَمَا لَا يمْنَع

- ‌مَسْأَلَة

- ‌مَسْأَلَة

- ‌الْجَواب

- ‌فِي الاحتساب فِي الصَّلَاة

- ‌مَسْأَلَة

- ‌الْجَواب

- ‌الاحتساب فِي الدَّوَابّ

- ‌مَسْأَلَة

- ‌الْجَواب

- ‌فِي الاحتساب على الطَّيرَة والتكهن والتنجيم وَنَحْوهَا

- ‌مَسْأَلَة

- ‌فِي الاحتساب على الطباخ

- ‌فِي بَيَان كَلِمَات الْكفْر وَالْمَعْصِيَة

- ‌فِي الاحتساب على الْبدع فِي الانكحة

- ‌فِي الاحتساب على بدع شعر الرَّأْس

- ‌‌‌مَسْأَلَة

- ‌مَسْأَلَة

- ‌فِي الاحتساب على الْمُذكر وعَلى سامعي التَّذْكِير

- ‌مَسْأَلَة

- ‌الْجَواب

- ‌مَسْأَلَة

- ‌الْجَواب

- ‌فِي الاحتساب فِيمَا يُقَام بِهِ التَّعْزِير وَتَعْلِيق الدرة على بَاب الْمُحْتَسب وَغير ذَلِك مِمَّا يُنَاسِبه

- ‌مَسْأَلَة

- ‌الْجَواب

- ‌فِي الاحتساب بالاخراج من الْبَيْت

- ‌مَسْأَلَة

- ‌الْجَواب

الفصل: ‌في تفضيل منصب الاحتساب

الْبَاب الثَّانِي وَالْعشْرُونَ

‌فِي تَفْضِيل منصب الاحتساب

وَهُوَ ثَابت من وُجُوه

أَحدهمَا تَفْضِيل الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ

وَالثَّانِي تَفْضِيل النَّهْي عَن الْمُنكر

وَالثَّالِث توعيد التارك لَهما أَو لأَحَدهمَا وتعزيزه من حَيْثُ الْكتاب وَالسّنة والأثر قَالَ الله تَعَالَى الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَات بَعضهم أَوْلِيَاء بعض يأمرون بِالْمَعْرُوفِ وَينْهَوْنَ عَن الْمُنكر وَقَالَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أفضل الْأَعْمَال الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَشَنَآن الْفَاسِقين يَعْنِي بغضهم فَمن أَمر بِالْمَعْرُوفِ شدّ ظهر الْمُؤمنِينَ وَمن نهى عَن الْمُنكر رغم أنف الْمُنَافِقين

وَرُوِيَ سعيد عَن قَتَادَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه قَالَ ذكر لنا أَن رجلا أَتَى النَّبِي عليه السلام وَهُوَ يَوْمئِذٍ بِمَكَّة فَقَالَ أَنْت الَّذِي تزْعم أَنَّك رَسُول الله قَالَ نعم قَالَ أَي الْأَعْمَال أحب إِلَى الله تَعَالَى قَالَ الْإِيمَان بِاللَّه تَعَالَى قَالَ ثمَّ مَاذَا قَالَ ثمَّ صلَة الرَّحِم قَالَ ثمَّ مَاذَا قَالَ ثمَّ الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر قَالَ أَي الْأَعْمَال أبْغض إِلَى الله تَعَالَى قَالَ الْإِشْرَاك بِاللَّه تَعَالَى قَالَ ثمَّ مَاذَا قَالَ ثمَّ

ص: 205

قطيعة الرَّحِم قَالَ ثمَّ مَاذَا قَالَ ثمَّ ترك الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا من قوم يكون فيهم رجل يعْمل بِالْمَعَاصِي ويقدرون أَن يُغيرُوا عَلَيْهِ فَلَا يغيرون إِلَّا عمهم الله تَعَالَى بِالْعَذَابِ قبل أَن يموتوا وَقَالَ الله تَعَالَى {كُنْتُم خير أمة أخرجت للنَّاس تأمرون بِالْمَعْرُوفِ وتنهون عَن الْمُنكر} يَعْنِي أَنْتُم خير أمة وَيُقَال مَعْنَاهُ وكنتم مكتوبين فِي اللَّوْح خير أمة أخرجت للنَّاس أخرجكم الله تَعَالَى لأجل النَّاس لكَي تأمروا بِالْمَعْرُوفِ يَعْنِي بالصالحات وتنهوا عَن الْمُنكر يَعْنِي تمْنَعُونَ أهل الْمعاصِي من الْمعْصِيَة فالمعروف مُوَافقا للْكتاب وَالسّنة وَالْعقل وَالْمُنكر مَا كَانَ مُخَالفا للْكتاب وَالسّنة وَالْعقل وَقَالَ الله تَعَالَى {ولتكن مِنْكُم أمة يدعونَ إِلَى الْخَيْر ويأمرون بِالْمَعْرُوفِ وَينْهَوْنَ عَن الْمُنكر} وَقد ذمّ الله تَعَالَى أَقْوَامًا بترك النَّهْي عَن الْمُنكر قَالَ الله تَعَالَى {كَانُوا لَا يتناهون عَن مُنكر فَعَلُوهُ} يَعْنِي لَا يُنْهِي بَعضهم بَعْضًا عَن الْمُنكر فَقَالَ {لبئس مَا كَانُوا يصنعون} يَعْنِي هلا ينهاهم علماؤهم وفقهاؤهم وقراؤهم عَن القَوْل الْفَاحِش وَأكل الْحَرَام {لبئس مَا كَانُوا يصنعون} وَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز رَحمَه الله تَعَالَى إِن الله تَعَالَى لَا يعذب الْعَامَّة بِعَمَل الْخَاصَّة وَلَكِن إِذا ظَهرت الْمعاصِي فَلم ينكروا فقد اسْتحق الْقَوْم جَمِيعًا للعقوبة وَذكر أَن الله تَعَالَى أوحى إِلَى يُوشَع بن نون أَنِّي مهلك من قَوْمك أَرْبَعِينَ الْفَا من خيارهم وَسِتِّينَ ألفا من شرارهم فَقَالَ يَا رب هَؤُلَاءِ أشرار فَمَا بَال الأخيار قَالَ إِنَّهُم لم يغضبوا

ص: 206

بغضبي وأكلوهم وشاربوهم وَقَالَ النَّبِي عليه السلام مثل المداهن فِي حُقُوق الله تَعَالَى وَالْوَاقِع فِيهَا والقائم عَلَيْهَا كَمثل ثَلَاثَة كَانُوا فِي سفينة فاقتسموا مَنَازِلهمْ فَصَارَ لأَحَدهم أَسْفَلهَا فَبينا هم فِيهَا إِذْ أَخذ الْقدوم فَقَالُوا لَهُ مَا تُرِيدُ فَقَالَ أخرق فِي مَكَاني خرقا فَيكون المَاء أقرب إِلَيّ وَيكون هَذَا لي ومهراق مائي فَقَالَ بَعضهم أتركوه أبعده الله تَعَالَى يخرق من حَقه مَا يَشَاء وَقَالَ بَعضهم لَا تَدعُوهُ يخرقها فيهلكنا وَيهْلك نَفسه فَإِنَّهُم إِن أخذُوا على يَدَيْهِ نجا ونجوا وَإِن لم يَأْخُذُوا على يَدَيْهِ هَلَكُوا وَهلك وَعَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَنه قَالَ لتأمرن بِالْمَعْرُوفِ ولتنهون عَن الْمُنكر أَو يسلطن الله تَعَالَى عَلَيْكُم سُلْطَانا ظَالِما لَا يجل كبيركم وَلَا يرحم صغيركم وَيَدْعُو خياركم فَلَا يُسْتَجَاب لَهُم ويستنصرون فَلَا ينصر لَهُم وَيَسْتَغْفِرُونَ فَلَا يغْفر لَهُم وروى حُذَيْفَة بن الْيَمَانِيّ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لتأمرن بِالْمَعْرُوفِ ولتنهون عَن الْمُنكر أَو ليوشك أَن الله تَعَالَى يبْعَث عَلَيْكُم عذَابا من عِنْده ثمَّ لتدعونه فَلَا يستجيب لكم قَالَ العَبْد وَمن الْحَاصِل على ترك الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر حب الدُّنْيَا قَالَ عليه السلام أَنْتُم الْيَوْم على بَيِّنَة من ربكُم يَعْنِي على بَيَان قد بَين الله تَعَالَى لكم طريقكم مَا لم يظْهر فِيكُم سكرتان سكرة الْعَيْش وسكرة الْجَهْل فَأنْتم الْيَوْم تأمرون بِالْمَعْرُوفِ وتنهون

ص: 207

عَن الْمُنكر وتجاهدون فِي سَبِيل الله وستحولن عَن ذَلِك إِذا فَشَا فِيكُم حب الدُّنْيَا فَلَا تأمرون بِالْمَعْرُوفِ وَلَا تنهون عَن الْمُنكر وتجاهدون فِي غير سَبِيل الله فالقائمون يَوْمئِذٍ بِالْكتاب سرا وَعَلَانِيَة كالسابقين الْأَوَّلين من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار قَالَ وَمن حب الدُّنْيَا محبَّة النَّاس قَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ إِذا رَأَيْت الْقَارئ محب فِي جِيرَانه مَحْمُود عِنْد إخوانه فَاعْلَم أَنه مداهن وَذكر فِي الرَّوْضَة وتارك الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر كتارك الصَّلَاة وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ كالمصلي وكما لَا يحل ترك الصَّلَاة كَذَلِك لَا يحل ترك الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَقَالَ عليه السلام يحْشر يَوْم الْقِيَامَة أنَاس من أمتِي من قُبُورهم إِلَى الله تَعَالَى على صُورَة القردة والخنازير بِمَا داهنوا أهل الْمعاصِي وَكفوا عَن نهيهم وهم يَسْتَطِيعُونَ وَعَن درة بنت أبي لَهب أَنَّهَا قَالَت يَا رَسُول الله من خير النَّاس قَالَ أَتْقَاهُم للرب وأوصلهم للرحم وَأمرهمْ بِالْمَعْرُوفِ وأنهاهم عَن الْمُنكر وَعنهُ عليه السلام أَنه قَالَ كل كَلَام ابْن آدم عَلَيْهِ لَا لَهُ إِلَّا أَمر بِمَعْرُوف أَو نهي عَن الْمُنكر وَذكر الله تَعَالَى

وَمن فضائله مَا حكى أَن زاهدا من التَّابِعين كسر ملاهي مَرْوَان بن الحكم الخلفية فَأتى بِهِ وَأمر أَن يلقى بَين الْأسد فألقي فملا دخل ذَلِك

ص: 208

الْموضع أفْتَتح الصَّلَاة فجَاء ت الْأسد وحركت ذنبها حَتَّى اجْتمع إِلَيْهِ مَا كَانَ فِي ذَلِك الْبَيْت من الْأسد وَجعلت تلحسه بألسنتها وَهُوَ يُصَلِّي وَلَا يُبَالِي فَلَمَّا أصبح مَرْوَان قَالَ مَا فعل بزاهدنا قَالَ ألقِي بَين يَدي الْأسد قَالَ أنظروا هَل أَكلته فَجَاءُوا فوجودوا الْأسد قد أستأنسوا بِهِ فتعجبوا من ذَلِك فأخرجوه وَحَمَلُوهُ إِلَى الْخَلِيفَة فَقَالَ لَهُ مَا كنت تخَاف مِنْهُم قَالَ لَا كنت مَشْغُولًا متفكرا طول اللَّيْل لم أتفرغ إِلَى خوفهم قَالَ بِمَاذَا تفكر قَالَ هَذِه الْأسد وحوش وَقد جَاءُوا إِلَيّ يلحسون ثيانبي بألسنتها كنت أتفكر أَن لُعَابهَا طَاهِر أم نجس فتفكري هَذَا مَنَعَنِي عَن الْخَوْف مِنْهَا فتعجب مِنْهُ وخلى سَبيله

فَإِن قيل مَا ذكرْتُمْ وَأَن دلّ على فَضِيلَة الاحتساب وَلَكِن عندنَا مَا يأباه بَيَانه وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا عَلَيْكُم أَنفسكُم لَا يضركم من ضل إِذا اهْتَدَيْتُمْ} تعلق قوم بِظَاهِر هَذِه الْآيَة فِي ترك الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَرَأَوا فِيهَا رخصَة فِي ترك فرضين من فروض الدّين وَلم يعرفوا تَأْوِيل الْآيَة وأقوال الصَّحَابَة رضي الله عنهم فِيهِ وبيانها وَاجِب ومعرفتها فَرِيضَة وَقد مدح الله تَعَالَى فِي كِتَابه الصَّالِحين بِهِ وَجعله الْمقَام الْأَعْلَى من مقَام التائبين بست

ص: 209

درحات لقَوْله تَعَالَى التائبون والعابدون إِلَى قَوْله {الآمرون بِالْمَعْرُوفِ والناهون عَن الْمُنكر} والدلائل فِيهِ من الْكتاب وَالسّنة بأَمْره مُتَعَدد يُمكن إِنْكَاره فَلَا تعَارض بَين هَذِه الْآيَة وَبَين مَا ذكرنَا من وُجُوه

أَحدهَا أَن من شَرط التَّعَارُض التَّسَاوِي فِي الشَّرْط والاطلاق بَين الحجتين فقولنا النَّهَار مَوْجُود لَا يناقص قَوْلنَا النَّهَار لَيْسَ بموجود إِذا غربت الشَّمْس وَهَذِه الْآيَة مَشْرُوطَة بِشَرْط الاهتداء بقوله تَعَالَى إِذا اهْتَدَيْتُمْ فَكَانَ عدم الضَّرَر بلزم النَّفس شُرُوطًا بِشَرْط الأهتداء وَمن الاهتداء مُتَابعَة الدَّلَائِل الدَّالَّة على فَرضِيَّة الْحِسْبَة

وَالثَّانِي إِن قَوْله من ضل لَا يتَنَاوَل الْمعْصِيَة لِأَن الضلال على الاطلاق هُوَ الْكفْر لِأَن الْمُسلم مهتد وَإِن أقترف ذَنبا فَكَانَ المُرَاد هُوَ الْكَافِر لَا يكون هَا هُنَا إِلَّا ذِمِّيا وَالذِّمِّيّ لَا يتَعَرَّض لَهُ لبذله الْجِزْيَة فَكَانَت هَذِه الأية ساكتة عَن الاحتساب فِي حق الْمُسلمين كَيفَ وَأَن السِّيَاق وَهُوَ تَحْرِيم الْبحيرَة والسائبة نَازل فِي الْكفَّار

وَالثَّالِث وَهُوَ أَنه لَا تعَارض بَينهمَا لاختلافهما فِي الْوَقْت فَإِن مَا ذكرنَا من الْآيَة وَارِدَة حَال قُوَّة الدّين وَغَلَبَة المهتدين وَهَذِه الْآيَة حَال ضعف الدّين

ص: 210

وَغَلَبَة المفسدين مَا رَوَاهُ ثَعْلَبَة الْخُشَنِي عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَلَا يثبت التَّعَارُض مَعَ إختلاف الْوَقْت بَين الحجتين وَلَا يُقَال التَّقْيِيد لَا يثبت بِخَبَر الْوَاحِد لأَنا نقُول الاحتساب مَشْهُور فِي الصَّحَابَة خطب أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَقَالَ إِنَّكُم تأولون هَذِه الْآيَة وَقَرَأَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا عَلَيْكُم أَنفسكُم لَا يضركم من ضل} الْآيَة وَأَنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول إِن النَّاس إِذا عمل فيهم بِالْمَعَاصِي وَلم يُغيرُوا أوشك أَن يعمهم الله تَعَالَى بعقابه فَأخْبر أَنه لَا رخصَة فِيهَا وَجَاء رجل إِلَى عمر رضي الله عنه وَقَالَ إِنِّي لأعمل بأعمال الْبر كلهَا إِلَّا خَصْلَتَيْنِ قَالَ وَمَا هما قَالَ الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر قَالَ لقد طمست سَهْمَيْنِ من سِهَام الْإِسْلَام إِن شَاءَ الله تَعَالَى غفر لَك وَإِن شَاءَ عذبك وَعَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أَنه قيل لَهُ لَو جَلَست فِي هَذِه الْأَيَّام لَا تَأمر وَلَا تنهي وَذكر الْآيَة فَقَالَ أها لَيست لي وَلَا لَا صَحَابِيّ لِأَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ الا فليبلغ الشَّاهِد الْغَائِب وَنحن الشاهدون وَلَكِن هَذِه الأقوام يجيئون من بعدِي إِن قَالُوا لم يضل مِنْهُم وَعَن عبد الله رضي الله عنه عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن بني إِسْرَائِيل لما وَقع فيهم النَّقْص جعل الرجل يرى أَخَاهُ يرى أَخَاهُ على الذَّنب فينهاه عَنهُ ثمَّ يلقاه من الْغَد فَلَا يمنعهُ مَا يرى مِنْهُ بِأَن يكون خليطه وأكيله وشريبه فَضرب الله تَعَالَى قُلُوب بَعضهم بِبَعْض فَنزلت فيهم {لعن الَّذين كفرُوا من بني إِسْرَائِيل على لِسَان دَاوُد} إِلَى

ص: 211

قَوْله {كَانُوا لَا يتناهون عَن مُنكر فَعَلُوهُ} الْآيَة ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كلا وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ حَتَّى تَأْخُذُوا بيد الظَّالِم فتناصروه على الْحق وَقَالَ حُذَيْفَة بن الْيَمَان رضي الله عنه ذَات يَوْم للنَّبِي مَتى يتْرك النا الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وهما سيد الْأَعْمَال قَالَ إِذا أَصَابَهُم مَا أصَاب بني إِسْرَائِيل قَالَ قلت وَمَا أصَاب بني إِسْرَائِيل قَالَ إِذا كَانَت المداهنة فِي خياركم فداهنوا فجاركم وَجَاء الْملك فِي صغَار كم وَالْفِقْه فِي أشراركم فَعِنْدَ ذَلِكُم تلبسكم فتْنَة وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما أَنه قَالَ قيل أَو قلت يَا رَسُول الله تخسف الأَرْض وفيهَا الصالحون قَالَ نعم بأدهانهم وسكوتهم عَن أهل الْمعاصِي وَعَن عبد الرَّحْمَن عَن النَّبِي عليه السلام أَنه قَالَ إِن أُنَاسًا من أمتِي يحشرون من قُبُورهم على صُورَة القردة والخنازير بِمَا كَانُوا داهنوا النَّاس وآكلوهم وشاربوهم وجالسوهم وَعَن أبن عَبَّاس رضي الله عنهما عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ لَيْسَ منا من لم يوقر كَبِيرنَا وَيرْحَم صَغِيرنَا وَيَأْمُر بِالْمَعْرُوفِ وينه عَن الْمُنكر قَالَ مَالك بن دِينَار قَرَأت فِي الزبُور من كَانَ

ص: 212

لَهُ جَار يعْمل بِالْمَعَاصِي فَلم يَنْهَهُ فَهُوَ شَرِيكه

وَفِي شرعة الْإِسْلَام وَأعظم الْوَاجِب على من يخالط النَّاس الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَلَا ينفع عمل لله تَعَالَى مَعَ ترك الْغَضَب لله تَعَالَى قَالَ بِلَال بن سعد إِن الْمعْصِيَة إِذا أخفيت لم تضر إِلَّا صَاحبهَا وَإِذا أعلنت أضرت الْعَامَّة وَكَانَ الثَّوْريّ رَحمَه الله تَعَالَى إِذا رأى الْمُنكر وَلَا يَسْتَطِيع أَن يُغَيِّرهُ بَال دَمًا فَحق على كل مُسلم أَن يكون فِي الحمية والغيرة والصلابة بِهَذَا الْمَكَان ويغتنم الْكَلِمَة الْحق عِنْد الْأَمِير الجائر فَإِنَّهَا من أفضل الْجِهَاد وَدخل عبد الرَّحْمَن على الْحجَّاج فَقَالَ يَا حجاج فَلَا يسرف فِي الْقَتْل أَنه كَانَ منصورا قَالَ الْحجَّاج لأسقين الأَرْض من دمك قَالَ مَا فِي بطن الأَرْض خير مِمَّا على ظهرهَا قَالَ لاذيقنك الْعَذَاب الْأَدْنَى دون الْعَذَاب الْأَكْبَر فَقَالَ لَو علمت يَا حجاج أَنَّك تقدر على ذَلِك لعبدتك من دون الله تَعَالَى

رُوِيَ بِأَن الله تَعَالَى أوحى إِلَى الْمَلَائِكَة أَن عذبُوا قَرْيَة كَذَا قَالَ فصاحت الْمَلَائِكَة إِلَى رَبهم قَالُوا يَا رب أَن فيهم عَبدك فلَانا العابد قَالَ الله تَعَالَى سمعوني ضجيجه فيهم فَإِن وَجهه لم يتَغَيَّر غَضبا لمحارمي وَقَالَ رجل لِقَتَادَة أَنِّي أَرَاك تقع فِي أهل الْأَهْوَاء فَلَا آمن عَلَيْك أَن يُقَاتِلُوك فيقتلوك فَقَالَ أما أَنَّك قد

ص: 213

نصحتني فَلَا بُد لي أَن أكافيك إِذا هم قتلوني فَمَا بَقِي من أَجلي فَهُوَ لَك وَمَا بَقِي من رِزْقِي فَهُوَ عَلَيْك صَدَقَة وَقَالَ عليه السلام أَيّمَا قوم حَضَرُوا ظَالِما بظُلْم فَلم يَقُولُوا لَهُ جَمِيعًا ظلمت يعمهم الله تَعَالَى بعذابه وخطب مُعَاوِيَة يَوْمًا على مِنْبَر دمشق فَقَالَ أَيهَا النَّاس عَلَيْكُم بِالشَّام فَإِنَّهَا الأَرْض المقدسة ومنازلهم الْأَنْبِيَاء وَأَرْض الْمَحْشَر والمنشر أَيهَا النَّاس لَا تمنعوا موتى فَأَنِّي لكم جنَّة وَالله لَو ولد أَبُو سُفْيَان النَّاس كَانُوا كلهم حلماء أما من أحد مِنْكُم من يجيبني فَقَامَ صعصعه فَقَالَ أما قَوْلك عَلَيْكُم بِبِلَاد الشَّام فَإِنَّهَا الأَرْض المقدسة فَإِن الأَرْض لَا تقدس النَّاس بل أَعْمَالهم تقدسهم وَأما قَوْلك أَرض الْمَحْشَر والمنشر فَإِن الْمَحْشَر لَا يبعد عَن الْمُؤمن وَلَا يقرب الْكَافِر وَأما قَوْلك منَازِل الْأَنْبِيَاء فلعمري من نزل منَازِل الْأَنْبِيَاء لَا يدْخل مداخلهم فِي الْآخِرَة وَإِنَّمَا يدْخل مداخلهم من عمل بأعمالهم وَأما قَوْلك لَو ولد أَبُو سُفْيَان النَّاس كَانُوا كلهم حلماء فقد ولد من هُوَ خير من أبي سُفْيَان النَّاس وَفِيهِمْ الْحَلِيم وَالسَّفِيه وَأما قَوْلك إِنِّي لكم جنَّة فَكيف إِذا احترقت الْجنَّة وعطلت السّنة وَاخْتلفت الألسن فَقَالَ مُعَاوِيَة لحقت بِوَجْهِك فِي النَّار قَالَ فَمن ذَلِك

ص: 214

أقرّ قَالَ لَا أَرض لَك إِنَّك كَائِن هَهُنَا قَالَ إِن الأَرْض لله يُورثهَا من يَشَاء من عباده فَقَالَ مُعَاوِيَة لأسيرنك فِي الْبِلَاد ولأحمينك عَن الرشاد قَالَ إِذا أجد فِي الأَرْض سَعَة وَفِي مفارقتك درعة

وَذكر فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّة رجل سمى الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ الغوغاء إِن قَالَ ذَلِك على وَجه الرَّد والانكار يخَاف عَلَيْهِ الْكفْر وَكَذَا لَو قيل لرجل لَا تَأمر بِالْمَعْرُوفِ قَالَ مراجة كارست وَقيل لرجل فلانرا أَمر مَعْرُوف كن فَقَالَ مرا أوجه كروه است فَقَالَ مرا أزَوجهُ آزاراست أَو قَالَ مرا أورارواست أَو قَالَ من عافيت كزيده أم أَو قَالَ مراباني فُضُولِيّ جه كار وَالله تَعَالَى أعلم

ص: 215