الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْبَاب السَّادِس وَالْعشْرُونَ
فِي الاحتساب فِي الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير وَغَيرهمَا من أَنْوَاع الْأَثْمَان
وَعَن أبي يُوسُف رحمه الله فِي ضرب الدَّرَاهِم الْجِيَاد فِي غير دَار الضَّرْب سرا لَا يَنْبَغِي أَن يفعل ذَلِك أحد لِأَنَّهُ مَخْصُوص بالسلاطين من الْمُلْتَقط الناصري
مَسْأَلَة
إِذا كتب على الدَّرَاهِم سُورَة من الْقُرْآن لَا يجوز مَسّه للمحدث وَلَا للْجنب وَلَا يجوز وضع الْقدَم عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الْمُصحف إِلَّا أَن يكون فِي الصُّورَة لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة الغلاف للمصحف فَيجوز مس صرته وَلَكِن لَا يجوز وضع صرته تَحت الْقدَم كَمَا لَا يجوز وضع الْمُصحف فِي الغلاف تَحت الْقدَم فَإِن قيل ذكر فِي الْفَتَاوَى إِذا وضع الرجل الْمُصحف أَو الْكتاب تَحت الرَّأْس إِن كَانَ للْحِفْظ فَلَا بَأْس بِهِ هَا هُنَا أَيْضا لَو وضع صرة الدَّرَاهِم للْحِفْظ تَحت الْقدَم بنبغي أَن لَا يكون بِهِ بَأْس فَنَقُول الْحِفْظ عِنْد النّوم مُحْتَاج إِلَيْهِ وَوضع الرَّأْس لَيْسَ للإهانة بِخِلَاف وضع الْقدَم لِأَنَّهُ للاهانة فَيخرج عَلَيْهِ الاحتساب على الصيارفة فِي وضع صرة الدَّرَاهِم تَحت أَقْدَامهم وفيهَا حُرُوف مَكْتُوبَة فَلَا يجوز إهانتها ذكر فِي قوت الْقُلُوب وَيكرهُ الْمُعَامَلَة باملزيفة وَكَذَلِكَ بدرهم تكون الْفضة فِيهِ مَجْهُولَة
أَو مستهلكة وَكَذَلِكَ بِمَا لَا يعرف فيمته وَمَا يخْتَلط بِالْفِضَّةِ من غَيرهَا فَلَا يمتاز مِنْهُ وَقد كَانَ بعض السّلف يشدد فِي ذَلِك ويحرمه مِنْهُم الثَّوْريّ وفضيل ابْن عَيَّاش رحمه الله ووهب بن الْورْد الْمَكِّيّ وَابْن الْمُبَارك وَبشر بن الْحَارِث والمعافى بن عمرَان وَيُقَال أَن كل قِطْعَة مزيفة ينقصها صَاحبهَا يجدهَا ملصقة فِي صحيفَة بِعَينهَا وَصورتهَا مَكْتُوب بِخَمْسَة آلَاف سَيِّئَة على قدر وَزنهَا بِكُل وزن ذرة مِنْهَا سَيِّئَة والذرة قِطْعَة من هبأة من شُعَاع الشَّمْس
وَعَن بعض الْغُزَاة فِي سَبِيل الله تَعَالَى أَنه قَالَ حملت على فرسي لأتناول
علجا كَافِرًا ففرفرسي ثمَّ رجعت ثمَّ دنا مني العلج فَحملت عَلَيْهِ ثَانِيَة لأتناوله ففر فرسي ثمَّ حملت عَلَيْهِ ثَالِثَة وَقد قرب مني ففر بِي فرسي وَلم أكن أعتاده مِنْهُ فَرَجَعت حَزينًا فَجَلَست إِلَى جنب فسطاطي منكسرا للَّذي فَاتَنِي من أَخذ العلج قَالَ فَوضعت رَأْسِي على عَمُود الْفسْطَاط فَنمت وفرسي قَائِم بَين يَدي فَرَأَيْت فِي النّوم كَأَن فرسي يخاطبني وَيَقُول لي بِاللَّه تَعَالَى عَلَيْك أردْت أَن تَأْخُذ العلج ثَلَاث مَرَّات وَأَنت بالْأَمْس اشْتريت لي علفا وَدفعت ثمنه درهما زيفا لَا يكون هَذَا أبدا قَالَ فانتبهت فَزعًا فَذَهَبت إِلَى العلاف فَقلت لَهُ أخرج لي الدَّرَاهِم الَّتِي أشتريت بهَا مِنْك بالْأَمْس الْعلف فأخرجها إِلَيّ فَأخذت مِنْهَا الدِّرْهَم المزيف فَقَالَ أَنِّي كنت قد جوزت هَذَا الدِّرْهَم عَلَيْك بالْأَمْس قَالَ فأبدلته وأنصرفت
وَقَالَ عبد الْوَهَّاب سَأَلت بشرا عَن الْمُعَامَلَة بالمزيفة فَقَالَ سَأَلت الْمعَافي عَنْهَا فَقَالَ سَأَلت الثَّوْريّ عَنْهَا فَقَالَ حرَام
وَقَالَ أَحْمد رحمه الله يكره التِّجَارَة والمعاملة بالمزيفة والمكحلة وَقد كَانَ
بعض الْعلمَاء يَقُول إِنْفَاق دِرْهَم مزيف أَشد من سَرقَة مائَة دِرْهَم لِأَن سَرقَة مائَة دِرْهَم مَعْصِيّة وَاحِدَة وَأما إِنْفَاق دِرْهَم مزيف بِدعَة أحدثها فِي الدّين وَإِظْهَار سنة سَيِّئَة يعْمل بهَا بعده وإفساد لأحوال الْمُسلمين فَيكون عَلَيْهِ وزره بعد مَوته إِلَى مائَة سنة أَو أَكثر مَا بَقِي الدِّرْهَم يَدُور فِي أَيدي النَّاس وَيكون عَلَيْهِ إِثْم مَا أفسد وَنقص من أَمْوَال النَّاس إِلَى آخر فنائه وانفراضه قَالَ وإنفاق الدِّرْهَم أردأ على من يُعلمهُ أكبر وَأَشد ذَنبا على من لم يعرفهُ لِأَن الأول متعمد وَالثَّانِي مُخطئ وَلَكِن الْخَطَأ فِي حق الْعباد غير مَوْضُوع
قَالَ وَمن وجد درهما زيفا فليلقه وَلَا يُنْفِقهُ وَقيل إِلْقَاء المزيف أفضل من التَّصَدُّق بأمثاله جِيَاد أَو أفضل من كَثْرَة الصَّلَاة وَالصَّوْم
وَذكر فِي متفرقات صرف الذَّخِيرَة قَالَ وَلَا بَأْس بِأَن يَشْتَرِي ستوقه إِذا بَين وَأرى للسُّلْطَان أَن يكسرها لَعَلَّهَا تقع فِي يَد من لَا يبين ذكر فِي الْإِمْلَاء وَعَن أبي يُوسُف رحمه الله وأكره للرجل أَن يُعْطي الزُّيُوف والبهرجة والستوقة والمزيفة والمكحلة والتجارية وَأَن بَين ذَلِك وَجوز بهَا
عِنْد الْأَخْذ من قبل لِأَن إنفاقها ضَرَر على الْعَوام وَمَا كَانَ ضَرَرا عَاما فَهُوَ مَكْرُوه وَلَيْسَ يصلحه رِضَاء هذَيْن من أَن ذَلِك يضر بالجاهل بِهِ وَيُدَلس بِهِ الْفَاجِر وكل شَيْء لَا يجوز بَين النَّاس فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَن يقطع ويعاقب صَاحبه إِذا أنفقهُ أَو صرفه
قَالَ العَبْد وَمن الظُّلم الْمَعْرُوف من السلاطين أَنهم يضْربُونَ دَرَاهِم فِي نوبتهم ويروجونها بَين النَّاس بِأَكْثَرَ من قيمتهَا فَإِذا انْتَهَت نوبتهم عَادَتْ قيمتهَا إِلَى قدرهَا فيضربها كثير من النَّاس فَإِنَّهُم خصماء على ذَلِك الظَّالِم يَوْم الْقِيَامَة
وَسُئِلَ الْحجَّاج عَمَّا يَرْجُو بِهِ النجَاة فَذكر أَشْيَاء مِنْهَا أَنِّي مَا أفسدت النُّقُود على النَّاس