الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْبَاب التَّاسِع وَالْعشْرُونَ
فِي الاحتساب بالاحراق
وَمِنْه إحراق المعازف يَوْم الْأَضْحَى فِي مصلى الْعِيد وَيُقَال أَنه يكره لِأَنَّهُ شغل الْمَسْجِد بالنَّار وَالْمَعَازِف وَالْمَسْجِد مَا أعد لذَلِك فَجَوَابه أَن يُقَال مصلى الْعِيد لَهُ حكم الْمَسْجِد فِي حق جَوَاز الِاقْتِدَاء وَإِن انفصلت الصُّفُوف وَأما فِيمَا عدا ذَلِك فَلَا رفقا بِالنَّاسِ
وَلَو أحرق الْمُحْتَسب مَتَاع من يَبِيع على الشوارع يضمن إِلَّا إِذا فَسَادًا فِي ذَلِك وَرَأى الْمصلحَة فِي إحراقه فَلَا يضمن
إحراق بَيت الْخمار الْمَشْهُور بذلك لَا يضمن إِذا علم أَنه لَا ينزجر بِدُونِهِ لتعيينه طَرِيقا للحسبة فَإِن قيل لم خص الْأَضْحَى بإحراق المعارف فَنَقُول وَالله أعلم لوجوه أَحدهَا هُوَ أَن بعض النَّاس يَزْعمُونَ أَن ضرب الدُّف والغناء بِهِ يَوْم الْعِيد جَائِز لما روى أَن أَبَا بكر رضي الله عنه دخل على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَعِنْده جاريتان تُغنيَانِ بالدف فزجرهما أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم دعهما فَإِنَّهُ يَوْم عيد وَهَذَا الحَدِيث مَتْرُوك بقوله تَعَالَى {وَمن النَّاس من يَشْتَرِي لَهو الحَدِيث} وَلما كَانَ هَذَا الحَدِيث متروكا أظهر أهل الاحتساب إحراق المعازف فِي هَذَا الْيَوْم ليَكُون فعلهم وإجماعهم على هَذَا فِي دَار الْإِسْلَام أجمع حجَّة قَاطِعَة على أَن هَذَا الحَدِيث غير مَعْمُول بِهِ
وَالثَّانِي وَهُوَ ان يَوْم الْعِيد يَوْم سرُور وحبور قُلُوب أهل الصّلاح والورع تفرح بإحراق الملاهي فأظهروا إحراقها مُبَالغَة فِي تَحْصِيل مسرتهم
وَالثَّالِث وَهُوَ أَن الْحجَّاج فِي هَذَا الْيَوْم مناسكهم خَمْسَة
أَحدهَا الذّهاب من منى إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام
وَالثَّانِي الطّواف بِالْبَيْتِ الْعَتِيق
وَالثَّالِث إِقَامَة السّنَن من الْحلق وقص الْأَظْفَار وَنَحْوهَا
وَالرَّابِع رمي الْجمار
وَالْخَامِس القربان
فسيفعل غير الْحجَّاج فِي ذَلِك خمس عبادات أُخْرَى مُوَافقَة لَهُم
أَحدهَا الذّهاب إِلَى الْمصلى مُوَافقَة لذهاب إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام
وَالثَّانِي صَلَاة الْعِيد مُوَافقَة لَهُم فِي الطّواف لقَوْله عليه السلام الطّواف بِالْبَيْتِ صَلَاة
وَالثَّالِث إحراق المعازف مُوَافقَة لَهُم فِي الْحلق وَنَحْوه لأَنهم يزيلون الْبِدْعَة ويقيمون السّنة وَهَذِه المعازف بِدعَة فتحرق إِزَالَة لَهَا
وَالرَّابِع رمي الْعَوام الْجمار عِنْد إحراق المعازف مُوَافقَة للحجاج فِي رمي الْجمار
وَالْخَامِس يضحون مُوَافقَة لَهُم فِي القرابين
وَفِي كتاب الْحَظْر والاباحة من الْخَانِية رجل وطئ بَهِيمَة قَالَ أَبُو حنيفَة رحمه الله إِن كَانَت الْبَهِيمَة للواطئ يُقَال لَهُ أذبحها وأحرقها وَإِن لم تكن الْبَهِيمَة للواطئ كَانَ لصَاحِبهَا أَن يَدْفَعهَا إِلَى الْوَاطِئ بِالْقيمَةِ ثمَّ يذبحها الْوَاطِئ ويحرقها إِن لم تكن مأولة وَإِن كَانَت مِمَّا يُؤْكَل يذبح وَلَا يحرق
قَالَ العَبْد وَالْأَصْل فِي إحراق آلَات السَّيِّئَات قَوْله تَعَالَى وَانْظُر إِلَى الهك الَّذِي ظلت عَلَيْهِ عاكفا لنحرفنه قَالَ السّديّ إِن مُوسَى أَمر بِذبح الْعجل فَسَالَ دَمه ثمَّ أحرق لَحْمه فَصَارَ رَمَادا ثمَّ ذراه فِي الْبَحْر والتمسك بِهِ من وُجُوه
أَحدهَا أوعد مُوسَى عليه السلام سامريا بإحراق عجله لِأَن السِّيَاق يدل على التهديد وَالتَّشْدِيد عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْله {فَاذْهَبْ فَإِن لَك فِي الْحَيَاة أَن تَقول لَا مساس} والايعاد إِنَّمَا يكون بِمَا يسوء الْموعد فَكَانَ إحراق عجله إيحاشا وإساءة إِلَى السامري وإيحاش الْمُسِيء وإساءته حسن شرعا بل
وَاجِب عقلا وطبقا فَكَذَا هُنَا يكون إحراق المعازف إيحاشا لأَهْلهَا فَكَانَ حسنا
وَالثَّانِي وَهُوَ أَنه أوعده أَن يحرق عجله فَكَانَ الإحراق جَائِزا شرعا وَإِلَّا لما أوعده
وَالثَّالِث وَهُوَ أَن مُوسَى عليه السلام أحرقه فَكَانَ إحراقه سنة مُوسَى عليه السلام فَيجوز لنا أَيْضا لِأَن مَا كَانَ مَشْرُوعا فِي الْأُمَم الخالية فَهُوَ مَشْرُوع لنا إِلَّا أَن ثَبت نُسْخَة وَلم يثبت نسخ الإحراق فَيبقى فَإِن قيل الْفرق وَاضح بَين الْعجل وَالْمَعَازِف لِأَن الْعجل كَانَ معبودا بَاطِلا وَالْمَعَازِف آلَات الذَّنب لَا غير فَنَقُول حُرْمَة الاتخاذ والامساك يجمعهما فجواز الاحراق أَيْضا ينتظمها لِأَن حُرْمَة الامساك أَيْضا عِلّة للاضاعة والاتلاف والاحراق طَرِيق صَالح لَهُ وَالشَّرْع ورد بِهِ فِي الْعجل فَيكون واردا فِي المعازف معنى
وَذكر فِي الْبَاب الثَّلَاثِينَ من شرح أدب القَاضِي للخصاف أَن عمر رضي الله عنه خطب فِي النَّاس فَقَالَ إِن فِي بَيت فلَان وَفُلَان مُسكرا وَالرجل من قُرَيْش وَالرجل من ثَقِيف يُسمى الثَّقَفِيّ مشردا وَإِنِّي آتِي بيوتهما فَإِن كَانَ حَقًا أحرقهما فَسمع الْقرشِي بذلك فحذر وَأخرج مَا فِي بَيته وَلم يفعل الثَّقَفِيّ قَالَ فَأتى بَيت الْقرشِي فَلم يجد فِيهِ شَيْئا فَأتى بَيت الثَّقَفِيّ فَوجدَ فِيهِ الْخمر فَأحرق الْبَيْت وَقَالَ مَا أَنْت بمرشد فَائِدَة الحَدِيث جَوَاز الاعلان فَإِن عمر رضي الله عنه لما بلغه الْخَبَر أعلن واشتغل بِالْخطْبَةِ والوعظ والقرشي اتعظ بوعظه والثقفي مَا أتعظ فَأحرق بَيته لِأَنَّهُ أوعد بذلك فَلَا يَلِيق بالسياسة أَن لَا يحرق وَلم يرو
عَن اصحابنا فِي إحراق الْبَيْت شَيْء وَإِنَّمَا روى عَنْهُم فِي هدم الْبَيْت وَكسر الذنان وَذكر فِي الْفَصْل الثَّامِن من كتاب الصَّلَاة من الْمُحِيط قَالَ عليه السلام لقد هَمَمْت أَن آمُر رجلا يُصَلِّي بِالنَّاسِ وَأنْظر إِلَى أَقوام يتخلفون عَن الْجَمَاعَة فأحراق بُيُوتهم وَهَذَا يدل على جَوَاز إحراق بَيت الَّذِي يتَخَلَّف عَن الْجَمَاعَة لِأَن الْهم على الْمعْصِيَة لَا يجوز من الرَّسُول صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهُ مَعْصِيّة فَإِذا علم جَوَاز إحراق الْبَيْت على ترك النسة الْمُؤَكّدَة فَمَا ظَنك فِي إحراق الْبَيْت فِي ترك الْوَاجِب وَالْفَرْض وَمَا ظَنك فِي إحراق آلَات الْمعْصِيَة
وَذكر فِي الذَّخِيرَة فِي الْفَصْل الثَّامِن عشر من السّير وَإِذا أَدخل الْمُسلم خنزيرا فِي مصر الْمُسلمين وَهُوَ يتهم بتناول ذَلِك ذبح خنزيره وأحرق بالنَّار وَإِن كَانَ لَا يتهم بذلك وَقَالَ إِنَّمَا هِيَ لذِمِّيّ ترك وَيُؤمر بألا يعود إِلَى مثله