الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْبَاب الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ
فِي بَيَان اداب الاحتساب
يَنْبَغِي للْآمِر بِالْمَعْرُوفِ أَن يَأْمر بالسر أَن اسْتَطَاعَ ذَلِك ليَكُون ابلغ فِي الموعظة والنصيحة وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاء رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ من وعظ أَخَاهُ فِي الْعَلَانِيَة فقد شانه وَمن وعظه فِي السِّرّ فقد زانه فَإِن لم تَنْفَعهُ الموعظة فِي السِّرّ يَأْمُرهُ بالعلانية لتعين الْجَهْر بِهِ وَيَنْبَغِي للَّذي يَأْمر بِالْمَعْرُوفِ أَن يقْصد بِهِ وَجه الله تَعَالَى وإعزاز الدّين وَلَا يكون لحميه نَفسه لِأَنَّهُ إِن يقْصد بِهِ وَجه الله تَعَالَى وإعزاز الدّين نَصره الله تَعَالَى ووفقه لذَلِك وَإِن كَانَ أمره لحمية نَفسه خذله الله تَعَالَى فَإِنَّهُ بَلغنِي عَن عِكْرِمَة رضي الله عنه أَنه ذكر أَن رجلا مِمَّن كَانَ قبلنَا مر بشجرة يعبد من دون الله تَعَالَى فَغَضب وَقَالَ هَذِه الشَّجَرَة تعبد من دون الله تَعَالَى ثمَّ إِنَّه ذهب إِلَى بَيته وَأخذ فأسه وَركب حِمَاره ثمَّ توجه نَحْو
الشَّجَرَة ليقطعها فَلَقِيَهُ أبليس عَلَيْهِ لعنة الله فِي الطَّرِيق على صُورَة إِنْسَان فَقَالَ لَهُ إِلَى أَيْن قَالَ رَأَيْت شَجَرَة تعبد من دون الله تَعَالَى فَأعْطيت الله تَعَالَى عهدا أَن أركب حماري وآخذ فأسي وأتوجه نَحْوهَا فأقطعها فَقَالَ إِبْلِيس عَلَيْهِ مَا يسْتَحق مَا لَك وَلها فادعها فَأَبْعَده الله تَعَالَى فَلم يرجع فَقَالَ إِبْلِيس عَلَيْهِ مَا ارْجع وَأَنا أُعْطِيك كل يَوْم أَرْبَعَة دَرَاهِم فَترفع طرف فراشك فَإنَّك تجدها فَقَالَ لَهُ وَتفعل ذَلِك قَالَ نعم ضمنت ذَلِك كل يَوْم فَرجع إِلَى منزله فَوجدَ ذَلِك يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة أَو مَا شَاءَ الله تَعَالَى فَلَمَّا أصبح بعد ذَلِك وَرفع طرف فرَاشه فَلم ير شَيْئا ثمَّ مكث يَوْمًا آخر فَلَمَّا رأى أَنه لم يجد الدَّرَاهِم أَخذ الفأس وَركب الْحمار وَتوجه نَحْو الشَّجَرَة فَلَقِيَهُ إِبْلِيس عَلَيْهِ اللعنه على صُورَة إِنْسَان فَقَالَ لَهُ إِلَى أَيْن تُرِيدُ فَقَالَ شَجَرَة تعبد من دون الله تَعَالَى أُرِيد أَن أقطعها فَقَالَ لَهُ ابليس لعيه مَا يسْتَحق لَا تطِيق ذَلِك أما الْمرة الأولى فَكَانَ خُرُوجك غَضبا لله تَعَالَى فَلَو اجْتمع أهل السَّمَاء وَالْأَرْض مَا ردوك وَأما الْآن فَإِنَّمَا خرجت حَيْثُ لم تَجِد الدَّرَاهِم فلئن تقدّمت ليدفن عُنُقك فَرجع إِلَى بَيته وَترك الشَّجَرَة
وَيَنْبَغِي أَن يكون عَالما بالعروف وَالْمُنكر لِأَن الْجَاهِل لَا يحسن الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر فَلَعَلَّهُ يَأْمر بالمنكر وَينْهى عَن الْمَعْرُوف فَيظْهر فِيهِ عَلامَة الْمُنَافِقين قَالَ الله {المُنَافِقُونَ والمنافقات بَعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وَينْهَوْنَ عَن الْمَعْرُوف}
وَيَنْبَغِي أَن يكون احتسابه بِرِفْق ولين قَالَ الله تَعَالَى لمُوسَى وَهَارُون حِين
بعثهما إِلَى فِرْعَوْن {فقولا لَهُ قولا لينًا}
وَيَنْبَغِي أَن يكون صبورا حَلِيمًا لقَوْله تَعَالَى حِكَايَة عَن لُقْمَان وَأمر بِالْمَعْرُوفِ وانهى عَن الْمُنكر وأصبر على مَا أَصَابَك
وَيَنْبَغِي أَن يكون عَاملا بِمَا يَأْمر لكَي يعْتَبر بِهِ قَالَ الله خَبرا عَن شعب عليه السلام وَمَا أُرِيد أَن أخالفكم إِلَى مَا أنهاكم عَنهُ وَلِئَلَّا يدْخل فِي وَعِيد قَوْله تَعَالَى {أتأمرون النَّاس بِالْبرِّ وتنسون أَنفسكُم} وَرُوِيَ عَن أنس رضي الله عنه عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ رَأَيْت لَيْلَة أسرى بِي رجَالًا تقْرض شفاههم بمقاريض من نَار فَقلت من هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيل فَقَالَ خطباء أمتك الَّذين يأمرون النَّاس بِالْبرِّ وينسون أنفسهم
وَيَنْبَغِي أَن لَا يكون مرِيدا إِلَّا الاصلاح بِقدر مَا يَسْتَطِيع لقَوْله تَعَالَى خَبرا عَن شعب عليه السلام أَن أُرِيد إِلَّا الاصلاح مَا اسْتَطَعْت
وَيَنْبَغِي أَن يعلم أَن توفيقه على الاحتساب بِاللَّه تَعَالَى وَيكون توكله عَلَيْهِ لقَوْله تَعَالَى خَبرا عَن شُعَيْب عليه السلام وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه عَلَيْهِ توكلت وَإِلَيْهِ أنيب