الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني
أطوار التأليف في علم مصطلح الحديث
محاولةُ جمعِ هذه القواعد في كتاب واحد أو في كتب، مرحلةٌ امتدت من أوائل القرن الرابع إلى نهاية القرن الخامس تقريباً، وتميزت هذه المؤلفات بسرد الراويات والأسانيد ثم استخلاص القواعد منها، وذكر من قال بها أو ذهب إليها من السلف. (1)
قال ابن حجر رحمه الله: "أول من صنف في ذلك: القاضي أبو محمد الرامهرمزي في كتابه: "المحدث الفاصل" (2)، لكنه لم يستوعب، والحاكم أبو عبد الله النيسابوري (3)، لكنه لم يهذب، ولم يرتب، وتلاه أبو نعيم الأصبهاني فعمل على كتابه مستخرجا وأبقى أشياء للمتعقب، ثم جاء بعدهم الخطيب أبو بكر البغدادي فصنف في قوانين الرواية كتابا سماه: "الكفاية" (4)، وفي آدابها كتابا سماه: "الجامع لآداب الشيخ والسامع" (5)، وقَلَّ فنٌ من فنون الحديث إلا وقد صنف فيه كتابا مفردا؛ فكان كما قال الحافظ أبو بكر بن نقطة: كل مَن أنصفَ عَلِمَ أن المحدثين بعد الخطيب عيال على كتبه.
ثم جاء بعض من تأخر عن الخطيب، فأخذ من هذا العلم بنصيب: فجمع القاضي عياض كتابا لطيفا سماه: "الإلماع"، وأبو حفص الميانجي جزءا سماه:"ما لا يسع المحدث جهله"(6). وأمثال ذلك من التصانيف التي اشتهرت، وبسطت؛ ليتوفر علمها، واختصرت؛ ليتيسر فهمها". (7)
(1) انظر: علم الرجال نشأته وتطوره ص 7
(2)
المحدث الفاصل بين الراوي والواعي، لأبي محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي الفارسي (ت 360 هـ)، تحقيق: الدكتور محمد عجاج الخطيب، بيروت، دار الفكر.
(3)
معرفة علوم الحديث وكمية أجناسه، لأبي عبد الله الحاكم محمد بن عبد الله النيسابوري، المعروف بابن البيع (ت 405 هـ)، تحقيق: الدكتور أحمد بن فارس السَّلوم، الرياض، مكتبة المعارف، الطبعة الثانية 1431 - 2010.
(4)
الكفاية في علم الرواية، لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي (ت 463 هـ)، تحقيق: حسن عبد المنعم شلبي، دمشق - بيروت، مؤسسة الرسالة.
(5)
الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي (ت 463 هـ)، تحقيق الدكتور: محمود الطحان، الرياض، مكتبة المعارف.
(6)
ما لا يسعُ المحدثَ جهلُهُ، لأبي حفص عمر بن عبدالمجيد التونسي المَيَّانِشي (ت 583 هـ)، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، بيروت، دار البشائر الإسلامية، الطبعة الثانية 1431 - 2010.
(7)
نزهة النظر شرح نخبة الفكر، لأبي الفضل أحمد بن علي محمد، ابن حجر العسقلاني (ت 852 هـ)، تحقيق: أحمد بن سالم المصري، مصر، مكتبة أولاد الشيخ للتراث، ص 9 - 10
ثم بدأ التصنيف يأخذ شكلاً آخر غير ما تقدمه من مصنفات، وذلك بعد القرن الخامس الهجري، قال الزهراني:" وهي مرحلةُ جمعِ القواعد من كتب مَن تقدم من الأئمة بدون ذكر الأسانيد أو الروايات، ثم محاولة إعادة ترتيبها وتهذيبها، ومن أبرز المؤلفات في ذلك كتاب "مقدمةٌ في علوم الحديث" للحافظ أبي عمرو ابن الصلاح (ت 643 هـ) "(1).
قال ابن حجر: "إلى أن جاء: الحافظ الفقيه تقي الدين أبو عمرو عثمان بن الصلاح بن عبد الرحمن الشهرزوري نزيل دمشق فجمع -لما ولي تدريس الحديث بالمدرسة الأشرفية- كتابه المشهور، فهذب فنونه، وأملاه شيئا بعد شيء؛ فلهذا لم يحصل ترتيبه على الوضع المتناسب، واعتنى بتصانيف الخطيب المفرقة، فجمع شتات مقاصدها، وضم إليها من غيرها نخب فوائدها، فاجتمع في كتابه ما تفرق في غيره؛ فلهذا عكف الناس عليه، وساروا بسيره، فلا يحصى كم ناظم له ومختصر، ومستدرك عليه ومقتصر، ومعارض له ومنتصر". (2)
فصار كتاب ابن الصلاح عمدة المتأخرين وإماما يحتذى به ومرجعا يقتدى به، فعوَّل عليه كل من جاء بعده في مصطلح الحديث، والكل في فلكه يدور، ولا يعيبه ما انتقد عليه في بعض مسائل المصطلح، إذ الكمال والعصمة لكتاب الله عز وجل، {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [سورة النساء: الآية 82]
قال الحافظ العراقي: " فإن أحسن ما صنَّفَ أهلُ الحديث في معرفة الاصطلاح كتاب علوم الحديث لابن الصلاح، جمع فيه غرر الفوائد فأوعى، ودعا له زمر الشوارد فأجابت طوعا، إلا أن فيه غير موضع قد خولف فيه، وأماكن أُخَر تحتاج إلى تقييد وتنبيه". (3)
ومن أهم المؤلفات في هذا الدور بعد كتاب "علوم الحديث": (4)
1 -
"الإرشاد" للإمام يحيى بن شرف النووي (توفي سنة 676 هـ) لخص فيه كتاب ابن الصلاح ثم لخصه في كتاب "التقريب والتيسير لأحاديث البشير النذير".
2 -
"التبصرة والتذكرة" منظومة عدد أبياتها (1002) للإمام الحافظ عبد الرحيم بن الحسين العراقي (المتوفى سنة 806 هـ) ضمنها كتاب ابن الصلاح وتعقبه، وزاد عليه مسائل نافعة، ثم شرحها شرحا قيما، اسمه:"شرح التبصرة والتذكرة".
(1) علم الرجال ص 7
(2)
نزهة النظر ص 9 - 10
(3)
التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح، لأبي الفضل عبد الرحيم بن الحسين العراقي (ت 806)، تحقيق: محمد راغب الطباخ، بيروت، دار الحديث، الطبعة الثانية 1405 - 1984، ص 2
(4)
منهج النقد ص 67، سيأتي ذكر طبعات هذه الكتب عند الكلام عن كتاب ابن الصلاح وأهميته.
3 -
شرح للحافظ العراقي أيضا وضعه على كتاب ابن الصلاح: "التقييد والإيضاح لما أطلق وأغلق من كتاب ابن الصلاح" ويسمى أيضا "النكت".
4 -
"النكت"، للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (المتوفى سنة 852 هـ).
5 -
"نخبة الفكر" وشرحه "نزهة النظر" كلاهما للحافظ ابن حجر.
6 -
"فتح المغيث شرح ألفية العراقي في علم الحديث"، للحافظ شمس الدين محمد السخاوي (المتوفى سنة 902 هـ)، امتاز بتحقيق وتتبع للمسائل في كتب السنة وعلوم الحديث.
7 -
"تدريب الراوي شرح تقريب النواوي" للحافظ جلال الدين عبد الرحمن السيوطي (المتوفى سنة 911 هـ).
ثم جاء بعد ذلك عصر الركود العلمي في علم مصطلح الحديث، وقد امتد ذلك من القرن العاشر إلى مطلع القرن الهجري الحالي.
في هذه الفترة توقف الاجتهاد في مسائل العلم والابتكار في التصنيف، وكثرت المختصرات في علوم الحديث شعرا ونثرا، وشُغِلَ الكاتبون بمناقشاتٍ لفظية لعبارات المؤلفين دون الدخول في عمق الموضوع تحقيقا أو اجتهادا. (1)
ثم جاء دور اليقظة والتنبه في العصر الحديث من مطلع القرن الهجري الحالي إلى وقتنا هذا، وفيه تنبهت الأمة للأخطار المحدقة نتيجة اتصال العالم الإسلامي بالشرق والغرب، ثم نتيجة الصدام العسكري العنيف والاستعمار الفكري الذي يفوق في خبثه وخطره كل الأخطار، فقد ظهرت دسائس وشبهات حول السنة أثارها المستشرقون وتلقفها ضعفاء النفوس، فصاروا يدندنون بها ويلهجون، مما اقتضى تأليف أبحاث حولها والرد على أغاليطهم وافتراءاتهم، كما اقتضى الحال تجديد طريقة التأليف في علوم الحديث، فوفى العلماء بهذه المطالب وأخرجت المطابع الكثير من المؤلفات المبتكرة النافعة، ومن أبرز المصنفات في تلك الحقبة:
1 -
"قواعد التحديث" للشيخ جمال الدين القاسمي (2).
2 -
"السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي"، للدكتور مصطفى السباعي (3)، وهو كتاب جليل القدر تحدث عن المستشرقين ومواقفهم العدائية للسنة والإسلام.
(1) المصدر السابق ص 69
(2)
جمال الدين (أو محمد جمال الدين) بن محمد سعيد بن قاسم الحلاق، من سلالة الحسين السبط: إمام الشام في عصره، علما بالدين، وتضلعا من فنون الأدب، مولده ووفاته في دمشق (1283 - 1332 هـ = 1866 - 1914 م)، كان سلفي العقيدة لا يقول بالتقليد، رحل إلى مصر، وزار المدينة، انقطع في منزله للتصنيف وإلقاء الدروس الخاصة والعامة، في التفسير وعلوم الشريعة الإسلامية والأدب، له اثنان وسبعين مصنفا أو تزيد.
انظر: الأعلام، لخير الدين الزركلي، بيروت، دار العلم للملايين، الطبعة الخامسة عشر مايو 2002 (2/ 135).
(3)
مصطفى بن حسني، أبو حسان السباعي: عالم إسلامي، مجاهد، من خطباء الكتاب، ولد بحمص وتوفي بدمشق (1333 - 1384 هـ = 1915 - 1967 م)، وتعلم بها وبالأزهر، كان على رأس كتيبة من (الإخوان المسلمين) في الدفاع عن بيت المقدس (1948) وأحرز شهادة (دكتور في التشريع الإسلامي وتاريخه) من الأزهر (1949) واستقر في دمشق، استاذا بكلية الحقوق (1950) ومراقبا عاما لجمعية الإخوان المسلمين، وعميدا لكلية الشريعة (1955) وقام برحلات، وأنشأ مجلة (حضارة الإسلام)، ونشر من تأليفه 21 كتابا ورسالة. انظر: الأعلام للزركلي 7/ 232
3 -
"الحديث والمحدثون" ألفه الشيخ الدكتور محمد محمد أبو زهو، بحث فيه جهود العلماء لخدمة الحديث. (1)
4 -
مؤلفات العلامة عبدالرحمن المُعلمي، طبعت مؤخراً كاملة.
5 -
مؤلفات العلامة ناصر الدين الألباني، وهي مطبوعة.
وإلى غير ذلك من رسائل وبحوث جامعية محكمة نالت مرتبة الشرف، والبحوث والكتب المستقلة في علم الحديث، وتتبع ذلك وإحصاؤه يعسر ويطول.
(1) انظر: منهج النقد ص 70