الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تقتضي ولكنه لا يرد عليه، فإنه ذكر في أول التقسيم أن العبادة توصف بالأداء والقضاء والإعادة، ولم يخصها بالواجب، ثم قال: فالواجب إذا أدي في وقته سمي أداء إلى آخر ما قال، فسلمنا أن تذكر الواجب من باب التمثيل فقط، وقد وقعت أغلاط عدة لكثير من الشراح في هذه المسألة فاجتنبها واعتمد ما ذكرته. قوله: "وجب أداؤه
…
إلخ" يعني أن القضاء على أقسام، تارة يكون أداؤه واجبا كالظهر المتروكة قصدا بلا عذر، وتارة لا يجب أداؤه ولكنه كان ممكنا كصوم المسافر والمريض، وتارة لا يجب لا يمكن أيضا، أما من وجهة العقل كصلاة النائم والمغمى عليه في رمضان من أول الوقت إلى آخره؛ لأن القصد إلى العبادة مستحيل عقلا مع الغفلة عنها لأنه جمع بين النقيضين، وأما من وجهة الشرع كصوم الحائض، فإن المانع من صحة صومها هو الشرع لا العقل. قوله: "ولو ظن المكلف
…
إلخ" إذا ظن المكلف أنه لا يعيش إلى آخر الوقت الموسع تضيق عليه الوقت اتفاقا، وحرم عليه التأخير اعتبارا بظنه، وصورة ذلك أن يطالب أولياء الدم مثلا باستيفاء الدم من الجاني فيحضره الإمام أو نائبه، ويحضر الجلاد ويأمر بقتله، ومثله أيضا ما إذا اعتادت المرأة أن ترى الحيض بعد مضي أربع ركعات بشرائطها من وقت الظهر، فإن الوقت يتضيق عليها، نص عليه إمام الحرمين في النهاية في الكلام على مبادرة المستحاضة إذا تقرر ذلك، فإن عصى ولم يفعل فاتفق أن أولياء الدم عفوا عنه أو لم يأت الحيض ففعله في وقته الأصلي، لكن بعد الوقت المضيق بحسب ظنه فهو قضاء عند القاضي أبي بكر؛ لأنه أوقعه بعد الوقت المضيق عليه شرعا، وأداء عند حجة الإسلام الغزالي لأنه وقع في وقته المعين بحسب الشرع، وأما ظنه فقد تبين خطؤه فلا اعتبار به.
التقسيم السادس:
"السادس: الحكم إن ثبت على خلاف الدليل لعذر فرخصة، كحل الميتة للمضطر والقصر والفطر للمسافر واجبا ومندوبا ومباحا، وإلا فعزيمة" أقول: هذا تقسيم آخر للحكم باعتبار كونه على وفق الدليل أو خلافه، وحاصله: أن الحكم ينقسم إلى رخصة وعزيمة، فالرخصة في اللغة التيسير والتسهيل، قال الجوهري: الرخصة في الأمر خلاف التشديد فيه، ومن ذلك: رخص السعر إذا سهل وتيسر وهي بتسكين الخاء وحكي أيضا ضمها، وأما الرخصة بفتح الخاء، فهو الشخص الآخذ بها كما قاله الآمدي. وفي الاصطلاح ما ذكره المصنف، وهو الحكم الثابت على خلاف الدليل لعذر، فالحكم جنس وقول الثابت إشارة إلى أن الترخص لا بد له من دليل، وإلا لزم ترك العمل بالدليل السالم عن المعارض، فنبه عليه بقوله الثابت؛ لأنه لو لم يكن لدليل لم يكن ثابتا بل الثابت غيره. قوله:"على خلاف الدليل" احترز به عما أباحه الله تعالى من الأكل والشرب وغيرهما، فلا يسمى رخصة لأنه لم يثبت على المنع منه دليل كما سيأتي في الأفعال الاختيارية، وأطلق المصنف الدليل ليشمل ما إذا كان الترخيص بجواز الفعل خلاف الدليل المقتضي للتحريم، كأكل الميتة، وما إذا كان بجواز الترك،
إما على خلاف الدليل المقتضي للوجوب، كجواز الفطر في السفر، وإما على خلاف الدليل المقتضي للندب كترك الجماعة بعذر المطر والمرض ونحوهما، فإنه رخصة بلا نزاع، وكالإيراد عند من يقول: إنه رخصة، وبهذا يعلم أن قول الآمدي وابن الحاجب: هو المشروع لعذر مع قيام المحرم، غير جامع وقوله: لعذر يعني المشقة والحاجة، واحترز به عن شيئين، أحدهما: الحكم الثابت بدليل راجح على دليل آخر معارض له، والثاني: التكاليف كلها، فإنها أحكام ثابتة على خلاف الدليل؛ لأن الأصل عدم التكاليف، والأصل من الأدلة الشرعية، وقد صرح القرافي بذلك أعني بكون التكاليف على خلاف الدليل وأطال الاستدلال عليه في شرحي المحصول والتنقيح، ولا ذكر لهذا القيد في المحصول أو المنتخب ولا في التحصيل والحاصل، فإن قيل: الثابت بالناسخ لأجل المشقة كعدم وجوب ثبات الواحد للعشرة في القتال، ونحوه ليس برخصة مع أن الحد منطبق عليه قلنا: لا نسلم، فإن تسمية المنسوخ دليلا إنما هو على سبيل المجاز. قوله: "كحل الميتة في المضطر
…
إلخ" يعني: أن الرخصة تنقسم إلى ثلاثة أقسام: واجبة ومندوبة ومباحة، فالواجبة أكل الميتة للمضطر على الصحيح المشهور في مذهبنا، وأما المندوبة فالقصر للمسافر بشرط المعروف وهو بلوغه ثلاثة أيام فصاعدا، وأما المباح فمثل له المصنف بالفطر للمسافر فقوله: واجبا ومندوبا ومباحا من باب اللف والنشر، فالأول للأول والثاني للثاني والثالث للثالث، وهكذا ذكره ابن الحاجب أيضا وتمثيل المباح بالفطر لا يستقيم؛ لأنه إذا تضرر بالصوم فالفطر أفضل وإن لم يتضرر فالصوم أفضل، فليست للصوم حالة يستوي فيها الفطر وعدمه وذلك هو حقيقة المباح، فإن قيل: مراده المباح في تفسير الأقدمين، وهو جواز الفعل الشامل للواجب والمندوب والمكروه والمباح المصطلح عليه، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "أبغض المباح إلى الله الطلاق" 1 قلنا: لو أراد ذلك لما جعله قسيما للواجب والمندوب وعطفه عليهما، فغفله ذلك دليل على إرادة لمستوى الطرفين، وقد يقال: مراده بالمباح ما ليس فعله راجحا وهو غير الواجب والمندوب، ولكنه أيضا خلافا للمصطلح والصواب تمثيله بالسلم والعرايا والإجارة وشبه ذلك من العقود، فإنها رخصة بلا نزاع؛ لأن السلم والإجارة عقدان على معدوم مجهول والعرايا بيع الرطب بالتمر، فجوزت للحاجة إليها، وقد ثبت التصريح بذلك في الحديث الصحيح فقال: "وأرخص من العرايا" 2 مع كونها رخصة فهي مباحة لا طلب في فعلها ولا في تركها، فيصدق عليها الحد، فيقال: حكم ثابت على خلاف الدليل لعذر، ولا يصح تمثيل المباح بمسح الخف؛ لأن غسل الرجل أفضل منه كما جزم به المتقدمون من أصحابنا والمتأخرون منهم
1 أخرجه أبو داود في سننه، رقم الحديث "2178"، وأخرجه ابن ماجه في صحيحه، رقم الحديث "2018".
2 أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب البيوع، ص667، جـ2.