المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الأول: في العموم - نهاية السول شرح منهاج الوصول

[الإسنوي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمات

- ‌ترجمة البيضاوي صاحب منهاج الوصول إلى علم الأصول

- ‌ترجمة الإسنوي: صاحب نهاية السول شرح منهاج الوصول

- ‌خطبة الكتاب:

- ‌تعريفات:

- ‌الباب الأول في الحكم:

- ‌الفصل الأول: تعريفه

- ‌الفصل الثاني: تقسيماته

- ‌التقسيم الأول:

- ‌التقسيم الثاني:

- ‌التقسيم الثالث:

- ‌التقسيم الرابع:

- ‌التقسيم الخامس:

- ‌التقسيم السادس:

- ‌الفصل الثالث: في أحكام الحكم الشرعي

- ‌المسألة الأولى

- ‌المسألة الثانية:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌المسألة الرابعة:

- ‌المسألة الخامسة:

- ‌المسألة السادسة:

- ‌المسألة السابعة:

- ‌الباب الثاني: فيما لا بد للحكم منه وهو الحاكم والمحكوم عليه وبه

- ‌الفصل الأول: في الحكم

- ‌مدخل

- ‌الفرع الأول:

- ‌الفرع الثاني:

- ‌الفصل الثاني: في المحكوم عليه

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌المسألة الرابعة:

- ‌الفصل الثالث: في المحكوم به

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌الكتاب الأول: في الكتاب والاستدلال به يتوقف على معرفة اللغة

- ‌مدخل

- ‌الباب الأول: في اللغات

- ‌الفصل الأول:

- ‌الفصل الثاني:

- ‌الفصل الثالث

- ‌مدخل

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌الفصل الرابع:

- ‌الفصل الخامس:

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسالة الثانية:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌المسالة الرابعة:

- ‌المسألة الخامسة:

- ‌الفصل السادس

- ‌مدخل

- ‌الفرع الأول:

- ‌الفرع الثاني:

- ‌الفرع الثالث:

- ‌الفرع الرابع:

- ‌الفرع الخامس:

- ‌الفرع السادس:

- ‌الفصل السابع:

- ‌الفصل الثامن:

- ‌الفصل التاسع:

- ‌الباب الثاني: في الأوامر والنواهي

- ‌الفصل الأول: في لفظ الأمر

- ‌الفصل الثاني: في صيغته

- ‌الفصل الثالث: في النواهي

- ‌الباب الثالث: في العموم والخصوص

- ‌الفصل الأول: في العموم

- ‌الفصل الثاني: في الخصوص

- ‌الفصل الثالث: في المخصص

- ‌الباب الرابع: في المجمل والمبين

- ‌الفصل الأول: في المجمل

- ‌الفصل الثاني: في المبين

- ‌الفصل الثالث: في المبين له

- ‌الباب الخامس: في الناسخ والمنسوخ

- ‌الفصل الأول: في النسخ

- ‌الفصل الثاني: في الناسخ والمنسوخ

- ‌خاتمة في النسخ:

- ‌الكتاب الثاني: في السنة

- ‌الباب الأول: الكلام في أفعاله

- ‌الباب الثاني: في الأخبار

- ‌الفصل الأول: فيما علم صدقه

- ‌الفصل الثاني: فيما علم كذبه

- ‌الفصل الثالث: فيما ظن صدقه وهو خبر العدل الواحد

- ‌الكتاب الثالث: في الإجماع

- ‌الباب الأول: في بيان كونه حجة

- ‌الباب الثاني: في أنواع الإجماع

- ‌الباب الثالث: في شرائطه

- ‌الكتاب الرابع: في القياس

- ‌مدخل

- ‌الباب الأول: في بيان أنه حجة

- ‌الباب الثاني: في أركانه

- ‌الفصل الأول: في العلة

- ‌الفصل الثاني: في الأصل والفرع

- ‌الكتاب الخامس: في دلائل اختلف فيها

- ‌الباب الأول: في المقبولة

- ‌الباب الثاني: في المردودة

- ‌الكتاب السادس: في التعادل والتراجيح:

- ‌الباب الأول: في تعادل الأمارتين في نفس الأمر

- ‌الباب الثاني: في الأحكام الكلية للتراجيح

- ‌الباب الثالث: في ترجيح الأخبار

- ‌الباب الرابع: في ترجيح الأقيسة

- ‌الكتاب السابع: في الاجتهاد والإفتاء

- ‌الباب الأول: في الاجتهاد

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: في الاجتهاد

- ‌الفصل الثاني: في حكم الاجتهاد

- ‌الباب الثاني: في الإفتاء

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌الفصل الأول: في العموم

على الفساد، فإنه عدد بيوعا كثيرة وحكم بإبطالها لنهي الشارع، ثم قال ما نصه: وذلك أن أصل مال كل امرئ محرم على غيره إلا بما أحل به، وما أحل به من البيوع ما لم ينه عنه، فلا يكون ما نهي عنه من البيوع محلا ما كان أصله محرما. ثم قال: وهذا يدخل في عامة العلم انتهى، ونص في البويطي في باب صفة النهي عن مثله أيضا وهو كما نقله المصنف إلا في استثناء المقارن، وقد نقل ابن برهان عن الشافعي أنه مستثنى كما تقدم. المسألة الثالثة: مقتضى النهي أي: المطلوب بالنهي وهو الذي تعلق النهي به إنما هو فعل ضد المنهي عنه. فإذا قال: لا تتحرك فمعناه اسكن، وعند أبي هاشم والغزالي هو نفس أن لا يفعل وهو عدم الحركة في هذا المثال. لنا أن النهي تكليف والتكليف إنما يرد بما كان مقدورا للمكلف، والعدم الأصلي يمتنع أن يكون مقدورا؛ لأن القدرة لا بد لها من أثر وجودي، والعدم نفي محض فيمتنع إسناده إليها، إذ لا فرق في المعنى بين قولنا: ما أثرت القدرة أو أثرت عدما صرفا، ولأن العدم الأصلي -أي المستمر- حاصل والحاصل لا يمكن تحصيله ثانيا، وإذا ثبت أن مقتضى النهي ليس هو العدم ثبت أنه أمر وجودي ينافي المنهي عنه وهو الضد، ولقائل أن يقول: ترك الزنا مثلا ليس عدما محضا بل هو عدم مضاف متجدد فيكون مقدورا، واحتج أبو هاشم بأن من دعي إلى زنا فلم يفعله فإن العقلاء يمدحونه على أنه لم يزن من غير أن يخطر ببالهم فعل ضد الزنا.

قلنا: لا نسلم، فإن العدم ليس في وسعه كما قدمناه فلا يمدح عليه بل المدح على الكف عن الزنا، والكف فعل الضد، ولك أن تقول: ما الفرق بين هذه المسألة وبين قولهم: النهي عن الشيء أمر بضده، فإن هذا هو قولهم متعلق النهي ضد المنهي عنه. المسألة الرابعة: النهي إن كان عن شيء واحد فلا كلام وإن كان عن أشياء فعلى قسمين أحدهما: أن يكون عن الجمع أي: الهيئة الاجتماعية دون المفردات على سبيل الانفراد كالنهي عن نكاح الأختين وكالحرام المخير عند الأشاعرة كما تقدم في خصال الكفارة. الثاني: أن يكون عن الجميع أي: كل واحد كالربا والسرقة، واعلم أن الأشياء جمع وأقلها ثلاثة، وحينئذ فالتمثيل غير مطابق ولو عبر بالمتعدد لخلص من السؤال.

ص: 180

‌الباب الثالث: في العموم والخصوص

‌الفصل الأول: في العموم

الباب الثالث:

الفصل الأول: في العموم

قال: "الباب الثالث: في العموم والخصوص، وفيه فصول، الفصل الأول: في العموم، فالعام لفظ يستغرق جميع ما يصلح له بوضع واحد، وفيه مسائل". أقول: اتفقوا على أن العموم من عوارض الألفاظ حقيقة، وفي المعنى أقول: أصحها عند ابن الحاجب أنه حقيقة فيه أيضا؛ لأن العموم في اللغة هو شمول أمر لمتعدد وذلك موجود بعينه في المعنى. ولهذا يقال: عم المطر، وعم الأمير بالعطاء، ومنه نظر عام، وحاجة عامة، وعلة عامة، ومفهوم عام، وسائر المعاني الكلية كالأجناس والأنواع وكذا الأمر والنهي النفسانيان. والثاني: أنه مجاز ونقله في الأحكام عن الأكثرين ولم يرجح خلافه

ص: 180

واحتجوا بأنه لو كان حقيقة لكان مطردا، وليس كذلك بدليل معاني الأعلام كلها، ولأن العموم هو شمول أمر واحد لمتعدد كشمول معنى الإنسان وعموم المطر حصل في جزء من أجزاء الأرض. والثالث: أنه لا يصدق عليه لا حقيقة ولا مجازا حكاه ابن الحاجب، إذا علمت هذه المقدمة فليرجع إلى الحد فقوله: لفظ جنس، وقد تقدم غير مرة أن الكلمة أولى منه لكونه جنسا بعيدا بدليل إطلاقه على المهمل والمستعمل مركبا كان أو مفردا بخلاف الكلمة، ويؤخذ من التعبير باللفظ أن العموم عند المصنف ليس من عوارض المعاني، لكنه قد نص بعد ذلك على تخصيص العلة والمفهوم وغيرهما، والتخصيص فرع العموم، وأيضا فسيأتي قريبا أن العموم قد يكون عقليا لا لفظيا، ولك أن تجيب بأنه يجوز أن يكون إطلاق العموم هناك على سبيل المجاز كما رآه الجمهور، وكلامه هنا في المدلول الحقيقي، أو تقول: العموم هناك بحسب اللغة وهنا بحسب الاصطلاح، وفي المعالم أن العام ما يتناول الشيئين فصاعدا من غير حصر، فسلم من الاعتراضين وإن وقع في غيرهما. وقوله:"يستغرق" خرج به المطلق، وإنه سيأتي أنه لا يدل على شيء من الأفراد فضلا عن استغراقها، وخرج به النكرة في سياق الإثبات سواء كانت مفردة كرجل أو مثناة كرجلين أو مجموعة كرجل أو عددا كعشرة، فإن العشرة مثلا لا تستغرق جميع العشرات وكذلك البواقي، نعم هي عامة عموم البدل عند الأكثرين إن كانت أمرا نحو: اضرب رجلا، فإن كانت خبرا نحو: جاءني رجل، فلا تعم. ذكره في المحصول1 في الكلام على أن النكرة في سياق النفي تعم، ومعنى عموم البدل أنها تصدق على كل واحد بدلا عن الآخر. وقوله:"جميع ما يصلح له" احتراز عما لا يصلح، فإن عدم استغراق من لما لا يعقل وأولاده زيد لأولاد غيره لا يمنع كونه عاما، لعدم صلاحيته له، والمراد بالصلاحية اللفظ لمعنى دون معنى، سببها الوضع لا المناسبة الطبيعية كما تقدم، ويجوز أن يكون حالا من ما أي جميع المعاني الصالحة له في حال كونها حاصلة بوضع واحد،

واحترز بذلك عن اللفظ المشترك كالعين وما له حقيقة ومجاز كالأسد، وتقريره على وجهين، أحدهما: أن العين قد وضعت مرتين مرة للمبصرة ومرة للفوارة، فهي صالحة لهما، فإذا قال: رأيت العيون وأراد بها العيون المبصرة دون الفوارة، أو بالعكس فإنها لم تستغرق جميع ما يصلح لها مع أنها عامة؛ لأن الشرط إنما هو استغراق الأفراد الحاصلة من وضع واحد وقد وجد ذلك، والذي لم يدخل فيها هو أفراد وضع آخر فلا يضر. فلو لم يذكر هذا القيد لاقتضى أن لا تكون عامة، وما كان له حقيقة ومجاز يعمل فيه هذا العمل المذكور بعينه فيكون المقصود بهذا القيد إدخال بعض الأفراد لا الإخراج، وهذا التقرير قد أشار إليه في المحصول إشارة لطيفة فقال:

1 انظر المحصول، ص385، جـ1.

ص: 181

فإن عمومه لا يقتضي أن يتناول مفهوميه معا وقل من قرره على وجهه، فاعتمد ما ذكرته فإنه عزيز مهم، وإياك وما وقع للأصفهاني والقرافي في شرحيهما للمحصول. التقرير الثاني: أنه قد تقدم أنه يجوز استعمال اللفظ في حقيقته كالعين وفي حقيقته ومجازه كالأسد، وحينئذ فيصدق أن يقال: إنه لفظ مستغرق لجميع ما يصلح له وليس بعام أما الأسد ونحوه فلا خلاف، وأما العين ونحوها فعلى الأصوب كما تقدم، فأخرجه بقوله: بوضع واحد، وفي الحد نظر من وجوه، أحدها: أنه عرف العام بالمستغرق وهما لفظان مترادفان وليس هذا حدا لفظيا حتى يصح التعريف به بل حقيقيا أو رسميا أورده الآمدي في الأحكام. الثاني: أنه يدخل فيه الفعل الذي ذكر معه معمولاته من الفاعل والمفعول وغيرهما نحو ضرب زيد عمرا، وأورده أيضا الآمدي وكذلك ابن الحاجب. الثالث: النقض بأسماء الأعداد فإن لفظ العشرة مثلا صالح لعدد خاص وذلك العدد له أفراد وقد استغرقها، وأورده ابن الحاجب. الرابع: أنه أخذ في تعريف العام لفظة جميع وهو من جملة المعروف، وأخذ المعرف قيدا في المعرف باطل لما علم في علم المنطق.

وأورده الأصبهاني شارح المحصول وهذه الأسئلة قد يجاب عن بعضها بجواب غير مرضٍ لكونه عناية في الحد، نعم قولنا: ضرب زيد عمرا لم يستغرق جميع ما يصلح له؛ لأنه غير شامل لجميع أنواع الضرب. قال: "الأولى: أن لكل شيء حقيقة هو بها هو، فالدال عليها المطلق، وعليها مع وحدة معينة المعرفة، وغير معينة النكرة، ومع وحدات معدودة العدد، ومع كل جزئياتها العام". أقول: غرضه الفرق بين المطلق والنكرة والمعرفة والعام والعدد، فإن بعضهم يرى أن المطلق هو النكرة كما حكاه في المحصول1، وحاصله أن لكل شيء حقيقة أي: ماهية ذلك الشيء بها، أي: بتلك الحقيقة يكون ذلك الشيء؛ فالجسم الإنساني مثلا له حقيقة وهي الحيوان الناطق، وذلك الجسم بتلك الحقيقة إنسان، فإن الإنسان إنما يكون إنسانا بالحقيقة وتلك الحقيقة مغايرة لما عداها سواء كان ما عداها ملازما لها كالوحدة والكثرة، أو مفارقا كالحصول في الحيز المعين. فمفهوم الإنسان من حيث هو إنسان لا واحد ولا كثير لكون الوحدة والكثرة مغايرة للمفهوم من حقيقته، وإن كان لا يخلو عنه، إذا عرفت هذا فنقول: اللفظ الدال عليها أي: على الحقيقة فقط هو المطلق كقولنا: الرجل خير من المرأة، والدال عليها مع وحدة أي: مع الدلالة على كونه واحدا، إما بالشخص أو بالنوع أو بالجنس إن كان معينا فهو المعرفة كزيد وإن كان غير معين فهو النكرة كقولك: مررت برجل، وهذان القسمان لم يذكرهما الإمام، بل ذكرهما صاحب الحاصل وصاحب التحصيل فتبعهما المصنف، والدال على الماهية مع وحدات أي: مع كثرة

1 انظر المحصول، ص287، جـ1.

ص: 182

ينظر فيها إن كانت معدودة أي: محصورة لا تتناول ما عداها فهو العدد كخمسة، وإن كانت غير معدودة بل مستوعبة لكل جزء من جزئيات تلك الحقيقة أي: لكل فرد من أفرادها فهو العام كالمشركين، وهذه العبارة التي في العام أخذها المصنف من الحاصل، فإنه عدل عن قول الإمام وعليها مع كثرة غير معينة إلى ما قلناه؛ لأنه يرد عليه الجمع المنكر كقولنا: رجال، فتابعه المصنف عليه وهو من محاسن الكلام، وما أورده بعضهم عليه فلا وجه له، ويؤخذ منه حد آخر للعام غير المذكور أولا، ومنه أخذ القرافي حده حيث قال: هو اللفظ الموضوع لمعنى كلي يفيد التتبع في محاله، وكلامه يقتضي أنه اخترعه. واعلم أن هذا التقسيم ضعيف لوجوه، أحدها: أنه يقتضي أن العدد والمعرفة والعام متقابلات أي: لا يصدق أحدها على الآخر؛ لأن هذا شأن التقسيم وليس كذلك، فإن العام والعدد قد يكونان معرفتين كالرجال والخمسة، ونكرتين نحو: كل رجل وخمسة، فتداخلت الأقسام. الثاني: أن اعتبار الوحدة في مدلول المعرفة والنكرة يوجب خروج نحو الرجلين والرجال عن حد المعرفة، وخروج نحو رجلين ورجال عن حد النكرة وهو باطل، ولم يذكر ذلك غير صاحب الحاصل والتحصيل.

الثالث: أن العدد في قولنا: خمسة رجال مثلا، إنما هو الخمسة وحدها بلا نزاع، والرجال هو المعدود، وكلامه يقتضي أن العدد إما اسم للمجموع أو للرجال فقط، وهو الأقرب لكلامه، فإن الرجال لفظ دال على الحقيقة وعلى وحدات معدودة بالخمس، فإنا عددناها بها، وأيضا فإن المعدود مشتق من العدد فيتوقف معرفته على معرفته، فكيف يؤخذ في التقسيم الذي يحصل منه تعريفه؟ وعبر الإمام في المحصول والمعالم بقوله: معينة، ولكن أبدله في الحاصل بقوله: معدودة فتبعه المصنف عليه. قال: "الثانية: العموم، إما لغة بنفسه كأي للكل ومن للعالمين وما لغيرهم، وأين للمكان، ومتى للزمان، أو بقرينة في الإثبات كالجمع المحلى بالألف واللام، والمضاف، وكذا اسم الجنس أو النفي كالنكرة في سياقه أو عرفا مثل {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 34] فإنه يوجب حرمة الاستمتاعات، أو عقلا كترتيب الحكم على الوصف، ومعيار العموم جواز الاستثناء فإنه يخرج ما يجب اندراجه لولاه وإلا لجاز من الجمع المنكر، قيل: لو تناول لامتنع الاستثناء لكون نقضا، قلنا: منقوض بالاستثناء من العدد، وأيضا استدلال الصحابة رضي الله عنهم بعموم ذلك في مثل: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: 2] {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] "وأمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله" 1 و "الأئمة من قريش" 2، "نحن معاشر الأنبياء لا نورث" 3 "شائعا من غير نكير"". أقول: العموم إما أن يكون لغة، أو عرفا، أو عقلا. القسم الأول وهو المستفاد من وضع اللغة له حالان، أحدهما: أن يكون عاما

1 أخرجه ابن حبان في صحيحه، حديث رقم 174، ص399، جـ1، وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان.

2 أخرجه الإمام أحمد في مسنده "3/ 12315".

3 ذكره ابن كثير في البداية والنهاية "4/ 203" و"3/ 364".

ص: 183

بنفسه أي: من غير احتياج إلى قرينة، وحينئذ فإما أن يكون عاما في كل شيء سواء كان من أولي العلم أو غيرهم كأن تقول: أي رجل جاء، وأي ثوب لبسته، وكذا كل وجميع والذي والتي ونحوها وكذا سائرها إن كانت مأخوذة من سور المدينة وهو المحيط به، وبه جزم الجوهري وغيره، فإن كانت مأخوذة من السؤر بالهمزة وهو البقية فلا يعم وهو الصحيح، وفي الحديث "وفارق سائرهن" أي: باقيهن وشرط أي أن تكون استفهامية أو شرطية، فإن كانت موصولة نحو: مررت بأيهم قام أي: بالذي، أو صفة نحو: مررت برجل أي رجل بمعنى كامل، أو حالا نحو: مررت بزيد أي رجل بفتح أي بمعنى كامل أيضا، أو منادى نحو:"يا أيها الرجل" فإنها لا تعم، وإما أن يكون عاما في العالمين خاصة أي: أولي العلم، كمن قال: الصحيح أنها تعم الذكور والإناث والأحرار والعبيد، وقيل: تعم شرعا الذكور الأحرار فقط، وشرطها أن تكون شرطية أو استفهامية، فإن كانت نكرة موصوفة نحو: مررت بمن معجب لك، بجر معجب أي: رجل معجب، أو كانت موصولة نحو: مررت بمن قام أي: بالذي قام فإنها لا تعم. ونقل القرافي عن صاحب التلخيص أن الموصولة تعم، وليس كذلك فقد صرح بعكسه، ونقله عنه الأصفهاني في شرح المحصول والعالمين هنا بكسر اللام، وإنما عدل عن التعبير بمن يعقل وإن كانت هي العبارة المشهورة، إلى التعبير بأولي العلم لمعنى حسن غفل عنه الشارحون، ذكره ابن عصفور في شرح المقرب وغيره، وهو أن من يطلق على الله تعالى كقوله تعالى:{وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ} [الحجر: 20] وكذلك أي: كقوله تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ} [الأنعام: 19] والبارئ سبحانه وتعالى يوصف بالعلم ولا يوصف بالعقل، فلو عبر به لكان تعبيرا غير شامل، وإما أن يكون عاما في غير أولي العلم وهو ما، نحو: اشتر ما رأيت، فلا يدخل فيه العبيد والإماء، وفيه خلاف يأتي ذكره بدليله في تأخير البيان إن شاء الله تعالى، لكن إذا كانت ما نكرة موصوفة نحو: مررت بما معجب لك أي بشيء، أو كانت غير موصوفة نحو: ما أحسن زيدا، فإنها لا تعم، وإما أن يكون عاما في الأمكنة خاصة نحو: أين تجلس أجلس، وإما في الأزمنة نحو: متى تجلس أجلس، وقيد ابن الحاجب ذلك بالزمان المبهم كما مثلناه، حتى لا يصح أن تقول: متى زالت الشمس فأتمنى، ولم أر هذا الشرط في الكتب المعتمدة، ولقائل أن يقول: لو كانت هذه الصيغ للعموم لكان إذا قال لامرأته: متى قمت أو حيث قمت أو أين قمت فأنت طالق يقع عليه الثلاث كما لو قال: كلما وليس كذلك. وقوله: "أو بقرينة" هذا هو الحال الثاني، وهو أن يكون عمومه مستفادا من اللغة لكن بقرينة وتلك القرينة قد تكون في الإثبات، وهي أل والإضافة الداخلان على الجمع كالعبيد وعبيدي، وعلى المفرد، وهو الذي عبر عنه المصنف باسم الجنس، كقوله تعالى:{وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى} [الإسراء: 32]{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور: 63] لكن إن كانت أل عهدية فإن تعميمها لأفراد المعهودين خاصة،

ص: 184

قال في المحصول: والضمير العائد على اسم حكمه حكم ذلك الاسم في العموم وعدمه، وهنا أمور، أحدها: أن هذه القرينة قد تفيد العموم في النفي أيضا نحو: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ} [البقرة: 221] الثاني: أن العموم فيما تقدم يختلف، فالداخل على اسم الجنس يعم المفردات، وعلى الجمع يعم الجموع؛ لأن أل تعم أفراد ما دخلت عليه، وقد دخلت على جمع، وكذلك الإضافة. وفائدة هذا أنه يتعذر الاستدلال به في حالة النفي أو النهي على ثبوت حكمه لمفرداته، إنما حصل النفي أو النهي عن أفراد المجموع، والواحد ليس بجمع، وهو معنى قولهم: لا يلزم من نفي المجموع نفي كل فرد، ولا من النهي عنه النهي عن كل فرد، فإن قيل: يعارض هذا إطلاقهم أن العموم من باب الكلية فإن معناه ثبوته لكل فرد، سواء كان نفيا أم لا كما تقدم بسطه في تقسيم الدلالة. قلنا: لا تنافي بينهما، فإنا قد أثبتناه لكل فرد من أفراد ما دخل عليه وهو المجموع. الثالث: لم يصرح الإمام وأتباعه بحكم المفرد المضاف هنا، نعم صرحوا بعمومه في الكلام على أن الأمر للوجوب فإنهم قد استدلوا عليه بقوله تعالى:{فَلْيَحْذَرِ} الآية، فأورد الخصم أن أمره لا يعم فأجابوا بأنه عام لجواز الاستثناء كما تقدم، ونقله القرافي هنا عن صاحب الروضة، وأما المفرد المعرف بأل فذكره الإمام في كتبه وصحح هو وأتباعه أنه لا يعم، وصحح المصنف وابن الحاجب عكسه، وصححه ابن برهان في الوجيز، ونقله الإمام عن الفقهاء والمبرد والجبائي، ونقله الآمدي عن الشافعي رحمه الله والأكثرين، ورأيت في نصه في الرسالة نحوه أيضا، فإنه نص على أن الأرض من قوله تعالى:{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [الزمر: 5] من الألفاظ العامة التي أريد بها العموم، ثم نص على أن قوله تعالى:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} و {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} ونحوهما من العام الذي خص ورأيت في البويطي نحوه أيضا فإنه جعل قوله تعالى: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] من العام المخصوص، ولك أن تقول: لم لا؟ قال الشافعي رحمه الله بوقوع الثلاث على من حلف بالطلاق المعرف، وقد يجاب بأن هذا يمين فيراعى فيه العرف لا اللغة. قوله:"أو النفي" تقديره أو بقرينة في النفي، وهو معطوف على قوله في الإثبات وحاصله أن النكرة في سياق النفي تعم سواء باشرها النفي نحو: ما أحد قائم أو باشر عاملها نحو: ما قام أحد، وسواء كان النافي ما أو لم أو لن أو ليس أو غيرها، ثم إن كانت النكرة صادقة على القليل والكثير كشيء، أو ملازمة للنفي نحو: أحد، أو داخلا عليها من نحو: ما جاء من رجل، أو واقعة بعد لا العاملة عمل إن وهي لا التي لنفي الجنس، فواضح كونها للعموم، وما عدا ذلك نحو: لا رجل قائما، وما في الدار رجل، ففيه مذهبان للنحاة، الصحيح أنها للعموم أيضا كما اقتضاه إطلاق المصنف وهو مذهب سيبويه، وممن نقله عنه شيخنا أبو حيان في حروف الجر، ونقله من الأصوليين إمام الحرمين في البرهان في الكلام على معاني الحروف لكنها ظاهرة في العموم لا نص، قال إمام الحرمين:

ص: 185

ولهذا نص سيبويه على جواز مخالفته فتقول: ما فيها رجل بل رجلان، كما يعدل عن الظاهر في نحو: جاء الرجال إلا زيدا، وذهب المبرد إلى أنها ليست للعموم وتبعه عليه الجرجاني في أول شرح الإيضاح والزمخشري عند قوله تعالى:{مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 59] وعند قوله تعالى: {وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ} [الأنعام: 4] نعم يستثنى من إطلاق المصنف سلب الحكم عن العموم كقولنا: ما كل عدد زوجا، فإن هذا ليس من باب عموم السلب أي: ليس حكما بالسلب على كل فرد، وإلا لم يكن فيه زوج وذلك باطل، بل المقصود إبطال قول من قال: إن كل عدد زوج وذلك سلب الحكم عن العموم، وقد تفطن لذلك السهروردي صاحب التلقيحات فاستدرجه وإذا وقعت النكرة في سياق الشرط كانت للعموم، أيضا صرح به في البرهان هنا وارتضاه الإبياري في شرحه له، واقتضاه كلام الآمدي وابن الحاجب في مسألة لا آكل. وقوله:"أو عرفا" هذا هو القسم الثاني من أصل التقسيم وهو عطف على قوله: لغة، أي: العموم إما أن يكون لغة أو عرفا كقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] فإن أهل العرف نقلوا هذا المركب من تحريم العين إلى تحريم جميع وجوه الاستمتاعات؛ لأنه المقصود من النسوة دون الاستخدام ونحوه. ومثله قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] فإن حملناه على الأكل للعرف، وفيه قول مذكور في باب المجمل والمبين أن هذا كله مجمل. قوله:"أو عقلا" هذا هو القسم الثالث، وضابطه ترتيب الحكم على الوصف، نحو: حرمت الخمر للإسكار، فإن ترتيبه عليه يشعر بأنه علة له والعقل يحكم بأنه كلما وجدت العلة يوجد المعلول، وكلما انتفت فإنه ينتفي، وأما في اللغة فإنها لم تدل على هذا العموم، أما في المفهوم فواضح، وأما في المنطوق فلما مر من أن تعليق الشيء بالوصف لا يدل على التكرار من جهة اللفظ، وههنا أمران أحدهما: أن صيغ العموم وإن كانت عامة في الأشخاص فهي مطلقة في الأحوال والأزمان والبقاع، فلا يثبت العموم فيها لأجل ثبوته في الأشخاص، بل لا بد من دليل عليه مثاله قوله تعالى:{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] يقتضي قتل كل مشرك لكن لا في كل حال بحيث يعم حال الهدنة والحرابة وعقد الذمة بل يقتضي ذلك في حال ما، وما من مشرك إلا ويقتل في حال ما كحال الردة وحال الحرب، وهذه القاعدة ارتضاها القرافي والأصفهاني في شرحي المحصول وقرراها بهذا التقرير في الكلام على التخصيص وهي صحيحة نافعة، ونازع الشيخ تفي الدين في شرح العمدة1 في صحتها، وكذلك الإمام في المحصول فإنه قال في كتاب القياس جوابا عن سؤال: قلنا: لما كان أمر الجميع الأقيسة كان متناولا لا محالة لجميع الأوقات، وإلا قدح ذلك في كونه متناولا لكل الأقيسة، ويظهر أن يتوسط فيقال: معنى الإطلاق إنه إذا عمل به في شخص ما في حال ما في زمان ما فلا يعمل به في ذلك الشخص مرة أخرى، أما في

1 شرح العمدة في فروع الشافعية للشاشي الشافعي، وهو للشيخ تقي الدين محمد بن علي، المعروف بابن دقيق العيد، المتوفى سنة "702هـ".

ص: 186

أشخاص أخر فيعمل به، فالتوفية بعموم الأشخاص أن لا يبقى شخص إلا ويدخل، والتوفية بالإطلاق أن لا يتكرر الحكم في الشخص الواحد، ولقائل أن يقول: عدم التكرار معلوم من كون الأمر لا يقتضي التكرار. الثاني: دلالة العموم قطعية عند الشافعي رحمه الله والمعتزلة أيضا، وظنية عند أكثر الفقهاء، هكذا نقله الإبياري شارح البرهان وهي فائدة حسنة، وممن نقله عنه الأصفهاني شارح المحصول، وذكر الماوردي نحوه أيضا، فقال: واختلف المعممون في أن ما زاد على أقل الجمع هل هو من باب النصوص أو من باب الظواهر؟ وذكر في البرهان في أول العموم عن الشافعي نحوه أيضا. وقوله: "ومعيار العموم

إلخ" اعلم أن الشافعي رضي الله عنه وكثيرا من العلماء ذهبوا إلى أن ما سبق ذكره من الصيغ حقيقة في العموم مجاز في الخصوص، واختاره ابن الحاجب وذهب جماعة إلى العكس، وقال جماعة: إنها مشتركة بينهما، وآخرون بالوقف وهو عدم الحكم بشيء، واختاره الآمدي وقيل بالوقف في الأخبار والوعد والوعيد دون الأمر والنهي، واختار المصنف مذهب الشافعي، واستدل عليه بوجهين أحدهما: جواز الاستثناء؛ وذلك لأن هذه الصيغ يجوز أن يستثنى منها ما شئناه من الأفراد، والاستثناء إخراج ما لولاه لوجب اندراجه في المستثنى منه، فلزم من ذلك أن تكون الأفراد كلها واجبة الدخول ولا معنى للعموم إلا ذلك، أما المقدمة الأولى فبالاتفاق، وأما الثانية فلأن الدخول لو لم يكن واجبا بل جائزا لكان يجوز الاستثناء من الجمع المنكر، فتقول: جاء رجال إلا زيدا، وقد نص النحاة على منعه، نعم قالوا: إن كان المستثنى منه مختصا جاز نحو: جاء رجال كانوا في دارك إلا زيدا منهم أو رجلا منهم، والتعليل الذي ذكره المصنف يدفع إيراد هذه الصورة، ولم يصرح الإمام ولا أتباعه كصاحب الحاصل بامتناع الاستثناء من النكرة، بل صرحوا بجوازه في غير موضع من هذه المسألة، وما قاله المصنف هو الصواب، لكن في هذا الدليل كلام تقدم في أدلة من قال: إن الأمر للتكرار، ولقائل أن يقول: لو كان جواز الاستثناء معيار العموم لكان العدد عاما وليس كذلك، واعترض الخصم عليه بأنه لو وجب أن يتناوله لامتنع الاستثناء؛ لأن المتكلم دل بأول كلامه على أن المستثنى داخل فيه، ودل بالاستثناء على عدم دخوله وذلك نقض للأول، وأجاب المصنف بأن ما ذكرتموه من الدليل ينتقض بالاستثناء من العدد، فإن المستثنى داخل في المستثنى منه قطعا، وللخصم أن يقول: لا أسلم جواز الاستثناء من العدد، فإن مذهب البصريين المنع لكونه نصا كما حكاه عنهم ابن عصفور في شرح المقرب وغيره، قال: إلا أن يكون العدد مما يستعمل في المبالغة كالألف والسبعين فيجوز، نعم الاعتراض نفسه ضعيف أو باطل، فإن المصنف لم يدع وجوب الاندراج مع كونه مستثنى بل ادعاه عند عدمه، ولهذا قال: ما يجب اندراجه لولاه، وأيضا فإن المستثنى داخل في المستثنى منه لغة لا منه فلا تناقض؛ لأن الصحيح أن الحكم على المستثنى منه إنما هو بعد إخراج المستثنى. قوله: "وأيضا" أي: الدليل الثاني: استدلال الصحابة بعموم هذه الصيغة

ص: 187

استدلال شائع من غير نكير فكان إجماعا، وبيانه أنهم قد استدلوا بعموم اسم الجنس المحلى بأل كقوله تعالى:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: 2] وبعموم الجمع المضاف، فإن فاطمة احتجت على أبي بكر رضي الله عنهما في توريثها من النبي صلى الله عليه وسلم الأرض المعروفة وهي فدك والعوالي بقوله تعالى:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] الآية، واستدل أيضا أبو بكر بعمومه فإنه رد على فاطمة بقوله صلى الله عليه وسلم:"نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة" وهذا الحديث معزوّ إلى الترمذي في غير جامعه، والثابت في الصحيحين:"لا نورث، ما تركناه صدقة" واستدل عمر رضي الله عنه بعموم الجمع المحلى، فإنه قال لأبي بكر حين عزم على قتال مانعي الزكاة: كيف تقاتلهم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله"؟! فقال أبو بكر: أليس أنه قال: "إلا بحقها"؟ وتمسك أيضا أبو بكر فإن الأنصار لما قالوا للمهاجرين: منا أمير ومنكم أمير رد عليهم أبو بكر بقوله صلى الله عليه وسلم: "الأئمة من قريش" رواه النسائي. قال: "الثالثة: الجمع المنكر لا يقتضي العموم؛ لأنه يحتمل كل أنواع العدد، قال الجبائي: حقيقة في كل أنواع العدد، فيحمل على جميع حقائقه، قلنا: لا، بل في القدر المشترك". أقول: الجمع المنكر أي: إذا لم يكن مضافا لا يقتضي العموم خلافا لأبي علي الجبائي، لنا أن رجالا مثلا يحتمل كل نوع من أنواع العدد بدليل صحة تقسيمه إليه، وتفسير الإقرار به وإطلاقه عليه ووصفه به، كرجال ثلاثة وعشرة، ومورد التقسيم وهو الجمع أعم من أقسامه ضرورة، فيكون الجمع أعم، وكل فرد أخص، والأعم لا يدل على الأخص، ولا يستلزمه فلا يحمل عليه، وقوله في كل أنواع العدد أي: من الثلاثة فصاعدا وإلا فيرد الاثنان، وأما الواحد فلا يرد لأنه لا يسمى عددا عند أهل الحساب بل العدد ينشأ عنه، واحتج الجبائي بأنه لما ثبت أنه يطلق على كل نوع كان مشتركا؛ لأن الأصل في الإطلاق الحقيقة، وحينئذ فيحمل على جميع حقائقه احتياطا كما ذكرناه في باب الاشتراك، وقد تقدم هناك من كلام المصنف أن أبا علي الجبائي ممن جوز استعمال المشترك في معنييه، لكنه لا يلزم منه الحمل كما تقدم، فاستفدنا من هنا أنه يقول بالحمل أيضا، والجواب: أنا لا نسلم أنه حقيقة في كل نوع بخصوصه حتى يكون مشتركا، بل حقيقة في القدر المشترك بين الكل وهو الثلاثة مع قطع النظر عن الزائد عليها كما قاله في المحصول؛ لأنا بينا أنه لا يدل على الأنواع فكيف يكون حقيقة فيها، وأيضا للفرار من الاشتراك، ولك أن تقول: هذا الكلام يقتضي أن رجالا أقلهم ثلاثة، وليس كذلك؛ لأنه جمع كثرة، والأصل في مدلوله وهو المشترك بين جموع الكثرة كلها إنما هو أحد عشر باتفاق النحاة. قال: "الرابعة: قوله تعالى: {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الحشر: 20] يحتمل نفي الاستواء من كل وجه، ومن بعضه فلا ينفي الاستواء من كل وجه؛ لأن الأعم لا يستلزم الأخص، وقوله: لا آكل، عام في كل مأكول فيحمل على التخصيص، كما لو قيل: لا آكل أكلا، وفرق أبو حنيفة بأن أكلا يدل

ص: 188

على التوحيد وهو ضعيف، فإنه للتوكيد فيستوي فيه الواحد والجمع". أقول: نفي المساواة بين الشيئين كقوله تعالى: {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الحشر: 20] هل هو عام في الأمور التي يمكن نفيها أم لا؟ وفيه مذهبان أحدهما: أن مقتضاها في الإثبات هل هو المساواة من كل وجه أو من بعض الوجوه؟ فإن قلنا: من كل وجه، فلا يستوي ليس بعام بل نفي للبعض؛ لأن نقيض الموجبة الكلية سالبة جزئية، وإن قلنا: من بعض الوجوه فلا يستوي عام؛ لأن نقيض الموجبة الجزئية سالبة كلية، والصحيح عند أصحابنا القائلين بأن العموم له صيغة، أن هذه أيضا للعموم، وممن صححه الآمدي وابن برهان وابن الحاجب وتمسك بها جماعة على أن المسلم لا يقتل بالكافر؛ لأن القصاص مبني على المساواة، وخالف الإمام وأتباعه ومنهم المصنف، واحتجوا بأن نفي الاستواء أعم من كونه من كل الوجوه أو من بعضها بدليل صحة تقسيمه إليهما. والأعم لا يستلزم الأخص فحينئذ نفي الاستواء المطلق لا يستلزم نفي الاستواء من كل وجه. وهذا الدليل ضعيف؛ لأن الأعم إنما يدل على الأخص في طرف الإثبات، أما في طرف النفي فيدل؛ لأنه نفي الحقيقة، ويلزم من انتفاء الحقيقة والماهية انتفاء كل فرد؛ لأنه لو وجد منها فرد لكانت الماهية موجودة؛ ولهذا لو قال: ما رأيت حيوانا وقد رأى إنسانا، عد كاذبا أيضا؛ فلأن الأفعال نكرات والنكرة في سياق النفي تعم. قوله:"بخلاف لا آكل" اعلم أنه إذا حلف على الأكل وتلفظ بشيء معين كقوله مثلا: والله لا آكل التمر، أو لم يتلفظ به لكن أتى بمصدر ونوى به شيئا معينا كقوله: والله لا آكل فلا خلاف بين الشافعي وأبي حنيفة أنه لا يحنث بغيره، فإن لم يتلفظ بالمأكول ولم يأت بالمصدر ولكن خصصه بنيته، كما إذا نوى التمر بقوله: والله لا آكل، أو إن أكلت فعبدي حر، ففي تخصيص الحنث به مذهبان، منشؤهما أن هذا الكلام هل هو علم أم لا؟ وقد علمت بما ذكرناه أن صورة المسألة المختلفة فيها أن يكون فعلا متعديا لم يقيد بشيء كما صوره الغزالي في المستصفى، وأن يكون واقعا بعد النفي أو الشرط كما صوره ابن الحاجب واقتضاه كلام الآمدي، إذا علمت هذا فأحد المذهبين وهو مذهب أبي حنيفة أنه ليس بعام، وحينئذ فلا يقبل التخصيص بل يحنث به وبغيره؛ لأن التخصيص فرع العموم. والثاني وهو مذهب الشافعي: أنه عام؛ لأنه نكرة في سياق النفي أو الشرط فيعم؛ ولأن لا آكل يدل على نفي حقيقة الأكل الذي تضمنه الفعل، فلو لم ينتف بالنسبة إلى بعض المأكولات لم تكن حقيقته منتفية ولا معنى للعموم إلا ذلك، فإذا ثبت أنه عام فيقبل التخصيص واستدل المصنف عليه بالقياس على ما لو قال: لا آكل أكلا، فإن أبا حنيفة يسلم أنه قابل التخصيص بالنية كما تقدم، فكذلك لا آكل؛ لأن المصدر موجود فيه أيضا لكونه مشتقا منه، ومال في المحصول لمقالة أبي حنيفة فقال: إن نظره فيه دقيق، وفي المنتخب والحاصل: إنه الحق، وفرق أعني الإمام بأن لا آكل يتضمن المصدر، والمصدر إنما يدل على الماهية

ص: 189

من حيث هي والماهية من حيث هي لا تتعدد فيها فليست بعامة، وإذا انتفى العموم انتفى التخصيص فيحنث بالجميع. وأما أكل فليس بمصدر؛ لأنه يدل على التوحيد أي: على المرة الواحدة وحينئذ فيصح تفسير ذلك الواحد بالنية، فلهذا لا يحنث بغيره وهو ضعيف كما قاله المصنف، بل باطل لأن هذا مصدر مؤكد بلا نزاع والمصدر المؤكد يطلق على الواحد والجمع ولا يفيد فائدة زائدة على فائدة المؤكد، فلا فرق حينئذ بين الأول والثاني، ولو سلمنا أن لا آكل ليس بعام لكنه مطلق والمطلق يصح تقييدا اتفاقا، وقد انتصر الإمام لأبي حنيفة بشيء في غاية الفساد، فإنه بناه على أن أكلا ليس بمصدر وأنه للمرة الواحدة، وأن لا آكل ليس بعام، وأنه إذا لم يكن عاما لا يقبل التقييد. وقد تقدم بطلان الكل وبناء أيضا على أن تخصيصه ببعض الأزمنة أو الأمكنة لا يصح بالاتفاق، وهو باطل أيضا، فإن المعروف عندنا أنه إذا قال: والله لا آكل ونوى في مكان معين أو زمان معين أنه يصح وقد نص الشافعي على أنه لو قال: إن كلمت زيدا فأنت طالق ثم أردت التكليم شهرا أنه يصح. "فروع" حكاها الإمام أحدها: أن خطاب النبي صلى الله عليه وسلم كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِي} [الأحزاب: 45] لا يتناول أمته على الصحيح، وظاهر كلام الشافعي في البويطي أنه يتناولهم. والثاني: أن خطاب الذكور الذي يمتاز عن خطاب الإناث بعلامة المسلمين وفعلوا لا يدخل فيه الإناث على الصحيح، ونقله القفال في الإشارة عن الشافعي، وكذلك ابن برهان في الوجيز. الثالث: لفظ كان لا يقتضي التكرار وقيل: يقتضيه. الرابع: إذا أمر جمعا بصيغة جمع كقوله: أكرموا زيدا أفاد الاستغراق. الخامس: خطاب المشافهة كقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} [الحجرات: 13] لا يتناول من يحدث بعدهم إلا بدليل منفصل. السادس: إذا لم يكن إجراء الكلام على ظاهره إلا بإضمار شيء وكان هناك أمور كثيرة يستقيم الكلام بإضمار كل منهما، لم يجز إضمار جميعها؛ لأن الإضمار على خلاف الأصل، وهذا هو المراد من قول الفقهاء: المقتضي لا عموم له، مثاله قوله عليه الصلاة والسلام:"رفع عن أمتي الخطأ" 1 والتقدير: حكم الخطأ وذلك الحكم قد يكون في الدنيا كإيجاب الضمان، وقد يكون في الآخرة كرفع التأثيم، قال: وللخصم أن يقول: ليس أحدهما بأولى من الآخر فيضمونها جميعا. السابع: قول الصحابي مثلا: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر2 وقضى بالشاهد واليمين، لا يفيد العموم؛ لأن الحجة في المحكي لا في الحكاية، والمحكي قد يكون خاصا، وكذا قوله: سمعته يقول: "قضيت بالشفعة للجار" لاحتمال كون الألف واللام للعهد قال: أما إذا كان منونا كقوله عليه الصلاة والسلام: "قضيت بالشفعة لجار" وقول الراوي: "مضى بالشفعة لجار" فجانب العموم أرجح، واختار ابن الحاجب

1 أخرجه ابن حجر في فتح الباري "5/ 160، 161".

2 أخرجه ابن حبان في صحيحه، رقم الحديث "49، 51" جـ11، وأخرجه عبد الرزاق في المصنف "16149" وأحمد في مسنده "2/ 346".

ص: 190