المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الأول: فيما علم صدقه - نهاية السول شرح منهاج الوصول

[الإسنوي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمات

- ‌ترجمة البيضاوي صاحب منهاج الوصول إلى علم الأصول

- ‌ترجمة الإسنوي: صاحب نهاية السول شرح منهاج الوصول

- ‌خطبة الكتاب:

- ‌تعريفات:

- ‌الباب الأول في الحكم:

- ‌الفصل الأول: تعريفه

- ‌الفصل الثاني: تقسيماته

- ‌التقسيم الأول:

- ‌التقسيم الثاني:

- ‌التقسيم الثالث:

- ‌التقسيم الرابع:

- ‌التقسيم الخامس:

- ‌التقسيم السادس:

- ‌الفصل الثالث: في أحكام الحكم الشرعي

- ‌المسألة الأولى

- ‌المسألة الثانية:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌المسألة الرابعة:

- ‌المسألة الخامسة:

- ‌المسألة السادسة:

- ‌المسألة السابعة:

- ‌الباب الثاني: فيما لا بد للحكم منه وهو الحاكم والمحكوم عليه وبه

- ‌الفصل الأول: في الحكم

- ‌مدخل

- ‌الفرع الأول:

- ‌الفرع الثاني:

- ‌الفصل الثاني: في المحكوم عليه

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌المسألة الرابعة:

- ‌الفصل الثالث: في المحكوم به

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌الكتاب الأول: في الكتاب والاستدلال به يتوقف على معرفة اللغة

- ‌مدخل

- ‌الباب الأول: في اللغات

- ‌الفصل الأول:

- ‌الفصل الثاني:

- ‌الفصل الثالث

- ‌مدخل

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌الفصل الرابع:

- ‌الفصل الخامس:

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسالة الثانية:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌المسالة الرابعة:

- ‌المسألة الخامسة:

- ‌الفصل السادس

- ‌مدخل

- ‌الفرع الأول:

- ‌الفرع الثاني:

- ‌الفرع الثالث:

- ‌الفرع الرابع:

- ‌الفرع الخامس:

- ‌الفرع السادس:

- ‌الفصل السابع:

- ‌الفصل الثامن:

- ‌الفصل التاسع:

- ‌الباب الثاني: في الأوامر والنواهي

- ‌الفصل الأول: في لفظ الأمر

- ‌الفصل الثاني: في صيغته

- ‌الفصل الثالث: في النواهي

- ‌الباب الثالث: في العموم والخصوص

- ‌الفصل الأول: في العموم

- ‌الفصل الثاني: في الخصوص

- ‌الفصل الثالث: في المخصص

- ‌الباب الرابع: في المجمل والمبين

- ‌الفصل الأول: في المجمل

- ‌الفصل الثاني: في المبين

- ‌الفصل الثالث: في المبين له

- ‌الباب الخامس: في الناسخ والمنسوخ

- ‌الفصل الأول: في النسخ

- ‌الفصل الثاني: في الناسخ والمنسوخ

- ‌خاتمة في النسخ:

- ‌الكتاب الثاني: في السنة

- ‌الباب الأول: الكلام في أفعاله

- ‌الباب الثاني: في الأخبار

- ‌الفصل الأول: فيما علم صدقه

- ‌الفصل الثاني: فيما علم كذبه

- ‌الفصل الثالث: فيما ظن صدقه وهو خبر العدل الواحد

- ‌الكتاب الثالث: في الإجماع

- ‌الباب الأول: في بيان كونه حجة

- ‌الباب الثاني: في أنواع الإجماع

- ‌الباب الثالث: في شرائطه

- ‌الكتاب الرابع: في القياس

- ‌مدخل

- ‌الباب الأول: في بيان أنه حجة

- ‌الباب الثاني: في أركانه

- ‌الفصل الأول: في العلة

- ‌الفصل الثاني: في الأصل والفرع

- ‌الكتاب الخامس: في دلائل اختلف فيها

- ‌الباب الأول: في المقبولة

- ‌الباب الثاني: في المردودة

- ‌الكتاب السادس: في التعادل والتراجيح:

- ‌الباب الأول: في تعادل الأمارتين في نفس الأمر

- ‌الباب الثاني: في الأحكام الكلية للتراجيح

- ‌الباب الثالث: في ترجيح الأخبار

- ‌الباب الرابع: في ترجيح الأقيسة

- ‌الكتاب السابع: في الاجتهاد والإفتاء

- ‌الباب الأول: في الاجتهاد

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: في الاجتهاد

- ‌الفصل الثاني: في حكم الاجتهاد

- ‌الباب الثاني: في الإفتاء

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌الفصل الأول: فيما علم صدقه

‌الباب الثاني: في الأخبار

‌الفصل الأول: فيما علم صدقه

قال: "الباب الثاني: في الأخبار وفيه فصول، الأول: فيما علم صدقة، وهو سبعة، الأول: ما علم وجود مخبره بالضرورة أو بالاستدلال. الثاني: خبر الله تعالى وإلا لكنا في بعض الأوقات أكمل منه تعالى. الثالث: خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم والمعتمد دعواه الصدق وظهور المعجزة على وفقه. الرابع: خبر كل الأمة؛ لأن الإجماع حجة. الخامس: خبر جمع عظيم عن أحوالهم. السادس: الخبر المحفوف بالقرائن. السابع: المتواتر وهو خبر بلغت رواته في الكثرة مبلغا أحالت العادة تواطؤهم على الكذب، وفيه مسائل". أقول: الخبر قسم من أقسام الكلام، وهو يطلق على اللساني والنفساني، والخلاف في أنه هل هو مشترك بينهما، أو حقيقة في الأول مجاز في الثاني، أو عكسه؟ كالخلاف في الكلام وقد عرفه المصنف في تقسيم الألفاظ بأنه الذي يحتمل التصديق أو التكذيب، وتقديم الكلام هناك عليه؛ فلذلك استغنى عن ذكره هنا. ثم إن الخبر من حيث هو خبر محتمل للصدق والكذب مطلقا، لكنه قد يقطع بصدقه أو كذبه لأمور خارجة، وقد لا يقطع بواحد منها لعدم عروض موجب للقطع به، فصار الخبر على ثلاثة أقسام؛ فلذلك ذكر في الباب ثلاثة فصول، لكل قسم منها فصل، وهذا إذا قلنا: إن الخبر منحصر في الصدق والكذب، وجعل الجاحظ بينهما واسطة فقال: الصدق هو المطابق مع اعتقاد كونه مطابقا، والكذب هو الذي لا يكون مطابقا مع اعتقاد عدم المطابقة، فأما الذي ليس معه اعتقاد سواء كان مطابقا أو غير مطابق فإنه ليس بصدق ولا كذب، والأكثرون قالوا: الصدق هو المطابق للواقع مطلقا، والكذب ما ليس بمطابق مطلقا. الفصل الأول: فيما علم صدقه، وهو سبعة أقسام الأول: الخبر الذي علم وجود مخبره أي: المخبر به وهو بفتح الباء، والعلم به إما بالضرورة كقولنا: الواحد نصف الاثنين، وإما بالاستدلال كقولنا: العالم حادث، وكالخبر الموافق لخبر المعصوم. الثاني: خبر الله تعالى وإلا لكنا في بعض الأوقات وهو وقت صدقنا وكذبه أكمل منه تعالى؛ لكون الصدق صفة كمال والكذب صفة نقص، وهذا القسم وما بعده علمنا فيه أولا صدق الخبر، ثم استدللنا بوقوعه على صدق الخبر. الثالث: خبر الرسول صلى الله عليه وسلم والمعتمد في حصول العلم به وهو دعواه الصدق في كل الأمور، وظهور المعجزة عقب هذه الدعوى، إلا بإثبات وقوع هذا كله. قال: وكيف؟ وقد جوز بعضهم وقوع الذنب منهم عمدا واتفقوا على جوازه في حال السهو والنسيان، وقد لاح مما قاله الإمام إشكال على المصنف في تجويزه الصغائر سهوا، ودعواه العلم بالصدق مطلقا. نعم إن أراد الصدق في الأحكام وهو الذي يقتضيه كلام الإمام في المعالم، فلا تعارض؛ لأنهم معصومون عن الخطأ فيه عند طائفة كما تقدم. الرابع: خبر كل الأمة؛ لأن الإجماع حجة كما سيأتي، هكذا استدل عليه الإمام فتبعه المصنف وغيره؛ فإن أراد بالحجة ما هو مقطوع به، وهو الذي صرح به الآمدي هنا فالإجماع ليس كذلك عندهما كما ستعرفه، وإن أراد بالحجة ما يجب العمل به فمسلم، لكنه لا يلزم من ذلك أن يكون مقطوعا به؛ لأن أخبار الآحاد والعمومات وغيرهما يجب العمل بها مع

ص: 257

أنها ظنية. الخامس: أن يخبر جمع عظيم يستحيل تواطؤهم على الكذب عن شيء من أحوالهم كالشهوة والنفرة، فإنه لا يجوز أن يكون كلها كذبا كما قال في المحصول أي: بل لا بد أن يكون منها ما هو صدق قطعا، وليس المراد أنا نقطع بصدق الجميع فإنه باطل قطعا. قال: وكذلك إذا أخبر كل واحد منهم عن شيء لم يخبر به صاحبه. السادس: الخبر المحفوف بالقرائن كخبر ملك عن موت ولده، ولا مريض عنده سواه، مع خروج النساء على هيئة منكرة من البكاء ونشر الشعر، وخروج الملك وراء الجنازة على نحو هذه الهيئة، فإنه يفيد العلم كما جزم به المصنف، واختاره الإمام والآمدي وابن الحاجب، ونقلوا عن الأكثرين خلافه. السابع: الخبر المتواتر والتواتر لغة هو التتابع يقال: تواتر القوم إذا جاء الواحد بعد الواحد بفترة بينهما، وفي الاصطلاح كل خبر بلغت رواته في الكثرة مبلغا أحالت العادة تواطؤهم على الكذب. فروع جعلها بعضهم من المقطوع بها كما قاله في المحصول1، أحدها: إذا أخبر شخص عن أمر بحضرة الرسول عليه الصلاة والسلام ولم ينكره فقال بعضهم: يكون تصديقا له مطلقا، والحق أنه يكون تصديقا إن كان في أمر ديني لم يتقدم بيانه، أو تقدم وكان مما يجوز نسخه، وكذلك إذا كان في أمر دنيوي وعلمنا أنه عليه الصلاة والسلام علم بذلك أو ادعى المخبر علمه به مع استشهاده به. الثاني: إذا أخبر شخص عن أمر بحضرة جمع عظيم بحيث لو كان كاذبا لما سكتوا عن تكذيبه فأمسكوا عن ذلك، فإنه يفيد ظن صدقه، وقال جماعة: يفيد القين لامتناع جهلهم به في العادة، ومع عدم الجهل يمتنع عادة أن لا يكذبوه. الثالث: قالت جماعة من المعتزلة: الإجماع على العمل بموجب الخبر يدل على صحته قطعا؛ لأن المادة في المفلتين أن يقبله بعضهم ويرده بعضهم، وما قالوه باطل. الرابع: قال بعض الزيدية: بقاء النقل مع توفر الدواعي على إبطاله يدل على القطع بصحته، وما قالوه ليس بشيء. الخامس: تمسك جماعة في القطع بالخبر، بأن العلماء ما بين محتج به ومؤول له، وذلك يدل على اتفاقهم على قبوله وهو ضعيف؛ لاحتمال أن يكون قبوله كقبول خبر الواحد. قال:"الأولى أنه يفيد العلم مطلقا خلافا للسمنية، وقيل: يفيد عن الموجود لا عن الماضي. لنا أن نعلم بالضرورة وجود البلاد النائية والأشخاص الماضية. قيل: نجد التفاوت بينه وبين قولنا: الواحد نصف الاثنين، قلنا: للاستئناس. الثانية: إذا تواتر الخبر أفاد العلم فلا حاجة إلى النظر، خلافا لإمام الحرمين وللحجة والكعبي والبصري وتوقف المرتضى. لنا لو كان نظريا لم يحصل لمن لا يتأتى له كالبله والصبيان. قيل: يتوقف على العلم بامتناع تواطئهم، وأن لا داعي لهم إلى الكذب قلنا: حاصل بقوة قريبة من الفعل فلا حاجة إلى النظر". أقول: الأكثرون على أن المتواتر يفيد العلم مطلقا، وقالت السمنية: لا يفيد مطلقا، وقيل: إن كان خبرا عن

1 انظر المحصول، ص108، جـ2.

ص: 258

موجود أفاد، وإن كان عن ماضٍ فلا، والسمنية بضم السين وفتح الميم: فرقة من عبدة الأوثان كذا قاله الجوهري. والدليل على ما قلناه أنا نعلم بالضرورة وجود البلاد البعيدة كمكة وقسطنطينية والأشخاص الماضية كالشافعي وجالينوس. واعترض الخصم بأنا نجد التفاوت بين خبر التواتر وبين غيره من المحسوسات والبديهيات كقولنا: الواحد نصف الاثنين وحصول التفاوت دليل احتمال النقيض، واحتمال النقيض مناف للعلم. وأجاب المصنف بأن التفاوت الحاصل سببه أن بعض القضايا يكثر استعمالها وتصور طرفيها وبعضها لا يكثر؛ فلذلك يستأنس العقل ببعضها دون بعض فإذا وردت القضية الأولى جزم العقل بها بسرعة بخلاف القضية الثانية مع اشتراكهما في العملية، وهذا الجواب ذكره في الحاصل ولكن بعد أن منع أن العلوم لا تتفاوت، واقتصار المصنف عليه يوهم اختيار عدم تفاوتها، والمشهور خلافه ويحتمل أن يكون مراد المصنف إنما هو منع التفاوت وأسند بالاستئناس، ولم يذكر الإمام شيئا من هذين الجوابين بل أجاب بأنه تشكيك في الضروريات فلا يسمع. المسألة الثانية: ذهب الجمهور إلى أن العلم الحاصل عقب التواتر ضروري أي: لا يحتاج إلى نظر وكسب، واختاره الإمام وأتباعه وابن الحاجب، وذهب إمام الحرمين والكعبي وأبو الحسين البصري إلى أنه نظري ونقله المصنف تبعا للإمام عن حجة الإسلام الغزالي وفيه نظر؛ فإن كلامه في المستصفى مقتضاه موافقة الجمهور فتأمله، وتوقف المرتضى من الشيعة واختاره الآمدي في الأحكام ومنتهى السول. ثم استدل المصنف على مذهبه بأنه لو كان نظريا لكان غير حاصل لمن لا يتأتى منه النظر كالبله والصبيان وليس كذلك. واحتج الخصم بأن العلم بمقتضى الخبر متوقف على العلم بامتناع تواطؤ المخبرين على الكذب في العادة، وعلى العلم بأن لا داعي لهم إلى الكذب من حصول منفعة أو دفع مضرة، وهذه المقدمات نظرية والموقوف عن النظري أولى أن يكون نظريا، وأجاب المصنف تبعا للحاصل بأن هذه المقدمات حاصلة بقوة قريبة من الفعل، أي: إذا حصل طرفا المطلوب في الذهن حصلت عقبه من غير نظر وتعب. قال: "الثالثة: ضابطه إفادة العلم، وشرطه أن لا يفعله السامع ضرورة وأن لا يعتقد خلافه لشبهة دليل أو تقليد، وأن يكون سند المخبرين إحساسا به، وعددهم مبلغا يمتنع تواطؤهم على الكذب. وقال القاضي: لا يكفي الأربعة وإلا لأفاد قول كل أربعة، فلا يجب تزكية شهود الزنا لحصول العلم بالصدق أو الكذب. وتوقف في الخمسة ورد بأن حصول العلم بفعل الله تعالى فلا يجب الاطراد، وبالفرق بين الرواية والشهادة، وشرط اثنا عشر كنقباء موسى عليه السلام، وعشرون لقوله تعالى:{إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ} [الأنفال: 65]، وأربعون لقوله تعالى:{وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 64] وكانوا أربعة وسبعين لقوله تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا} [الأعراف: 155] وثلاثمائة وبضعة عشر عدد أهل بدر والكل ضعيف، ثم إن أخبروا عن عيان فذاك، وإلا فيشترط ذلك في كل الطبقات، الرابعة:

ص: 259

مثلا لو أخبر واحد بأن حاتما أعطى دينارا وآخر أنه أعطى جملا وهلم جرا، تواتر القدر المشترك لوجوده في الكل". أقول: ضابط الخبر المتواتر هو حصول العلم، فمتى أفاد الخبر بمجرده العلم تحققنا أنه متواتر وأن جميع شرائطه موجودة، وإن لم يفده تبينا عدم تواتره أو فقدان شرط من شروطه، وهي أربعة كما حكاها المصنف تبعا للإمام والآمدي، فالأولان راجعان إلى السامعين ولم يذكرهما الإمام في المعالم ولا ابن الحاجب في مختصره، والأخيران راجعان إلى الخبرين؛ أحدها: أن لا يكون السامع للخبر المتواتر عالما بمدلوله بالضرورة، فإنه إن كان كذلك لم يفده المتواتر علما لامتناع تحصيل الحاصل. الثاني: أن لا يكون معتقدا لخلاف مدلوله، إما لشبهة دليل إن كان من العلماء، أو لتقليد إن كان من العوام، فإن ارتسام ذلك في ذهنه واعتقاده له مانع من قبول غيره والإصغاء إليه، ومن هذا ما ورد في الحديث:"حبك الشيء يعمي ويصم" 1 وهذا الشرط نقله في المحصول عن الشريف المرتضى، ولم يصرح فيه بموافقته ولا مخالفته. قال: وإنما اعتبره؛ لأنه يرى أن الخبر المتواتر دال على إمامة علي رضي الله عنه، وأن المانع من إفادته العلم عند الخصم هو اعتقاد خلافه. الثالث: أن يكون سند المخبرين أي: مستندهم في الأخبار هو الإحساس بالمخبر عنه أي: إدراكه بإحدى الحواس الخمس. فإن أخبروا عما يستند إلى الدليل العقلي كحدوث العالم لم يفد العلم؛ لأن التباس الدليل عليهم محتمل. قال في البرهان: ولا معنى لتقييد المستند بالمحسوس؛ فإن المطلوب صدور الخبر عن العلم الضروري، فالوجه التقييد به لتدخل قرائن الأحوال، وتبعه على ما قاله صاحب المحصول والمختصرون لكلامه فقيدوه بذلك، وفيه نظر؛ فإن قرائن الأحوال لها استناد إلى الحس وليست عقلية محضة؛ فلذلك عدل المصنف إلى العبارة المشهورة. الرابع: أن يبلغ عدد المخبرين مبلغا يمتنع بحسب العادة أن يتواطئوا على الكذب ويختلف ذلك باختلاف المخبرين والوقائع والقرائن. هذا حاصل ما ذكره المصنف من الشروط، وقد علم منه أنه لا يشترط عنده في المخبرين الإسلام ولا العدالة ولا اختلاف الدين، والبلد، والوطن، والنسب، ولا وجود الإمام المعصوم، ولا دخول أهل الذمة فيهم، ولأكثرتهم بحيث لا يحصرهم عدد ولا يحويهم بلد، وفي كل ذلك خلاف حكاه الآمدي وابن الحاجب والإمام. قوله:"وقال القاضي" أي: أبو بكر: لا يكفي الأربعة في إفادة العلم، إذ لو أفاده قول الأربعة الصادقين لأفاده قول كل أربعة صادقين؛ لأن الحكم على الشيء حكم على مماثله، ولو كان كذلك لم يجب تزكية شهود الزنا لأنه إن حصل علم القاضي بقولهم فقد علم صدقهم، فيستغني عن التزكية، وإن لم يحصل العلم بذلك فيلزم أن يعلم كذبهم؛ لأن الفرض أن حصول العلم بالصدق ومن لوازم قول

1 أخرجه أحمد في المسند "5/ 194"، والخطيب البغدادي في تاريخه "3/ 117"، والعراقي في المغني عن حمل الأسفار "3/ 31".

ص: 260

أربعة صادقين، فمتى لم يحصل العلم بالصدق فقد انتفى اللازم، وإذا انتفى اللازم انتفى الملزوم، وهو قول كل أربعة صادقين، وانتفاء قول الأربعة الصادقين لا يجوز أن يكون لانتفاء القول ولا لانتفاء الأربعة؛ لأنه خلاف الفرض فتعين أن يكون لانتفاء الصدق، وإذا انتفى الصدق تعين الكذب؛ لأنه لا واسطة بينهما، وحينئذ فنقول: إذا علم كذبهم لم يحتج أيضا إلى التزكية لخلوها عن الفائدة، فثبت أنه لو أفادت الأربعة العلم لم يجب تزكية شهود الزنا، وتزكيتهم واجبة اتفاقا فبطل الأول، وهذا التقرير اعتمده. قوله:"وتوقف" يعني: أن القاضي توقف في أن الخمسة هل تفيد العلم أم لا؟ ووجه توقفه أنه يحتمل أن يقال: إنها لا تفيد العلم إذ لو أفادته لأفادت قول كل خمسة، ويلزم من ذلك أن لا يجب تزكيتها إذا شهدت بالزنا بعين ما قلناه في الأربعة، ويحتمل أن يقال: إنها تفيده، ولا يلزم منه عدم التزكية بخلاف الأربعة؛ وذلك لأنا نسلم لهم أن كل خمسة صادقة تفيد العلم، وأنه إذا شهد خمسة بالزنا ولم يحصل العلم بقولها لا تكون صادقة، وأنه إذا انتفى الصدق تعين الكذب، وأما قولهم: إذا تعين الكذب فلا حاجة إلى التزكية فممنوع؛ لأن الكذب قد يكون واحدا من الخمسة وقد يكون من اثنين فصاعدا، فإن كان من واحد لم تبطل الحجة لبقاء النصاب المعتبر وهو الأربعة، وإن كان من اثنين فصاعدا بطلت، فأوجبنا التزكية حتى نعلم هل بقي النصاب أم لا بخلاف الأربعة؟ فإن كذب أحدهم مسقط للحجة. قوله:"ورد" أي: ورد قول القاضي بأنه لا يكفي الأربعة بوجهين أحدهما: أن حصول العلم عقب الخبر المتواتر بفعل الله تعالى عنده وعند غيره من الأشاعرة، فلا يجب حينئذ اطراده لجواز أن يخلق الله تعالى العلم عند قول أربعة دون أربعة. الثاني: أن الفرق بين الرواية والشهادة ثابت، فإن الأربعة في الرواية زائدة على القدر المشروط بخلاف الأربعة في الشهادة، فلا يلزم من ترتيب العلم على الأول ترتبه على الثاني، وأيضا الشهادة تقتضي شرطا خاصا فلا يبعد فيها الاتفاق على المشهود عليه لعداوة، بخلاف الرواية. قوله:"وشروط" أي: وشرط بعضهم في عدد التواتر اثني عشر؛ لأن موسى عليه السلام نصبهم ليعرفوه أحوال بني إسرائيل، كما قال تعالى:{وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا} [المائدة: 12] فلو لم يحصل العلم بقولهم لم ينصبهم، وشرط بعضهم عشرين لقوله تعالى:{إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: 65] فإن مثل هذا الكلام في العادة يستدعي الجواب بأن ذلك العدد موجود فيهم، فدل على حصول العلم بقولهم، ومنهم من شرط أربعين لقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 64] وكانوا أربعين، ووجه الدلالة: مَنْ إن كانت مجرورة عطفا على الكاف كما قاله بعضهم، فإن كان الله تعالى كافيهم فإنه يقتضي حراسته لهم دينا ودنيا، ويستحيل مع ذلك تواطؤهم على الكذب، وإن كانت مرفوعة عطفا على الاسم المعظم فكذلك؛ لأن الذين رضيهم الله لأن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أموره ويتولوها، لا يتفقون

ص: 261