المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ذكره هناك بذكره هنا، ولأجل هذه الأقسام انحصرت أبواب هذا - نهاية السول شرح منهاج الوصول

[الإسنوي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمات

- ‌ترجمة البيضاوي صاحب منهاج الوصول إلى علم الأصول

- ‌ترجمة الإسنوي: صاحب نهاية السول شرح منهاج الوصول

- ‌خطبة الكتاب:

- ‌تعريفات:

- ‌الباب الأول في الحكم:

- ‌الفصل الأول: تعريفه

- ‌الفصل الثاني: تقسيماته

- ‌التقسيم الأول:

- ‌التقسيم الثاني:

- ‌التقسيم الثالث:

- ‌التقسيم الرابع:

- ‌التقسيم الخامس:

- ‌التقسيم السادس:

- ‌الفصل الثالث: في أحكام الحكم الشرعي

- ‌المسألة الأولى

- ‌المسألة الثانية:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌المسألة الرابعة:

- ‌المسألة الخامسة:

- ‌المسألة السادسة:

- ‌المسألة السابعة:

- ‌الباب الثاني: فيما لا بد للحكم منه وهو الحاكم والمحكوم عليه وبه

- ‌الفصل الأول: في الحكم

- ‌مدخل

- ‌الفرع الأول:

- ‌الفرع الثاني:

- ‌الفصل الثاني: في المحكوم عليه

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌المسألة الرابعة:

- ‌الفصل الثالث: في المحكوم به

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌الكتاب الأول: في الكتاب والاستدلال به يتوقف على معرفة اللغة

- ‌مدخل

- ‌الباب الأول: في اللغات

- ‌الفصل الأول:

- ‌الفصل الثاني:

- ‌الفصل الثالث

- ‌مدخل

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌الفصل الرابع:

- ‌الفصل الخامس:

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسالة الثانية:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌المسالة الرابعة:

- ‌المسألة الخامسة:

- ‌الفصل السادس

- ‌مدخل

- ‌الفرع الأول:

- ‌الفرع الثاني:

- ‌الفرع الثالث:

- ‌الفرع الرابع:

- ‌الفرع الخامس:

- ‌الفرع السادس:

- ‌الفصل السابع:

- ‌الفصل الثامن:

- ‌الفصل التاسع:

- ‌الباب الثاني: في الأوامر والنواهي

- ‌الفصل الأول: في لفظ الأمر

- ‌الفصل الثاني: في صيغته

- ‌الفصل الثالث: في النواهي

- ‌الباب الثالث: في العموم والخصوص

- ‌الفصل الأول: في العموم

- ‌الفصل الثاني: في الخصوص

- ‌الفصل الثالث: في المخصص

- ‌الباب الرابع: في المجمل والمبين

- ‌الفصل الأول: في المجمل

- ‌الفصل الثاني: في المبين

- ‌الفصل الثالث: في المبين له

- ‌الباب الخامس: في الناسخ والمنسوخ

- ‌الفصل الأول: في النسخ

- ‌الفصل الثاني: في الناسخ والمنسوخ

- ‌خاتمة في النسخ:

- ‌الكتاب الثاني: في السنة

- ‌الباب الأول: الكلام في أفعاله

- ‌الباب الثاني: في الأخبار

- ‌الفصل الأول: فيما علم صدقه

- ‌الفصل الثاني: فيما علم كذبه

- ‌الفصل الثالث: فيما ظن صدقه وهو خبر العدل الواحد

- ‌الكتاب الثالث: في الإجماع

- ‌الباب الأول: في بيان كونه حجة

- ‌الباب الثاني: في أنواع الإجماع

- ‌الباب الثالث: في شرائطه

- ‌الكتاب الرابع: في القياس

- ‌مدخل

- ‌الباب الأول: في بيان أنه حجة

- ‌الباب الثاني: في أركانه

- ‌الفصل الأول: في العلة

- ‌الفصل الثاني: في الأصل والفرع

- ‌الكتاب الخامس: في دلائل اختلف فيها

- ‌الباب الأول: في المقبولة

- ‌الباب الثاني: في المردودة

- ‌الكتاب السادس: في التعادل والتراجيح:

- ‌الباب الأول: في تعادل الأمارتين في نفس الأمر

- ‌الباب الثاني: في الأحكام الكلية للتراجيح

- ‌الباب الثالث: في ترجيح الأخبار

- ‌الباب الرابع: في ترجيح الأقيسة

- ‌الكتاب السابع: في الاجتهاد والإفتاء

- ‌الباب الأول: في الاجتهاد

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: في الاجتهاد

- ‌الفصل الثاني: في حكم الاجتهاد

- ‌الباب الثاني: في الإفتاء

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ذكره هناك بذكره هنا، ولأجل هذه الأقسام انحصرت أبواب هذا

ذكره هناك بذكره هنا، ولأجل هذه الأقسام انحصرت أبواب هذا الكتاب على خمسة أبواب، الأول: في اللغات، والثاني: في الأوامر والنواهي، والثالث: في العموم والخصوص، والرابع: في المجمل والمبين، والخامس: في الناسخ والمنسوخ، ثم ذكر الإمام في المحصول مناسبة تقديم بعض هذه الأبواب على بعض، وأخذه رحمه الله من أبي الحسين البصري، فإني رأيته مذكورا في شرح العمد له، وحاصله أنه إنما قدم باب اللغات؛ لأن التمسك بالأدلة القولية إنما يمكن بواسطة معرفتها، وأنه قدم باب الأوامر والنواهي على الثلاثة الباقية؛ لأن تقسيم الكلام إلى الأوامر والنواهي تقسيم له باعتبار ذاته إلى أنواعها، وانقسامه إلى العام والخاص والمجمل والمبين تقسيم له باعتبار عوارضه كتقسيم الحيوان إلى الأبيض والأسود، فإن البياض والسواد ليسا من الأجزاء الذاتية؛ لأن ماهية الحيوان ليست مركبة منهما فهما عارضان بخلاف انقسامه إلى الإنسان والفرس، فقدمنا ما هو بحسب الذات على ما هو بحسب العرض، وإنما قدم باب العموم والخصوص على البابين الباقيين؛ لأن النظر في العموم والخصوص نظر في متعلق الأمر والنهي، والنظر في المجمل والمبين نظر في كيفية دلالة الأمر والنهي على ذلك المتعلق، ولا شك أن المتعلق بالشيء متقدم على النسبة العارضة بين الشيء ومتعلقه، وإنما قدم باب المجمل والمبين على النسخ؛ لأن النسخ يطرأ على ما هو ثابت بأحد الوجوه المذكورة، وذكر المصنف في الباب الأول تسعة فصول.

ص: 78

‌الباب الأول: في اللغات

‌الفصل الأول:

قال: "الباب الأول في اللغات وفيه فصول، الفصل الأول: في الوضع لما مست الحاجة إلى التعاون والتعارف، وكان اللفظ أفيد من الإشارة والمثال لعمومه وأيسر؛ لأن الحروف كيفيات تعرض للناس الضروري وضع بإزاء المعاني الذهنية لدورانه معها؛ ليفيد النسب والمركبات دون المعاني المفردة وإلا فيدور" أقول: اللغات عبارة عن الألفاظ الموضوعة للمعاني، فلما كانت دلالة الألفاظ على المعاني مستفادة من وضع الواضع، عقد المصنف هذا الفصل في الوضع وما يتعلق به، فالوضع تخصيص الشيء بالشيء بحيث إذا علم الأول علم الثاني، والذي يتعلق به ستة أشياء أحدها: سبب الوضع، والثاني: الموضوع، والثالث: الموضوع له، والرابع: فائدة الوضع، والخامس: الواضع، والسادس: طريق معرفة الموضوع، وذكرها المصنف في هذا الفصل على هذا الترتيب: الأول: سبب الوضع وأشار إليه بقوله: لما مست الحاجة أي: اشتدت، وتقريره أن الله تعالى خلق الإنسان غير مستقل بمصالح معاشه محتاجا إلى مشاركة غيره من أبناء جنسه لاحتياجه إلى غذاء ولباس ومسكن وسلاح، والواحد لا يتمكن من تعلم هذه الأشياء فضلا من استعمالها؛ لأن كلا منها موقوف على صنائع شتى فلا بد من جمع عظيم ليتعاون بعضهم ببعض، وذلك لا يتم إلا بأن يعرفه ما في نفسه فاحتيج إلى وضع شيء يحصل به التعريف، وعبر المصنف عنه بالتعارف تبعا للحاصل وفيه نظر. قوله:"وكان اللفظ إلى قوله: وضع" شرع يتكلم في الموضوع وهو الثاني من الستة المتقدمة، وحاصله أنه

ص: 78

قد تقرر أن الشخص محتاج إلى تعريف الغير ما في نفسه، والتعريف إما باللفظ، أو بالإشارة كحركة اليد والحاجب، أو بالمثال وهو الجرم الموضوع على شكل الشيء، وكان اللفظ أفيد من الإشارة والمثال وأيسر، أما كونه أفيد؛ فلعمومه من حيث إنه يمكن التعبير به عن الذات والمعنى الموجود والمعدوم والحاضر والغائب والحادث والقديم كالبارئ سبحانه وتعالى ولا يمكن الإشارة إلى المعنى، ولا إلى الغائب والمعدوم، ولا يمكن أيضا وضع مثال لدقائق العلوم، ولا للبارئ سبحانه وتعالى وغير ذلك، قال الإمام: ولأن المثال قد يبقى بعد الحاجة فيقف عليه من لا يريد الوقوف عليه، وأما كونه أيسر فلأنه موافق للأمر الطبيعي؛ لأنه مركب من الحروف الحاصلة من الصوت وذلك إنما يتولد من كيفيات مخصوصة تعرض للنفس عند إخراجه وإخراجه ضروري، فصرف ذلك الأمر الضروري إلى وجه ينتفع به الشخص انتفاعا كليا، فلما كان اللفظ أفيد وأيسر وضع، فقوله: وضع، جواب لما وقوله: يعرض بكسر الراء فقط، قاله الجوهري قال: فإن كان من قولك: عرضت العود على الإناء وشبهه، كسرت أيضا وقد يضم.

واعلم أن الكتابة من جملة الطرق أيضا ولا يصح أن يريدها المصنف بقوله، والمثال لأن تعليله بالعموم يبطله؛ لأن كل ما صح التعبير عنه أمكن كتابته، فلا يكون اللفظ أعم منها فاعرف ذلك.

قوله: "بإزاء المعاني الذهنية" هذا هو الثالث من الأقسام الستة، وهو الموضوع له، وحاصله أن الوضع للشيء فرع عن تصوره فلا بد من استحضار صورة الإنسان مثلا في الذهن عند إرادة الوضع له، وهذه الصورة الذهنية هي التي وضع لها لفظ الإنسان لا الماهية الخارجية، والدليل عليه أنا وجدنا إطلاق اللفظ دائرا مع المعاني الذهنية دون الخارجية ببيانه أنا إذا شاهدنا شيئا فظننا أنه حجر أطلقنا لفظ الحجر عليه، فإذا دنونا منه وظنناه شجرا أطلقنا لفظ الشجر عليه، ثم إذا ظنناه بشرا أطلقنا لفظ البشر عليه، فالمعنى الخارجي لم يتغير مع تغيير اللفظ فدل على أن الوضع ليس له بل للذهني. وأجاب التحصيل عن هذا بأنه إنما دار مع المعاني الذهنية على اعتقاد أنها في الخارج كذلك وهو جواب ظاهر، ويظهر أن يقال: إن اللفظ موضوع بإزاء المعنى من حيث هو، أي: مع قطع النظر عن كونه ذهنيا أو خارجيا، فإن حصول المعنى في الخارج والذهن مع الأوصاف الزائدة على المعنى، واللفظ إنما وضع للمعنى من غير تقييده بوصف زائد، ثم إن الموضوع له قد لا يوجد إلا في الذهن فقط كالعلم ونحوه، وهذه المسألة قد أهملها الآمدي وابن الحاجب، قوله:"ليفيد النسب" شرع يتكلم في فائدة الوضع، وهو الرابع من الأقسام، واللام متعلقة بقوله قبله: وضع، وحاصله أن اللفظ وضع لإفادة النسب بين المفردات كالفاعلية والمفعولية وغيرهما، ولإفادة معاني المركبات من قيام أو قعود، فلفظ زيد مثلا وضع ليستفاد به الإخبار عن مدلوله بالقيام أو غيره، وليس الغرض من الوضع أن يستفاد بالألفاظ معانيها المفردة،

ص: 79

أي: تصور تلك المعاني لأنه يلزم الدور؛ وذلك لأن إفادة الألفاظ المفردة لمعانيها موقوفة على العلم بكونها موضوعة لتلك المسميات، والعلم بكونها موضوعة لتلك المسميات يتوقف على العلم بتلك المسميات، فيكون العلم بالمعاني متقدما على العلم بالوضع، فلو استفدنا العلم بالمعاني من الوضع لكان العلم بها متأخرا عن العلم بالوضع، وهو دور، فإن قيل: هذا بعينه قائم في المركبات؛ لأن المركب لا يفيد مدلوله إلا عند العلم لكونه موضوعا لذلك المدلول، والعلم به يستدعي سبق العلم بذلك المدلول، فلو استفدنا العلم بذلك المدلول من ذلك المركب لزم الدور، وأجاب في المحصول بأنا لا نسلم أن إفادة المركب لمدلوله متوقفة على العلم بكون موضوعا له، بل على العلم بكون الألفاظ المفردة موضوعة للمعاني المفردة، وعلى كون الحركات المخصوصة كالرفع وغيره دالة على المعاني، والمخصوصة، وقد أهمل ابن الحاجب والآمدي هذه المسألة أيضا.

قال: "ولم يثبت تعيين الواضع، والشيخ زعم أن الله تعالى وضعه، ووقف عباده عليه لقوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة: 31] {مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} [النجم: 23] {وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} [الروم: 22] ولأنه لو كانت اصطلاحية لاحتيج في تعليمها إلى اصطلاح آخر ويتسلسل، ولجاز التغيير فيرتفع الأمان عن الشرع. وأجيب بأن الأسماء سمات الأشياء وخصائصها أو ما سبق وضعها والذم للاعتقاد والتوقيف يعارضه الإقدار، والتعليم بالترديد والقرائن كما للأطفال، والتغير لو وقع لاشتهر" أقول: شرع في القسم الخامس، وهو الواضع فنقول: ذهب عباد بن سليمان الصيمري المعتزلي إلى أن اللفظ يفيد المعنى من غير وضع، بل بذاته لما بينهما من المناسبة الطبيعية، هكذا نقله عنه في المحصول، ومقتضى كلام الآمدي في النقل عن القائلين بهذا المذهب أن المناسبة وإن شرطناها لكن لا بد من الوضع، واحتج عباد بأن المناسبة لو انتفت لكان تخصيص الاسم المعين بالمسمى المعين ترجيحا من غير مرجح، والجواب أنه يختص بإرادة الواضع أو بخطوره بالبال، ويدل على فسادها أنها لو كانت ذاتية لما اختلفت باختلاف النواحي ولكان كل إنسان يهتدي إلى كل لغة، ولكان الوضع لضدين محالا وليس بمحال، بدليل القرء للحيض والطهر، والجون للسواد والبياض. وإذا تقرر إبطال مذهب عباد وأنه لا بد من واضع، فقد اختلفوا فيه على مذاهب أحدها: الوقف؛ لأنه يحتمل أن تكون الجميع توقيفية، وأن تكون اصطلاحية، وأن يكون البعض هكذا والبعض هكذا. فإن جميع ذلك ممكن والأدلة متعارضة فوجب التوقف، وهذا مذهب القاضي والإمام وأتباعه ومنهم المصنف، ونقله في المنتخب عن الجمهور، وفي الحاصل عن المحققين، وفي المحصول والتحصيل عن جمهور المحققين. والمذهب الثاني: أنها توقيفية ومعناه أن الله تعالى وضعها ووقفنا عليها -بتشديد القاف- أي: علمنا إياها، وهذا مذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري واختاره ابن الحاجب

ص: 80

والإمام في المحصول في الكلام على القياس في اللغات كما ستعرفه، قال الآمدي: إن كان المطلوب هو اليقين فالحق ما قاله القاضي، وإن كان المطلوب هو الظن وهو الحق، فالحق ما قاله الأشعري لظهور أدلته، واستدل المصنف عليه بالمنقول والمعقول؛ فأما المنقول فثلاثة، الأول: قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة: 31] إلى آخر الآية، على أن آدم لم يضعها ولا الملائكة فتكون توقيفية، أما آدم فلأنه تعلم من الله تعالى، وأما الملائكة فلأنهم تعلموا من المراد بالأسماء إنما هو الألفاظ الموضوعة بإزاء المعاني، وذلك يشمل الأفعال والحروف والأسماء المصطلح عليها؛ لأن الاسم سمي بذلك لأنه سمة أي: علامة على مسماه، والأفعال والحروف كذلك، وأما تخصيص الاسم ببعض الأقسام فإنه عرف النحويين واللغويين، سلمنا أن الاسم بحسب اللغة يختص بهذا القسم لكن التكلم بالأسماء وحدها متعذر، سلمنا أنه غير متعذر لكن ثبت أن الأسماء توقيفية، فيثبت الباقي إذ لا قائل بالفرق. الثاني: أن الله سبحانه وتعالى ذم أقواما على تسميتهم لبعض الأشياء من غير توقيف، فقال:{إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا} فثبت التوقيف في البعض المذموم عليه، ويلزم من ذلك ثبوته في الباقي، وإلا يلزم فساد التعليل بكونه ما أنزله. الثالث: قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ} [الروم: 22] ووجه الدلالة أن الله سبحانه وتعالى قد امتن علينا باختلاف الألسنة وجعله آية، وليس المراد باللسان هو الجارحة اتفاقا؛ لأن الاختلاف فيها قليل، ثم إنه غير ظاهر بخلاف الوجه ونحوه، فتعين أن يكون المراد باللسان هو اللغة مجازا، كما في قوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: 4] وحينئذ فنقول: لولا أنها توقيفية لما امتن عليها بها، وأما لمعقول فأمران أحدهما: أنها لو كانت اصطلاحية لاحتاج الواضع في تعليمها لغيره إلى اصطلاح آخر بينهما، ثم إن ذلك الطريق أيضا لا يفيد لذاته، فلا بد له من اصطلاح آخر، ويلزم التسلسل. واعلم أن هذا التقرير هو الصواب، وهو كما أتى به المصنف، ومن الشارحين من يقرره بتقرير ذكره في المحصول على وجه آخر، فنقلوه إلا ههنا فاجتنبه، نعم هذا الدليل لا يثبت به مذهب الأشعري، وإنما يبطل به مذهب أبي هاشم وأتباعه خاصة فاعرف ذلك. والثاني من المعقول: أن اللغات لو كانت اصطلاحية لجاز التغيير فيها، إذ لا حجر في الاصطلاح وجواز التغيير يؤدي إلى عدم الأمان والوثوق بالأحكام التي في شريعتنا، فإن لفظ الزكاة والإجازة وغيرهما يجوز أن تكون مستعملة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لمعانٍ غير هذه المعاني المعهودة الآن، وقد علمنا من هذا أن فائدة الخلاف في التغيير. قوله:"وأجيب" شرع في الجواب عن أدلة الشيخ الخمسة، فأجاب عن الأول وهو قوله تعالى:{وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة: 31] بوجهين، أحدهما: لا نسلم أن المراد بالأسماء في الآية في اللغات، بل يجوز أن يكون المراد بالأسماء سمات الأشياء وخصائصها كتعليم أن الخيل تصلح للكر والفر، والجمال للحمل، والثيران للزراعة.

ص: 81

فأما تعليم الخواص فواضح، وأما تعليم السمات أي: العلامات فتقريره من وجهين أحدهما: أن هذه الأشياء علامات دالة على تلك الحيوانات، فإنه يعرف بمشاهدة الحرث مثلا كونه من البقر، فإذا علمه هذه الأشياء فقد علمه سمة على الذوات أي: علامة عليها. الثاني: أن الله تعالى علم آدم علامات ما يصلح للكر والفر، وعلامات ما يصلح للحمل، وغير ذلك حتى إذا شاهد صفة ما يصلح للحمل في ذات استعملها في الحمل إذا تقرر هذا، فنقول: يصح إطلاق الاسم على ما ذكرناه؛ لأن الاسم مشتق من السمة أو من السمو، وعلى كل تقدير فكل ما يعرف ماهية ويكشف عن حقيقة يكون اسما؛ لأنه اشتق من السمة، فواضح وإن اشتق من السمو فالعلو أيضا موجود؛ لأن الدليل أعلى من المدلول، وأما تخصيص الاسم باللفظ المصطلح عليه فعرف حادث، والضمير في عرضهم للمسميات لتغليب من يعقل، أي: عرض المسميات على الملائكة وامتحنهم على أسمائها، أي: ألفاظها، كما قال الأشعري: أو صفاتها كما أوله المصنف غيره، وعلى كل حال فليس في المضمر دلالة على شيء مما نحن فيه. الثاني: سلمنا أن الأسماء هي اللغات، لكن يجوز أن تكون تلك الأسماء التي علمها الله تعالى آدم قد وضعتها طائفة خلقهم الله تعالى قبل آدم، فلم قلتم: إنه ليس كذلك؟ وفي المحصول جواب ثالث، وهو أنه يجوز أن يكون المراد من التعليم إلهام الاحتياج إليها وإقدارا على الوضع وفي الأحكام جواب رابع، وهو أن ما تعلمه آدم يجوز أن يكون نسيه ثم اصطلحت أولاده من بعده على هذه اللغات والكلام إنما هو فيها، والجواب عن الثاني وهو الذم في قوله تعالى:{مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} [النجم: 23] : إنا لا نسلم أن الذم على التسمية، بل على إطلاقهم لفظ الإله على الضم، مع اعتقادهم أنها آلهة، إذ اللات والعزى ومناة أعلام على أصنام، فقرينة اختصاصها بالذم دون سائر الأسماء دليل عليه، ولأن هذه أعلام منقولة وليست بمرتجلة، فلا ذم في التسمية لها على القول بالتوقيف كالحارث وشبهه لعدم ارتجالها. والجواب عن الثالث، وهو قوله تعالى:{وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ} [الروم: 22] : أنه إذا انتفى أن يكون المراد الجارحة كما تقدم، وأن المراد إنما هو اللغات مجازا، فليس محل الامتنان على وضعها حتى يلزم التوقيف بأولى من حمله من الإقدار، إما على ضعها أو على النطق بها فكل منهما آية، وحينئذ فالتوقف يعارضه الإقدار فإن قيل: حمله على الوضع أولى؛ لأنه أقل إضمارا قلنا: لا إضمار هنا أصلا فافهمه، بل حاصله أن الامتنان دل بل لازمه على أن البارئ تعالى له تأثير في اللغات، إما بالوضع أو بالإقدار، والجواب عن الرابع: أنا لا نسلم أنها لو كانت اصطلاحية لاحتاج في تعليمها إلى اصطلاح آخر، بل يحصل التعليم بترديد اللفظ، وهو تكراره مرة بعد مرة على القرائن كالإشارة إلى المسمى ونحوها، وبهذا الطريق تعلمت الأطفال، والجواب عن الخامس: أنا لا نسلم ارتفاع الأمان عن الشرع؛ لأن التعبير لو رفع لاشتهر ووصل إلينا؛ لكونه أمرا مهما فعدم

ص: 82

اشتهاره دليل على عدم وقوعه.

قال: "وقال أبو هاشم: الكل مصطلح وإلا فالتوقيف إما بالوحي فتقدم البعثة، وهي متأخرة لقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: 4] أو يخلق علم ضروري في عاقل فيعرفه تعالى ضرورة، فلا يكون مكلفا أو في غيره وهو بعيد، وأجيب بأنه ألهم العاقل بأن واضعا ما وضعها، وإن سلم لم يكن مكلفا بالمعرفة فقط. وقال الأستاذ: ما وقع به التنبيه إلى الاصطلاح توقيفي، والباقي مصطلح" أقول: هذا هو المذهب الثالث الذي ذهب إليه أبو هاشم، وهو أن اللغات كلها اصطلاحية، إذ لو وضعها البارئ تعالى ووقفنا عليها -بتشديد القاف- أي: أعلمنا بها فالتوقيف إما أن يكون بالوحي وهو باطل؛ لأنه يلزم تقدم بعثة الرسل على معرفة اللغات لكن البعثة متأخرة؛ لقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: 4] أو يكون بخلق علم ضروري في عاقل بأن الله تعالى وضعها لهذه المعاني وهو باطل؛ لأنه يلزم منه أن يعرف الله تعالى بالضرورة لا بحصول العلم؛ لأن حصول العلم الضروري بوضع الله تعالى يستلزم العلم الضروري بالله تعالى؛ لأن العلم بصفة الشيء إن كان ضروريا يكون العلم بذاته أولى أن يكون ضروريا، وحينئذ فيلزم أن لا يكون مكلفا بالمعرفة لحصولها، وإذا لم يكن مكلفا بها لم يكن مكلفا مطلقا؛ لأنه لا قائل بالفرق أن يكون بخلق علم ضروري في إنسان غير عاقل، وهو بعيد جدا فإنه يبعد أن يصير غير العاقل عالما بهذه الكيفيات العجيبة، وهذه التركيبات النادرة اللطيفة، فإذا انتفت طرق التوقيف انتفى، وثبت التوقيف، وثبت الاصطلاح، وهذا التقرير هو الصواب على خلاف ما قرره الإمام وأتباعه، فإنهم جعلوه دليلين فلزمهم بطلان دعوى الحصر كما يعرف بالوقوف عليه، فجعله المصنف دليلا واحدا مقسما، فجمع بين الاختصار في اللفظ والانحصار للأقسام، وأجاب المصنف بوجهين، أحدهما: لا يجوز أن يقال: إن الله تعالى ألهم العاقل أي: خلق العلم فيه، بأن واضعا ما وضع هذه الألفاظ بإزاء هذه المعاني، لا أن الله تعالى هو الذي وضع حتى يلزم المحذور، وهو عدم التكليف. الثاني: سلمنا هذا لكن يلزم أن لا يكون مكلفا بالمعرفة فقط؛ لكونه قد عرف وهذا لا استحالة فيه، أما كونه غير مكلف مطلقا فإنه غير لازم، كمن أتى بعبارة دون عبارة.

واعلم أن الأحسن في الجواب ما أجاب به ابن الحاجب، وهو أن يقال: إن الله تعالى علمها آدم ولا يرد عليه شيء مما قاله الخصم، ثم علمها آدم لبنيه، ثم بعثه الله تعالى إليهم بلغتهم، وأحسن من هذا أيضا أن يقال: الوحي قد يكون إلى نبي وهو الذي أُوحي إليه لكن لا للتبليغ، وقد يكون إلى رسول وهو المبعوث لغيره؛ ولهذا قالوا: كل رسول نبي ولا ينعكس، والآية إنما تنفي تعلمها بالوحي إلى رسول فيجوز أن يكون حصل التعليم بالوحي إلى نبي. قوله:"وقال الأستاذ" هذا هو المذهب الرابع اختيار الأستاذ أبي إسحاق الإسفرائيني الشافعي، وهو أن القدر الذي وقع به التنبيه إلى

ص: 83