الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللفظ على المجاز الراجح وهو الحمار وشبهه، فلا كلام أو على نفي الحقيقة وهو مطلق ما دبّ فينتفي الحمار، وأيضا لأنه يلزم من نفي الأعم نفي الأخص، فصار الكلام دالا على نفي المجاز على كل تقدير، فلا يتوقف على القرينة أما الحقيقة المرجوحة فهي منتفية على تقدير دون تقدير، فحسن التوقف وإن كان الكلام في سياق الثبوت كان دالا على ثبوت الحقيقة المرجوحة فإذا قال: في الدار دابة، فإن حملناه على الحقيقة المرجوحة فلا كلام أو المجاز الراجح ثبت أيضا؛ لأنه يلزم من ثبوت الأخص ثبوت الأعم، أما المجاز فثابت على تقدير دون تقدير فيتوقف على القرينة فصارت الصور خمسا: ثلاث تتوقف على القرينة، واثنتان لا تتوقفان. الأمر الثالث: أن التمثيل بالطلاق فيه نظر؛ لأنه صار حقيقة عرفية عامة في حل قيد النكاح، وهي مقدمة على اللغوية كما سيأتي ولا ذكر للمسألة في كتب الآمدي، ولا في كلام ابن الحاجب.
الفرع السادس:
قال: "السادسة: يعدل إلى المجاز لثقل لفظ الحقيقة كالخنفقيق أو لحقارة معناه، كقضاء الحاجة، أو لبلاغة لفظ المجاز، أو لعظمة في معناه كالمجلس، أو لزيادة بيان كالأسد. السابعة: اللفظ قد لا يكون حقيقة ولا مجازا كما في الوضع الأول والأعلام، وقد يكون حقيقة ومجازا باصطلاحين كالدابة. الثامنة: علامة الحقيقة سباق الفهم والعراء عن القرينة، وعلامة المجاز الإطلاق على المستحيل مثل: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] والإعمال في المنسى كالدابة للحمار". أقول: المسألة السادسة في سبب العدول عن الحقيقة إلى المجاز، وهو إما أن يكون بسبب لفظ الحقيقة أو معناها أو بسبب لفظ المجاز أو معناه "فالأول": أن يكون لفظ الحقيقة ثقيلا على اللسان كالخنفقيق، قال الجوهري: وهو الداهية ثم ذكر أعني الجوهري في الكلام على الداهية أن الداهية هو ما يصيب الشخص من نوب الدهر العظيمة، قال: وهو أيضا الجيد الرأي، إذا تقرر هذا فلك أن تعدل عن هذا اللفظ لثقله إلى لفظ آخر بينه وبين المصيبة علاقة كالموت مثلا فيقال: وقع في الموت، وزعم كثير من الشارحين أن المجاز هنا في الانتقال من الخنفقيق إلى الداهية وهو غلط، فإن موضوع الخنفقيق لغة هو الداهية كما نقلناه عن الجوهري. "وأما الثاني" فهو أن يكون معناها حقيرا كقول السائل لسلمان الفارسي: علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة بكسر الخاء المعجمة على وزن الرسالة؟ فقال له سلمان: أجل نهانا عن كذا وكذا، فلما كان معناه حقيرا عدل عنه إلى التعبير بالغائط الذي اسم للمكان المطمئن أي: المنخفض، وبقضاء الحاجة أيضا الذي هو عام في كل شيء، وظن جمع من الشارحين أن الغائط هو الحقيقة، فعدل عنه إلى قضاء الحاجة وهو غلط فاحش أوقعهم فيه صاحب الحاصل، فإنه قد غلط في اختصاره لكلام المحصول. "وأما الثالث" فهو أن يحصل باستعمال لفظ المجاز شيء من أنواع البديع والبلاغة كالمجانسة والمقابلة والسجع ووزن الشعر ولا يحصل بالحقيقة، وفسر بعض الشارحين البلاغة بما يرجع حاصله إلى كونه أقوى وأبلغ في المعنى من الحقيقة، وليس كذلك
فإن القوة قسم آخر سيأتي. "وأما الرابع" فهو أن يكون في المجاز عظمة أي: تعظيم كقولك: سلام على المجلس العالي، فإن فيه تعظيما بخلاف المخاطبة، كقولك: سلام عليك أو يكون فيه زيادة بيان أي: يكون فيه تقوية لما يريده المتكلم كما قاله في المحصول1 كقولك: رأيت أسدا يرمي فإن فيه من المبالغة ما ليس في قولك: رأيت إنسانا يشبه الأسد في الشجاعة، ولا ذكر لهذه المسألة في المنتخب ولا في كتب الآمدي وابن الحاجب. والمسألة السابعة: اللفظ قد لا يكون حقيقة ولا مجازا وذلك في شيئين ذكرهما الإمام والآمدي، أحدهما وعليه اقتصر ابن الحاجب: إذا وضع الواضع لفظا لمعنى ولم يستعمل فيه لما تقدم، لك في حد الحقيقة والمجاز أن كلا منهما هو اللفظ المستعمل، فإذا لم يستعمل لا يكون حقيقة ولا مجازا، وأهمل المصنف هذا القيد، ولا بد منه، وقيده تبعا للإمام بالوضع الأول ليحترز عن المجاز، فإنه موضوع على الصحيح كما تقدم عند ذكر العلاقة، لكن الوضع الحقيقي سابق على الوضع المجازي، ووجه الاحتراز أن المراد من كون المجاز موضوعا أن استعماله يتوقف على اعتبار العرب لتلك العلاقة الحاصلة في ذلك المجاز، إما باستعمالهم له أو لمثله، وإما بتنصيصهم عليه، فلما كان وضعه قد يكون بالاستعمال لم يمكن إطلاق القول بأن الموضوع ليس بحقيقة ولا مجاز، فإن هذا النوع من الوضع مجاز لوجود شرطه فيه. الثاني: الأعلام كثور وأسد وغيرهما فلا يكون حقيقة؛ لأنها ليست بوضع واضع اللغة، ولأنها مستعملة في غير موضوعها الأصلي، ولا مجازا لأنها مستعملة لغير علاقة، وهذا الكلام ضعيف، أما الأول فلأن العرب قد وضعت أعلاما كثيرة وأما الثاني فلأنه إنما يأتي إذا فرعنا على مذهب سيبويه، وهو أن الأعلام كلها منقولة وقد خالفه الجمهور، وقالوا: إنها تنقسم إلى منقولة ومرتجلة، سلمنا لكن ينبغي أن تكون حقيقة عرفية خاصة، وأما الثالث فقد تقدم منعه في المسألة الرابعة. قوله:"وقد يكون" أي: قد يكون اللفظ الواحد بالنسبة إلى المعنى الواحد حقيقة ومجازا، لكن باصطلاحين كإطلاق الدابة على الإنسان مثلا فإنه حقيقة لغوية مجاز عرفي، وقد علمت من هذا ومما قبله أن اللفظ الواحد بالنسبة إلى المعنى الواحد قد يكون حقيقة فقط، أو مجازا فقط، أو حقيقة ومجازا، أو لا حقيقة ولا مجازا. المسألة الثامنة: في علاقة كون اللفظ حقيقة في المعنى المستعمل فيه وهو أمران أحدهما: سبقه إلى أفهام جماعة من أهل اللغة بدون قرينة؛ لأن السامع لو لم يعلم أن الواضع وضعه له لم يسبق فهمه إليه دون غيره، وقد أهمل المصنف التقييد بالقرينة مع أن الإمام وأتباعه ذكروه ولا بد منه ليخرج قولك: رأيت أسدا يرمي بالنشاب ونحوه، فإن قيل: المشترك إذا تجرد عن القرينة لا يسبق إلى الفهم منه شيء مع أنه حقيقة في كل من أفراده، قلنا: العلامة
1 انظر المحصول، ص138، جـ1.