المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الأول: في النسخ - نهاية السول شرح منهاج الوصول

[الإسنوي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمات

- ‌ترجمة البيضاوي صاحب منهاج الوصول إلى علم الأصول

- ‌ترجمة الإسنوي: صاحب نهاية السول شرح منهاج الوصول

- ‌خطبة الكتاب:

- ‌تعريفات:

- ‌الباب الأول في الحكم:

- ‌الفصل الأول: تعريفه

- ‌الفصل الثاني: تقسيماته

- ‌التقسيم الأول:

- ‌التقسيم الثاني:

- ‌التقسيم الثالث:

- ‌التقسيم الرابع:

- ‌التقسيم الخامس:

- ‌التقسيم السادس:

- ‌الفصل الثالث: في أحكام الحكم الشرعي

- ‌المسألة الأولى

- ‌المسألة الثانية:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌المسألة الرابعة:

- ‌المسألة الخامسة:

- ‌المسألة السادسة:

- ‌المسألة السابعة:

- ‌الباب الثاني: فيما لا بد للحكم منه وهو الحاكم والمحكوم عليه وبه

- ‌الفصل الأول: في الحكم

- ‌مدخل

- ‌الفرع الأول:

- ‌الفرع الثاني:

- ‌الفصل الثاني: في المحكوم عليه

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌المسألة الرابعة:

- ‌الفصل الثالث: في المحكوم به

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌الكتاب الأول: في الكتاب والاستدلال به يتوقف على معرفة اللغة

- ‌مدخل

- ‌الباب الأول: في اللغات

- ‌الفصل الأول:

- ‌الفصل الثاني:

- ‌الفصل الثالث

- ‌مدخل

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌الفصل الرابع:

- ‌الفصل الخامس:

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسالة الثانية:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌المسالة الرابعة:

- ‌المسألة الخامسة:

- ‌الفصل السادس

- ‌مدخل

- ‌الفرع الأول:

- ‌الفرع الثاني:

- ‌الفرع الثالث:

- ‌الفرع الرابع:

- ‌الفرع الخامس:

- ‌الفرع السادس:

- ‌الفصل السابع:

- ‌الفصل الثامن:

- ‌الفصل التاسع:

- ‌الباب الثاني: في الأوامر والنواهي

- ‌الفصل الأول: في لفظ الأمر

- ‌الفصل الثاني: في صيغته

- ‌الفصل الثالث: في النواهي

- ‌الباب الثالث: في العموم والخصوص

- ‌الفصل الأول: في العموم

- ‌الفصل الثاني: في الخصوص

- ‌الفصل الثالث: في المخصص

- ‌الباب الرابع: في المجمل والمبين

- ‌الفصل الأول: في المجمل

- ‌الفصل الثاني: في المبين

- ‌الفصل الثالث: في المبين له

- ‌الباب الخامس: في الناسخ والمنسوخ

- ‌الفصل الأول: في النسخ

- ‌الفصل الثاني: في الناسخ والمنسوخ

- ‌خاتمة في النسخ:

- ‌الكتاب الثاني: في السنة

- ‌الباب الأول: الكلام في أفعاله

- ‌الباب الثاني: في الأخبار

- ‌الفصل الأول: فيما علم صدقه

- ‌الفصل الثاني: فيما علم كذبه

- ‌الفصل الثالث: فيما ظن صدقه وهو خبر العدل الواحد

- ‌الكتاب الثالث: في الإجماع

- ‌الباب الأول: في بيان كونه حجة

- ‌الباب الثاني: في أنواع الإجماع

- ‌الباب الثالث: في شرائطه

- ‌الكتاب الرابع: في القياس

- ‌مدخل

- ‌الباب الأول: في بيان أنه حجة

- ‌الباب الثاني: في أركانه

- ‌الفصل الأول: في العلة

- ‌الفصل الثاني: في الأصل والفرع

- ‌الكتاب الخامس: في دلائل اختلف فيها

- ‌الباب الأول: في المقبولة

- ‌الباب الثاني: في المردودة

- ‌الكتاب السادس: في التعادل والتراجيح:

- ‌الباب الأول: في تعادل الأمارتين في نفس الأمر

- ‌الباب الثاني: في الأحكام الكلية للتراجيح

- ‌الباب الثالث: في ترجيح الأخبار

- ‌الباب الرابع: في ترجيح الأقيسة

- ‌الكتاب السابع: في الاجتهاد والإفتاء

- ‌الباب الأول: في الاجتهاد

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: في الاجتهاد

- ‌الفصل الثاني: في حكم الاجتهاد

- ‌الباب الثاني: في الإفتاء

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌الفصل الأول: في النسخ

أبو الحسين البصري إلى أنه يجوز أن يكون أدنى منه، قال في المحصول: وهو الحق، واختار ابن الحاجب أنه لا بد أن يكون أقوى، وهذا الذي اختاره لم يذكره الآمدي، بل اختار تفصيلا لم يذكره أيضا ابن الحاجب، وهو أنه إن كان المبين مجملا كفى في تعيين أحد احتماليه أدنى ما يفيد الترجيح، وإن كان عاما أو مطلقا فلا بد أن يكون المخصص والمقيد في دلالته أقوى من دلالة العام على صورة التخصيص، ومن دلالة المقيد على صورة التقييد؛ لأنه إن كان مساويا لزم الوقف، وإن كان مرجوحا امتنع تقديمه على الراجح، وأما مساواة البيان في الحكم فتأتي إن شاء الله تعالى في الكتاب الثاني في السنة.

ص: 236

‌الباب الخامس: في الناسخ والمنسوخ

‌الفصل الأول: في النسخ

قال: "الباب الخامس: في الناسخ والمنسوخ وفيه فصلان، الأول: في النسخ وهو بيان انتهاء حكم شرعي بطريق شرعي متراخ عنه، وقال القاضي: رفع الحكم ورد بأن الحادث ضد السابق فليس رفعه بأولى من دفعه". أقول: النسخ لغة يطلق على الإزالة، ومنه: نسخت الشمس الظل، وعلى النقل والتحويل، ومنه: نسخت الكتاب أي: نقلته، والمناسخات لانتقال المال من وارث إلى وارث. وهل هو حقيقة في الإزالة مجاز في النقل أو بالعكس أو مشترك بينهما؟ فيه مذاهب حكاها ابن الحاجب من غير ترجيح، ورجح الإمام الأول، وقال: لأن النقل أخص من الزوال، فإن النقل إعدام صفة وإحداث أخرى. وأما الزوال فمطلق الإعدام، وكون اللفظ حقيقة في العام مجازا في الخاص أولى من العكس لتكثير الفائدة، واختلفوا في معناه الاصطلاحي ففسره القاضي برفع الحكم، واختاره الآمدي وابن الحاجب. ومعناه أن خطاب الله تعالى تعلق بالفعل، بحيث لولا سريان الناسخ لكان باقيا، لكن الناسخ رفعه، وفسره الأستاذ ببيان انتهاء حكم آخر، لكن الحصول والانتهاء في الحقيقة راجعان إلى التعلق. والتفسير بالبيان اختاره المصنف، وهو مقتضى اختياره في المحصول، فإنه ذكر في المسألة الثانية أن مقابله خطأ، لكنه اختار في المعالم أن النسخ عبارة عن الانتهاء وحذف لفظة البيان، فقوله: بيان كالجنس، وقوله: انتهاء خرج به بيان المجمل، وقوله: حكم شرعي دخل فيه الأمر وغيره، ودخل فيه أيضا نسخ التلاوة دون الحكم؛ لأن في نسخها بيانا لانتهاء تجويز قراءتها، وخرج به بيان انتهاء الحكم العقلي وهو البراءة الأصلية، فإن بيان انتهائها بابتداء شرعية العبادات ليس بنسخ لأنه ليس بيانا لحكم شرعي، إذ الحكم الشرعي هو خطاب الله تعالى كما تقدم، والبراءة الأصلية ليست كذلك، وقوله: بطريق شرعي خرج به بيان انتهاء حكم شرعي بطريق عقلي كالموت والغفلة والعجز فلا يكون نسخا كما صرح به الإمام هنا، وصرح في الكلام على التخصيص بالأدلة المنفصلة بعكس ذلك، فقال: إن النسخ قد يكون بالعقل ومثل له بسقوط فرض الغسل بسقوط الرجلين، وإنما قال بطريق شرعي ولم يقل بحكم شرعي؛ لأن النسخ قد يكون بغير بدل، ودخل في الطريق للفعل والتقرير والقول سواء كان من الله تعالى أو من رسوله صلى الله عليه وسلم. قوله:"متراخ عنه" خرج به

ص: 236

البيان المتصل بالحكم سواء كان مستقلا كقوله: "لا تقتلوا أهل الذمة" عقب قوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِين} [التوبة: 5] أو غير مستقل كالاستثناء والشرط وغيرهما، وأيضا لو لم يكن الناسخ متراخيا لكان الكلام متهافتا، وفي الحد نظر من وجوه أحدها: أن المنسوخ قد لا يكون حكما شرعيا خبرا كما سياتي. الثاني: أن هذا الحد منطبق على قول العدل: نسخ حكم كذا، مع أنه ليس بنسخ. الثالث: إذا اختلفت الأمة على قولين، فإن المكلف مخير بينهما، ثم إذا أجمعوا على أحدهما فإنه يتعين الأخذ به، وحينئذ فيصدق الحد المذكور عليه، مع أن الإجماع لا ينسخ ولا ينسخ به كما سيأتي. ثم إن النسخ قبل وقت الفعل داخل في حد الرفع، وفي دخوله في حد المصنف نظر، وكذلك التخصيص بالأدلة السمعية المتراخية. قوله:"وقال القاضي: رفع الحكم" أي: رفع حكم شرعي بطريق شرعي متراخ، وقد تقدم معنى الرفع، ورده الإمام بوجوه كثيرة اختار المصنف منها وجها واحدا، وهو أن الحكم الحادث ضد السابق، وليس رفع الحادث السابق بأولى من دفع السابق للحادث، ورفعه ودفعه مصدران مضافان إلى الفاعل، والضميران عائدان على الاسمين المتقدمين وهما الحادث والسابق، الأول للأول والثاني للثاني، ويجوز في الضميرين غير ذلك لكن بمراعاة إضافة المصدر إلى المفعول فإن قيل: بل الحادث أقوى من السابق لأجل حدوثه، قلنا: قال في المحصول: لا نسلم فكما أن الشيء حال حدوثه يمتنع عدمه فالسابق حال بقائه أيضا كذلك؛ لأن كلا من الحادث والسابق لكونه ممكنا يحتاج إلى سبب، ومع السبب يمتنع عدمه، فإذا امتنع العدم عليهما استويا في القوة فيمتنع الرجحان، ولك أن تقول: الحادث أولى بالرفع ولولا ذلك لامتنع تأثير العلة التامة في معلولها، وأيضا فإن القاضي لم يصرح بأن الرافع هو الحكم الحادث، فقد يكون الرافع عنده هو الإرادة. قال:"وفيه مسائل؛ الأولى: أنه واقع وأحاله اليهود. لنا أن حكمه إن تبع المصالح فيتغير بتغيرها وإلا فله أن يفعل كيف شاء، وأن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ثبتت بالدليل القاطع، وقد نقل قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} [البقرة: 106] وأن آدم عليه السلام كان يزوج بناته من بنيه والآن محرم اتفاقا قيل: الفصل الواحد لا يحسن ويقبح قلنا: منبي على فاسد ومع هذا فيحتمل أن يحسن لواحد أو في وقت، ويقبح لآخر أو وقت آخر". أقول: النسخ جائز عقلا، وواقع سمعا خلافا لبعض المسلمين، وافترقت اليهود على ثلاث فرق كما قال ابن برهان والآمدي وغيرهما، فالشمعونية منعوه عقلا وسمعا، والعناية منعوه سمعا فقط، والعيسوية قالوا بجوازه ووقوعه، وأن محمدا لم ينسخ شريعة موسى بل بعث إلى بني إسماعيل دون بني إسرائيل، وفي الكتاب والمعالم أن اليهود مطلقا أحالته، وليس كذلك. قوله:"لنا" أي: الدليل على ما قلناه من ثلاثة أوجه، الأول وهو دليل على الجواز فقط: أن حكم الله تعالى إن تبع المصالح كما هو مذهب المعتزلة فيلزم أن يتغير بتغيرها، فإنها تقطع بأن المصلحة قد تتغير بحسب الأوقات كما تتغير بحسب

ص: 237

الأشخاص، وإن يتبعها فله تعالى أن يفعل كيف يشاء ويحكم كيف يريد. الثاني: أن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ثبتت بالدليل القاطع وهو المعجزة، وقد نقل لنا عن الله تعالى أنه قال:{مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} [البقرة: 106] أي: نؤخرها {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} ووجه الدلالة أن الاستدلال بالقرآن متوقف على ثبوت نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وفي كون نبوته ناسخة لما قبلها، أو مخصصة قولان للعلماء، وحينئذ فنقول: نبوته عليه الصلاة والسلام إن توقفت على النسخ فقد حصل المدعي، وإن لم تتوقف عليه فالآية التي نقلها تدل على جواز النسخ. قال الإمام في تفسيره: وهذا الاستدلال ضعيف؛ لأن قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} جملة شرطية معناها: إن ننسخ نأت وصدق الملازمة بين الشيئين لا يقتضي وقوع أحدهما، ولا صحة وقوعه. ومنه قوله تعالى:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ} [الأنبياء: 22] الآية، واستدرك صاحب التحصيل على كلامه في المحصول بكلامه في التفسير. وقد يقال: سبب النزول يدل على الوقوع، فإن سببه على ما نقله الزمخشري وغيره أن الكفار طعنوا فقالوا: إن محمدا يأمر بالشيء ثم ينهى عنه، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فإن قيل: صحة الآية والاستدلال بها يتوقفان على صحة النسخ، فلو أثبتنا صحة النسخ بالآية لكان يلزم الدور، قلنا: لا نسلم بل الاستدلال بها متوقف على صحة النبوة. الدليل الثالث ولم يذكره في الحاصل: أن آدم عليه السلام كان يزوج الأخت من الأخ اتفاقا وهو الآن محرم اتفاقا. هكذا قرره الإمام وفيه نظر من وجهين أحدهما: لا نسلم أن التزويج كان بوحي من الله تعالى بل يجوز أن يكون يقتضي الإباحة الأصلية، ورفعها ليس بنسخ كما قدمناه. الثاني ما ذكره في المحصول: وهو أنه يجوز أن يكون قد شرع ذلك لآدم وبنيه إلى غاية معلومة وهي ظهور شريعة أخرى أو كثرة النسل أو غير ذلك، وقد تقدم أن هذا لا يكون نسخا. ونقل الآمدي وابن الحاجب وغيرهما عن التوراة أن فيها الأمر بالتزويج، فعلى هذا يسقط الاعتراض الأول. قوله:"قيل: الفعل الواحد" أي: استدل المانع بأن الأمر بالشيء يقتضي أن يكون حسنا والنهي عنه يقتضي أن يكون قبيحا، والفعل الواحد لا يكون حسنا وقبيحا لاستحالة اجتماع الضدين، فلا يكون مأمورا به منهيا عنه. وأجاب المصنف بأن هذا مبني على فاسد، وهو التحسين والتقبيح العقلي فيكون أيضا فاسدا، ومع هذا أي: ومع تسليم هذه القاعدة فلا استحالة، إذ يحتمل أن يحسن الفعل لشخص ويقبح لشخص آخر، أو يحسن الفعل في وقت ويقبح في وقت آخر كما تقدم. قال: "الثانية: يجوز نسخ بعض القرآن ببعض، ومنع أبو مسلم الأصفهاني. لنا أن قوله تعالى:{مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ} [البقرة: 240] نُسخت بقوله تعالى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] قال: قد تعتد الحامل به، قلنا: لا بل بالحمل وخصوصية السنة لاغٍ. وأيضا تقديم الصدقة على نجوى الرسول وجب بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} [المجادلة: 12] ثم نُسخ قال: زال لزوال سببه وهو التمييز بين

ص: 238

المنافق وغيره، وقلنا: زال كيف كان. احتج المانع بقوله تعالى: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت: 42] قلنا: "الضمير للمجموع". أقول: لا يجوز نسخ جميع القرآن اتفاقا كما قاله في الحاصل وأشار إليه المصنف في آخر المسألة، ويجوز نسخ بعضه خلافا لأبي مسلم الأصفهاني كما نقله عنه الإمام وأتباعه، ونقل عنه الآمدي وأتباعه كابن الحاجب أنه منع وقوع النسخ مطلقا، وأبو مسلم هذا هو الملقب بالجاحظ كما قاله ابن التلمساني في شرح المعالم، واسم أبيه على ما قاله في المحصول: بحر وفي المنتخب: عمر واللمع: يحيى، واستدل المصنف بوجهين، أحدهما: أن الله تعالى أمر التي توفي عنها زوجها بالاعتداد بحول، فقال تعالى:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ} [البقرة: 240] ثم نسخ ذلك بقوله: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] . اعترض أبو مسلم فقال: الاعتداد بالحول لم ينسخ بل خصص؛ وذلك لأن الحمل قد يمكث حولا فتعتد الحامل به، والجواب عنه أنا لا نسلم أن الحامل تعتد بالسنة بل إنما تعتد بوضع الحمل سواء حصل لسنة أو أقل أو أكثر، وخصوصية السنة لاغ ولا اعتبارية. الثاني: أنه تعالى أوجب على من أراد أن يناجي الرسول تقديم صدقة فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} [المجادلة: 12] وبقوله تعالى: {فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} [المجادلة: 13] الآية، قال أبو مسلم: إنما زال ذلك لزوال سبب الإيجاب وهو التمييز بين المنافق وغيره، إذ المؤمن يمتثل والمنافق يخالف، فلما حصل التمييز سقط الوجوب، وأجاب المصنف تبعا للحاصل بأن المدعي زوال الوجوب بعد ثبوته سواء كان لزوال سببه أو لم يكن؛ لأنه معنى النسخ وقد ثبت ذلك هنا، وهذا الجواب مردود لأمور، منها أنه متناقض لما ذكره بعد ذلك فإنه استدل على أن الإجماع لا ينسخ القياس بقوله، وأما القياس فلزواله بزوال شرطه فاقتضى أن هذا ليس بنسخ. الثاني: أن ما زال بزوال علة يمكن عودها لا يقال فيه: إنه منسوخ بل مشروعيته باقية حتى يعود عند عود العلة، الثابت أنه إن أراد التمييز للنبي صلى الله عليه وسلم فهو باطل؛ لأنه كان يعلم أعيانهم حتى سماهم لصاحب سره حذيفة بن اليمان كما دلت عليه الأحاديث. وإن أراد التمييز للصحابة فدعوى زواله عنهم ممنوع بل استمر إلى وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأجاب الإمام بأنه لو نسخ كما قال لكان من لم يتصدق منافقا وهو باطل؛ فقد روي أنه لم يتصدق غير علي رضي الله عنه وفيه نظر، فإن عدم الصدقة قد يكون لعدم النجوى. قوله: احتج أبو مسلم على المنع بقوله تعالى: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت: 42] فلو نسخ بعضه لتطرف إليه البطلان، وأجاب المصنف تبعا للحاصل بأن الضمير لمجموع القرآن، ومجموع القرآن لا ينسخ اتفاقا، وأجاب في المحصول بأن المراد أن هذا الكتاب لم يتقدمه من كتب الله ما يبطله ولا يأتيه من بعده ما يبطله، وأجاب غيرهما بأن النسخ إبطال لا باطل فإن

ص: 239

الباطل ضد الحق. قال: "الثالثة: يجوز نسخ الوجوب قبل العمل خلافا للمعتزلة. لنا أن إبراهيم عليه السلام أمر بذبح ولده بدليل قوله تعالى: {افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} [الصافات: 102] {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ} [الصافات: 106] {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] فنسخ قبله قيل: تلك بناء على ظنه، قلنا: لا يخطئ ظنه، قلنا: إنه امتثل وإنه قطع فوصل، قلنا: لو كان كذلك لم يحتج إلى الفداء قيل: الواحد بالواحد لا يؤمر وينهى، قلنا: يجوز للابتلاء". أقول: نسخ الوجوب قبل العمل جائز عندنا كما إذا قال الشارع: صل بعد الغروب ركعتين ثم قال صحوة لا تصل. وخالف فيه المعتزلة وبعض الفقهاء، وتعبير المصنف بقوله: قبل العمل يقتضي أنه لا فرق في الخلاف بين الوقت وما قبله وما بعده، فأما قبل الوقت أو بعد دخوله، ولكن قبل مضي زمن يسعه فمسلم، وفي معناه أيضا ما إذا لم يكن له وقت معين ولكن أمر به على الفور ثم نسخ قبل التمكين، نعم في جريان الخلاف بعد الشروع نظر يحتاج إلى نقل، وأما الصورة الثانية وهي ما بعد خروج الوقت فليس يحل الخلاف بل جزم ابن الحاجب بأنه لا يجوز، واقتضى كلامه الاتفاق عليه، وصرح في الأحكام في أول المسألة بالجواز، وأنه لا خلاف فيه، وهذا إنما يأتي إذا صرح بوجوب القضاء أوقلنا: الأمر بالأداء يستلزمه، وأما الصورة الثالثة وهي ما إذا وقع النسخ في الوقت لكن بعد التمكن من فعله فمقتضى كلام المصنف جريان الخلاف أيضا، وهو مقتضى كلام ابن الحاجب في أثناء الاستدلال وليس كذلك؛ فقد صرح الآمدي في الأحكام في أثناء الاستدلال بأن هذا جائز بلا خلاف وإنما الخلاف قبل التمكن. وصرح به أيضا ابن برهان في الوجيز وإمام الحرمين في البرهان فقال: والغرض من المسألة أنه إذا فرض ورود الأمر بشيء، فهل يجوز أن ينسخ قبل أن يمضي وقت اتصال الأمر به زمن يسع الفعل المأمور به؟ وعبارة المحصول والحاصل هل يجوز نسخ الشيء قبل مجئ الوقت؟ وعبارة التحصيل والأحكام وابن الحاجب قبل الوقت، ثم إن المسألة ليست خاصة بالوجوب بل غيره كذلك أيضا. لا جرم عبر في المحصول بالشيء كما تقدم نقله عنه. قوله:"لنا" أي الدليل على الجواز أن إبراهيم عليه السلام أمره الله تعالى أن يذبح ولده ثم نسخ ذلك قبل الفعل وهذا الولد قال في المحصول: إنه إسماعيل وقال جماعة: إنه إسحاق، وصححه القرافي فأما كونه أمر بالذبح فلثلاثة أوجه أحدها: قوله تعالى حكاية عن ولده: {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} [الصافات: 102] الآية جوابا لقوله: {يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} [الصافات: 102] . الثاني: قوله تعالى حكاية عن إبراهيم: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ} [الصافات: 106] . الثالث: قوله تعالى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] فلو لم يكن الذبح مأمورا به لما كان فيه بلاء ولم يحتج إلى الفداء، وأما كونه نسخ قبله فلأنه لو لم ينسخ لذبح، لكنه لم يذبح، ولم يستدل عليه المصنف لوضوحه. اعترض الخصم بأمرين أحدهما وهو اعتراض على المقدمة

ص: 240

الأولى: أنا لا نسلم أنه كان مأمورا بالذبح، وإنما كان مأمورًا بالمقدمات، فظن أنه مأمور بالذبح، وتلك الأمور تمسكتم بها من قوله:{افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} وقوله: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ} وحصول الفداء إنما هو بناء على ظنه أنه مأمور، وأجاب المصنف تبعا للحاصل بأن ظنون الأنبياء مطابقة يستحيل فيها الخطأ لا سيما في ارتكاب هذا الأمر العظيم. الثاني وهو اعتراض على المقدمة الثانية: لا نسلم أن الوجوب نسخ قبل الفعل، فإن إبراهيم قد امتثل، ولكنه كان كلما قطع شيئا وصله الله تعالى، والجواب أنه لو كان كما ذكرتم لم يحتج إلى الفداء، فإن الفداء بدل والبدل إنما يحتاج إليه إذا لم يوجد المبدول. وقوله:"قيل الواحد" أي عارضنا الخصم فاستدل بأنه لو جاز أن يرد الأمر بشيء في وقت، ثم يرد النهي عن فعله في ذلك الوقت لكان الشخص الواحد بالفعل الواحد في الوقت مأمورا به منهيا عنه وهو محال. وأجاب المصنف بانه إنما يكون محالا إذا كان الغرض حصول الفعل، وأما إذا كان المقصود هو ابتلاء المأمور أي: اختباره وامتحانه فيجوز، فإن السيد قد يقول لعبده: اذهب غدا إلى موضع كذا راجلا، وهو لا يريد الفعل بل يريد امتحانه ورياضته، ثم يقول له: لا تذهب، وأجاب ابن الحاجب أيضا بأن الأمر والنهي لم يجتمعا في وقت واحد، بل بورود النهي انقطع تعلق الأمر كانقطاعه بالموت. قال:"الرابعة: يجوز النسخ بلا بدل أو ببدل أثقل منه كنسخ وجوب تقديم الصدقة على النجوى، والكف عن الكفار بالقتال، استدل بقوله تعالى: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا} [البقرة: 106] قلنا: ربما يكون عدم الحكم الأثقل خيرا. الخامسة: ينسخ الحكم دون التلاوة مثل قوله تعالى: {مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ} [البقرة: 240] الآية وبالعكس مثل ما نقل: "الشيخ الشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة" وينسخان معا كما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "كان فيما أنزل الله عشر رضعات محرمات فنسخن بخمس" 1. السادسة: يجوز نسخ الخبر المستقبل خلافا لأبي هاشم. لنا أنه يحتمل أن يقال: لأعاقبن الزاني أبدا، ثم يقال: أردت سنة قيل: يوهم الكذب، قلنا: ونسخ الأمر يوهم البداء". أقول: ذهب الشافعي إلى أن النسخ لا بد له من بدل فقال في الرسالة ما نصه: وليس بنسخ فرض أبدًا، إلا إذا أثبت مكانه فرض، هذا لفظه بحروفه. وذهب أيضا على ما حكاه عنه ابن برهان في الوجيز والأوسط إلى أنه لا يجوز النسخ إلى بدل هو أثقل إلى المنسوخ، وذهب الجمهور ومنهم الإمام والآمدي وأتباعهما إلى جواز الأمرين، أما الأول فلأن تقديم الصدقة على نجوى الرسول كان واجبا ثم نسخ بلا بدل. وأما الثاني فلأن الكف عن الكفار كان واجبا أي: كان قتالهم حراما لقوله تعالى: {دَعْ أَذَاهُمْ} [الأحزاب: 48] ونحوه ثم نسخ بإيجاب القتل مع التشديد فيه كثبات الواحد للعشرة وذلك أثقل من الكف. واستدل الخصم على منعهما بقوله

1 أخرجه النسائي في سننه "6/ 100".

ص: 241

تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106] ودلت الآية على أنه لا بد من الإتيان بحكم هو خير من المنسوخ أو مثله، فدل على المدعي؛ أما الأول فواضح وأما الثاني فلأن الأثقل والأشق لا يكون خيرا للمكلف، وجوابه أن عدم الحكم قد يكون خيرا للمكلف من إثباته للمكلف في ذلك الوقت لمصلحة، وقد يكون الأثقل أيضا خيرا له باعتبار زيادة الثواب وأجاب في المحصول أيضا بأن نسخ الآية معناه نسخ لفظها؛ ولهذا قال:{نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا} . وقال ابن الحاجب: ولئن سلمنا فمدلول الآية لم يقع، فأين نفي الجواز؟ المسألة الخامسة: يجوز نسخ الحكم دون التلاوة كنسخ الاعتداد بالحول من قوله تعالى: {مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ} وبالعكس كما روى الشافعي والترمذي وغيرهما عن عمر أنه قال: ومما أنزل الله تعالى في كتابه: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة" وذكر البخاري ومسلم قريبا منه أيضا، والمراد بالشيخ والشيخة المحصن والمحصنة، ويجوز نسخهما معا لما روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن فنسخن بخمس، ولا يتم بما نقله المصنف عن عائشة وهو مطلق الإنزال، بل لا بد أن ينضم إليه كونه من القرآن كما قررناه لأن السنة أيضا منزلة. المسألة السادسة: لا نزاع في نسخ تلاوة الخبر ونسخ تكليفنا بالإخبار به. قال الآمدي: إلا إذا كان نسخه يوجب الإخبار بنقيضه وهو مما لا يحتمل التغير، كحدوث العالم "فإن المعتزلة تمنعه؛ لأن التكليف بالكذب قبيح، وعقلا عندنا أنه يجوز". وأما نسخ مدلول الخبر أي: إخراج بعض الأزمنة الداخلة فيه لا رفعه بالكلية كما نبه عليه في المحصول، فهو مسألة الكتاب، وحاصلها أنه إن كان مما لا يتغير فلا يجوز اتفاقا كما قاله الإمام والآمدي ولم يستثنه المصنف، وأما الذي يتغير فقال الإمام والآمدي: يجوز نسخه مطلقا، قالا: سواء كان ماضيا أو مستقبلا، أو وعدا أو وعيدا، وقال ابن الحاجب: لا يجوز مطلقا ونقله في المحصول عن أكثر المتقدمين، وفي الكتاب والحاصل عن أبي هاشم فقط، وقال المصنف: إن كان مدلوله مستقبلا جاز وإلا فلا، وهذا المذهب نقله الآمدي ولم ينقله الإمام ولا ابن الحاجب. ثم محل الخلاف كما قال ابن برهان في الوجيز إذا لم يكن الخبر معناه الأمر، فإن كان كقوله تعالى:{لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] جاز بلا خلاف وتبعه عليه ابن الحاجب، وصرح في المحصول وغيره بأن الخلاف يجري فيه وإن تضمن حكما شرعيا، ثم استدل المصنف على مذهبه بأنه يصح عقلا أن يقال: لأعاقبن الزاني أبدا، ثم يقال: أردت سنة واحدة، ولا معنى للنسخ إلا ذلك، فإن النسخ إخراج بعض الزمان وهو موجود هنا، واستدل المانع بأن نسخه يوهم الكذب؛ لأن المتبادر منه إلى فهم السامع إنما هو استيعاب المدة المخبر بها وإيهام القبيح قبيح، وجوابه أن نسخ الأمر أيضا يوهم البداء، وهو ظهور الشيء بعد خفائه، فلو امتنع نسخ ذلك الإيهام لامتنع ذلك أيضا.

ص: 242