المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الاصطلاح توقيفي، فإنه لو كان اصطلاحيا في تعليمه إلى اصطلاح - نهاية السول شرح منهاج الوصول

[الإسنوي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمات

- ‌ترجمة البيضاوي صاحب منهاج الوصول إلى علم الأصول

- ‌ترجمة الإسنوي: صاحب نهاية السول شرح منهاج الوصول

- ‌خطبة الكتاب:

- ‌تعريفات:

- ‌الباب الأول في الحكم:

- ‌الفصل الأول: تعريفه

- ‌الفصل الثاني: تقسيماته

- ‌التقسيم الأول:

- ‌التقسيم الثاني:

- ‌التقسيم الثالث:

- ‌التقسيم الرابع:

- ‌التقسيم الخامس:

- ‌التقسيم السادس:

- ‌الفصل الثالث: في أحكام الحكم الشرعي

- ‌المسألة الأولى

- ‌المسألة الثانية:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌المسألة الرابعة:

- ‌المسألة الخامسة:

- ‌المسألة السادسة:

- ‌المسألة السابعة:

- ‌الباب الثاني: فيما لا بد للحكم منه وهو الحاكم والمحكوم عليه وبه

- ‌الفصل الأول: في الحكم

- ‌مدخل

- ‌الفرع الأول:

- ‌الفرع الثاني:

- ‌الفصل الثاني: في المحكوم عليه

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌المسألة الرابعة:

- ‌الفصل الثالث: في المحكوم به

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌الكتاب الأول: في الكتاب والاستدلال به يتوقف على معرفة اللغة

- ‌مدخل

- ‌الباب الأول: في اللغات

- ‌الفصل الأول:

- ‌الفصل الثاني:

- ‌الفصل الثالث

- ‌مدخل

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌الفصل الرابع:

- ‌الفصل الخامس:

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسالة الثانية:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌المسالة الرابعة:

- ‌المسألة الخامسة:

- ‌الفصل السادس

- ‌مدخل

- ‌الفرع الأول:

- ‌الفرع الثاني:

- ‌الفرع الثالث:

- ‌الفرع الرابع:

- ‌الفرع الخامس:

- ‌الفرع السادس:

- ‌الفصل السابع:

- ‌الفصل الثامن:

- ‌الفصل التاسع:

- ‌الباب الثاني: في الأوامر والنواهي

- ‌الفصل الأول: في لفظ الأمر

- ‌الفصل الثاني: في صيغته

- ‌الفصل الثالث: في النواهي

- ‌الباب الثالث: في العموم والخصوص

- ‌الفصل الأول: في العموم

- ‌الفصل الثاني: في الخصوص

- ‌الفصل الثالث: في المخصص

- ‌الباب الرابع: في المجمل والمبين

- ‌الفصل الأول: في المجمل

- ‌الفصل الثاني: في المبين

- ‌الفصل الثالث: في المبين له

- ‌الباب الخامس: في الناسخ والمنسوخ

- ‌الفصل الأول: في النسخ

- ‌الفصل الثاني: في الناسخ والمنسوخ

- ‌خاتمة في النسخ:

- ‌الكتاب الثاني: في السنة

- ‌الباب الأول: الكلام في أفعاله

- ‌الباب الثاني: في الأخبار

- ‌الفصل الأول: فيما علم صدقه

- ‌الفصل الثاني: فيما علم كذبه

- ‌الفصل الثالث: فيما ظن صدقه وهو خبر العدل الواحد

- ‌الكتاب الثالث: في الإجماع

- ‌الباب الأول: في بيان كونه حجة

- ‌الباب الثاني: في أنواع الإجماع

- ‌الباب الثالث: في شرائطه

- ‌الكتاب الرابع: في القياس

- ‌مدخل

- ‌الباب الأول: في بيان أنه حجة

- ‌الباب الثاني: في أركانه

- ‌الفصل الأول: في العلة

- ‌الفصل الثاني: في الأصل والفرع

- ‌الكتاب الخامس: في دلائل اختلف فيها

- ‌الباب الأول: في المقبولة

- ‌الباب الثاني: في المردودة

- ‌الكتاب السادس: في التعادل والتراجيح:

- ‌الباب الأول: في تعادل الأمارتين في نفس الأمر

- ‌الباب الثاني: في الأحكام الكلية للتراجيح

- ‌الباب الثالث: في ترجيح الأخبار

- ‌الباب الرابع: في ترجيح الأقيسة

- ‌الكتاب السابع: في الاجتهاد والإفتاء

- ‌الباب الأول: في الاجتهاد

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: في الاجتهاد

- ‌الفصل الثاني: في حكم الاجتهاد

- ‌الباب الثاني: في الإفتاء

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: الاصطلاح توقيفي، فإنه لو كان اصطلاحيا في تعليمه إلى اصطلاح

الاصطلاح توقيفي، فإنه لو كان اصطلاحيا في تعليمه إلى اصطلاح آخر وتسلسل كما قلناه، وأما الباقي فيكون اصطلاحيا، وهكذا قاله الإمام لما تكلم على تفصيل المذاهب، فتابعه المصنف لكنه نقل عنه عند الاستدلال عليه أن الباقي يحتمل أن يكون اصطلاحيا، وأن يكون توقيفيا وهو الذي نقله عنه ابن برهان والآمدي وصاحب التحصيل وابن الحاجب وغيرهم، فعلى هذا يكون مذهبه مركبا من الوقف والتوقيف، وفي المسألة قول خامس: أن ابتداء اللغات اصطلاحي والباقي محتمل، كذا في المحصول والتحصيل، لكن في المنتخب والحاصل الجزم بأن الباقي توقيفي.

قال: "وطريق معرفتها النقل المتواتر أو الآحاد واستنباط العقل من النقل كما إذا نقل أن الجمع المعرف بالألف واللام يدخله الاستثناء، وأنه إخراج بعض ما تناوله اللفظ فيحكم بعمومه، وأما العقل الصرف فلا يجدي" أقول: هذا هو القسم السادس وهو الطريق إلى معرفة اللغات، ويعرف بثلاثة أمور، أحدها: بالنقل المتواتر كالسماء والأرض والحر والبرد ونحوها مما لا يقبل التشكيك. الثاني: الآحاد كالقرء ونحوه من الألفاظ العربية، قال في المحصول: وأكثر ألفاظ القرآن من الأول وذكر الآمدي نحوه. الثالث، ولم يذكره الآمدي ولا ابن الحاجب: استنباط العقل من النقل كما إذا نقل إلينا أن الجمع المعرف يدخله الاستثناء، ونقل إلينا الاستثناء إخراج ما يتناوله اللفظ فيحكم العقل بواسطة هاتين المقدمتين أن الجمع المعرف للعموم، وأما العقل الصرف بكسر الصاد أي: الخالص، فلا يجدي أي: فلا ينفع، في معرفة اللغات؛ لأن العقل إنما يستقل بوجوب الواجبات وجواز الجائزات واستحالة المستحيلات، وأما وقوع أحد الجائزين فلا يهتدي إليه، واللغات من هذا القبيل لأنها متوقفة على الوضع.

ص: 84

‌الفصل الثاني:

قال: "الفصل الثاني في تقسيم الألفاظ: دلالة اللفظ على إتمام مسماه مطابقة، وعلى جزئه تضمن، وعلى لازمه الذهني التزام" أقول: لما فرغ من الكلام على وضع اللفظ وما يتعلق به، شرع في تقسيمه وذلك من وجوه، وقدم تقسيم الألفاظ باعتبار دلالتها؛ لأن التقسيمات كلها متفرعة على الدلالة وإنما قلنا: إن تقسيم الدلالة تقسيم للألفاظ؛ لأن كلامه في الدلالة اللفظية ويلزم من تقسيم الدلالة اللفظية إلى الثلاثة تقسيم اللفظ الدال بالضرورة، فاندفع سؤال من قال: كلام المصنف في تقسيم الألفاظ فكيف انتقل إلى تقسيم الدلالة، ثم إن الدلالة معنى عارض للشيء بالقياس إلى غيره ومعناها كون الشيء يلزم من فهمه فهم شيء آخر وهي إما لفظية أو غير لفظية، فغير اللفظية قد تكون وضعية كدلالة الذراع على المقدر المعين وغروب الشمس على وجوب الصلاة وقد تكون عقلية كدلالة وجود المسبب على وجود سببه، وليس الكلام في هذين القسمين بل في اللفظية؛ فلذلك احترز المصنف عنها بقوله: دلالة اللفظ، ثم إن اللفظية تنقسم إلى ثلاثة أقسام: إما عقلية كدلالة المقدمتين على النتيجة ودلالة اللفظ على وجود اللافظ وحياته، وإما طبيعية كدلالة اللفظ الخارج عند السعال على وجع الصدر، وإما

ص: 84

وضعية وهي المقصودة ههنا، فكان ينبغي أن يقول: دلالة اللفظ الوضعية على أن الإمام قال: إن دلالة المطابقة وحدها وضعية، وأما التضمن والالتزام فعقليتان، وتعريف هذه الدلالة التي يريدها المصنف هو كون اللفظ إذا أطلق فهم منه المعنى من كان عالما بالوضع، وإن شئت قلت: فهم السامع من الكلام تمام المسمى أو جزأه أو لازمه، وقسمها المصنف إلى ثلاثة أقسام أحدها: المطابقة وهي دلالة اللفظ على تمام مسماه كدلالة الإنسان على الحيوان الناطق، وسمي بذلك؛ لأن اللفظ طابق معناه. الثاني: دلالة التضمن وهي دلالة اللفظ على جزء المسمى كدلالة الإنسان على الحيوان فقط، أو على الناطق فقط، وسمي بذلك لتضمنه إياه. الثالث: دلالة الالتزام وهي دلالة اللفظ على لازمه كدلالة الأسد على الشجاعة، وإنما يتصور ذلك في اللازم الذهني وهو الذي ينتقل الذهن إليه عند سماع اللفظ سواء كان لازما في الخارج أيضا كالسرير والارتفاع أم كالعمى والبصر، وكدلالة زيد على عمر، وإذا كانا مجتمعين غالبا ولا يأتي ذلك في اللازم الخارجي فقط، كالسرير مع الإمكان، فإنه إذا لم ينتقل الذهن إليه لم تحصل الدلالة البتة، ومن هذا يعلم أن قوله: وعلى لازمه الذهني التزام غير مستقيم؛ لأن هذا يوهم وجود الدلالة مع اللازم الخارجي وهو باطل. قال في المحصول: وهذا اللزوم شرط لا موجب، يعني أن اللزوم بمجرده ليس هو السبب في حصول دلالة الالتزام، بل السبب هو إطلاق اللفظ واللزوم شرط، وهذا التقسيم يعرف منه حد كل واحد منها، وفيه من وجوه منها: أن اللفظ جنس بعيد لإطلاقه على المستعمل والمهمل، وهو مجتنب في الحدود، فكان ينبغي أن يقول: دلالة للقول، ومنها: أن التمام لا يكون إلا فيما له أجزاء، وحينئذ فيرد عليه دلالة اللفظ الموضوع لمعنى لا جزء له كالجوهر الفرد، والآن والنقطة، وكلفظ الله سبحانه وتعالى. ومنها: أنه ينبغي أن يقول من حيث هو تمامه، وفي التضمن من حيث هو جزء، وفي الالتزام من حيث هو لازمه؛ ليحترز به عن اللفظ المشترك بين الشيء وجزئه، كوضع الممكن العام والخاص ما ستعرفه في الاشتراك، وكذلك وضع مصر للإقليم الخاص وللبلدة المعروفة، وعن المشترك بين الشيء ولازمه كالشمس في الكوكب مع لازمه وهو الضوء، فإن دلالة مصر مثلا على البلد المعروف إنما تكون بالمطابقة من حيث إنها تمام المسمى لا من حيث إنها جزؤه، فإن دلالتها من هذه الحيثية دلالة التضمن وكذلك القول في دلالة التضمن والالتزام على أن الإمام أتى بهذا القيد في التضمن والالتزام فقط، ويلزمه ذلك في الباقي، وهكذا فعل صاحب التحصيل، لكن حذفها صاحب الحاصل ثم المصنف من الجميع؛ اكتفاء بقرينة التمام والجزئية واللازمية، واتباعا للمتقدمين، فإنه لم يذكره أحد قبل الإمام كما قاله القرافي، ومنها: أن انحصار الدلالة الوضعية في الثلاثة يرد عليه سؤال قوي أورده بعضهم، وتقريره موقوف على مقدمة وهي الفرق بين الكلي والكلية والكل، والجزئي والجزئية والجزء، فأما الكلي فهو الذي يشترك في مفهومه كثيرون

ص: 85

كالإنسان، والجزئي مقابله كزيد وسيأتي ذلك، وأما الكلية فهو الحكم على كل فرد بحيث لا يبقى فرد من الأفراد كقولنا: رجل يشبعه رغيفان غالبا، وتقابله الجزئية وهو الحكم على بعض أفراد حقيقة من غير تعيين كقولنا: بعض الحيوان إنسان، وأما الكلي فهو الحكم على المجموع من حيث هو مجموع كأسماء العدد وكقولنا: كل رجل يحمل الصخرة العظيمة، فهذا صادق باعتبار الكل دون الكلية، ويقابله الجزء وهو ما تركب منه ومن غيره كل، كالخمسة مع العشرة إذا علمت ذلك فنقول: صيغة العموم مسماها كلية ودلالتها على فرد منه كدلالة المشركين على زيد المشرك مثلا خارجة عن الثلاثة، أما انتفاء المطابقة والالتزام فواضح، وأما التضمن فلأنه دلالة اللفظ على جزء مسماه كما تقدم، والجزء إنما يقابله الكل، ومسمى صيغة العموم ليس كلا كما قررناه، وإلا لتعذر الاستدلال بها على ثبوت حكمها لفرد في النفي أو النهي، فإنه لا يلزم من نفي المجموع نفي جزئه، ولا من النهي عن المجموع النهي عن جزئه.

"فائدة": جميع ما تقدم في دلالة اللفظ كما عبر عنه المصنف، وقد تقدم أنها فهو السامع والفرق بينهما وبين الدلالة باللفظ بزيادة الباء، أن الدلالة باللفظ استعمال اللفظ، أما في موضوعه وهي الحقيقة غير الموضوعة لعلاقة وهو المجاز، والباء فيها للاستعانة والسببية؛ لأن الإنسان يدلنا على ما في نفسه باطلا لفظه، فإطلاق اللفظ آلة الدلالة كالقلم للكتابة، والفرق بينهما من وجوه أحدها: المحل فإن محل دلالة اللفظ القلب ومحل الدلالة باللفظ اللسان وغيره من المخارج، وثانيها: من جهة الموصوف، فإن دلالة اللفظ صفة للسامع، والدلالة بلفظ صفة للمتكلم، وثالثها: من جهة السببية، فإن الدلالة باللفظ سبب، ودلالة اللفظ مسبب عنها، ورابعها: من جهة الوجود، فإنه كلما وجدت دلالة اللفظ وجدت الدلالة باللفظ بخلاف العكس، وخامسها: من جهة الأنواع، فدلالة اللفظ ثلاثة أنواع: المطابقة والتضمن والالتزام، وللدلالة باللفظ نوعان: الحقيقة والمجاز.

قال: "واللفظ إن دل جزؤه على جزء معناه فمركب وإلا فمفرد، والمفرد إما أن لا يستقل بمعناه وهو الحرف، أو يستقل، وهو فعل إن دل بهيئته على أحد الأزمنة الثلاثة، وإلا فاسم كلي إن اشترك معناه، متواطئ، إن استوى، ومشكك إن تفاوت، وجنس إن دل على ذات غير معينة كالفرس، ومشتق إن دل على ذي صفة معينة كالفارس، وجزئي إن لم يشترك، وعلم إن استقل، ومضمر إن لم يستقل" أقول: اللفظ ينقسم إلى: مركب ومفرد؛ وذلك لأنه إن دل جزؤه على جزء المعنى المستفاد منه فهو المركب سواء كان تركيب إسناد كقولنا: قام زيد وزيد قائم، أو تركيب مزج كخمسة عشر، أو تركيب إضافة كغلام زيد، وأورد القاضي أفضل الدين الخونجي على هذا الحيوان ناطق علما على إنسان، فينبغي أن يزاد حين هو جزؤه، كما ذكره الإمام في المحصول. وقوله:"إن دل جزؤه" أي: كل واحد من أجزائه، واستغنى المصنف عن ذكره بإضافة اسم الجنس

ص: 86

لأنها للعموم، أو نقول: إذا دل جزء واحد منه على جزء من معناه يلزم دلالة الجزء الآخر؛ لأن ضم الجزء المهمل إلى المستعمل غير مفيد، قال الأصفهاني في شرح المحصول: ولا فرق بين المركب والمؤلف عند المحققين، وقال بعضهم: المركب ما قلناه، وأما المؤلف فهو ما دل جزؤه لا على جزء المعنى كعبد الله. قوله:"وإلا فمفرد" أي: وإن لم يدل جزؤه على جزء معناه فهو المفرد، وذلك بأن لا يكون له جزء أصلا كباء الجر، أو له جزء ولكن لا يدل على جزء معناه، زيد: ألا ترى أن الدال منه وإن كانت تدل على حرف الهجاء لكنه ليس جزءا من معناه أي: من مدلولها وهو الذات المعينة، وكذلك عبد الله وتأبط شرا ونحوه غلاما، ولك أن تقول: هذا التعريف يقتضي أن: قام زيد مفرد؛ لأن جزأيه وهو القاف من قام والزاي من زيد لا يدلان على جزأي معناهما، فينبغي تقييد الجزء بالقريب. قوله: "والمفرد

إلخ" بدأ بالكلام على المفرد لتقدمه على المركب بالطبع، ثم إن المفرد ينقسم من وجوه فقدم ما هو باعتبار أنواعه وهو تقسيمه إلى الاسم والفعل والحرف، وحاصله أن المفرد إن كان لا يستقل بمعناه الحرف أي: لا يفهم معناه الذي وضع باعتبار لفظ آخر دال على معنى هو متعلق معنى الحرف، ألا ترى أي الدراهم من قولك: قبضت من الدراهم، دالة على معنى هو متعلق مدلول من؛ لأن التبعيض تعلق به، وإن استقل نظر إن دل بهيئته أي: بحالته التصريفية على أحد الأزمنة الثلاثة؛ أما الماضي كقام أو الحال كيقوم أو المستقبل كقم فهو الفعل. "وإلا" أي: وإن لم يدل بهيئته على أحد الأزمنة فهو الاسم، وذلك بأن لا يدل على زمان أصلا كزيد، أو يدل عليه لكن لا بهيئته بل بذاته، كالصبوح والغبوق وأمس والحال والمستقبل والآن. قوله: "كلي" اعلم أن الاسم قد يكون كليا وقد يكون جزئيا وتسميته بذلك مجاز، فإن الكلية والجزئية من صفات المسمى، فالكلي هو الذي لا يمنع نفس تصوره من وقوع الشركة فيه سواء وقعت الشركة كالحيوان والإنسان والكاتب، أو لم تقع مع إمكانها كالشمس، واستحالتها كالإله وتعبير صدق عليها وهو الجزء الحقيقي، ويقال لما يدل على أخص من آخر جزئي: إضافي أي: بالإضافة إلى الأعم ثم الجزئي. "وعلم إن استقل" بالدلالة بمعنى أنه وضع لمدلوله بلا قرينة. "مضمر إن لم يستقل" قال المدقق في إيضاح المفصل: المضمر ما وضع لمدلوله بقوله: إنه اشترك معناه غير مستقيم لأن الكلي الذي لم يقع فيه شركة يخرج منه، فالأولى أن يقول: إن قبل معناه الشركة، وقال الغزالي: الكلي هو ما يقبل الألف واللام وينتقض بقولنا: ابن آدم وشبهه. ثم إن الكلي إن استوى معناه في أفراده فهو المتواطئ كالإنسان، فإن كان فرد من الأفراد لا يزيد على الآخر في الحيوانية والناطقية، وسمي متواطئا لأنه متوافق يقال: تواطأ فلان وفلان أي: اتفقا، وإن اختلف فهو المشكك سواء كان اختلافه بالوجوب والإمكان كالوجود، فإنه واجب في البارئ ممكن في غيره أو بالاستغناء والافتقار كالوجود يطلق على الأجسام مع استغنائها عن المحل، وعلى الأعراض مع

ص: 87

افتقارها إليه، أو بالزيادة والنقصان كالنور فإنه في الشمس أكثر منه في السراج، والمفهوم من قول المصنف إن تفاوت اختصاصه بهذا الأخير وليس كذلك وسمي مشككا؛ لأنه يشك الناظر فيه: هل هو متواطئ لكون الحقيقة واحدة، أو مشترك لما بينها من اختلاف؟

"فائدة": قال ابن التلمساني: لا حقيقة للمشكك؛ لأن ما حصل به الاختلاف إن دخل في التسمية كان اللفظ مشتركا، وإن لم يدخل بل وضع القدر المشترك فهو المتواطئ، وأجاب القرافي بأن كلا من المتواطئ والمشكك موضوع للقدر المشترك، ولكن الاختلاف إن كان بأمور من جنس المسمى فهو المصطلح على تسميته بالمشكك، وإن كان بأمور خارجة عن مسماه كالذكورة والأنوثة والعلم والجهل فهو المصطلح على تسميته بالمتواطئ. قوله:"وجنس" يريد: أن الكلي إن دل على ذات غير معينة كالفرس والإنسان والعلم والسواد وغير ذلك مما دل على نفس الماهية، فهو الجنس أي: اسم الجنس كما قال في المحصول ومختصراته، وهذا التعريف ينتقض بعلم الجنس كأسامة للأسد وثعالة للثعلب، فإنه يدل على ذات غير معينة تقول: رأيت ثعالبة أي: ثعلبا مع أنه ليس باسم جنس بل علم جنس حتى يعامل في اللفظ معاملة الأعلام كالابتداء به، ووقوع الحال منه في الفصيح ومنع صرفه إن انضمت إليه علة أخرى، فهو وارد على هذا بخصوصه، وعلى أصل التقسيم لكونه أهمله منه. والفرق بين اسم الجنس وعلم الجنس أن الوضع فرع التصور فإذا استحضر الواضع صورة الأسد ليضع لها تلك الصورة الكائنة في ذهنه في جزئية بالنسبة إلى مطلق صورة الأسد، فإن هذه الصورة واقعة لهذا الشخص في هذا الزمان، ومثلها يقع في زمان آخر وفي ذهن شخص آخر والجميع يشترك في مطلق صورة الأسد، فهذه الصورة جزئية من مطلق صورة الأسد، فإن وضع لها من حيث خصوصها فهو علم الجنس، أو من حيث عمومها فهو اسم الجنس، إذا تقرر هذا فنقول: اسم الجنس هو الموضوع للحقيقة الذهنية من حيث هي هي، وعلم الجنس هو الموضوع للحقيقة من حيث هي متشخصة من في الذهن، وعلم الشخص هو الموضوع للحقيقة بقيد التشخص الخارجي. قوله:"مشتق" أي: وإن دل على ذي صفة معينة أي: صاحب صفة معينة، فهو المشتق كالأسود والفارس. قال ابن السكيت: وهو من كان على حافر سواء كان فرسا أو حمارا، وقال عمارة: لا أقول لصاحب الحمار: فارس ولكن حمّار، حكاه الجوهري قال: وأما الراكب فهو من كان على بعير خاصة، ولقائل أن يقول: إذا كان الفارس يطلق عليها فلا يحسن تمثيل المصنف به للصفة المعينة. قال في المحصول: والأسود ونحوه من المشتقات يدل على ذات إما متصفة بالسواد، وإما خصوص تلك الذات من كونها جسما أو غير جسم فلا؛ لأنه يصح أن تقول: الأسود جسم، فلو كان مفهوم الأسود أنه جسم ذو سواد، لكان كقولك: الجسم ذو السواد جسم وهو فاسد، ولو كان

ص: 88

مفهومه أنه غير جسم لكان نقضا، نعم قد يعلم ذلك بطريق الالتزام.

"فائدة": الكلي على ثلاثة أقسام: طبيعي ومنطقي وعقلي؛ فالإنسان مثلا فيه حصة من الحيوانية، فإذا أطلقنا عليه أنه كلي فههنا ثلاثة اعتبارات، أحدها: أن يراد به الحصة التي شارك بها الإنسان غيره، فهذا هو الكلي الطبيعي وهو موجود في الخارج فإنه جزء الإنسان الموجود وجزء الموجود موجود، والثاني: أن يرد به أنه غير مانع من الشركة فهو هذا الكلي المنطقي، وهذا لا وجود له لعدم تناهيه، والثالث: أن يراد به الأمران معا، الحصة التي يشارك بها الإنسان غيره مع كونه غير مانع من الشركة، وهذا أيضا لا وجود له لاشتماله على ما لا يتناهى، وذهب أفلاطون إلى وجوده، وقد ذكر الإمام تقسيمات أخرى في الكلي كانقسامه إلى: الجنس والنوع، وأهمله المصنف هنا لذكره إياه في المصباح. قوله:"وجزئي، إن لم يشترك" أي: لم يشترك في معناه كثيرون، وهو قسيم لقوله: أولا كلي، إن اشترك معناه، ثم إن الجزئي إن استقل بالدلالة أي: كان لا يفتقر إلى شيء يفسرها فهو العلم كزيد، وإن لم يستقل فهو المضمر كأنا وأنت؛ لأن المضمرات لا بد لها من شيء يفسرها، وفي كلامه نظر من وجوه أحدها: أن عدم الاستقلال موجود في أسماء الإشارة والأسماء الموصولة وغيرها مع أنها ليست بمضمرات، الثاني: أن هذا التقسيم كله في الاسم، وقد تقدم أن الاسم هو الذي يستقل بمعناه، فكيف يقسم إلى ما لا يستقل؟ الثالث: أن عدم الاستقلال قد جعله أولا حدّا للحرف، فإن أراد بالاستقلال الأول غير ما أراد بالاستقلال الثاني فليبين.

"فائدة": ذهب الأكثرون إلى أن المضمر جزئي كما ذهب إليه المصنف، واحتجوا بأن الكلي نكرة والمضمر أعرف المعارف فلا يكون كليا، وبأنه لو كان كليا لما دل على الشخص المعين؛ لأن الدال على الأعم غير دال على الأخص. ونقل القرافي في شرح المحصول، وشرح التنقيح عن الأقلين أنه كلي، وقال: إنه الصحيح، وقال الأصفهاني في شرح المحصول: إنه الأشبه وهذا القول هو الصواب؛ لأن أنا وأنت وهو صادق على ما لا يتناهى فكيف يكون جزئيا؟ وأيضا فإن مدلولاتها لا تتعين إلا بقرينة بخلاف الإعلام، وعلى هذا فأنا موضوع لمفهوم المتكلم، وأنت لمفهوم المخاطب، وهو لمفهوم الغائب، وأما استدلالهم بالوجهين فعنهما جواب واحد، وهو أن إفادة اللفظ للشخص المعين له سببان، أحدهما: وضع اللفظ له بخصوصه كالإعلام، والثاني: أن يوضع لقدر مشترك ولكن ينحصر في شخص معين، فيفهم الشخص لحصر المسمى فيه، لا لوضع اللفظ له بخصوصه، كفهم الكوكب المعين من لفظ الشمس وإن كان كليا، وكذلك القول أيضا فيما عدا العلم من المعارف، كاسم الإشارة والموصول والمعرف بأل؛ ولهذا قال شيخنا أبو حيان: الذي نختاره أنها كليات وضعا، جزئيات استعمالا. قال: "تقسيم آخر: اللفظ والمعنى إما أن يتحدا وهو المفرد، أو يتكثرا وهي المتباينة تفاصلت معانيها كالسواد والبياض، أو تواصلت كالسيف والصارم

ص: 89

والناطق والفصيح، أو يتكثر اللفظ ويتحد المعنى وهي المترادفة، أو بالعكس فإن وضع للكل فمشترك إلا فإن نقل لعلاقة واشتهر في الثاني، سمي بالنسبة إلى الأول منقولا عنه والثاني "منقولا" إليه، وإلا فحقيقة ومجاز، والثلاثة الأول المتحدة المعنى نصوص، وأما الباقية فالمتساوي الدلالة مجمل، والراجح ظاهر، والمرجوح مؤول، والمشترك بين النص والظاهر المحكم، وبين المجمل والمؤول المتشابه" أقول: هذا تقسيم آخر للفظ باعتبار وحدة تعدده ووحدة المعنى وتعدده فيكون تقسيما له باعتبار ما يعرض له؛ ولهذا أخره عن التقسيم الأول المعقود للتقسيم الذاتي كما تقدم بيانه. وحاصله أن اللفظ والمعنى على أقسام أربعة؛ لأنهما إما أن يتحدا أو يتكثرا، أو يتكثر اللفظ مع اتحاد المعنى أو عكسه، الأول: أن يتحد اللفظ، والمعنى كلفظ الله فإنه واحد ومدلوله واحد، ويسمى هذا بالمنفرد؛ لانفراد لفظه بمعناه، وقال الإمام: وهذا هو التقسيم إلى جزئي وكلي، الثاني: أن يتكثر اللفظ ويتكثر المعنى كالسواد والبياض، ويسمى بالألفاظ المتباينة لأن كل واحد منها متباين لآخر أي: مخالف له في معناه، ثم إن الألفاظ المتباينة قد تكون معانيها متفاصلة، أي: لا تجتمع كما مثلناه وكالأسود للإنسان والفرس، وقد تكون متواصلة أي: يمكن اجتماعها إما بأن يكون أحدهما اسما للذات والآخر صفة لها كالسيف والصارم، فإن السيف اسم للذات المعروفة سواء كانت آلة أم لا والصارم مدلوله الشديد القطع فهما متباينان، وقد يجتمعان في سيف قاطع، وأما أن يكون أحدهما صفة والآخر صفة للصفة كالناطق والفصيح، فإن الناطق صفة للإنسان مع أن الناطق قد يكون فصيحا، وقد لا يكون فالفصيح للناطق، وإذا قلت: زيد متكلم فصيح فقد اجتمعت الثلاثة، وكذلك إذا كان مدلول أحدهما جزءا من مدلول الآخر كالحيوان والإنسان، ولم يذكره المصنف، الثالث: أي: يتكثر اللفظ ويتحد المعنى، فنسمي تلك الألفاظ مترادفة سواء كانا من لغة واحدة أو من لغتين كلغة العرب، ولغة الفرس مثلا، والترادف مأخوذ من الرديف، وهو ركوب اثنين دابة واحدة، الرابع: أن يكون اللفظ واحدا والمعنى كثيرا فإن وضع لكل أي: لكل واحد من تلك المعاني فهو المشترك كالقرء الموضوع للطهر والحيض، وفي كثير من النسخ، فإن وضع للكل بأن المعرفة وهو منقوض بأسماء الأعداد فإن العشرة مثلا موضوعة لكل الأفراد، ومع ذلك ليست مشتركة؛ لأنها ليست موضوعة لكل منها، وكذا لفظ البلقة الموضوع للسواد والبياض إلا أن يقال: لا نسلم أن المعنى متعدد بل واحد وهو المجموع أو يقال: أراد بالكل الكلي العددي كما تقدم بسطه في تقسيم الدلالة، فيصبح على أن تعريف كل ممتنع من جهة اللغة، وإن لم يوضع لكل واحد بل وضع لمعنى، ثم نقل إلى غيره نظر، فإن كان لا لعلاقة قال في المحصول: فهو المرتجل واستشكله القرافي بأن المرتجل في الاصطلاح هو اللفظ المخترع أي: لم يتقدم له وضع، قال: وأما تفسيره بما قاله الإمام فغير معروف، ولم يذكر المصنف هذا التقسيم

ص: 90

ولعله لهذا السبب وإن نقل لعلاقة، فإن اشتهر في الثاني أي: بحيث صار فيه أغلب من الأول كما في المحصول، وذلك كالصلاة سمي بالنسبة إلى المعنى الأول منقولا عنه، وبالنسبة إلى الثاني منقولا إليه، إما شرعيا أو عرفيا أو عاما أو خاصا بحسب الناقلين كما سيأتي إيضاحه وتمثيله في حد المجاز. واعلم أن اشتراط المناسبة في المنقول مردود، فإن كثيرا من المنقولات لا مناسبة بينها وبين المنقول عنها، ألا ترى أن الجوهر لغة هو الشيء النفيس ثم نقله المتكلمون إلى تقسيم للعرض وهو القائم بنفسه، وإن كان في غاية الخسة؟ وأجاب الأصفهاني في شرح المحصول بأن القيام بنفسه نفاسة وهو ضعيف، وإن لم يشتهر في الثاني كالأسد فهو حقيقة بالنسبة إلى الأول وهو الحيوان المفترس، مجاز بالنسبة إلى الثاني وهو الرجل الشجاع، وعلم من هذا أن المجاز عند المصنف غير موضوع، وسيأتي ما يخالفه وهذا التقسيم مردود؛ لأن المجاز أيضا قد يكون أشهر من الحقيقة وهي المسألة المعروفة بالحقيقة المرجوحة والمجاز الراجح وسيأتي، وأيضا فالوضع على حدته لا يكفي في إطلاق لفظ الحقيقة على المعنى الأول، بل لا بد من استعمال، وكذا في المجال أيضا. قوله:"والثلاث الأول" أي: متحد اللفظ والمعنى، ومتكثر اللفظ والمعنى، ومتكثر اللفظ متحد المعنى، فإنها نصوص لأن كلا منها يدل على معنى لا يحتمل غيره، وهذا هو معنى النص وسمي بذلك؛ لأن النص في اللغة على ما حكاه الجوهري وغيره هو بلوغ الشيء منتهاه وغايته، وهذه الألفاظ كذلك لأنها في الدرجة الغاية والمرتبة النهائية من وجوه الدلالة، واحترز بقوله: المتحدة المعنى عن القرء والعين والجون، فإنها متباينة مع أنها ليست بنصوص لأن كل لفظ منها مشترك بين معانٍ، وكذلك الألفاظ المترادفة قد تكون مشتركة أيضا كلفظ العين والذهب. قوله:"وأما الباقية" أي: الأقسام الداخلة في كون اللفظ واحدا، والمعنى كثيرا وهو المشترك، فالمنقول عنه والمنقول إليه، والحقيقة والمجاز، فإنها تنقسم إلى مجمل وظاهر ومؤول وذلك لأن اللفظ إن كانت دلالته على تلك المعاني بالسوية كالقرء والعين وغيرهما من الألفاظ المشتركة فهو المجمل مأخوذا من الجمل -بفتح الجيم وإسكان الميم- وهو الاختلاط كما حكاه القرافي فسمي بذلك لاختلاط المراد بغيره وسيأتي أن قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67]، {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] وغير ذلك من المجملات، فلا يكون محصورا في المشترك، وإن كانت دلالته على بعض المعاني أرجح من بعض، سمي بالنسبة إلى الراجح ظاهرا وبالنسبة إلى المرجوح مؤولا؛ لكونه يؤول إلى الظهور عند اقتران الدليل به المنقول لعلاقة، ولم يشتهر كالأسد دلالته على الأول ظاهرة، وعلى الثاني مؤولة فإن اشتهر وهو المسمى بالمنقول كالصلاة فهو على العكس. قوله:"والمشترك" يعني أن النص والظاهر مشتركان في الرجحان إلا أن النص فيه رجحان بلا احتمال لغيره كأسماء الأعداد، والظاهر فيه رجحان مع احتمال كدلالة اللفظ على المعنى الحقيقي، فالقدر المشترك بينهما من الرجحان يسمى المحكم، فالمحكم

ص: 91

جنس لنوعين: النص والظاهر، ثم إن المجمل والمؤول مشتركان في أن كلا منهما يفيد معناه إفادة غير راجحة، إلا أن المؤول مرجوح أيضا والمجمل ليس مرجوحا بل مساويا، فالقدر المشترك بينهما من عدم الرجحان يسمى بالمتشابه، فهو جنس لنوعين: المجمل والمؤول، وهذا الاصطلاح مأخوذ من قوله تعالى:{مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: 7] .

قال: "تقسيم آخر: مدلول اللفظ إما معنى، أو لفظ مفرد، أو مركب مستعمل، أو مهمل نحو الفرس والكلمة وأسماء الحروف والخبر والهذيان، والمركب صيغ للإفهام، فإن أفاد بالذات طلبا فالطلب للماهية استفهام، والتخيل مع الاستعلاء أمر، ومع التساوي التماس، ومع التسفل سؤال، وإلا فمحتمل التصديق والتكذيب خبر وغيره تنبيه، ويندرج فيه والتمني والترجي والقسم والنداء" أقول: مدلول اللفظ قد يكون معنى وقد يكون لفظا، فإن كان لفظا فقد يكون مفردا وقد يكون مركبا، وكل منها قد يكون مستعملا وقد يكون مهملا، ومجموع ذلك خمسة أقسام وقد ذكرها المصنف بأمثلتها من باب اللف والنشر، الأول: يكون المدلول معنى أي: شيئا أي: بلفظ كالفرس وزيد، وهذا هو الذي تقدم انقسامه إلى جزئي وكلي. الثاني: أن يكون المدلول لفظا مفردا مستعملا كالكلمة، فإن مدلولها لفظ وضع لمعنى مفرد وهو الاسم والفعل والحرف. الثالث: أن يكون المدلول لفظا مفردا مهملا كأسماء حروف الهجاء، ألا ترى أن حروف: ضرب وهى ضه وره وبه، لم توضع لمعنى مع أن كلا منها قد وضع له اسم: للأول الضاد، وللثاني الراء، وللثالث الباء، وهكذا ذكره سيبويه، ونقله عن الخليل فافهمه واجتنب غيره من التقديرات والهاء اللاحقة لضه وره وبه وهي هاء السكت. الرابع: أن يكون المدلول لفظا مركبا مستعملا نحو الخبر، فإن مدلوله لفظ مركب موضوع كاقم زيد. الخامس: أن يكون المدلول لفظا مركبا مهملا، قال الإمام: والأشبه أنه غير موجود؛ لأن الغرض من التركيب هو الإفادة، وجزم به في المنتخب وتبعه على ذلك صاحب الحاصل والتحصيل وهو ضعيف، فإن ما قالوه دليل على أن المهمل غير موضوع لا على أنه لم يوضع له اسم لا جزم بأن المصنف خالفهم، وزاد على ذلك فمثل له بالهذيان فإن لفظ مدلوله لفظ مركب مهمل وهو مصدر هذى بالذال المعجمة. قال الجوهري: هذى في منطقه يهذي ويهذو هذوا وهذيانا. قوله: "والمركب صيغ للإفهام" لما فرغ من تقسيم المفرد شرع في تقسيم المركب، ولا شك أن المتكلم إنما صاغ المركب من المفردات وألفه منها لإفهام الغير ما في ضميره، فتارة يفيد طلبا وتارة يفيد غير ذلك، فإن أفاد طلبا بذاته نظر فإن كان الطلب للماهية أي: لذكرها كما قال في المحصول1 فهو الاستفهام، كقولك: ما حقيقة الإنسان؟ وهل قام زيد؟ وهذا التقرير

1 انظر المحصول، ص77، جـ1.

ص: 92

الذي ذكره لا دليل عليه في كلام المصنف مع أنه لا بد منه، وإلا يرد الأمر لكونه طلبا للماهية أيضا، والمصنف تبع في ذلك صاحب الحاصل وإنما سمي بالاستفهام؛ لأنه طلب للفهم، كاستعطى إذا طلب أن يعطى له إذ السين دالة على الطلب لكن الطلب في الحقيقة إنما هو بالأداة كهل ومتى، فإطلاق الاستفهام والطلب على اللفظ المركب من باب إطلاق اسم الجزء على الكل. وإن كان مع التسفل أي التذلل، فهو السؤال كقول العبد: اللهم اغفر لي. وقوله: "بالذات" يعني بالوضع، ومنهم من يعبر عنه بقوله: إفادة أولية، والكل بمعنى واحد، واحترز به المصنف عما يفيد بالطلب باللازم كقولك: أنا طالب منك أن تذكر حقيقة الإنسان، وأن تسقيني الماء، وأن لا تفعل كذا، فإنه لا يسمى الأول استفهاما، ولا الثاني أمرا، لا الثالث نهيا، بل هي إخبارات وكذلك التمني والترجي والقسم والنداء تفيد أيضا الطلب باللازم، وهذا الذي قرره فيه نظر من وجوه، منها أنه مناقض للمذكور في الأوامر والنواهي حيث قال: ويفسدهما أي: ويفسد اشتراط العلو والاستعلاء قول فرعون: ماذا تأمرونني؟ ومنها أنه خلط مذهبا بمذهب، فإن التساوي ليس قسيما للاستعلاء والتسفل بل للعلو، وهو أن يكون الطالب أعلى مرتبة كما سيأتي في باب الأوامر والنواهي، لكنه قلد الإمام في ذلك، ومنها أنه أهمل الطلب للترك تبعا لصاحب الحاصل، وهو وارد على التقسيم، وقد ذكره الإمام وغيره. وقالوا: فإنه ينقسم إلى الأقسام الثلاثة المذكورة في طلب التحصيل، لكنه مع الاستعلاء يسمى نهيا. قوله:"وإلا" أي: وإن لم يفد بالذات طلبا، وذلك بأن لا يدل على طلب أصلا كقام زيد أو يدل عليه لكن لا بالذات كقولك: أنا طالب كذا، ومنه التمني وغيره مما تقدم فينظر فيه، فإن كان محتملا للتصديق والتكذيب فهو الخبر كقولنا: قام زيد، وإنما عدل المصنف عن الصدق والكذب إلى التصديق والتكذيب؛ لأن الصدق مطابقة الواقع، والكذب عدم مطابقته. ونحن نجد من الأخبار ما لا يحتمل الكذب كخبر الصادق وقولنا: محمد رسول الله وما لا يحتمل الصدق كقول القائل: مسيلمة صادق، مع أن كل ذلك يحتمل التصديق والتكذيب؛ لأن التصديق هو كونه يصح من جهة اللغة أن يقال لقائله: صدق، وكذلك التكذيب وقد وقع ذلك فالمؤمن صدق خبر الله تعالى والكافر كذبه، وهذا الحد الذي ذكره المصنف للخبر قد ذكره الإمام في المحصول هنا وجزم به ثم أعاده في باب الأخبار وقال: إنه حد رديء؛ لأن التصديق والتكذيب عبارة عن الأخبار عن كون الخبر صدقا أو كذبا فتعريفه به دوري، ثم قال: والحق أن الخبر تصوره ضروري لا يحتاج إلى حد ولا رسم. قوله: "وغيره تنبيه" أي: غير محتمل التصديق والتكذيب هو التنبيه أي: نبهت به على مقصودك؛ وقال في المحصول: سمي به تمييزا له عن غيره، قال: وأنواعه تعلم بالاستقراء لا بالحصر، وتندرج فيه الأربعة التي ذكرها المصنف، والفرق بين التمني والترجي أن الترجي لا يكون إلا في الممكنات كقولك: لعل زيدا يقدم، والتمني يكون فيهما كقولك: ليت الشباب يعود. واعلم أن قولنا: أنا طالب كذا لم يصرح المصنف بكونه داخلا في قسم الخبر أو التنبيه، وفيه نظر.

ص: 93