الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسالة الرابعة:
قال: "الرابعة: جوز الشافعي رضي الله عنه والقاضيان وأبو علي إعمال المشترك في جميع مفهوماته غير المتضادة، ومنعه أبو هاشم والكرخي والبصري والإمام. لنا: الوقوع في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56] والصلاة من الله مغفرة ومن غيره استغفار، قيل: الضمير متعدد فيتعدد الفعل، قلنا: يتمدد معنى لا لفظا وهو المدعى، وفي قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ} [الحج: 18] الآية قيل: حرف العطف بمثابة العامل قلنا: إن سلم فبمثابته بعينه قيل: يحتمل وضعه أيضا، فالإعمال في البعض، قلنا: فيكون المجموع مسندا إلى كل واحد وهو باطل". أقول: ذهب الشافعي رضي الله عنه إلى جواز استعمال المشترك في جميع معانيه وتبعه القاضيان وهما القاضي أبو بكر الباقلاني1 والقاضي عبد الجبار بن أحمد المعتزلي واختاره المصنف وابن الحاجب، ونقله القرافي عن مالك ونقله المصنف عن أبي علي الجبائي2، ورأيت في الوجيز3 لابن برهان أن الجبائي منعه. قال: إلا أن يتفق المعينات في حقيقة واحدة فيجوز كالقرء، فإنه حقيقة في الانتقال، ومنعه أبو هاشم والكرخي والبصري أي: أبو الحسين كما قاله في المحصول4، واختاره الإمام فخر الدين في كتبه كلها، ونقله الآمدي عن أبي عبد الله البصري أيضا، والقرافي عن أبي حنيفة، ثم ذكر الإمام في المحصول أيضا ما يخالف هذا، فإنه جزم في الكلام على أن الأصل عدم الاشتراك بأن المضارع مشترك بين الحال والاستقبال، ثم جزم في الإجماع بأن المضارع يحمل عليهما، فقال مجيبا عن سؤال: قلنا: لأن صيغة المضارع بالنسبة إلى الحال والاستقبال كاللفظ العام، ذكر ذلك في الاستدلال بقوله تعالى:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} [آل عمران: 110] وتوقف الآمدي فلم يختر شيئا، فإن جوزنا قال الآمدي: فشرطه أن لا يمتنع الجمع بينهما، أي: بأن يكون المعنى يصح إسناده إلى الأمرين، فقولنا: العين جسم ونريد به العين الجارية والذهب، والعدة بثلاثة قروء ونريد به الطهر والحيض، والجون ملبوس وزيد ونريد به الأبيض والأسود، أو يكون المحكوم عليه بالمشترك متعددا كقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56] فإن المغفرة والاستغفار يستحيل عودهما إلى الله تعالى، كذلك إلى الملائكة، بل المغفرة عائدة إلى الله تعالى والاستغفار للملائكة. قال: فإن امتنع الجمع بينهما كاستعمال صفة أفعل في الأمر بالشيء والتهديد عليه، فإنه لا يجوز؛ لأن الأمر يقتضي التحصيل والتهديد يقتضي الترك، وعبر المصنف عن هذا القيد بقوله: غير المتضادة فهو فاسد؛ لأن القرء والجون من المتضادات وقد بينا أنه لا يمنع،
1 القاضي محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر، أبو بكر، قاضٍ من كبار علماء الكلام، انتهت إليه الرئاسة في مذهب الأشاعرة، من كتبه: إعجاز القرآن، والإنصاف، والملل والنحل، وتمهيد الدلائل وغيرها، توفي سنة "403هـ".
2 الجبائي محمد بن عبد الوهاب بن سلام الجبائي، أبو علي، من أئمة المعتزلة ورئيس علماء الكلام في عصره، وإليه نسبت طائفة الجبائية، توفي سنة "303هـ".
3 الوجيز في الأصول، لأبي الفتح أحمد بن علي المعروف بابن برهان الشافعي، المتوفى سنة "520هـ".
4 انظر المحصول، ص102، جـ1.
وقد مثل الإمام في المحصول محل النزاع بلفظ القرء وذكره في أثناء الاستدلال، وإنما قيده المصنف بالمتضادة دون المتناقضة؛ لأن الوضع للنقيضين ممنوع على ما تقدم نقله عن الإمام وبتقدير جواز الوضع فإن التقييد بالمتضادة يدل على منع المتناقضة بطريق الأولى، ولم يتعرض الإمام لهذا القيد وقبل الخوض في الاحتجاج لا بد من التنبيه على أمور أحدها: أن محل هذا الخلاف في اللفظة الواحدة من المتكلم الواحد في الوقت الواحد كما قاله الآمدي، فإن تعددت الصيغة أو اختلف المتكلم أو الوقت جاز تعدد المعنى. الثاني: أن هذا الخلاف المذكور في استعمال اللفظ في حقيقته يجري في استعماله في حقيقته ومجازه، كما قاله الآمدي، وفي مجازيه كما قاله القرافي، فالأول كقولك: والله لا أشتري وتريد الشراء الحقيقي والسوم. والثاني: كأن تريد السوم وشراء الوكيل. الثالث: محل الخلاف بين الشافعي وغيره في استعمال اللفظ في معانيه إنما هو في الكلي العددي كما قاله في التحصيل أي: في كل فرد، وذلك بأن نجعله يدل على كل واحد منهما على حدة بالمطابقة في الحالة التي تدل على المعنى الآخر بها، وليس المراد هو الكلي المجموعي أي: يجعل مجموع المعنيين مدلولا مطابقيا كدلالة العشرة على آحادها، ولا الكلي البدلي أن يجعل كل واحد منهما مدلولا مطابقيا على البدل، ونقل الأصفهاني في شرح المحصول أنه رأى في تصنيف آخر لصاحب التحصيل أن الأظهر من كلام الأئمة وهو الأشبه، أن الخلاف في الكلي المجموعي فإنهم صرحوا بأن المشترك عند الشافعي كالعام. الرابع: اختلفوا في هذا الاستعمال هل هو حقيقة أم لا؟ فقال القرافي: إنه مجاز، وصححه ابن الحاجب؛ لأن الذي يتبادر إلى الذهن إنما هو أحدهما، والتبادر علامة الحقيقة فإذا أطلق عليهما كان مجازا، ونقل الآمدي عن الشافعي القاضي أنه حقيقة، قال: وهو عندهما من باب العموم، ووافق على كونه من باب العموم الغزالي في المستصفى والإمام في البرهان حتى إنهم لم يذكروا المسألة إلا في باب العموم، وفي كونه من العموم إشكال؛ لأن مسمى العموم واحد كما سيأتي، والمشترك مسمياته متعددة. وأيضا فالمشترك يجب أن تكون أفراده متناهية بخلاف العام، وأيضا فالقاضي ينكر صيغ العموم فإنكاره ههنا أولى. الخامس: الفرق بين الوضع والاستعمال والحمل، فالوضع هو جعل اللفظ دليلا على المعنى كتسمية الولد زيدا وهذا أمر متعلق بالواضع، والاستعمال إطلاق اللفظ وإرادة المعنى وهو من صفات المتكلم، والحمل اعتقاد السامع مراد المتكلم أو ما اشتمل على مراده كحمل الشافعي المشترك على معنييه؛ لكونه مشتملا على المراد وهذا من صفات السامع، وقد تقدم الكلام على وضع المشترك والكلام الآن في استعماله، وسيأتي الكلام على حمله. قوله:"لنا الوقوع" أي: الدليل على جواز الاستعمال أمران أحدهما: وقوعه في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56] ووجه الدلالة: أن الصلاة لفظ مشترك بين المغفرة والاستغفار، وإنما تعدت بعلى لا باللام لمعنى
التعطف والتحنن، وقد استعملت فيها دفعة واحدة فإنه أسندها إلى الله تعالى وإلى الملائكة، ومن المعلوم أن الصادر من الله تعالى هو المغفرة لا الاستغفار ومن الملائكة عكسه فثبت المدعي، وإنما فسر المصنف الصلاة من الله تعالى بالمغفرة تبعا للحاصل، ولم يفسرها بالرحمة تبعا للإمام والآمدي لأمرين أحدهما: أن إطلاق الرحمة على البارئ تعالى مجاز؛ لأنها رقة القلب بخلاف المغفرة. الثاني: أن التفسير بذلك يكون جمعا بين الحقيقة والمجاز وليس هو دعوى المصنف، وإنما دعواه الحقيقتين، ألا تراه قد عبر أولا بالمشترك لكن الخلاف في الحقيقة والمجاز كالخلاف في الحقيقتين كما تقدم، قوله:"قيل: الضمير" هذا الاعتراض لصاحب الحاصل ولم يذكره الإمام، وتقريره أن قوله تعالى:{يُصَلُّونَ} فيه ضمير عائد إلى الله تعالى، وضمير يعود إلى الملائكة وتعدد الضمائر بمثابة تعدد الأفعال، فكأنه قيل: إن الله يصلي والملائكة تصلي، وقد عرفت من القواعد المتقدمة أن النزاع إنما هو استعمال اللفظ الواحد في معنييه، وأجاب المصنف بأن الفعل لم يتعدد في اللفظ قطعا وإنما تعدد في المعنى، فاللفظ واحد والمعنى متعدد وهو عين الدعوى، وفي الاستدلال بالآية نظر من وجهين، أحدهما ما قاله الغزالي في المستصفى: أنه يجوز أن تكون الصلاة قد استعملت في معنى مشترك بين المغفرة والاستغفار وهو الاعتناء بإظهار الشرف. وجوابه: أن إطلاقها على الاعتناء مجاز لعدم التبادر وقد ثبت أنها مشتركة بين المغفرة والاستغفار، فالحمل عليهما أولى مراعاة للمعنى الحقيقي، ولك أن تقول: قد تقدم أن ابن الحاجب وجماعته ذهبوا إلى أن الحمل على المجموع مجاز، فلم رجحتم أحد المجازين على الآخر بل المجاز المجمع عليه أولى؟ الثاني: أنه يجوز أن يكون قد حذف الخبر للقرينة، ويكون أصله: إن الله يصلي وملائكته تصلي، وأجيب بأن الإضمار مثل المجاز فلم رجحتم المجاز؟ قوله:"وفي قوله تعالى" هذا هو الدليل الثاني على جواز الاستعمال، وهو عطف على ما تقدم وتقديره لنا الوقوع في قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ} [الأحزاب: 56] وفي قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ} [الحج: 18] ووجه الدلالة: أن الله تعالى أراد بالسجود ههنا الخشوع؛ لأنه هو المتصور من الدواب، وأراد به أيضا وضع الجبهة على الأرض، وإلا لكان تخصيص كثير من الناس بالذكر لا معنى له لاستواء الكل في السجود بمعنى الخشوع والخضوع للقدرة، فثبت إرادة المعنيين، وأجيب بأن حرف العطف بمثابة تكرار العامل، فكأنه قيل:{يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} إلى آخر الآية، فليس فيه إعمال للمشترك في مدلوليه، بل أعمل مرة في معنى، ومرة في معنى آخر وهو جائز، وهذا الاعتراض لصاحب الحاصل ولم يذكره الإمام وأجاب عنه المصنف بوجهين أحدهما: لا نسلم أن العاطف كالعامل، بل هو موجب لمساواة الثاني للأول في مقتضى العامل إعرابا وحكما، والعامل في الثاني هو الأول بواسطة
العاطف، فإنه الصحيح عند النحويين وذهب جماعة منهم إلى أن العاطف هو العامل، وآخرون إلى أن العامل مقدر بعد العطف. الثاني: أنا وإن سلمنا أن العاطف بمثابة العامل لكنه على هذا التقدير يلزم أن يكون بمثابة العامل الأول بعينه وهو هنا باطل؛ لأنه يلزم أن يكون المراد من سجود الشمس والقمر والجبال والشجر هو وضع الجبهة؛ لأنه مدلول الأول وهذا التقدير هو الصواب، ويحتمل أن يكون المراد أنه إذا كان بمثابة الأول بعينه يكون اللفظ واحدا والمعنى كثيرا وهو المدعى ويقع في بعض النسخ: فبمثابة في العمل أي: يقوم مقامه في الإعراب لا في المعنى. قوله: "قيل: يحتمل وضعه للمجموع" يعني: أن ما تقدم من الاستدلال بالآيتين لا حجة فيه؛ لأنه يحتمل أن يكون استعمال السجود والصلاة في المجموع إنما هو لكون اللفظ قد وضع له أيضا كما وضع للأفراد، بل لا بد من ذلك وإلا لكان اللفظ مستعملا في غير ما وضع له، وحينئذ فيكون السجود مثلا موضوعا لثلاثة معانٍ للخضوع على انفراده، ولوضع الجبهة على انفراده، وللمجموع من حيث هو مجموع، وعلى هذا التقدير يكون إعمال اللفظ في المجموع إعمالا له بعض ما وضع له لا في كلها وهو خلاف المدعى، ولهذا الجواب اقتصر عليه الإمام في المحصول وفي غيره، وأجاب عند المصنف بأنه يلزم أن يكون في المجموع من وضع الجبهة، والخضوع مسندا إلى كل واحد من الشجر والدواب وغيره، فلما ذكر أن يكون المجموع من الرحمة والاستغفار مسندا إلى كل واحد من الله تعالى والملائكة وهو باطل بالضرورة وهذا الجواب ضعيف؛ لأنه إنما يلزم ذلك أن لو أسند المجموع إلى واحد فقط، أما إذا استعمل في بعض المعاني مع اتحاد المسند إليه كقولك: الدابة تسجد أي: تخشع، أو في المجموع مع تعدد المسند إليه ليرجع كل واحد إلى واحد، فلا يأتي فيه هذا المحذور، والدليلان المذكوران من هذا القبيل، وأيضا فالذي قاله مشترك الإلزام فإنه قد تقرر أن اللفظ قد استعمل في الجميع، فيلزم إسناده إلى كل واحد، فإن قيل: إنما حصل المحال من وضعه للمجموع، قلنا: لا محذور في مجرد الوضع بل ولا في الاستعمال من حيث هو، فإن المتكلم قد لا يستعمله في المجموع عند اتحاد المحكوم عليه، بل يستعمله فيه عند تعدده. وإذا علمت ذلك فالجواب الصحيح عما قاله الإمام أن نقول: لا نسلم أنه وضع للمجموع، فإن قيل: فكيف استعمل فيه؟ قلنا: سيأتي جوابه، وأيضا فالنزاع إنما هو في الجميع لا في المجموع كما تقدم، وسيأتي أيضا بسطه.
قال: " احتج المانع بأنه إن لم يضع التواضع للمجموع لم يجز استعماله فيه. قلنا: لم لا يكفي الوضع لكل واحد من الاستعمال في الجميع؟ ومن المانعين من جوز في الجمع والسلب والفرق ضعيف، ونقل عن الشافعي رضي الله عنه والقاضي الوجوب حيث لا قرينة احتياطا". أقول: استدل المانع من استعمال المشترك في جميع معانيه بأن
المشترك إن لم يوضع للمجموع ولم يجز استعمال فيه؛ لأنه استعمال اللفظ في غير مدلوله، وإن وضع له أيضا كان استعماله فيه استعمالا له في بعض معانيه كما تقدم وهو غير المدعى، وسكت المصنف عن هذا القسم الثاني اكتفاء بذكره فيما تقدم. واعلم أن المانعين اختلفوا فقيل: إن المنع لمعنى يرجع إلى الوضع وهو كونه غير موضوع له، وقيل: لمعنى يرجع إلى الإرادة، أي: يستحيل أن يراد باللفظ الواحد في وقت واحد أكثر من معنى واحد. قال في المحصول: والمختار الأول وعليه اقتصر المصنف؛ فلذلك قال: احتج المانع، ولم يقل: المانعون وأجاب المصنف بقوله: لم لا يكفي الوضع
…
؟ وتقريره من وجهين أحدهما: أن يكون الوضع لكل واحد كافيا لاستعماله في الجميع، بمعنى أنه يستعمل في هذا ليدل عليه بالمطابقة في الآخر كذلك، وحينئذ فيكون استعماله في الجميع استعمالا له فيما وضع له؛ لأن كل واحد من تلك المعاني قد وضع له ذلك اللفظ، وإنما يستقيم اشتراط الوضع للمجموع أنه لو كان المراد أن يكون مستعملا في المجموع بحيث يكون المجموع مدلولا واحدا كدلالة العشرة على آحادها وليس هو المدعى؛ ولهذا عبر المصنف بقوله: في الجميع، لكن سكوته على المجموع الواقع في كلام الخصم موهم جدا، فكان من حقه أن ينبه أولا على هذا المنع، ثم يذكر ما في الكتاب، وإلى جميع ما قلناه أشار صاحب التحصيل بقوله: ولقائل أن يقول: النزاع في استعماله في كل واحد من المفهومات لا في كلها وبينهما فرق، وهذا التقرير بناء على أن الخلاف في الكلي العددي، التقرير الثاني وهو بناء على الكلي المجموعي: أنه لم لا يكون الوضع لكل واحد كافيا في الاستعمال في المجموع، مجازًا من باب إطلاق اسم الجزء على الكل؟ قوله:"ومن المانعين" يعني أن المانعين من الاستعمال اختلفوا؛ فمنهم من منع مطلقا كما تقدم، ومنهم من فصّل فجوّز استعمال المشترك في معنييه في حال الجمع، سواء كان إثباتا نحو: اعتدي بالأقراء، أو نفيا نحو: لا تعتدي بالأقراء؛ لأن الجمع متعدد في التقدير، فجاز تعدد مدلولاته بخلاف المفرد، ومنهم من فصل أيضا فأجاز استعماله في السلب وإن لم يكن جمعا نحو: لا تعتدي بقرء، ومنعه في الإثبات؛ لأن السلب يفيد العموم فيتعدد بخلاف الإثبات، وهذا المذهب -أعني: التفصيل بين النفي وغيره- لم يحكه الإمام ولا مختصر كلامه فاعلمه، فإن كلامه يوهم ذلك، نعم حكاه الآمدي عن أبي الحسين البصري، وكلام المصنف يقتضي أن التفصيل بين السلب والإثبات، وبين الجمع والإفراد لقائل واحد وليس كذلك، وأيضا فالتثنية ملحقة بالجمع وكلامه يقتضي إلحاقها بالإفراد عند هذا القائل؛ لأنه استثنى الجمع فقط. قوله:"والفرق ضعيف" أي: بين الجمع والإفراد، وبين النفي والإثبات، فأما في النفي فقلد فيه الآمدي، فإنه قال في الأحكام: الحق عدم الفرق؛ لأن النفي إنما هو للمعنى المستفاد عند الإثبات، وأما في الجمع فقلد فيه الإمام، فإنه قال في المحصول: الحق عدم الفرق؛ لأن الجمع لا يفيد التعدد إلا للمعنى المستفاد