المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثاني: في الخصوص - نهاية السول شرح منهاج الوصول

[الإسنوي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمات

- ‌ترجمة البيضاوي صاحب منهاج الوصول إلى علم الأصول

- ‌ترجمة الإسنوي: صاحب نهاية السول شرح منهاج الوصول

- ‌خطبة الكتاب:

- ‌تعريفات:

- ‌الباب الأول في الحكم:

- ‌الفصل الأول: تعريفه

- ‌الفصل الثاني: تقسيماته

- ‌التقسيم الأول:

- ‌التقسيم الثاني:

- ‌التقسيم الثالث:

- ‌التقسيم الرابع:

- ‌التقسيم الخامس:

- ‌التقسيم السادس:

- ‌الفصل الثالث: في أحكام الحكم الشرعي

- ‌المسألة الأولى

- ‌المسألة الثانية:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌المسألة الرابعة:

- ‌المسألة الخامسة:

- ‌المسألة السادسة:

- ‌المسألة السابعة:

- ‌الباب الثاني: فيما لا بد للحكم منه وهو الحاكم والمحكوم عليه وبه

- ‌الفصل الأول: في الحكم

- ‌مدخل

- ‌الفرع الأول:

- ‌الفرع الثاني:

- ‌الفصل الثاني: في المحكوم عليه

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌المسألة الرابعة:

- ‌الفصل الثالث: في المحكوم به

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌الكتاب الأول: في الكتاب والاستدلال به يتوقف على معرفة اللغة

- ‌مدخل

- ‌الباب الأول: في اللغات

- ‌الفصل الأول:

- ‌الفصل الثاني:

- ‌الفصل الثالث

- ‌مدخل

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌الفصل الرابع:

- ‌الفصل الخامس:

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسالة الثانية:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌المسالة الرابعة:

- ‌المسألة الخامسة:

- ‌الفصل السادس

- ‌مدخل

- ‌الفرع الأول:

- ‌الفرع الثاني:

- ‌الفرع الثالث:

- ‌الفرع الرابع:

- ‌الفرع الخامس:

- ‌الفرع السادس:

- ‌الفصل السابع:

- ‌الفصل الثامن:

- ‌الفصل التاسع:

- ‌الباب الثاني: في الأوامر والنواهي

- ‌الفصل الأول: في لفظ الأمر

- ‌الفصل الثاني: في صيغته

- ‌الفصل الثالث: في النواهي

- ‌الباب الثالث: في العموم والخصوص

- ‌الفصل الأول: في العموم

- ‌الفصل الثاني: في الخصوص

- ‌الفصل الثالث: في المخصص

- ‌الباب الرابع: في المجمل والمبين

- ‌الفصل الأول: في المجمل

- ‌الفصل الثاني: في المبين

- ‌الفصل الثالث: في المبين له

- ‌الباب الخامس: في الناسخ والمنسوخ

- ‌الفصل الأول: في النسخ

- ‌الفصل الثاني: في الناسخ والمنسوخ

- ‌خاتمة في النسخ:

- ‌الكتاب الثاني: في السنة

- ‌الباب الأول: الكلام في أفعاله

- ‌الباب الثاني: في الأخبار

- ‌الفصل الأول: فيما علم صدقه

- ‌الفصل الثاني: فيما علم كذبه

- ‌الفصل الثالث: فيما ظن صدقه وهو خبر العدل الواحد

- ‌الكتاب الثالث: في الإجماع

- ‌الباب الأول: في بيان كونه حجة

- ‌الباب الثاني: في أنواع الإجماع

- ‌الباب الثالث: في شرائطه

- ‌الكتاب الرابع: في القياس

- ‌مدخل

- ‌الباب الأول: في بيان أنه حجة

- ‌الباب الثاني: في أركانه

- ‌الفصل الأول: في العلة

- ‌الفصل الثاني: في الأصل والفرع

- ‌الكتاب الخامس: في دلائل اختلف فيها

- ‌الباب الأول: في المقبولة

- ‌الباب الثاني: في المردودة

- ‌الكتاب السادس: في التعادل والتراجيح:

- ‌الباب الأول: في تعادل الأمارتين في نفس الأمر

- ‌الباب الثاني: في الأحكام الكلية للتراجيح

- ‌الباب الثالث: في ترجيح الأخبار

- ‌الباب الرابع: في ترجيح الأقيسة

- ‌الكتاب السابع: في الاجتهاد والإفتاء

- ‌الباب الأول: في الاجتهاد

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: في الاجتهاد

- ‌الفصل الثاني: في حكم الاجتهاد

- ‌الباب الثاني: في الإفتاء

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌الفصل الثاني: في الخصوص

أن الجميع للعموم. ونقل في الأحكام عن الجمهور موافقة الإمام ثم مال إلى أنه يعم. الثامن: قال الشافعي رحمه الله: ترك الاستفصال في حكاية الحال مع قيام الاحتمال ينزل منزلة العموم، المقال مثاله أن ابن غيلان أسلم على عشر نسوة فقال عليه الصلاة والسلام:"أمسك أربعا وفارق سائرهن" 1 ولم يسأله هل ورد العقد عليهن معا أو مرتبا؟ فدل ذلك على أنه لا فرق، على خلاف ما يقوله أبو حنيفة، قال الإمام: وفيه نظر لاحتمال أنه أجاب بعد أن عرف الحال. واعلم أنه قد روي عن الشافعي أيضا أنه قال: حكاية الأحوال إذا تطرق إليها الاحتمال كساها ثوب الإجمال وسقط بها الاستدلال. وقد جمع القرافي بينهما بأن قال: لا شك أن الإجمال المرجوح لا يؤثر، إنما يؤثر المساوي أو الراجح، وحينئذ نقول: الاحتمال مؤثر إن كان في محل الحكم وليس في دليله، فلا يقدح كحديث ابن غيلان وهو مراد الشافعي بالكلام الأول، وإن كان في دليله قدح وهو المراد بالكلام الثاني. التاسع: مثل يا أيها الناس ويا عبادي، يشمل الرسول وقال الحليمي: إن كان معه قل فلا، وقيل: لا يدخل مطلقا. العاشر: المتكلم داخل في عموم متعلق خطابه عند الأكثرين كقوله تعالى: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد: 3] وقولك: من أحسن إليك فأكرمه، قال: ويشبه أن يكون كونه أمرا قرينة مخصصة. قال في الحاصل: وهو الظاهر. الحادي عشر: المدح أو الذم لا يخرج الصيغة عن كونها عامة على الصحيح، وصححه أيضا الآمدي وابن الحاجب ونقلا مقابله عن الشافعي كذلك ابن برهان أيضا، ومثاله قوله تعالى:{إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ، وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار: 13، 14]{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة: 34] . "فرع": قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] ونحوه يقتضي أخذ الصدقة من كل نوع من المال، نص عليه الشافعي في الرسالة في باب الزكاة فقال عقب ذكره لهذه الآية: ولولا دلالة السنة لكان ظاهر القرآن أن الأموال كلها سواء، وأن الزكاة في جميعها لا في بعضها دون بعض هذا لفظه بحروفه، ورأيت في البويطي نحوه أيضا ونقله ابن برهان عن الأكثرين وكذلك الآمدي وابن الحاجب ثم اختار خلافه.

أخرجه مالك في الموطأ "ص586"، والسيوطي في الدر المنثور "2/ 119".

ص: 191

‌الفصل الثاني: في الخصوص

قال: "الفصل الثاني: في الخصوص وفيه مسائل، الأولى: التخصيص إخراج بعض ما يتناوله اللفظ والفرق بينه وبين النسخ أنه يكون للبعض، والنسخ قد يكون عن الكل والمخصص المخرج عنه، والمخصص المخرج وهو إرادة اللافظ ويقال للدال عليها مجازا. الثانية: القابل للتخصيص حكم ثبت لمتعدده لفظا كقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] أو معنى وهو ثلاثة الأول: العلة وجوز تخصيصها كما في العرايا. الثاني: مفهوم الموافقة فيخصص بشرط بقاء الملفوظ مثل جواز حبس الوالد لحق الولد. الثالث: مفهوم المخالفة فيخصص بدليل راجح كتخصيص مفهوم $"إذا بلغ الماء قلتين" بالراكد،

ص: 191

قل: يوهم البداء أو الكذب، قلنا: يندفع بالمخصص". أقول: لما فرغ من العموم شرع يتكلم في الخصوص؛ فلذلك تكلم عن التخصيص والمخصص فذكر في هذا الفصل تعريف الثلاثة، وكذلك أحكام المخصص بفتح الصاد، وأخر أحكام المخصص بكسرها إلى الفصل الثالث. فأما التخصيص فقال أبو الحسين: إنه إخراج بعض ما يتناوله الخطاب، واختاره المصنف ولكنه أبدل الخطاب باللفظ، فقوله: إخراج أي: عما يقتضيه ظاهر اللفظ من الإرادة، والحكم لا عن الحكم نفسه، ولا عن الإرادة نفسها فإن ذلك الفرد ما يدخل فيهما حتى يخرج، ولا عن الدلالة فإن الدلالة هي كون اللفظ بحيث إذا طلق فهم منه المعنى، وهذا حاصل من التخصيص فافهمه، وقوله: اللفظ دخل فيه العام وغيره كالاستثناء من العدد، فسيأتي أنه من المخصصات وكذا بدل البعض كما صرح به ابن الحاجب نحو: أكرم الناس قريشا، وذلك أن تقول: يدخل في هذا إخراج بعض العام بعد العمل به، وسيأتي أنه نسخ لا تخصيص حيث قال: خصنا في حقنا قبل الفعل ونسخ عنا بعده، وأيضا فالتخصيص قد لا يكون من ملفوظ بل من مفهوم كما سيأتي بعد هذه المسألة، ولما كان النسخ شبيها بالتخصيص لكونه مخرجا لبعض الأزمان، فرق بينهما بأن التخصيص إخراج للبعض والنسخ إخراج عن الكل وفيه نظر، لما تقدم من أن إخراج البعض بعد العمل نسخ لا تخصيص. لا جرام أن في بعض النسخ، والنسخ قد يكون عن الكل بزيادة قد وعلى هذا فلا إيراد، والمخصص بفتح الصاد هو العام الذي أخرج عنه البعض لا البعض المخرج عن العام على ما زعمه بعضهم، فإن المخصوص هو الذي تعلق به التخصيص أو دخله التخصيص وهو العام، ويقال: عام مخصص ومخصوص، والمخصص بكسرها هو المخرج بكسر الراء، والمخرج حقيقة هو إرادة المتكلم؛ لأنه لما جاز أن يرد الخطاب خاصا وعاما لم يترجح أحدهما على الآخر إلا بالإرادة. قوله: "ويقال" أي: ويطلق المخصص أيضا على الدال على الإرادة مجازا، والدال يحتمل أن يكون صفة للشيء أي: للشيء الدال على الإرادة وهو دليل التخصيص لفظيا كان أو عقليا أو حسيا تسمية للدليل باسم المدلول، ويحتمل أن يكون صفة للشخص أي: الشخص الدال على الإرادة وهو المريد نفسه، أو المجتهد أو المقلد تسمية للمحل باسم الحال. والثاني: هو الذي ذكره الإمام لا غير فإنه قال: ويقال بالمجاز على شيئين أحدهما: من أقام الدلالة على كون العام مخصوصا في ذاته. وثانيهما: من اعتقد ذلك أو وصفه به، سواء كان الاعتقاد حقا أو باطلا، وأما صاحب الحاصل فإنه قال: ويقال بالمجاز على الدلالة على تلك الإرادة وهذا مخالف للجميع. المسألة الثانية: الشيء القابل للتخصيص هو الحكم الثالث لأمر متعدد؛ لأن التخصيص إخراج البعض والأمر الواحد لا يتصور فيه ذلك، ثم إن المتعدد قد يكون تعدده من جهة اللفظ كقوله تعالى:{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} فإنه يدل بلفظه على قتل كل مشرك، وخص عنه أهل الذمة وغيرهم، وقد يكون من جهة المعنى

ص: 192

أي: الاستنباط وهو ثلاثة الأول: العلة وقد جوز تخصيصها أي: جوزه بعضهم ومنعه الشافعي وجمهور المحققين كما قاله في المحصول في الكلام على الاستحسان، وإنما عبر بهذه العبارة لأن المسألة فيها مذاهب تأتي في القياس وهو المسمى هناك بالنقض مثاله العرايا "فإن الشارع نهى عن بيع الرطب بالتمر وعلله بالنقصان عند الجفاف" وهذه العلة موجودة في العرايا "هو بيع الرطب على رءوس النخل بالتمر على وجه الأرض" مع أن الشارع قد جوزه. الثاني: مفهوم الموافقة فيجوز تخصيصه بما عدا الملفوظ كقوله تعالى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] فإنه يدل على تحريم التأفيف، وبالمفهوم على تحريم الضرب وسائر أنواع الأذى، وخص منه الحبس في حق دين الولد فإنه جائز على ما صححه الغزالي وطائفة، منهم المصنف في الغاية القصوى. فأما إذا أخرج الملفوظ به وهو التأفيف في مثالنا فإنه لا يكون تخصيصا بل نسخا للمفهوم، وهو معنى قوله بعد ذلك: نسخ الأصل يستلزم نسخ الفحوى وبالعكس. فإن قيل: حكمه هنا بأي إخراج الفحوى تخصيص لا نسخ للمنطوق معارض لما حكيناه عنه في النسخ. قلنا: إن كان الإخراج المعارض راجحا كردة الأب المقتضية لقتله ومطله المقتضي كان لحبسه تخصيصا لا ناسخا للمنطوق لأنه لا ينافي ما دل عليه من الحرمة وهذا هو المراد هنا، وإن لم يكن بل أورد ابتداء كان نسخا له لمنافاته إياه، وهذا هو المراد هناك. الثالث: مفهوم المخالفة فيجوز تخصيصه بدليل راجح على المفهوم؛ لأنه إن كان مساويا كان ترجيحا من غير مرجح، وإن كان مرجحا كان العمل به ممتنعا، هذا الشرط ذكره صاحب الحاصل والمصنف وأهمله الإمام وهو الصواب؛ لأن المخصص لا يشترط فيه الرجحان كما سيأتي أن فيه جمعا بين الدليلين مثاله قوله عليه الصلاة والسلام:"إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا" 1 فإن مفهومه يدل على أنه يحمل الخبث فإذا لم يبلغ قلتين، وهذا المفهوم قد خص منه الجاري فإن القول القديم أنه لا ينجس إلا بالتغير، واختاره الغزالي وجماعة ومنهم المصنف في الغاية القصوى لقوله صلى الله عليه وسلم:"خلق الماء طهورا لا ينجسه شيء" 2 الحديث، فإنه يدل بمنطوقه على عدم التنجيس والمنطوق أرجح من المفهوم. قوله:"قيل: يوهم البداء" اعلم أن من الناس من قال: إن التخصيص لا يجوز لأنه إن كان في الأوامر فإنه يوهم البداء، وإن كان في الأخبار فإنه يوهم الكذب، وهم محالان على الله تعالى، وإيهام المحال لا يجوز، والبداء بالدال المهملة والمد هو ظهور المصلحة بعد خفائها، قال الجوهري: وبدا له في هذا الأمر بداء، ممدود أي: نشأ له فيه رأي، والجواب أنه يندفع بالمخصص أي بالإرادة، أو بالدليل الدال على الإرادة، وذلك لأنا إذا علمنا أن اللفظ في الأصل يحتمل التخصيص فيقام الدليل على وقوعه مبينا للمراد، وإنما يلزم البداء

1 أخرجه الدارقطني في سننه "1/ 21"، "2/ 503".

2 أخرجه العراقي في المغني عن حمل الأسفار "1/ 129" والزبيدي في إتحاف السادة المتقين "2/ 332".

ص: 193

أو الكذب إن لو كان المخرج مرادا وكلام الإمام وأتباعه وابن الحاجب يقتضي أن الخلاف في الأمر والخبر وليس كذلك، بل في الخبر خاصة كما صرح به الآمدي وهو مقتضى كلام أبي الحسين في المعتمد والشيخ أبي إسحاق في شرح اللمع وغيرهم. قال:"الثالثة: يجوز التخصيص ما بقي غير محصور لسماجة "أكلت كل رمان" ولم يأكل غير واحدة، وجوز القفال إلى أقل المراتب، فيجوز في الجمع ما بقي ثلاثة، فإنه الأقل عند الشافعي وأبي حنيفة بدليل تفاوت الضمائر وتفصيل أهل اللغة، واثنان عند القاضي والأستاذ بدليل قوله تعالى: {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} [الأنبياء: 78] فقيل: أضاف إلى المعمولين وقوله تعالى: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] فقيل: المراد به الميول وقوله عليه الصلاة والسلام: "الاثنان فما فوقهما جماعة" 1 فقيل: أراد جواز السفر وفي غيره إلى الواحد وقوم إلى الواحد مطلقا". أقول: اختلفوا في الضابط المقداري الذي لا بد من بقائه بعد التخصيص، فذهب أبو الحسين إلى أنه لا بد من بقاء جمع كثير سواء كان العام جمعا كالرجال أو غير جمع كمن وما إلى أن يستعمل ذلك العام في الواحد تعظيما له وإعلاما بأنه يجري مجرى الكثير كقوله تعالى:{فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ} [المرسلات: 23] وهذا المذهب نقله الآمدي وابن الحاجب عن الأكثرين، واختاره الإمام وأتباعه، واختلفوا في تفسير هذا الكثير ففسره ابن الحاجب بأنه الذي يقرب من مدلوله قبل التخصيص، ومقتضى هذا أن يكون أكثر من مصنف وفسره المصنف بأن يكون غير محصور فقال: ما بقي غير محصور أي: ما بقي من المخرج عنه عدد غير محصور، وما ههنا مصدرية تقديرية يجوز التخصيص مدة بقاء عدد غير محصور من المخرج عنه، فإن كان محصورا فلا، والدليل عليه أنه لو قال: أكلت كل رمان في البيت ولم يأكل غير واحدة لكان ذلك مستهجنا في اللغة سمجا أي: قبيحا، قال الجوهري: سمج الشيء بالضم سماجة أي: قبح فهو سمج بإسكان الميم، كصعب فهو صعب وبكسرها كخشن بالشين المعجمة، فهو خشن وبزيادة الياء كقبح فهو قبيح، ولك أن تقول: قد جوز المصنف له على عشرة إلا تسعة كما سيأتي والاستثناء عنده من المخصصات المتصلة، فهذا التخصيص وأمثاله لم يبق فيه عدد غير محصور، وأيضا فهذا الدليل لا يحصل به المدعي؛ لأنه إنما ينفي الواحد فقط. والمذهب الثاني وهو رأي القفال الشاشي: أنه يجوز التخصيص إلى أن ينتهي إلى أقل المراتب التي ينطلق عليها ذلك اللفظ المخصوص مراعاة لمدلول الصيغة، وعلى هذا فيجوز التخصيص في الجمع كالرجال ونحوه إلى ثلاثة؛ لأنها أقل مراتب الجمع على الصحيح، كما سيأتي، وفي غير الجمع كمن ومال وإلى الواحد لأنه أقل مراتبه نحو: من يكرمني أكرمه، ويريد به شخصا واحدا وقد استطرد المصنف فأدخل بين هذا التفصيل مسألة مستقلة طويلة

1 أخرجه الزيلعي في نصب الراية "2/ 198" والخطيب البغدادي في تاريخه "8/ 415".

ص: 194

وهي الكلام على أقل الجمع، وقد ذكرها في المحصول في أثناء العموم. والمذهب الثالث: أنه يجوز التخصيص إلى الواحد مطلقا أي: سواء كان جمعا أم لا كقوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} [آل عمران: 173] والقائل نعيم بن مسعود الأشجعي، هكذا قال الآمدي وابن الحاجب وغيرهما، لكن رأيت في الرسالة للشافعي أن القائل هم الأربعة الذين تخلفوا عن أحد، وتوقف الآمدي في المسألة واختار ابن الحاجب تفصيلا لا يعرف لغيره، فقال: التخصيص إن كان بالمتصل نظرت فإن كان بالاستثناء نحو: أكرم الناس العلماء، أو الشرط نحو: أكرم الناس إن كانوا عالمين فيجوز إلى اثنين، وإن كان التخصيص بالمنفصل فإن كان في العام المحصور القليل فيجوز إلى اثنين، كما تقول: قتلت كل زنديق وكانوا ثلاثة، وقد قتلت اثنين، وإن كان غير محصور مثل: قتلت كل من في المدينة، أو محصورا كثيرا مثل: أكلت كل رمانة وقد كان ألفا فيجوز إذا كان الباقي قريبا من مدلول العام. قوله: "فإنه الأقل" هذه هي المسألة التي ذكرها استطرادا فنعود إلى شرحها فنقول: ذهب الشافعي وأبو حنيفة رضي الله عنهما إلى أن أقل الجمع ثلاثة، فإن أطلق على الاثنين أو على الواحد كان مجازا، واختاره الإمام والمصنف، وقال القاضي والأستاذ: أقله اثنان واختار ابن الحاجب في المختصر الكبير الأول، وأما في المختصر الصغير فكلامه أولا يقتضي اختيار الثاني، وفي الاستدلال يقتضي الأول، وهذان المذهبان حكاهما المصنف، وقيل: ينطبق أيضا على الواحد حقيقة، وقيل: لا ينطبق على الاثنين لا حقيقة ولا مجازا، حكاهما ابن الحاجب وتوقف الآمدي في المسألة، واستدل المصنف بوجهين، أحدهما: أن الضمائر متفاوتة أي: متخالفة؛ لأن ضمير المفرد غير بارز، وضمير المثنى ألف، وضمير الجمع واو نحو: افعل وافعلا وافعلوا، وحينئذ فنقول: اختلاف الضمير في التثنية والجمع يدل على اختلاف حقيقتهما، كما يدل على الاختلاف بين الواحد والجمع، وأيضا فلأنه لا يجوز وضع شيء منها مكان الآخر فلو كان أقل الجمع اثنين لجاز التعبير عنه بضمير الجمع وليس كذلك. الثاني: أن أهل اللغة فصلوا بينهما فقالوا: الاسم قد يكون مفردا، وقد يكون مثنى، وقد يكون مجموعا، وبين صفتيهما أيضا فقالوا: رجلان عاقلان، ورجال عاقلون، فدل على المغيرة. واعلم أن القائل بأن أقل الجمع اثنان يقول بالضرورة: إن الجمع أعم من المثنى؛ لأن كل مثنى جمع ولا ينعكس، ولا شك أن حقيقة الأعم غير حقيقة الأخص، فإن حقيقة الحيوان غير حقيقة الإنسان، فيكون حقيقة المثنى غير حقيقة الجمع عند الخصم، وهذا جواب واضح عن الدليل الثاني، وعن التقرير الأول من الدليل الأول، وأما على التقرير الثاني فيؤخذ منه أيضا؛ لأنا نقول: لما كان مغايرا جعلوا لكل واحد منهما شيئا يميزه. قوله: "بدليل قوله تعالى: {شَرَعَ} في أدلة الخصم القائل بأن أقله اثنان وهي ثلاثة، الأول: قوله تعالى: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ}

ص: 195

[الأنبياء: 78] إلى قوله: {لِحُكْمِهِمْ} فلو لم يكن أقل الجمع اثنين لوجب أن يقال: لحكمهما، وجوابه أن الحكم مصدر، والمصدر يصح إضافته إلى معموليه أي الفاعل والمفعول وهما الحاكم والمحكوم عليه هنا، وحينئذ فيكون المراد داود وسليمان والخصمين هكذا أجاب الإمام، وهو جواب عجيب، فإن المصدر إنما يضاف إليهما على البدل، ولا يجوز أن يضاف إليهما معا، سمعت شيخنا أبا حيان يقول: سمعت شيخنا أبا جعفر بن الزبير يقول في هذا الجواب: إنه كلام من لم يعرف شيئا من علم العربية، وقد ذكر ابن الحاجب في المختصر الكبير هذا الاعتراض أيضا وتكلف تصحيحه بإخراج الحكم عن المصدرية إلى معنى الأمر، والمصنف كأنه استشعر ضعفه وضعف ما بعده من الأجوبه فعزاها إلى غيره، فإنه عبر عنها بقوله: فقيل على خلاف عادته. الثاني: قوله تعالى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] أطلق لفظ القلوب وأراد قلب عائشة وحفصة -رضي الله تعالى عنهما- وأجيب بأن اسم القلب يطلق حقيقة على الجرم الموضوع في الجانب الأيسر، ومجازا على الميل الموجود فيه كقولهم: ما لي إلى هذا قلب من باب إطلاق اسم المحل على الحال وهو المراد هنا، والتقدير: صغت ميولكما بدليل أن الجرم لا يوصف بالصغر حقيقة. واعلم أن هذا الدليل خارج عن محل النزاع فإن القاعدة النحوية أنك إذا أضفت الشيئين إلى ما يتضمنها نحو قطعت رءوس الكبشين، ويجوز فيه ثلاثة أوجه: الإفراد والتثنية والجمع بلا خلاف، ومحل الخلاف فيما عداه، وقد نبه عليه ابن الحاجب في المختصر الكبير. الثالث: قوله صلى الله عليه وسلم: "الاثنان فما فوقهما جماعة" رواه ابن ماجه عن أبي موسى الأشعري والدارقطني عن عمرو بن شعيب، وأجاب في المحصول بأنه محمول على إدراك فضيلة الجماعة؛ لأنه عليه الصلاة والسلام بعث لبيان الشرعيات لا لبيان اللغة، ثم قال: وقيل: إنه عليه الصلاة والسلام نهى عن السفر إلا في جماعة ثم بين بهذا الحديث أن الاثنين فما فوقهما جماعة في جواز السفر، واقتصر المصنف على الثاني وهو ضعيف؛ لأن السفر منفردا ليس بحرام بل هو جائز لكنه مكروه، وسلمنا أن مراده بالجواز عدم الكراهة لكنه لا يحصل بالاثنين، بل الجواب أن هذا استدلال على غير محل النزاع؛ لأن الخلاف ليس في لفظ الجمع ولا في لفظ الجماعة كما سيأتي عقبه. "فائدة": محل الخلاف مشكل؛ لأنه لا جائز أن يكون في صيغة الجمع التي هي الجيم والميم والعين، فإنه لا خلاف فيها كما قاله الآمدي وابن الحاجب في المختصر الكبير، قال: وإنما الخلاف في اللفظ المسمى بالجمع في اللغة كرجال ومسلمين وهم، وأما الجمع نفسه فهو ضم شيء إلى شيء وهو يطلق على الاثنين بلا خلاف، ولأنه لو كان كذلك لما أمكن إثبات الحكم لغيرها من الصيغ، وقد اتفقوا على ذلك ولا جائز أن يكون محل الخلاف صيغ الجمع؛ لأنها إن اقترنت بالألف واللام أو بالإضافة كانت للعموم كما تقدم، وإن لم تقترن به فإن كانت من

ص: 196

جموع الكثرة فأقلها أحد عشر فلا نزاع عند النحاة، وإن استعملت في الأقل كانت مجازا ولم يبق إلا جموع القلة وهي خمسة أشياء، أربعة منها من جموع التكسير يجمعها قول الشاعر:

بأفعل وبأفعال وأفعلة

وفعلة يعرف الأدنى من العدد

والخامس: هو جمع السلامة سواء كان مذكرا كمسلمين، أو مؤنثا كمعلمات فإن كانت -أعني جموع القلة- هي محل الخلاف فالأمر قريب، لكنهم لما مثلوا لم يقتصروا عليه بل مثلوا برجال مع أنه من جموع الكثرة. هكذا صرح به الإمام في المحصول في الكلام على أن الجمع المنكر هل يعم أم لا؟ وكذلك الآمدي وابن الحاجب كما تقدم نقله عنهما. قوله: وفي غيره إلى الواحد أي: في غير الجمع وقد تقدم شرحه وشرح ما بعده. قال: "الرابعة: العام المخصص مجاز وإلا لزم الاشتراك، وقال بعض الفقهاء: إنه حقيقة، وفرق الإمام بين المخصص المتصل والمنفصل؛ لأن المقيد بالصفة لم يتناول غيرا، قلنا: المركب لم يوضع، والمفرد متناول". أقول: اختلفوا في العام إذا خص: هل يكون حقيقة في الباقي أم لا؟ على ثمانية مذاهب حكاها الآمدي وذكر المصنف منها ثلاثة، أصحها عنده وعند ابن الحاجب أنه مجاز مطلقا؛ لأنه قد تقدم أنه حقيقة في الاستغراق، فلو كان حقيقة في البعض أيضا لكان مشتركا والمجاز خير من الاشتراك. والثاني: أنه حقيقة مطلقا ونقله إمام الحرمين عن جماهير الفقهاء وابن برهان عن جماهير العلماء؛ لأن تناوله للباقي قبل التخصيص كان حقيقة وذلك التناول باق، والجواب أنه إنما كان حقيقة لدلالته عليه وعلى سائر الأفراد لا عليه وحده. والثالث قاله الإمام تبعا لأبي الحسين البصري: إن خص بمتصل أي: بما لا يستقل كان حقيقة سواء كان صفة أو شرطا أو استثناء أو غاية نحو: أكرم الرجال العلماء أو أكرمهم إن دخلوا أو أكرمهم إلا زيدا، أو أكرمهم إلى المساء، وإن خص بمنفصل أي: بما يستقل كان مجازا كالنهي عن قتل العبيد بعد الأمر بقتل المشركين، فإنه قلنا: إنه مجاز، ففي الاحتجاج به مذهبان حكاهما ابن برهان. قوله:"لأن المقيد بالصفة" هذا دليل الإمام، ويمكن تقريره على وجهين أحدهما: أن العام المقيد بالصفة مثلا لم يتناول غير الموصوف، إذ لو تناوله لضاعت فائدة الصفة، وإذا كان متناولا له فقط، وقد استعمل فيه فيكون حقيقة بخلاف العام المخصوص بدليل متصل فإن لفظه متناول للمخرج عنه بحسب اللغة مع أنه لم يستعمل فيه فيكون مجازًا، وإلا لزم الاشتراك كما تقدم وهذا التقرير ذكره في الحاصل وهو الذي يظهر من كلام المصنف والتعبير بالصفة للتمثيل لا للتقيد. التقرير الثاني وهو ما ذكره في المحصول: أن لفظ العموم حال انضمام الصفة مثلا إليه ليس هو المقيد لذلك البعض المنطوق به؛ لأن الرجال وحده من قولنا: الرجال العلماء، أو أفاد العالمين لما أفادت الصفة شيئا، وإذا لم يكن مقيدا لذلك البعض استحال أن يقال: إنه مجاز فيه بل المجموع الحاصل من لفظ العموم ولفظ الصفة هو

ص: 197

المقيد له وإفادته له حقيقة، وهذا التقرير مصرح بأن البعض الموصوف لا يفيد المنطوق، وتقرير الحاصل مصرح بأنه يفيده، وكلام الإمام محتمل للأمرين، أما الأول فواضح، وأما الثاني فيكون المراد بقوله: لأن المقيد بالصفة هو أن المجموع من العام والصفة تناول الموصوف ولم يتناول غيره. وأجاب المصنف بأن المركب من الموصوف مع الصفة مثلا غير موضوع للباقي؛ لأن المركبات ليست بموضوعة على المشهور وحينئذ فلا يكون حقيقة فيه؛ لأن الحقيقة هو اللفظ المستعمل فيما وضع له فلم يبق إلا المفردات، ولا شك أن المفرد الذي هو العام متناول في اللغة لكل فرد، وقد استعمل في البعض فيكون مجازا، وقد تقدم أن هذا الجواب يعكر على ما ذكره في مجاز التركيب، فالأولى في الجواب أن يقال: كلامنا في العام المخصص وهو الموصوف وحده، لا في المجموع من المخصص والمخصص أيضا لو لم يكن الموصوف ونحوه متناولا لم يكن المتصل به مخصصا، لأن التخصيص إخراج بعض ما يتناوله اللفظ ولا شك أن هذه الأشياء من المخصصات عنده، والتحقيق أن اللفظ متناول بحسب وضع اللغة ولكن الصفة قرينة في إخراج البعض فيكون مجازا كما قاله المصنف. قال:"الخامسة: المخصص بمعين حجة ومنعها عيسى بن أبان وأبو ثور وفصل الكرخي. لنا أن دلالته على فرد لا تتوقف على دلالته على الآخر لاستحالة الدور، فلا يلزم من زوالها زوالها". أقول: العام إن خص بمبهم فلا يحتج به على شيء من الأفراد بلا خلاف، كما قاله الآمدي وغيره؛ لأنه ما من فرد إلا ويجوز أن يكون هو المخرج، مثاله قوله تعالى:{أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} [المائدة: 1] وإن خص بمعين كما لو "قيل: اقتلوا المشركين" إلا أهل الذمة، فالصحيح عند الآمدي والإمام وابن الحاجب والمصنف أنه حجة في الباقي مطلقا، وقال ابن أبان وأبو ثور: ليس بحجة مطلقا، وهو المراد بقوله: ومنعها أي: ومنع حجيته وفصل الكرخي، أي: فقال: إن خص بمتصل كان حجة وإلا فلا، وهذا التفصيل يعرف هو ودليله من المسألة السابقة؛ فلذلك أهمله المصنف.

والجمهور على أن أبان لا ينصرف للعلمية ووزن الفعل، وأصله: أبين على وزن أفعل فقلبت الياء ألفا لانقلابها في الماضي المجرد، وهو بان، ومن قال: إنه منصرف قال: وزنه فعال، حكاه ابن يونس في شرح المفصل وغيره. قوله:"لنا" أي: الدليل على أنه حجة، أن دلالة العام على فرد من الأفراد لا تتوقف على دلالته على الفرد الآخر؛ لأن دلالته على الباقي مثلا لو كانت متوقفة على البعض المخرج، فإن لم تتوقف دلالته على المخرج على الباقي كان تحكما؛ لأن دلالة العام على جميع أفراده متساوية، وإن توقفت عليه لزم الدور، وهو مستحيل فثبت أن دلالته على فرد لا تتوقف على دلالته على غيره من الأفراد، وحينئذ فلا يلزم من زوال الدلالة عن بعض الأفراد زوالها على البعض الآخر فيكون حجة، وهذا الدليل ضعيف كما نبه عليه

ص: 198

صاحب التحصيل، وتقرير ذلك موقوف على مقدمة وهي أن الشيئين إذا توقف كل منهما على الآخر فإن كان التوقف بالبعدية والقبلية، وهو المسمى بالدور السبقي فالوقوع مستحيل، كما إذا قال زيد: لا أدخل الدار حتى يدخل قبلي عمرو وقال عمرو كذلك، وإن لم يكن سبقيا كما إذا قال كل منهما: لا أدخل الدار حتى يدخل الآخر فلا استحالة فيه لإمكان دخولهما معا، ويسمى بالدور المعي، إذا عرفت هذا فتقول: قول المصنف لنا: إن دلالته على فرد لا تتوقف على دلالته على الآخر إن أراد به التوقف السبقي فلا يلزم من عدمه جواز وجود الدلالة بعد إخراج البعض، فإنه يجوز أن تكون دلالته على البعض مستلزمة لدلالته على البعض الآخر، وبالعكس لجواز التلازم من الجانبين كالبنوة والأبوة وغيرهما من المتضايفين، وإن أراد به التوقف المعي فلا استحالة فيه كما بيناه، هذا معنى كلام التحصيل فافهمه، والصواب التمسك بعمل الصحابة رضي الله عنهم فإنهم قد استدلوا بالعمومات المخصوصة من غير نكير فكان إجماعا. قال:"السادسة: يستدل بالعام ما لم يظهر المخصص، وابن سريج أوجب طلبه أولا. لنا لو وجب لوجب طلب المجاز للتحرز عن الخطأ واللازم منتف، قال: عارض دلالته احتمال المخصص، قلنا: الأصل يدفعه". أقول: هل يجوز التمسك بالعام قبل البحث عن المخصص؟ فيه مذهبان جوزه الصيرفي، ومنعه ابن سريج هكذا حكاه الإمام وأتباعه، ولم يرجح شيئا منهما في كتابيه المحصول والمنتخب هنا، لكنه أجاب عن دليل ابن سريج1 وفيه إشعار بميله إلى الجواز؛ ولهذا صرح صاحب الحاصل بأنه المختار فتابعه المصنف عليه لكنه جزم بالمنع فيه، أعني في المحصول في أواخر الكلام على تأخير البيان عن وقت الخطاب. واعلم أن إثبات الخلاف على هذا الوجه غير معروف ولا مستقيم، فإن الذي قاله الغزالي والآمدي وابن الحاجب وغيرهم أنه لا يجوز التمسك بالعام قبل البحث عن المخصص بالإجماع، ثم اختلفوا فقيل: يبحث إلى أن يغلب على الظن عدم المخصص، ونقله الآمدي عن الأكثرين وابن سريج قال: وذهب القاضي وجماعة إلى أنه لا بد من القطع بعدمه ويحصل ذلك بتكرر النظر والبحث واشتهار كلام العلماء فيها من غير أن يذكر أحد منهم مخصصا، وحكى الغزالي قولا ثالثا: أنه لا يكفي الظن، ولا يشترط القطع بل لا بد من اعتقاد جازم وسكون نفس بانتفائه، إذا تقرر هذا فاعلم أن خلاف الصيرفي إنما هو في اعتقاد عمومه قبل دخول وقت العمل به، فإنه قال: إذا ورد لفظ عام ولم يدخل وقت العمل به فيجب اعتقاد عمومه، ثم إن ظهر مخصص فيتغير ذلك الاعتقاد، هكذا نقله عنه إمام الحرمين والآمدي وغيرهما وخطئوه. قوله: "لنا

إلخ" شرع في نصب الدليل على الطريق التي

1 ابن سريج: أحمد بن عمر بن سريج البغدادي، أبو العباس، فقيه الشافعية في عصره، مولده ووفاته في بغداد، له نحو 400 مصنف منها الأقسام والخصال، والودائع لمنصوص الشرائع، وغيرها، توفي سنة "306هـ"، "الأعلام: 1/ 185".

ص: 199