الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتعبير المصنف بالظن فيه نظر؛ لأن الظن هو الغالب ولا غالب، إنما الحاصل هو الاحتمال فقط، ويمكن جعل هذا الاعتراض دليلا للمعتزلة، فيقال: الإتيان بالشكر يدفع ظن الضرر، ودفع الضرر والمظنون واجب، فالإتيان بالشكر واجب والواجب أن الشكر قد يتضمن الضرر أيضا، فيكون الخوف حاصلا على فعله كما أنه حاصل على تركه، وإذا حصل الخوف على الأمرين كان البقاء على الترك بحكم الاستصحاب أولى، فإن لم يثبت أولوية الترك فلا أقل من أن لا يثبت القطع بوجوب الفعل، وإنما قلنا: إنه قد يخاف منه الضرر لثلاثة أوجه، أحدها: أن الشاكر ملك المشكور، فإقدامه على الشكر بغير إذنه تصرف في ملك الغير بغير إذنه من غير ضرورة، والثاني: أن شكر الله تعالى على نعمه كأنه استهزاء بالله تعالى؛ لأن من أعطاه الملك العظيم كسرة من الخبز أو قطرة من الماء فاشتغل المنعم عليه في المحافل العظيمة بذكر تلك النعمة وشكرها كان مستهزئا، ولا شك أن ما أنعم الله تعالى به على عباده بالنسبة إلى كبريائه وخزائن ملكه أقل من نسبة اللقمة إلى خزائن الملك؛ لأن نسبة المتناهي إلى المتناهي أكثر من المتناهي إلى غير المتناهي، والثالث: أنه ربما لا يهتدي إلى الشكر اللائق بالله تعالى فيأتي به على وجه غير لائق، ونسق غير موافق. قوله:"قيل: ينتقض بالوجوب الشرعي" يعني: أن المعتزلة قالوا: ما ذكرتموه من الدليل يقتضي أن الشكر يستحيل إيجابه شرعا، فإنه يقال: إن الله تعالى لو أوجبه إما لفائدة، أو لا لفائدة إلى آخر التقسيم، لكنه يجب إجماعا فما كان جوابا لكم كان جوابا لنا، والجواب: أن مذهبنا أنه لا يجب تعليل أحكام الله تعالى وأفعاله بالأغراض، فله بحكم المالكية أن يوجب ما شاء على من شاء، من غير فائدة ومنفعة أصلا، وهذا مما لا يمكن الخصم دعواه في العقل. هكذا قال في المحصول، فتبعه المصنف هنا وفي مواضع أخرى، لكنه نص في القياس على أن الاستقراء دال على أن الله سبحانه وتعالى شرح أحكامه لمصالح العباد تفضلا وإحسانا، وهذا يقتضي أن الله تعالى لا يفعل إلا الحكمة، وإن كان على سبيل التفضل، وهو ينافي المذكور هنا، والجواب الصحيح: التزام كون الوجوب الشرعي لفائدة في الآخرة؛ لأنا علمناها بأخبار الشارع، وهذا لا يأتي في الوجوب العقلي كما تقدم. "فائدة": قال الآمدي: هذه المسألة ظنية؛ لأن المعقول فيها ضعيف كما تقدم.
الفرع الثاني:
قال: "الفرع الثاني: الأفعال الاختيارية قبل البعثة مباحة عند البصرية وبعض الفقهاء، محرمة عند البغدادية وبعض الإمامية وابن أبي هريرة، وتوقف الشيخ والصيرفي، وفسره الإمام بعدم الحكم، والأولى أن يفسر بعدم العلم؛ لأن الحكم قديم عنده، ولا يتوقف تعلقه على البعثة لتجويزه التكليف بالمحال" أقول: هذا هو الفرع الثاني من الفرعين اللذين أشار إليهما بقوله: فرعان من التنزل، وحاصله أن الأفعال الصادرة من الشخص قبل بعثة الرسول إن كانت اضطرارية كالتنفس في الهواء وغيره، ففي المحصول والمنتخب أنها غير ممنوع منها قطعا، قال في المحصول: إلا إذا جوزنا
التكليف مما لا يطاق، وعبر بعض الشارحين وصاحب التحصيل عن هذا بأنه مأذون فيه وفيه نظر، فسيأتي في آخر هذه المسألة أن عدم المنع لا يستلزم الإذن فيه؛ لأن الإذن هو الإباحة والإباحة حكم شرعي لا يثبت إلا بالشرع والفرض عدم وروده، وأما الأفعال الاختيارية كأكل الفاكهة وغيرها فهي مباحة عند المعتزلة البصرية وبعض الفقهاء أي: من الشافعية والحنفية كما قال في المحصول والمنتخب، ومحرمة عند المعتزلة البغدادية وطائفة من الإمامية وأبي علي بن أبي هريرة1 من الشافعية، وذهب الشيخ أبو الحسن الأشعري2 وأبو بكر الصيرفي من الشافعية إلى أنها على الوقف، واختاره الإمام فخر الدين وأتباعه، فإن قيل: سيأتي في آخر الكتاب أن الأصل في المنافع الإباحة على الصحيح، قلنا: الخلاف هناك فيما بعد الشرع بأدلة سمعية، ولم يحرر المصنف مذهب المعتزلة، وقد حرره الآمدي في الأحكام وتبعه عليه ابن الحاجب فقال: محل هذا الخلاف عندهم في الأفعال التي لا دلالة للعقل فيها على حسن ولا قبح، فإن اقتضى ذلك انقسمت إلى الأحكام الخمسة؛ لأن ما يقضي العقل بحسنه إن لم يترجح فعله على تركه فهو المباح، وإن ترجح نظر، إن لحق تاركه الذم فهو الواجب، وإلا فهو المندوب، وما يقضي العقل بقبحه إن لحق فاعله الذم فهو الحرام، وإلا فهو المكروه. قوله:"وفسره الإمام" أي: فسر الإمام فخر الدين هذا التوقف الذي ذهب إليه الشيخ بعدم الحكم أي: لا حكم في الأفعال الاختيارية قبل الشرع، فبحث المصنف معه في هذا، فقال: الأولى أن يفسر بعد العلم بالحكم أي: لها، ولكن لا تعلمه بعينه ولا يفسر بعدم الحكم؛ لأن الحكم قديم عند الأشعري، ثابت قبل وجود الخلق، فكيف يستقيم نفيه بعد وجودهم وقبل البعثة، والضمير في قوله: عنده يعود إلى الأشعري، وفي بعض الشروح أنه عائد إلى الإمام وهو مردود؛ لأن تفسير القول راجع إلى مقتضى قاعدة قائلة لا قاعدة مفسرة، ثم إن المصنف استشعر سؤالا على هذا البحث فأجاب عنه، وتقرير السؤال يقال: تعلق الحكم بالأفعال الاختيارية حادث، فيجوز أن يكون مراد الإمام بعد الحكم قبل البعثة عدم التعلق كما تقدم مثله في أول الكتاب في قولنا: حلت المرأة بعد أن لم تكن، أن معناه: حدث تعلق الحل لا الحل نفسه، والجواب: أن التعلق لا يتوقف على البعثة أيضا عند الأشعري؛ لجواز التعلق قبل الشرع، وإن لم يعلم المكلف إذ غاية ما يلزم منه أنه تكليف بالمحال، وهو جائز على
1 ابن أبي هريرة: أبو علي الحسن بن الحسين بن أبي هريرة الفقيه الشافعي، أخذ الفقه عن أبي العباس بن سريح وأبي إسحاق المروزي، وشرح مختصر المزني، وعلق عنه الشرح أبو علي الطبري، وله مسائل في الفروع، ودروس ببغداد، وتوفي في رجب سنة "345هـ"، "وفيات الأعيان 2/ 619".
2 الأشعري: أبو الحسن علي بن إسماعيل بن أبي بشر بن إسحاق الأشعري، هو صاحب الأصول، والقائم بنصرة مذهب السنة، وإليه تنسب الطائفة الأشعرية، ومولده سنة "270هـ" وتوفي سنة "324هـ" ودفن بين الكرخ وباب البصرة "وفيات الأعيان: 3/ 249".
رأيه كما سيأتي. هذا حاصل كلام المصنف، فأما قوله: وفسره الإمام بعد الحكم فممنوع، فإن عبارته في أول هذه المسألة ثم هذا الوقف تارة يفسر بأنه لا حكم، وهذا لا يكون وقفا بل قطعا بعدم الحكم، وتارة بأنا لا ندري هل هناك حكم أم لا؟ وإن كان هناك حكم فلا ندري أنه إباحة أو حظر، هذه عبارته وليس فيها ههنا اختيار شيء من هذه الاحتمالات التي نقلها، ثم إنه في آخر المسألة اختار تفسيره بعد العلم، فقال: وعن الأخير، أن مرادنا بالوقف أنا لا نعلم أن الحكم هو الحظر أو الإباحة، هذا لفظ الإمام في المحصول بحروفه، وذكر مثله أيضا في المنتخب ولعل الذي أوقع المصنف في هذا اللغط، هو صاحب الحاصل فإنه قال في اختصاره للمحصول: ثم التوقف مرة يفسر بأنا لا ندري الحكم ومرة بعدم الحكم وهو الحق، هذه عبارته، وأما قوله: والأولى أن يفسر بعدم العلم فعبارة غير مفهمة للمراد؛ لأنها تحتمل ثلاثة أمور؛ أحدها: أنا لا نعلم هل فيها حكم أم لا؟ الثاني: أنا نعلم أن هناك حكما ولكن لا نعلمه بعينه، الثالث: أنا نعلم أيضا أن هناك حكما ولكن نعلم تعلقه بفعل المكلف، فاحتملت العبارة أن يكون المراد إما عدم العلم به، أو بتعينه، أو بتعلقه فأما الأول فلا يصح إرادته، وأما الثالث فكذلك أيضا؛ لأنه لو احتمل توقف التعلق على البعثة لصح الاعتراض المتقدم الذي استشعره، فأجاب عنه وهو عنده باطل وحاصله أن الذي حاول إرشاد الإمام إليه قد ذكره الإمام بعينه بعبارة هي أحسن من عبارته، وأما قوله: ولا يتوقف تعلقه
…
إلخ فضعيف؛ لأنه لا يلزم من تجويزه التكليف بالمحال أن يكون التعلق سابقا على البعثة؛ لأنه لو لزم من ذلك لكان يلزم أن يكون التكليف بالمحال واجبا عنده وهو باطل، بل قام الدليل على أن هذه الصورة من المحال لم تقع وهو قوله تعالى:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ} [الإسراء: 15] الآية، ثم إن هذا من باب تكليف المحال لا من التكليف بالمحال، وستعرف الفرق بينهما في تكليف الغافل.
قال: "احتج الأولون بأنها انتفاع خالٍ عن أمارة المفسدة ومضرة المالك فتباح كالاستظلال بجدار الغير والاقتباس من ناره، وأيضا المآكل اللذيذة خلقت لغرضنا لامتناع العبث واستغنائه وليس للإضرار اتفاقا، فهو للنفع وهو إما التلذذ، أو الاغتذاء، أو الاجتناب مع الميل أو الاستدلال، ولا يحصل إلا بالتفاؤل وأجيب عن الأول بمنع الأصل، وعليه الأوصاف والدوران ضعيف، وعن الثاني أن أفعاله لا تعلل بالغرض، وإن سلم فالحصر ممنوع، وقال الآخرون: تصرف بغير إذن المالك فيحرم كما في الشاهد، ورد بأن الشاهد يتضرر به دون الغائب". قوله: احتجت المعتزلة البصرية على إباحة الأشياء قبل ورود الشرع بوجهين، أحدهما: أن تناول الفاكهة مثلا انتفاع خالٍ عن أمارات المفسدة؛ لأن الفرض أنه كذلك، وخالٍ عن مضرة المالك لأن مالكه هو الله تعالى، وهو لا يتضرر بشيء فيكون مباحا قياسا على الاستظلال بجدار الغير والاقتباس من ناره بغير إذنه، فإنه أبيح لكونه انتفاعا خاليا عن أمارة المفسدة ومضرة المالك، فلما وجدنا الإباحة
دائرة مع هذه الأوصاف وجودا وعندما دل على أنها علة لها؛ لأن الدوران يدل على العلية، ثم إن هذه الأوصاف التي حكمنا بأنها علة للإباحة وجدناها في مسألتنا فحكمنا بإباحتها، وإنما قال عن أمارة المفسدة ولم يقل عن المفسدة؛ لأن العبرة في القبح إنما هو بالمفسدة المستندة إلى الأمارة، فأما المفسدة الخالية من الأمارة فلا اعتبار بها، ألا ترى أنهم يلومون من جلس تحت حائط مائل وإن سلم، دون الحائط المستقيم، وإن وقعت عليه والتمثيل باقتباس فاسد؛ لأن الاقتباس هو أخذ جزء من النار وهو لا يجوز بغير الإذن قطعا، قال الجوهري: القبس: شعلة من نار وكذلك المقباس يقال: قبست منه نارا أقبس قبسا فأقبسني أي: أعطاني منه قبسا وكذلك اقتبست منه نارا، هذا لفظه بحروفه، فكان الصواب أن يقول: والاستضاءة بناره وشبهه، ولذلك لم يذكر الإمام هذا المثال، وإنما ذكره صاحب الحاصل فتبعه المصنف عليه، وأما التمثيل بالاستظلال فليس مجمعا عليه بل فيه خلاف في مذهبنا حكاه الإمام في النهاية في كتاب الصلح في الجدار لمالكين يقع فينفرد أحدهما ببنائه. الدليل الثاني: أن الله تعالى خلق المآكل اللذيذة لغرضنا إذ لو كان لا لغرض البتة لكان عبثا وهو على الله تعالى محال، ولو كان لغرض راجع إليه لكان مفتقرا إليه، والبارئ سبحانه وتعالى مستغن عن كل شيء، فتعين أن يكون لغرضنا، وذلك الغرض ليس هو الإضرار بالاتفاق من العقلاء، فتعين أن يكون خلقها للنفع، وذلك النفع إما أن يكون دنيويا كالتلذذ والاغتذاء، أو دينيا عمليا، كالاجتناب مع الميل لكون تناولها مفسدة، فيستحق الثواب باجتنابها كالخمر، أو دينيا عمليا كالاستدلال بها، أي يشتهي طعومها على كمال قدرة الله تعالى، كما قال في الحاصل وذلك كله لا يحصل إلا بالتناول، أما الأول والثاني والرابع فواضح، وأما الثالث؛ فلأن ميل النفس إلى الشيء إنما يكون بعد تقدم إدراكه، فلزم من ذلك كله أن يكون الغرض في خلقها هو التناول؛ لأنا قررنا أن الخلق لغرض، وأن الغرض هو نفع، وأن النفع محصور في الأربعة، وأن الأربعة لا تحصل إلا بالتناول فينتج أن الخلق لأجل التناول، وإذا كان كذلك كان التناول مباحا. "واعلم" أن ذكر الاغتذاء في هذا التقسيم مفسد؛ لأن الاغتذاء لا يحرم قطعه لكونه مضطرا إلى تناول ما يغذيه كما قدمناه في أول المسألة، فالصلح للاغتذاء ليس مما نحن فيه، فلم يبق إلا الثلاثة الأخيرة. لا جرم أن الإمام لم يذكر هذا القسم في المحصول ولا في المنتخب، نعم ذكره صاحب الحاصل فتابعه المصنف عليه. قوله:"وأجيب عن الأول" أي: الجواب عن الدليل الأول، وهو القياس على الاستظلال والاقتباس بجامع الانتفاع المذكور من وجهين، أحدهما: لا نسلم أن الأصل المقيس عليه وهو الاستظلال والاقتباس مباح قبل الشرع؛ لأنه فرد من أفراد المسألة، وإباحته الآن إنما ثبتت بالشرع، والكلام فيما قبل الشرع لا فيما بعده. الثاني: سلمنا إباحة الأصل المقيس عليه، لكن لا نسلم أن العلة في إباحته وهذه الأوصاف، وهو الانتفاع
الخالي عن أمارة المفسدة ومضرة المالك، والقياس إنما يصح عند اشتراكهما في العلة، فإن قيل: وجدنا الإباحة دائرة مع هذه الأوصاف وجودا أو عدما، أي: متى وجدت هذه الأوصاف وجدت الإباحة، ومتى عدمت عدمت، فدل ذلك على أنها هي العلة، فالجواب: أن دلالة الدوران على كون الوصف علة للشيء الذي دار معه دلالة ضعيفة على ما سيأتي في القياس؛ لأن الراجح أنها لا تفيد القطع بل الظن، وفي هذا نظر لأن الدوران يفيد القطع بالعلية عند المعتزلة كما نقله صاحب الحاصل وغيره، فقوله: بمنع الأصل أي: المقيس عليه وقوله: وعليه الأوصاف أي: وبمنع علية الأوصاف، وهي كونها علة، وقوله: والدوران ضعيف جواب عن سؤال مقدر. قال التبريزي في مختصر المحصول المسمى بالتنقيح: القياس على الاستظلال وشبهه فاسد، إذ لا تصرف فيه البتة، ولذلك يصح من المالك المنع منها بخلاف ما نحن فيه، قال: ثم إنه معارض بأنه تصرف في ملك الغير بغير إذنه، ولا ضرر فيه على الملك فكان حراما كنقل الحديد من موضع إلى موضع، وشبهه مما لا ضرر فيه البته. قوله:"وعن الثاني" أي: الجواب عن الدليل الثاني وهو قولهم: إن الله تعالى خلق المآكل اللذيذة لغرضنا من وجهين، أحدهما: أن أفعال الله تعالى لا تعلل بالأغراض، وهذا الكلام من المصنف يحتمل نفي التعليل مطلقا، ونفي التعليل بالغرض، أي: لا نسلم أن الله تعالى يجب تعليل أحكامه بل له أن يفعل ما شاء من غير فائدة ومنفعة أصلا، كما نقلناه عن المحصول في الفرع قبله أو معناه: لا نسلم صحة إطلاق الغرض في حق الله تعالى، وإن كان فعله لا بد من مصلحة لنا. الثاني: سلمنا صحة تعليله بالغرض لكن لا نسلم أن الغرض محصور في الأربعة التي ذكروها، فإنهم لم يقيموا حجة على الحصر، ونحن ننازع فنقول: يجوز أن يكون الغرض في خلقها هو التنزه بمشاهدتها، أو الاستنشاق بروائحها، أو الاستدلال على معرفة الصانع باختلاف ألوانها، وأشكالها الغريبة، والجواب الأول فيه نظر؛ لأن الكلام في هذين الشرعين إنما هو بعد تسليم أن العقل يحسن ويقبح، ومع تسليمه تجب مراعاة المصالح والمفاسد ويمتنع الخلق لا المعنى، وهذان الجوابان ذكرهما صاحب الحاصل فتبعه المصنف عليهما، ولم يجب الإمام بشيء منهما، وإنما أجاب بالنقض بخلق الطعوم المهلكة، وذلك يدل على أن الغرض ليس محصورا في النفع بل قد يكون خلقها للإضرار، ولم يرتض صاحب التحصيل هذا الجواب الذي ذكره الإمام قال: لأنه يمكن الانتفاع بالمؤذي بالتركيب مع ما يصحله، ثم أجاب بجوابين، أحدهما: منع الحصر كما تقدم، والثاني: أنه يمكن معرفته بتناول واقع في غير حال التكليف كالواقع في حال الصغر أو السهو، ونحن لا نسمي فعل غير المكلف مباحا، فتخلص من هذه الأجوبة كلها، أن نقول: لا نسلم أنه خلقها لغرض سلمنا ذلك لكن لا نسلم أنه خلقها للنفع، فقد يكون الغرض هو الإضرار كالسموم، سلمنا أنه نفع فلا نسلم الحصر في الأربعة، سلمنا انحصاره لكن لا يدل