الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسالة الثانية:
قال: "الثانية: أنه خلاف الأصل، وإلا لم يفهم ما لم يستفسر، ولامتنع الاستدلال بالنصوص، ولأنه أقل بالاستقراء، ويتضمن مفسدة السامع؛ لأنه ربما لم يفهم وهاب استفساره أو استنكف أو فهم غير مراده، وحكى لغيره فسيؤدي إلى جهل عظيم واللافظ؛ لأنه قد يحوجه إلى العبث، أو يؤدي إلى الإضرار أيضا، أو يعتمد فهمه فيضيع غرضه فيكون مرجوحا". أقول: الاشتراك وإن كان جائزا أو واقعا لكنه خلاف الأصل، قال في المحصول: ونعني به أن اللفظ متى دار بين احتمال الاشتراك والانفراد، كان الغالب على الظن هو الانفراد واحتمال الاشتراك مرجوح، ثم استدل المصنف عليه بوجوه، أحدها: أنه لو لم يكن كذلك لما حصل التفاهم حال التخاطب إلا بالاستفسار، ثم يحتاج البيان إلى استفسار آخر، ويلزم التسلسل وليس كذلك، فإن الفهم يحصل بمجرد إطلاق اللفظ. الثاني: لو تساوى الاحتمالان لامتنع الاستدلال بالنصوص على إفادة الظنون، فضلا عن تحصيل العلوم لجواز أن تكون ألفاظها موضوعة لمعانٍ أخر، وتكون تلك المعاني هي المرادة. الثالث: الاستقراء يدل على أن الكلمات المشتركة أقل من المفردة، والكثرة تفيد ظن الرجحان. الرابع: الاشتراك يتضمن مفاسد السامع واللافظ، فيقتضي أن لا يكون موضوعا، أما السامع فلأمرين أحدهما: أن الغرض من الكلام وهو حصول الفهم، وربما فقدت القرائن فلم يفهم وهاب استفسار المتكلم لعظمته، أو استنكف إما لحقارته وإما لكون الاستفسار يشعر بعدم الفهم، والناس يستنكفون منه. الثاني: أنه قد يفهم غير مراد المتكلم فيقع في الجهل ويحكيه لغيره، فيوقعهم فيه أيضا فيصير ذلك سببا لجهل جمع كثير وهو جهل عظيم، وأما تضمنه لمفاسد اللافظ فلأن السامع قد لا يفهم فيحتاج المتكلم إلى ذكره باسمه المفرد، فيكون تلفظه باللفظ المشترك عبثا لا فائدة فيه، وأيضا فإنه يؤدي إلى إضراره لاحتياجه دائما إلى التفسير، وقد يشق عليه التعبير لعارض وأيضا فلأنه ربما يعتمد فهم السامع أنه لا يفهم فيضع غرضه، كمن قال لعبده: أعط الفقير عينا أو ائتني بعين على ظن أنه يفهم الماء فيفهم هو الذهب. قوله: "فيكون مرجوحا" أي: لهذه الوجوه الأربعة وإذا كان مرجوحا كان خلاف الأصل وهو المدعي، وقد وقع في كثير من الشروح هنا مخالفة لما قررته فاجتنبه على أن نسخ الكتاب أيضا مختلفة هنا، واعلم أن أكثر هذه الوجوه لا ينفي وقوع الاشتراك مطلقا بل من واضع واحد وهو السبب الأعلى.
المسألة الثالثة:
قال: "الثالثة: مفهوما المشترك، إما أن يتباينا كالقرء للطهر والحيض، أو يتواصلا فيكون أحدهما جزءا للآخر كالممكن للعام والخاص، أو لازما له كالشمس للكوكب وضوئه". أقول: المشترك لا بد له من مفهومين فصاعدا أي: معنيين، فالمفهومان إما أن يتباينا أو يتواصلا، فإن تباينا أي: لم يصدق أحدها الآخر فإن لم يصح اجتماعهما فهما متضادان كالقرء الموضوع للطهر والحيض، وإن صح اجتماعهما فهما متخالفان ولم نظفر له بمثال، وإن تواصلا فقد يكون أحدهما جزءا من الآخر وقد يكون لازما له، مثال الأول: لفظ الممكن، فإنه موضوع للممكن بالإمكان العام والممكن بالإمكان الخاص، فالإمكان الخاص هو سلب الضرورة عن طرفي الحكم، أعني الطرف الموافق له، والمخالف كقولنا: كل إنسان كاتب بالإمكان الخاص، معناه: أن ثبوت الكتابة للإنسان
ليس بضروري ونفيها عنه أيضا ليس بضروري، فقد سلبنا الضرورة عن الطرف الموافق وهو ثبوت الكتابة وعن المخالف وهو نفيها، وأما الإمكان العام فهو سلب الضرورة عن الطرف المخالف للحكم أي: إن كانت موجبة فالسلب غير ضروري، فإن كانت سالبة فالإيجاب غير ضروري، كقولنا: كل إنسان حيوان بالإمكان العام، معناه: أن سلب الضرورة عن أحد الطرفين جزء من سلب الضرورة عن الطرفين جميعا، فيكون الممكن العام جزءا من الممكن الخاص، ولفظ الممكن موضوع لهما فيكون مشتركا بين الشيء وجزئه. قال في المحصول: وإطلاقه أيضا على الخاص وحده من باب الاشتراك بالنظر إلى ما فيه من المفهومين المختلفين، وإنما سمي الأول بالإمكان الخاص، والثاني بالعام؛ لأن الأول أخص، فإنه متى وجد سلب الضرورة عن الطرفين وجد سلبها على الطرف المخالف بخلاف العكس، فصار كالإنسان والحيوان. قوله:"كالشمس" تمثيل للمشترك بين الشيء ولازمه، فإن الشمس تطلق على الكوكب المضيء، كما تقول: طلعت الشمس وعلى ضوئه كما تقول: جلسنا في الشمس، مع أن الضوء لازم له، فإن توقف في هذا المثال متوقف فليمثل له بالرحيم، فإن الجوهري نص على أن يكون تارة بمعنى المرحوم وتارة بمعنى الراحم، وكل منهما يستلزم الآخر، فيكون مشتركا بين الشيء ولازمه، ويمثل له أيضا بالكلام فإنه مشترك عند المحققين بين النفساني واللساني كما قاله في المحصول1، مع أن اللسان دليل على النفساني والدليل يستلزم المدلول فيصدق عليه أنه مشترك بين الشيء ولازمه على قول الإمام، ومختصرو كلامه لم يذكروا هذا القسم بل ذكروا عوضا عنه الاشتراك بين الشيء وصفته، ومثلوه بما إذا سمينا رجلا أسود اللون بالأسود، وفي التمثيل أيضا نظر لأن شرط المشترك أن يكون حقيقة في معنييه بلا خوف؛ ولهذا استدل به من قال: إنه أولى من المجاز، وإطلاق العلم عن مدلوله ليس بحقيقة ولا مجاز كما سيأتي، وقد تلخص مما قالوه أن الاشتراك قد يكون بين الشيء وجزئه، أو لازمه أو صفته، وهذه المسألة ليست في المنتخب. "فرع": قال الإمام: لا يجوز أن يكون اللفظ مشتركا بين النقيضين؛ لأن الواقع لا يخلو عن أحدهما فلا يستفيد السامع بإطلاقه شيئا، فيصير الوضع لذلك عبثا، واعترض عليه في التحصيل بأنه لا ينفي إلا وقوعه من واضع واحد وهو السبب الأقلي، واعترض القرافي أيضا أنه بدون الإطلاق يحتاج إلى دليل مستقل ومع الإطلاق لا يحتاج إلا إلى قرينة تعين المراد، ونقل القيراوني في المستوعب عن جماعة أنهم منعوا الاشتراك بين الضدين أيضا، والمشهور الجواز كما تقدم.
1 انظر المحصول، ص100، جـ1.