المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثاني: في الناسخ والمنسوخ - نهاية السول شرح منهاج الوصول

[الإسنوي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمات

- ‌ترجمة البيضاوي صاحب منهاج الوصول إلى علم الأصول

- ‌ترجمة الإسنوي: صاحب نهاية السول شرح منهاج الوصول

- ‌خطبة الكتاب:

- ‌تعريفات:

- ‌الباب الأول في الحكم:

- ‌الفصل الأول: تعريفه

- ‌الفصل الثاني: تقسيماته

- ‌التقسيم الأول:

- ‌التقسيم الثاني:

- ‌التقسيم الثالث:

- ‌التقسيم الرابع:

- ‌التقسيم الخامس:

- ‌التقسيم السادس:

- ‌الفصل الثالث: في أحكام الحكم الشرعي

- ‌المسألة الأولى

- ‌المسألة الثانية:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌المسألة الرابعة:

- ‌المسألة الخامسة:

- ‌المسألة السادسة:

- ‌المسألة السابعة:

- ‌الباب الثاني: فيما لا بد للحكم منه وهو الحاكم والمحكوم عليه وبه

- ‌الفصل الأول: في الحكم

- ‌مدخل

- ‌الفرع الأول:

- ‌الفرع الثاني:

- ‌الفصل الثاني: في المحكوم عليه

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌المسألة الرابعة:

- ‌الفصل الثالث: في المحكوم به

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌الكتاب الأول: في الكتاب والاستدلال به يتوقف على معرفة اللغة

- ‌مدخل

- ‌الباب الأول: في اللغات

- ‌الفصل الأول:

- ‌الفصل الثاني:

- ‌الفصل الثالث

- ‌مدخل

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسألة الثانية:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌الفصل الرابع:

- ‌الفصل الخامس:

- ‌المسألة الأولى:

- ‌المسالة الثانية:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌المسالة الرابعة:

- ‌المسألة الخامسة:

- ‌الفصل السادس

- ‌مدخل

- ‌الفرع الأول:

- ‌الفرع الثاني:

- ‌الفرع الثالث:

- ‌الفرع الرابع:

- ‌الفرع الخامس:

- ‌الفرع السادس:

- ‌الفصل السابع:

- ‌الفصل الثامن:

- ‌الفصل التاسع:

- ‌الباب الثاني: في الأوامر والنواهي

- ‌الفصل الأول: في لفظ الأمر

- ‌الفصل الثاني: في صيغته

- ‌الفصل الثالث: في النواهي

- ‌الباب الثالث: في العموم والخصوص

- ‌الفصل الأول: في العموم

- ‌الفصل الثاني: في الخصوص

- ‌الفصل الثالث: في المخصص

- ‌الباب الرابع: في المجمل والمبين

- ‌الفصل الأول: في المجمل

- ‌الفصل الثاني: في المبين

- ‌الفصل الثالث: في المبين له

- ‌الباب الخامس: في الناسخ والمنسوخ

- ‌الفصل الأول: في النسخ

- ‌الفصل الثاني: في الناسخ والمنسوخ

- ‌خاتمة في النسخ:

- ‌الكتاب الثاني: في السنة

- ‌الباب الأول: الكلام في أفعاله

- ‌الباب الثاني: في الأخبار

- ‌الفصل الأول: فيما علم صدقه

- ‌الفصل الثاني: فيما علم كذبه

- ‌الفصل الثالث: فيما ظن صدقه وهو خبر العدل الواحد

- ‌الكتاب الثالث: في الإجماع

- ‌الباب الأول: في بيان كونه حجة

- ‌الباب الثاني: في أنواع الإجماع

- ‌الباب الثالث: في شرائطه

- ‌الكتاب الرابع: في القياس

- ‌مدخل

- ‌الباب الأول: في بيان أنه حجة

- ‌الباب الثاني: في أركانه

- ‌الفصل الأول: في العلة

- ‌الفصل الثاني: في الأصل والفرع

- ‌الكتاب الخامس: في دلائل اختلف فيها

- ‌الباب الأول: في المقبولة

- ‌الباب الثاني: في المردودة

- ‌الكتاب السادس: في التعادل والتراجيح:

- ‌الباب الأول: في تعادل الأمارتين في نفس الأمر

- ‌الباب الثاني: في الأحكام الكلية للتراجيح

- ‌الباب الثالث: في ترجيح الأخبار

- ‌الباب الرابع: في ترجيح الأقيسة

- ‌الكتاب السابع: في الاجتهاد والإفتاء

- ‌الباب الأول: في الاجتهاد

- ‌مدخل

- ‌الفصل الأول: في الاجتهاد

- ‌الفصل الثاني: في حكم الاجتهاد

- ‌الباب الثاني: في الإفتاء

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌الفصل الثاني: في الناسخ والمنسوخ

‌الفصل الثاني: في الناسخ والمنسوخ

قال: " الفصل الثاني: في الناسخ والمنسوخ، وفيه مسائل، الأولى: الأكثر على جواز نسخ الكتاب بالسنة كنسخ الجلد في حق المحصن وبالعكس كنسخ القبلة، وللشافعي رضي الله عنه قول بخلافهما، دليله في الأول قوله تعالى: {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا} ورد بأن السنة وحي أيضا. وفيهما قوله تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ} [النحل: 44] وأجيب في الأول بأن النسخ بيان، وعُورض في الثاني بقوله: {تِبْيَانًا} ". أقول: المراد بالناسخ والمنسوخ بيان ما ينسخ وما ينسخ به من الأدلة، واعلم أنه يجوز نسخ الكتاب بالكتاب والسنة المتواترة بمثلها والآحاد بمثلها، وأما نسخ الكتاب بالسنة ونسخ السنة بالكتاب فالأكثرون على الجواز، ونص الشافعي في الرسالة على امتناعهما وهو مقتضى ما في المحصول في النقل عنه، فإنه نقل عدم الجواز في نسخ السنة بالقرآن، فيؤخذ منه العكس بطريق الأولى ونقل عنه إمام الحرمين والآمدي وابن الحاجب قولين في نسخ السنة بالكتاب، والجزمبامتناع العكس، وكلام المصنف مشعر بأن له في المسألتين قولين وهو غير معروف، فإن جوزنا فيشترط في السنة إذا كانت ناسخة أن تكون متواترة، وقد أوضحه المصنف في المسألة الآتية. فلذلك أهمله هنا ثم استدل المصنف على كون السنة المتواترة ناسخة للكتاب، بأن النبي صلى الله عليه وسلم رجم المحصن مع أن آية الرجم شاملة له، وفيه نظر من وجوه أحدها: لا نسلم أنه متواتر. وثانيها: أن هذا تخصيص لا نسخ، وقد ذكره المصنف بعينه مثالا لتخصيص الكتاب بالسنة. وثالثها: أن الرجم بالقرآن المنسوخ التلاوة، وهو الشيخ والشيخة المتقدم ذكره، واستدل أيضا على كون الكتاب ناسخا للسنة بأن التوجه إلى بيت المقدس كان ثابتا بالسنة، إذ ليس في القرآن ما يدل عليه، ثم إنه نسخ بقوله تعالى:{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144] ولك أن تقول: القاعدة أن بيان المجمل يعد أنه مراد منه وإلا لم يكن بيانا لمدلوله، فيكون توجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس مرادا من قوله تعالى:{وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} لكونه بيانا له، فيكون ثابتا بالكتاب. قوله:"دليله في الأول" أي: استدل الشافعي على امتناع نسخ الكتاب بالسنة من قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106] فإنه يدل على أن الآتي بالخير أو المثل هو الله تعالى لرجوع الضمير إليه، وذلك لا يكون إلا إذا كان الناسخ هو القرآن ولهذا قال تعالى:{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 106] فأشعر بأنه الآتي بالخير أو المثل أو المختص بكمال القدرة فلا يكون النسخ بالسنة، فإن الآتي بها هو الرسول، وأيضا فإنه يقتضي أن البدل يكون خيرا من الآية المنسوخة أو مثلا لها والسنة ليست كذلك، وجوابه أن السنة حاصلة بالوحي أيضا لقوله تعالى:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] الآية، فالآتي بها هو الله تعالى، وأما الخير أو المثل فالمراد بهما هو الأصلح في التكليف، والأنفع في الثواب. قوله:"وفيهما" أي ودليل الشافعي في كل من المسألتين وهما نسخ الكتاب بالسنة وعكسه قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّن

ص: 243

لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] فأما نسخ الكتاب بالسنة فلأن الآية دالة على أن السنة تبين جميع القرآن؛ لأن {مَا} من قوله تعالى: {مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} عامة، فلو كانت السنة ناسخة له تكن مبينة بل رافعة، وأما العكس فلأنه قد تقرر أن السنة مبينة للكتاب فلو جاز نسخها بالكتاب لكان مبينا لها؛ لأن النسخ بيان انتهاء الحكم وذلك دور فتلخص أن الآية دالة على الحكمين. ثم أجاب المصنف عن الأول بأنا لا نسلم أن النسخ منافٍ للبيان بل هو عينه، فإنه بيان انتهاء الحكم. وأجاب عن الثاني بقوله تعالى في صفة القرآن:{تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89] فإنه يقتضي أن يكون الكتاب بيانا للسنة كما أن قوله تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ} يقتضي أن تكون السنة مبينة للكتاب، فلما تعارضا سقط الاستدلال بهما، والأولى في الجواب أن يقال: الاستدلال بقوله تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ} على الحكمين امتناع نسخ الكتاب بالسنة، وإن كان منافيا فلا يتجه الاستدلال على العكس. قال:"الثانية: لا ينسخ المتواتر بالآحاد؛ لأن القاطع لا يدفع بالظن قيل: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام: 145] منسوخ بما روي أنه عليه الصلاة والسلام "نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع"1 قلنا: لا أجد للحال فلا نسخ". أقول: نسخ المتواتر بالآحاد جائز قطعا، واختلفوا في وقوعه على مذهبين، كذا صرح به الآمدي في الأحكام ومنتهى السول، وعبر بقوله: اتفقوا، وفي المحصول ومختصراته نحوه أيضا، فإنهم جزموا بالجواز وترددوا في الوقوع، وعبارة المصنف وابن الحاجب توهم أن الخلاف في الجواز. واستدل على المنع بأن المتواتر مقطوع به وخبر الواحد مظنون والقطعي لا يدفع بالظن، وهو إنما يستقيم ما فهمناه، ولذلك لم يذكره الإمام ولا مختصرو كلامه. نعم صرح ابن برهان في الوجيز بما أفهمه كلامهما فقال: وقال قوم: هو مستحيل من جهة العقل ثم استدل عليه بعين ما استدل به، فإما أن يكونا قد اطلعا على هذا ثم اختاراه وفيه بعد، وإما أن يحمل كلامهما على أنا لا نحكم بالنسخ عند التعارض، بل يعمل بالمتواتر وإن تقدم لقوته. ودليل المصنف ضعيف لوجهين أحدهما ما قاله ابن برهان: أن المقطوع به إنما هو أصل الحكم لا دوامه، والنسخ يرد على الثاني لا على الأول. الثاني: أنه لا يطرد لأن إخراج بعض أفراد العام بعد العمل به نسخ لا تخصيص كما تقرر ودلالة العام على أفراده ظنية، وإن كان مقطوعا به، والخاص بالعكس فتعادلا. واستدل الخصم بأن قوله تعالى:{قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً} [الأنعام: 145] إلى آخرها يقتضي حصر التحريم في المذكور في الآية، وقد نسخ ذلك بما روي بالآحاد أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير، وإذا ثبت نسخ الكتاب بالآحاد فنسخ السنة المتواترة به أولى، وأجاب المصنف

1 أخرجه ابن حبان في صحيحه "2/ 5280"، ومسلم في صحيحه "1934"، وأحمد في مسنده "3021".

ص: 244

بأن الآية ليست منسوخة؛ وذلك لأنها دلت على أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان مأمورا بأن يقول لهم: لا أجد في الوحي الحاصل غير المحرمات المذكورة؛ ولهذا قال: {أُوحِيَ} بلفظ الماضي فيبقى ما عدا الأشياء المذكورة في الآية على الإباحة الأصلية، وحينئذ فيكون النهي عن أكل ذي الناب والمخلب رافعا لها، وهو ليس بنسخ، وبتقدير أن تكون الآية متناولة للاستقبال أيضا فالحديث مخصص لا ناسخ. قال:"الثالثة: الإجماع لا ينسخ؛ لأن النص يتقدمه ولا ينعقد الإجماع بخلافه ولا القياس بخلاف الإجماع، ولا ينسخ به، أما النص والإجماع فظاهران، وأما القياس فلزواله بزوال شرطه والقياس إنما ينسخ بقياس أجلى منه". أقول: اختلفوا في نسخ الإجماع، والنسخ به على مذهبين حكاهما الآمدي وغيره، والمختار عنده وعند الإمام وأتباعهما كابن الحاجب والمصنف المنع، فأما كونه لا ينسخ فلأن النسخ إنما يكون بنص من الكتاب والسنة أو بإجماع أو قياس والكل باطل، أما الأول وهو النص فلأنه متقدم على الإجماع إذ جميع النصوص متلقاة من النبي صلى الله عليه وسلم، والإجماع لا ينعقد في زمنه عليه الصلاة والسلام لأنه إن لم يوافقهم لم ينعقد وإن وافقهم كان قوله هو الحجة لاستقلاله بإفادة الحكم، فثبت أن النص متقدم على الإجماع، وحينئذ فيستحيل أن يكون ناسخا له، وأما الثاني وهو الإجماع فلاستحالة انعقاده على خلاف إجماع آخر، إذ لو انعقد لكان أحد الإجماعين خطأ؛ لأن الأول إن لم يكن عن دليل فهو خطأ، وإن كان عن دليل كان الثاني خطأ لوقوعه على خلاف الدليل، وإلى هذا أشار بقوله: ولا ينعقد الإجماع، وهو بالواو لا بالفاء فاتهمه. وأما الثالث وهو القياس فلأنه لا ينعقد على خلاف الإجماع كما ستعرفه في بابه إن شاء الله تعالى. قوله:"ولا ينسخ به" يعني: أن الإجماع أيضا لا يكون ناسخا لغيره؛ لأن المنسوخ به إما النص أو الإجماع أو القياس والكل باطل. أما النص فلاستحالة انعقاد الإجماع على خلافه كما ذكرناه، وأما الإجماع فلما مر أيضا من امتناع انعقاده على خلاف إجماع آخر. ولما كان السبب في امتناعه معلوما مما تقدم عبر بقوله: أما النص والإجماع فظاهران، وأما القياس فلأن شرط صحته أن لا يخالف الإجماع، فإذا انعقد الإجماع على خلافه زال القياس لزوال شرطه، وزوال المشروط لزوال الشرط لا يسمى نسخا، وفي هذا الجواب شيء يقدم في الرد على أبي مسلم. فإن قيل: هذا بعينه يلزمكم في النصوص فإن من شرط اقتضائها الأحكام أن لا يطرأ عليها الناسخ فإذا طرأ زالت لزوال شرطها، وحينئذ فلا نسخ، وجوابه أن النص في نفسه صحيح سواء طرأ الناسخ أم لا بخلاف القياس. قوله:"والقياس وإنما ينسخ بقياس أجلى منه" أي: أوضح وأظهر كما إذا نص الشارع مثلا على تحريم بيع البر بالبر متفاضلا فعديناه إلى السفرجل مثلا لمعنى. ثم نص أيضا على إباحة التفاضل في الموز وكان مشتملا على معنى أقوى من المعنى الأول فيقتضي إلحاق السفرجل به، فإن القياس الثاني يكون ناسخا للقياس الأول، ويعرف الأقوى بوجوه كثيرة

ص: 245

مذكورة في الكتاب في تراجيح الأقيسة وهذا التقرير اعتمده، وإنما حصر المصنف ناسخ القياس في القياس الأجلى؛ لأن غيره إما نص وإما إجماع وإما قياس مساو للأول وإما قياس أخفى منه ويمتنع نسخه بالكل. أما الأول والثاني فزوال القياس بزوال شرطه كا تقدم. وأما الثالث فلامتناع الترجيح من غير مرجح. وأما الرابع فلاستلزامه تقديم المرجوح على الراجح، وقد تحرر من كلام المصنف أن القياس قد يكون ناسخا، وقد يكون منسوخا لكنه لا ينسخ به إلا قياس آخر أخفى منه كما لا ينسخه إلا قياس أجلى. والذي قاله هو الصواب، وقال في المحصول: يجوز نسخه في زمن الرسول بسائر الأدلة من النص والإجماع والقياس الأقوى. قال: وأما بعد وفاته فهو وإن ارتفع في المعنى فليس بنسخ كما قدمناه، وهذا الذي قاله سهو؛ فإنه قد نص قبل ذلك بقليل على أن الإجماع لا ينعقد في زمن الرسول، وعلى أنه يمتنع نسخ القياس به. لا جرم أنه لم يذكر المسألة في المنتخب، وقال صاحب الحاصل: إن هذا الكلام مشكل، وصاحب التحصيل: إن فيه نظرا ولم يبينا وجه الإشكال، وقد تفطن المصنف للمشكل منه فحذفه. وحكى الآمدي في نسخ القياس عن بعضهم المنع مطلقا، وعن بعضهم الجواز مطلقا، لكن في حياته عليه الصلاة والسلام ثم اختار تفصيلا فقال: إن كانت العلة منصوصة فهي في معنى النص فيمكن نسخ حكمه بنص أو قياس في معناه، وإن كانت مستنبطة فإن الدليل المعارض لها وإن كان مقدما لكنه ليس بنسخ، وأما النسخ به فحكى فيه أقوالا، ثالثها: الفرق بين الجلي والخفي. ثم قال: والمختار أن العلة إن كانت منصوصة فهي في معنى النص جواز في النسخ بالقياس المشتمل عليها، وإن لم تكن منصوصة فإن كان القياس قطعيا كقياس الأمة على العبد في التقويم فإنه يكون أيضا رافعا لما قبله من الأدلة لكنه لا يكون نسخا، وإن كان ظنيا فلا يكون نسخا أيضا. وذكر ابن الحاجب في المسألتين نحوا مما ذكره. قال:"الرابعة: نسخ الأصل يستلزم نسخ الفحوى وبالعكس؛ لأن اللازم يستلزم نفي ملزومه والفحوى يكون ناسخا". أقول: فحوى الخطاب هو مفهوم الموافقة كما تقدم. فإذا نسخ أصل الفحوى كتحريم التأفيف فهل يستلزم ذلك نسخ الفحوى كتحري الضرب وكذلك العكس؟ اختلفوا فيهما على مذاهب حكاها ابن الحاجب، ثالثها وهو المختار عنده: أن نسخ الأصل لا يستلزم نسخ الفحوى بخلاف العكس. وقال الآمدي في الأحكام: المختار أنه إن جعلنا الفحوى من باب القياس فيكون رفع الأصل مستلزما لرفع الفحوى بخلاف العكس، وإن جعلناه من باب النص فقال أعني الآمدي لكن في منتهى السول أن المختار أنه لا يلزم من رفع أحدهما رفع الآخر، وذكر في الأحكام نحوه أيضا وجزم في المحصول بأن نسخ الأصل يستلزم نسخ الفحوى، وأما عكسه فنقله من أبي الحسين ولم يرده وجزم المصنف بالأشمرين، واستدل على الثاني وهو أن نسخ الفحوى يستلزم نسخ الأصل بأن الفحوى لازم للأصل، ونفي اللازم يستلزم

ص: 246

نفي الملزوم، وأما الأول فلم يستدل عليه، وقد استدل عليه الإمام بأن الفحوى تابع الأصل، ورفع المتبوع مستلزم لرفع التابع، وأجاب الآمدي وابن الحاجب بأن دلالة الفحوى تابعة لدلالة المنطوق على حكمه وليست تابعة لحكمه، ودلالة المنطوق باقية بعد النسخ أيضا فما هو أصل ليس بمرتفع، وما هو مرتفع ليس بأصل. قوله:"الفحوى يكون ناسخا" أي: بالاتفاق كما قاله في المحصول قال: لأن دلالته إن كانت لفظية فلا كلام، وإن كانت عقلية فهي يقينية فتقتضي النسخ لا محالة، وفيما قاله نظر لأن الناسخ يجب أن يكون طريقا شرعيا لا عقليا كما تقدم. واعلم أن الراجح عند المصنف أن دلالة الفحوى من باب القياس كما ستعرفه، وقد تقدم قريبا من كلامه أن القياس إنما يكون ناسخا لقياس آخر أخفى منه، فيكون الفحوى كذلك فافهمه. قال:"الخامسة: زيادة صلاة ليست بنسخ قيل: تغير الوسط، قلنا: وكذا زيادة العبادة، أما زيادة ركعة ونحوها فكذلك عند الشافعي ونسخ عند الحنفية. وفرق قوم بين ما نفاه المفهوم وبين ما لم ينفه، والقاضي عبد الجبار بين ما ينفي اعتداد الأصل وما لم ينفه، وقال المصري: إن نفى ما ثبت كان نسخا وإلا فلا، فزيادة ركعة على ركعتين نسخ لاستعقابهما التشهد، وزيادة التغريب على الجلد ليس بنسخ". أقول: زيادة صلاة أي: على الصلوات الخمس ليست بنسخ لشيء وقال بعض أهل العراق: زيادتها تغير الوسط أي: تجعل ما كان وسطا غير وسط فيكون نسخا للأمر بالمحافظة على الوسطى في قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] وأجيب عنه بأن كون الشيء وسطا أو آخر أمر حقيقي لا حكم شرعي فلا يكون رفعه نسخا وإلا لزم أن تكون زيادة العبادة المستقلة نسخا أيضا لأنها تجعل العبادة الأخيرة غير أخيرة، وليس كذلك بالاتفاق كما قاله في المحصول1 وفي الجواب نظر؛ لأنه إنما يلزم ذلك أن لو أمرنا بالمحافظة على الأخيرة فإن قيل: فما الفائدة في كونه يسمى نسخا أم لا؟ قلنا: فائدته إثبات الزيادة بخبر الواحد إذا كان الأصل متواترا أما زيادة شيء لا يستقل كركعة أو سجود أو شرط أو صفة فاختلفوا فيه، فقالت الشافعية: ليس بنسخ واختاره في المعالم وقالت الحنفية: يكون نسخا وقال قوم: ينظر في الزائد، فإن نفاه مفهوم الأول كان نسخا كما لو قال: في الغنم المعلوفة الزكاة بعد أن قال: في الغنم السائمة الزكاة، وإن لم يكن ينفيه فلا يكون نسخا كزيادة التغريب على الجلد وعشرين سوطا على حد القذف، ووصف الرقبة موجب لاستثنائه لو فعل وحده كما كان يفعل أو لا فإنه يكون نسخا كزيادة ركعة أو ركوع أو سجود وإن لم يكن كذلك بل فعله معتد به دون الزائد وإنما يلزم ضمه إليه فلا يكون نسخا كزيادة التغريب على الجلد والعشرين على الحد. كذا نقله الإمام الآمدي عن عبد الجبار حكما وتمثيلا إلا أن الآمدي زاد على هذا أنه يقول:

1 انظر المحصول، ص563، جـ1.

ص: 247