الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أقل فكان أولى، مثاله: أن يقول شخص: رأيت الأسودين، فحمله على شخصين كل منهما اسمه الأسود، أولى من حمله على شخص اسمه الأسود وآخر لونه أسود. والاشتراك بين علم ومعنى خير من الاشتراك بين معنيين لقلة الاشتراك فيه، فقوله:"وهو" عائد على الاشتراك بين علم ومعنى ومثاله: الأسودان أيضا، فحمله على العلم والمعنى أولى من شخصين لونهما أسود، ولقائل أن يقول: المشترك لا بد أن يكون حقيقة في إفراده، والعلم ليس بحقيقة ولا مجاز كما سبق.
الفصل الثامن:
قال: "الفصل الثامن: في تفسير حروف يحتاج إليها، وفيه مسائل: الأولى: الواو للجمع المطلق بإجماع النحاة، ولأنها تستعمل حيث يمتنع الترتيب مثل: تقاتل زيد وعمرو، وجاء زيد وعمر وقبله ولأنها كالجمع والتثنية وهما لا واجبا الترتيب، قيل: أنكر عليه الصلاة والسلام ومن عصاهما ملقنا "ومن عصى الله تعالى ورسوله" قلنا ذلك؛ لأن الإفراد بالذكر أشد تعظيما قيل: لو قال لغير الممسوسة: أنت طالق وطالق، طلقت واحدة بخلاف ما لو قال: أنت طالق طلقتين قلنا: الإنشاءات مترتبة بترتيب اللفظ وقوله: طلقتين تفسير" لوقوعها في أدلته، وذكر فيه ست مسائل، الأولى: في حكم الواو وفيها ثلاثة مذاهب حكاها في البرهان أحدها: أنها للترتيب، قال: وهو الذي اشتهر عن أصحاب الشافعي. والثاني: أنها للمعية قال: وإليه ذهب الحنفية. والمختار أنها لمطلق الجمع أي: لا تدل على ترتيب ولا معية وقيدها الإمام بالواو العاطفة؛ ليحترز عن واو بمعنى مع نحو: جاء للبرد والطيالسة وواو الحال نحو: جاء زيد والشمس طالعة، فإنهما يدلان على المعية، وأهمله المصنف وأيضا فتعتبره بالجمع المطلق غير مستقيم؛ لأن الجمع المطلق هو الجمع الموصوف بالإطلاق؛ لأنا نفرق بالضرورة بين الماهية بلا قيد والماهية المقيدة ولو بقيد ولا الجمع الموصوف بالإطلاق ليس له معنى هنا، بل المطلوب هو مطلق الجمع بمعنى: أي جمع كان، سواء كان مرتبا أو غير مرتب كمطلق الماء، والماء المطلق. واستدل المصنف على أنها لمطلق الجمع بأمور أحدها إجماع النحاة، وقال السيرافي والسهيلي والفارسي: أجمع عليه نحاة البصرة والكوفة وليس الأمر كا قالوا، فقد ذهب جماعة إلى أنها للترتيب منهم: ثعلب وقطرب وهشام وأبو جعفر الدينوري وأبو عمر الزاهد. الثاني: أنها تستعمل فلا يستحيل فيه الترتيب وهو شيئان أحدهما: المفاعلة كقولنا: تقاتل زيد وعمرو، فإن المفاعلة تقتضي وقوع الفعلين معا؛ ولهذا لا يصح أن تقول: تقاتل زيد ثم عمرو، والأصل في الاستعمال الحقيقة فتكون حقيقة في غير الترتيب، وحينئذ فلا تكون حقيقة في الترتيب أيضا دفعا للاشتراك، وهذا الدليل لا يثبت به المدعى فإنه نفى الترتيب فقط، ولم ينف المعية. الثاني: التصريح بالتقديم كقولنا: جاء زيد وعمرو وقبله، ولك أن تقول: إنها مستعملة هنا في غير موضوعها مجازا جمعا بين الأدلة. الدليل الثالث: قال أهل اللغة: والعطف في الأسماء المختلفة كواو الجمع وألف التثنية في الأسماء المتماثلة، فإنهم لما لم يتمكنوا من جمع المختلفة أتوا
بالواو، ولا شك أن التثنية والجمع لا يوجبان الترتيب، فكذلك الواو وهذا الدليل ينفي المعية أيضا. قوله:"قيل: أنكر" أي: استدل على من قال: إنها للترتيب بوجهين الأول: ما رواه مسلم أن خطيبا قام بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى، فقال عليه الصلاة والسلام:"بئس الخطيب أنت، قل: ومن يعص الله ورسوله فقد غوى" 1، فلو كانت الواو لمطلق الجمع لم يكن بين العبارتين فرق. وجوابه أن الإنكار إنما هو لأن إفراد اسم الله تعالى بالذكر أشد تعظيما له يدل عليه أن الترتيب في معصية الله ورسوله لا يتصور لكونهما متلازمين، فاستعمال الواو هنا مع انتفاء الترتيب دليل لنا عليكم، فإن قيل: قد قال عليه الصلاة والسلام: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما" فقد جمع بينهما في الضمير كما جمع الخطيب، فما الفرق؟ قلنا: منصب الخطيب قابل للزلل فيتوهم أنه جمع بينهما لتساويهما عنده بخلاف الرسول صلى الله عليه وسلم. وأيضا فكلام الرسول صلى الله عليه وسلم جملة واحدة، فإيقاع الظاهر فيه موقع المضمر قليل في اللغة، بخلاف كلام الخطيب فإنه جملتان. الثاني: أنه إذا قال لغير المدخول بها: أنت طالق وطالق، طلقت طلقة واحدة على الجديد الصحيح، ولو كانت الواو للجمع لكان قوله: أنت طالق، طلقتين. وجوابه أن قوله: وطالق معطوف على الإنشاء فيكون إنشاء آخر والإنشاءات تقع معانيها مترتبة بترتب ألفاظها؛ لأن معانيها مقارنة لألفاظها، فيكون قوله: وطالق إنشاء لإيقاع طلقة أخرى في وقت لا يقبل الطلاق؛ لأنها بانت الأولى بخلاف قوله: طلقتين، فإنه تفسير لطالق وليس بإنشاء.
قال: "الثانية: الفاء للتعقيب إجماعا؛ ولهذا ربط بها الجزاء إذا لم يكن فعلا، وقوله تعالى: {لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ} [طه: 61] مجاز. الثالثة: في الظرفية ولو تقديرا مثل: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71] ولم يثبت مجيئها للسببية. الرابعة: من تكون لابتداء الغاية وللتبعيض وللتبيين وهي حقيقة في التبيين دفعا للاشتراك". أقول: المسألة الثانية: الفاء للتعقيب أي: تدل على وقوع الثاني عقب الأول بغير مهلة، لكن في شكل شيء يحبسه فلو قال: دخلت مصر فمكة أفادت التعقيب على ما يمكن، واستدل المصنف عليه بالإجماع، وليس كذلك فقد ذهب الفراء إلى أن ما بعدها يجوز أن يكون سابقا، وذهب الجرمي إلى أنها دخلت على الأماكن أو المطر فلا ترتب، تقول: نزلنا نجدا فتهامة، ونزل المطر نجدا فتهامة، وإن كانت تهامة في هذا سابقة. قوله:"ولهذا" أي: ولأجل كونها للتعقيب ربط بها الجزاء أي: وجوبا إذا لم يكن فعلا، نحو: إن قام زيد فعمرو قائم فإن الجزاء يجب أن يوجد ةعقب الشرط، فلو لم تكن الفاء مناسبة لهذا المعنى مفيدة للتعقيب لم يجب دخولها عليه كالواو وثم، فإنه لم لا يجب بل يجوز، وإنما قيده بغير الفعل لأن الفعل إن كان ماضيا فلا يجوز دخولها عليه نحو
1 أخرجه أحمد في مسنده "4/ 257"، ومسلم في صحيحه، كتاب الجمعة باب "48"، وأبو داود في سننه، كتاب الجمعة باب "33".
إن قام زيد قام عمرو، وإن كان مضارعا جاز لكنه لا يجب: إن قام زيد يقوم عمرو وفيه تفصيل يطول ذكره، محله كتب النحو. وهذا الذي ذكره المصنف نقل الإمام عن بعضهم أنه استدل به وفيه نظر ظاهر، فقد تكون الفائدة هي الدلالة على أن الثاني جزاء عن الأول ومسبب عنه، وكونه جزاء دليل على التأخير والتعقيب. ولأجل هذا لم يجعله المصنف دليلا كما جعله الإمام بل استدل بالإجماع وجعل هذا من باب التحسين والتقوية وهو من محاسن كلامه. ثم شرع المصنف في الجواب عن دليل القدر وهو استدلال الخصم على أنها ليست للتعقيب بقوله تعالى:{لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ} [طه: 61] فإن الافتراء في الدنيا، والسحت وهو الاستئصال إنما هو في الآخرة، وهذا يحتمل أن يكون دليلا مستقلا وأن يكون نقضا لما قررناه، وجوابه أن الاستئصال لما كان يقطع بوقوعه جزاء للمفتري جعل كالواقع عقب الافتراء مجازًا. ولا شك أن المجاز خير من الاشتراك. المسألة الثالثة: في "تدل على الظرفية أي: يجعل ما دخلت عليه ظرفا لما قبلها، وإما تحقيقا نحو: جلست في المسجد" أو تقديرا كقوله تعالى: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71] فإنه لما كان المصلوب متمكنا على الجذع كتمكن الشيء في المكان عبر عنه بفي وهذا مذهب سيبويه والجمهوري، وذهب الكوفيون والقتيبي وابن مالك إلى أنها تأتي بمعنى على فيكون التقدير:"لأصلبنكم على جذوع النخل". وظاهر كلام المصنف تبعا للإمام أن في حقيقة "في" الظرفية الحقيقية والتقديرية بأن تكون متواطئة أو مشككة أو مشتركة، ومقتضى كلام النحويين والأصوليين أن استعمالها في الظرفية التقديرية على سبيل المجاز. ومن الفقهاء من قال: إنها قد ترد للسببية واختاره من النحاة ابن مالك فقط لقوله تعالى: {لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ} [النور: 14] أي: بسبب قوله تعالى: "لمسكم فيما أخذتم" وقوله عليه الصلاة والسلام: "إن امرأة دخلت النار في هرة" 1 وقوله: "في النفس المؤمنة مائة من الإبل" 2 ولم يثبته المصنف. قال الإمام: لأن المرجع فيه إلى أهل اللغة ولم يذكره أحد منهم، وأما ما استدلوا به فيمكن حمله على الظرفية التقديرية مجازا. المسألة الرابعة: لفظة من تكون لابتداء الغاية، أي: في المكان اتفاقا كقولك: خرجت من البيت إلى المسجد، وفي الزمان عند الكوفيين والمبرد وابن درستويه وصححه ابن مالك واختاره شيخنا أبو حيان لكثرة وروده نظما ونثرا كقوله تعالى:{مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} [التوبة: 108] وتكون أيضا لتبيين الجنس كقوله تعالى: {فَاجتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} [الحج: 30] وتكون أيضا للتبعيض كقوله: أخذت من الدراهم. وتعرف صلاحية إقامة البعض مقامها، وقال الإمام: والحق عندي أنها للتبيين لوجوده في الجميع، ألا ترى أنها بينت في هذه الأمثلة مكان الخروج والمجتنب والمأخوذ منه
1 رواه الإمام أحمد في مسنده "2/ 57، 286".
2 أخرجه النسائي في سننه، كتاب القسامة، باب 47، ج4.
فتكون حقيقة في القدر المشترك؛ لأنها إن كانت حقيقة في كل واحد لزم الاشتراك أو في البعض خاصة لزم المجاز، فتعين ما قلناه، ولو قال المصنف: رفعا للاشتراك والمجاز لكان أولى.
قال: "الخامسة: الباء تعدي وتجزئ المتعدى لما يعلم من الفرق بين مسحت المنديل ومسحت بالمنديل ونقل إنكاره عن ابن جني، ورد بأنه شهادة نفي. السادسة: إنما للحصر؛ لأن إن للإثبات وما للنفي، فيجب الجمع على ما أمكن، وقد قال الأعشى:
.......
…
وإنما العزة للكاثر
والفرزدق:
....... وإنما
…
يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي
وعورض بقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنفال: 2] قلنا: المراد الكاملون". أقول: هذه المسألة تتضح بكلام المحصول فلنقل كلامه ثم تنزل كلام المصنف عليه فنقول: قال في المحصول: الباء إذا دخلت على فعل لازم فإنها تكون للإلصاق نحو: كتبت بالقلم ومررت بزيد، وعبر المصنف عنه بالتعدية وليس كذلك فقد لا تكون كهذه الأمثلة وإنما تكون للتعدية إذا كانت بمعنى الهمزة في نقل الاسم من الفاعلية إلى المفعولية كقوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ} [البقرة: 20] أي: أذهب سمعهم، والتعبير بالإلصاق هو الصواب. ولم يذكر سيبويه للباء معنى غيره، ويدخل فيه ستة أقسام، منها ما هو حقيقة ومنها ما هو مجاز كما هو معروف في كتب النحو. ثم قال: وإن دخلت على فعل متعد كقوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} [المائدة: 6] فتكون للتبعيض خلافا للسقية، وعبر المصنف عنه بقوله: وتجزئ المتعدى قال في المعالم: لأنها لا بد أن تفيد فائدة زائدة صونا للكلام عن العبث وهذا أيضا غير مستقيم، فقد تكون زائدة للتوكيد كقوله تعالى: {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} [المؤمنون: 20] أي: تنبت الدهن وقوله تعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ} [البقرة: 195] أي: أيديكم، وأيضا فإن مسح يتعدى إلى مفعول بنفسه وهو المزال عنه، وإلى آخر بحرف الجر وهو المزيل. والباء فيه للاستعابة فيكون تقدير الآية: "وامسحوا أيديكم برءوسكم" وحاصل ما فيه أن اليد جعلت ممسوحة والرأس ماسحة وهو صحيح. وأيضا فجزم المصنف بأنها للتبعيض مناقض لما جزم به في المجمل والمبين كما ستعرفه. ثم قال: لأنا نعلم بالضرورة الفرق بين مسحت المنديل ومسحت يدي بالمنديل، فإنه يعم في الأول ويبعض في الثاني، وهو معنى قول المصنف: لما يعلم من الفرق، وهذا أيضا مردود فإن الفرق بينهما كونهما في الأول ممسوحة، وفي الثاني ماسحة لا ما قاله، ثم قال: وأنكر ابن جني ورودها للتبعيض وقال: إنه شيء لا يعرفه أهل اللغة ثم رده بأنه شهادة على نفي غير محصور فلا يسمع، وتابعه عليه المصنف. وهذا أيضا ممنوع فإن العالم بفن إذا علم منه الفحص قبل منه النفي فيه. ثم إنه قد ذكر ما يناقض ذلك في المسألة الثالثة، فإنه قد رد كونها للسببية بعدم ذكر أهل اللغة له الذي هو دون تصريحهم بنفيه. نعم طريق الرد على ابن جني بوروده في كلامهم فإنه قد اشتهر. قال الشاعر:
شربن بماء البحر ثم ترفعت
…
متى لجج خضر لهن نئيج
أي: شربن من ماء البحر، وقال الآخر:
فلثمت فاها آخذا بقرونها
…
شرب النزيف ببرد ماء الحشرج
أي: من برد وأثبته الكوفيون، ونص عليه أيضا جماعة غيرهم منهم: الأصمعي والقتيبي والفارسي في التذكرة، وقال به من المتأخرين ابن مالك، وهذه المسألة تكلم الأصوليون فيها اعتقادا منهم أن الشافعي إنما اكتفى بمسح بعض الرأس لأجل الباء وليس كذلك، بل اكتفى به لصدق الاسم كما ستعرفه في المجمل والمبين، والمسألة السادسة: تقييد الحكم فإنما نحو إنما الشفعة فيما لو يقسم هل يفيد حصر الأول في الثاني على معنى أنه يفيد إثبات الشفعة في غير المقسوم، ونفيها عن غيره؟ وفيه مذهبان صحح الإمام وأتباعه أنها تفيد، وعلى هذا فهل هو بالمنطوق أو بالمفهوم؟ فيه مذهبان، حكاهما ابن الحاجب، ومقتضى كلام الإمام وأتباعه ومنهم المصنف أنه بالمنطوق؛ لأنه استدل بأن إن للإثبات وما للنفي كما سيأتي فافهم ذلك، واختار الآمدي أنها لا تفيد الحصر بل تفيد تأكيد الإثبات وهو الصحيح عند النحويين، ونقله شيخنا أبو حيان في شرح التسهيل عن البصريين، ولم يصحح ابن الحاجب شيئا، استدل الأولون بأمرين أحدهما وهو مركب من العقلي والنقلي: أن كلمة إن لإثبات الشيء وما لنفيه، والأصل عدم التغيير بالتركيب فيجب الجمع بينهما بقدر الإمكان، وحينئذ نقول: لا جائز أن يجتمع النفي والإثبات على شيء واحد للزوم التناقض، ولا أن يكون النفي راجعا إلى المذكور والإثبات للسكوت عنه؛ لأنه باطل بالاتفاق، فتعين العكس لأنه الممكن وهو المراد بالحصر، وهذا ضعيف لأن المعروف عند النحويين أن ما ليست نافية بل زائدة كافة موطئة لدخول الفعل. الثاني: أن العرب الفصحاء قد استعملوها في مواطن الحصر، قال الأعشى:
ولست بالأكثر منهم حصى
…
وإنما العزة للكاثر
قال الجوهري: معناه أكثر عددا، قال: ومقصوده تفضيل عامر على علقمة وليست بفتح التاء كما ضبطه الجوهري وغيره، وقال الفرزدق:
أنا الذائد الحامي الذمار وإنما
…
يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي
قال الجوهري: يقال: ذمر الأسد أي: زأر وتذامر القوم أي: حث بعضهم بعضا على الحرب، وقولهم: فلان حامي الذمار أي: إذا ذمر وغضب حمى، ثم قال: ويقال: الذمار ما وراء الرجل مما يجب عليه أن يحميه أي: من أهله وغيرهم، ووجه الاستدلال أن المقصود لا يحصل إلا بحصر العزة في الكاثر، وحصر الدفع فيه على أنها للحصر. قوله:"وعورض" أي: عورض ما ذكرناه بقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} فإنه لو أفاد الحصر لكان من لم يحصل له الوجل لا يكون مؤمنا وليس كذلك، وجوابه أن المراد بالمؤمنين هم الكاملون في الإيمان جمعا بين الأدلة.
"فائدة": من أدوات الحصر إلا على اختلاف فيها يأتي في بابه، ومنها حصر المبتدأ في الخبر نحو: العالم زيد وصديقي زيد، وفيها المذاهب الثلاثة المذكورة، ومنها تقديم المعمول على ما قاله الزمخشري وجماعة نحو: إياك نعبد.