المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثانيا: منهجه العام في كتابه «أخبار مكة» مقارنا بكتاب الأزرقي: - أخبار مكة - الفاكهي - ط ٤ - جـ ١

[أبو عبد الله الفاكهي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الطبعة الرابعة

- ‌المبحث الأولحياة الفاكهي

- ‌أولا: اسمه ونسبه:

- ‌ثانيا: ولادته، ونشأته:

- ‌ثالثا: طلبه للعلم، ورحلاته:

- ‌رابعا: مكانته الاجتماعية:

- ‌خامسا: مشايخه:

- ‌حرف الهمزة

- ‌حرف الباء

- ‌حرف التاء

- ‌حرف الجيم والحاء

- ‌حرف الراء والزاي

- ‌حرف السين والشين

- ‌حرف الصاد

- ‌حرف العين

- ‌حرف الفاء والقاف والكاف

- ‌حرف الميم

- ‌حرف الهاء

- ‌حرف الياء

- ‌الكنى والألقاب من شيوخه

- ‌سادسا: تلاميذه:

- ‌سابعا: وفاته:

- ‌المبحث الثانيأهميّة كتاب الفاكهي

- ‌أولا: النصوص التي احتفظ لنا بها الفاكهي، لأصول مفقودة:

- ‌ثانيا: الكتب التي أخذت عن الفاكهي:

- ‌ثالثا: عرض موجز لأهم الفصول والأبحاثالتي تضمنها هذا المجلد من كتاب الفاكهي:

- ‌المبحث الثالثمنهج الفاكهي في كتابه

- ‌أولا: منهجه الحديثي:

- ‌ثانيا: منهجه العام في كتابه «أخبار مكة» مقارنا بكتاب الأزرقي:

- ‌تقييم الجزء الأول-الجزء الضائع-من كتاب الفاكهي

- ‌المبحث الرابعموارده في هذا الكتاب

- ‌حول اسم الكتاب:

- ‌وصف النسخة المعتمدة في التحقيق:

- ‌عملنا في هذا الكتاب:

- ‌ذكرفضل الركن الأسود وما جاء فيه وأنه من حجارة الجنة

- ‌ذكرما يقال عند استلام الركن الأسود واستلامهومن لم يستلمه ورفع الأيدي عنه والرمل بالبيت

- ‌ذكرالسجود على الركن والتزامه وتقبيله

- ‌ذكر/استلام الركنين الأسود واليماني وفضل ذلك

- ‌ذكراستلام النساء الركن

- ‌ذكرمن أي جانب يستلم الحجر الأسود

- ‌ذكرالاستلام عند دخول المسجد وعند الخروج منه

- ‌ذكرالزحام على الركن الأسود واليماني، من فعل ذلك ومن كرههوذكر استلامهما

- ‌ذكرأول من استلم الركن من الأئمة بعد الصلاة

- ‌ذكرما أصاب الركن من الحريق وذرع ما يدور الحجرالأسود من الفضة وتفسيره

- ‌ذكرذرع ما بين الحجر الأسود إلى الأرض

- ‌ذكراستلام الركن اليماني وفضله وما جاء فيه

- ‌ذكراستلام الركنين: الحجر واليماني في كل وتر

- ‌ذكرما يقال بين الركنين الأسود واليماني

- ‌ذكرمن كان يطوف بالبيت ولا يستلم

- ‌ذكراستلام الركنين الغربيين [اللذين](4)يليان الحجر

- ‌ ذكراستلام الأركان كلها وتقبيلها ومسحها ومن لميمسحها وتفسير ذلك

- ‌ذكرتقبيل الأركان وتقبيل الأيدي إذا مسحت بها والتصويتبالقبلة وما جاء في ذلك

- ‌ذكرالملتزم والتزامه والدعاء فيه وفضل ذلك وماجاء فيه

- ‌ذكرالتزام دبر الكعبة ومن كان يفعله

- ‌ذكرمن كان يلتزم البيت ومن كان لا يلتزمه

- ‌ذكرالدعاء بين الركن والمقام

- ‌ذكرالصلاة في وجه الكعبة

- ‌ذكرحد قبلة الكعبة

- ‌ذكرالطواف بالكعبة والصلاة وما يؤمر بهفيه من الصمت

- ‌ ذكركثرة الطواف والثواب عليه

- ‌ذكركراهية الكلام بالفارسية في الطوافوالاضطباع فيه

- ‌ذكرما ينزل على الطوّاف وأهل مكة من الرحمةفي كل يوم وتفسيره

- ‌ذكراحصاء الطواف فيه وما يؤمر به من الصمتوالسكوت فيه والتواضعوالخشوع

- ‌ذكرمن رخّص في الكلام في الطواف بالخير والدعاء

- ‌ذكرالتؤدة والسرعة في الطواف

- ‌ذكرالإقران في الطواف ومن رخص فيه وفعله، ومنلم يفعله، وتفسير ذلك

- ‌ذكرمن رخص في الإقران في الطواف

- ‌ذكرالقراءة في الطواف وذكر اللهعز وجل

- ‌ذكرما يقال في الطواف وتفسير ذلك

- ‌ذكرالقيام في الطواف وحدّ الطواف

- ‌ذكرالقيام على باب الكعبة

- ‌ذكرطواف النساء بالبيت متنقبات

- ‌ذكرمن نذر أن يطوف بالبيت على أربع قوائم،أو مقرونا كيف يصنع

- ‌ذكرالصلاة والطواف للغرباء أيهما أفضل

- ‌ذكرالطواف بالبيت على الدواب راكبا ومن فعلهورخص فيه

- ‌ذكرالطواف في المطر وفضله

- ‌ذكرالطواف بالبيت سباحة في السيل العظيم ومنفعله

- ‌ذكرأول من فرق بين الرجال والنساء في الطواف

- ‌ذكرفضل الطواف عند طلوع الشمس وعندغروبها

- ‌ذكرالصلاة بمكة في كل وقت

- ‌ذكرمن رخّص في الصلاة بعد العصر، ومن كان يصليويأمر بالصلاة حينئذ

- ‌ذكرمن لم ير الصلاة بعد العصر وبعد الصبح بمكة

- ‌ذكرمن قال تجزيء المكتوبة من ركعتي الطواف

- ‌ذكرالانصراف من الطواف على وتر

- ‌ذكرالانصراف من الطواف لحاجة تبدو

- ‌ ذكرمن كان يصلي خلف كل سبع أربع ركعات، وابتلالالكعبة من جوانبها في المطر

- ‌ذكرتغميض العينين في الطواف والطواف في القلانس

- ‌ذكرالتوقيت في الصلاة والصلاة بالليل والنهار

- ‌ذكرالمريض والكبير يطاف به بالبيت على أيدي الرجال

- ‌ذكرما يستحب من الذكر لله-تبارك وتعالى-في الطواف

- ‌ذكرالرجل يقرأ السجدة وهو يطوف بالبيت

- ‌ذكرالطواف في الخفاف والنعال وتفسير ذلك

- ‌ذكرالمقيد يطوف بالبيت

- ‌ذكرالشرب في الطواف

- ‌ذكرالاستراحة في الطواف

- ‌ذكرأين تصلّى ركعتا الطواف من المسجد

- ‌ذكرالرجل يطوف عن الحي والميت ومن فعله

- ‌ذكرالتحفّظ في الطواف والتشديد في الطوافعلى غير وضوء

- ‌ذكرمن يقطع عليه الطواف بصلاة مكتوبة أو غيرها

- ‌ذكرالطواف في الثياب الموردة وكراهية أن تمس الكعبةعلى غير وضوء

- ‌ذكركراهية أن يقال للطواف شوط أو دور

- ‌ذكرالاقلف يطوف بالكعبة

- ‌ذكرالطواف بالصبيان إذا ولدوا، وإذا اختتنوا،وإذا ختموا

- ‌ذكرإنشاد الشعر في الطواف وفي المسجد الحرام وتفسير ذلك

- ‌ذكرطواف النساء الغرباء بالبيت في المواسم في الإسلام والجاهليةوالطواف بالجواري الأحرار والإماء بمكة إذا بلغن وتفسير ذلك

- ‌ ذكرطواف الحية وغيرها من الدواب بالكعبةودخولهن المسجد الحرام

- ‌ذكرمن حدث من أهل العلم المتقدمين وهو يطوفبالبيت وتفسير ما حدثوا به

- ‌ذكرفرش الطواف بأي شيء هو

- ‌ذكرالجلوس في ظل الكعبة وفضل ذلك

- ‌ذكرالمستحاضة تدخل الكعبة وما جاء فيه

- ‌ذكرالمكتوبة تصلى في الكعبة ومن لا يدخل الكعبةمن النساء وتفسيره

- ‌ذكرمن كره ان يكون حول الكعبة بناء يشرف عليها

- ‌ذكرما يقال عند وداع الكعبة وكيف يفعل من أرادالوداع

- ‌ذكرطيب الكعبة يصيب الثوب والانتفاع به

- ‌ذكرمن حلف بالمشي إلى الكعبة كيف يصنع

- ‌ذكرجمار الكعبة ومن كان يجمرها فيما مضىمن حجبة البيت ومن فعل ذلك

- ‌ذكرالحلف بالكعبة وحدها حتى يقول ورب الكعبة ومنفعل ذلك

- ‌ذكرمن لم ير بأسا أن يحلف برب الكعبة فيقول وربّ الكعبةومن فعل ذلك وحلف به

- ‌ذكرصفة الحبشي الذي يهدم الكعبة وذكر ما يأتي مكةمن الجيوش فيخسف بهم قبل وصولهم إليها

- ‌ذكرقوله صلى الله عليه وسلم لا تغزى مكة بعد الفتحوتفسيره

- ‌ذكرفرض حج البيت الحرام على الناس

- ‌ذكرقول الله عز وجل {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ}(3)وتفسير ذلك

- ‌ذكرما يقوم من الأعمال مقام الحج

- ‌ذكرالسبيل إلى الحج وما يوجبه

- ‌ذكرالتشديد في التخلف عن الحج والواجب من غير علة

- ‌ذكرالحج بالصبيان الصغار وما جاء فيه

- ‌ذكرفضل الموت في الحج والعمرة وما جاء فيه

- ‌ذكرالرجل يحج عن أبويه وقرابته وفضل ذلك

- ‌ذكرالمشي في الحج وفضله

- ‌ذكرالأذان في الحج من السماء

- ‌ذكرالتشديد في التخلف عن الحج

- ‌ذكرالراكب في الحج وما كان الناس يركبون

- ‌ذكرمن قال يحج على أي الدواب كان

- ‌ذكرالمتابعة بين الحج والعمرة وفضل ذلك

- ‌ذكرتلبية الحاج إذا لبى وما يجيبه وانهم وفد اللهتعالى واجابة دعوته، وخلف النفقةفي الحج والثواب عليه وتفسير ذلك

- ‌ذكرالمغفرة للحجاج ولمن استغفر له الحاج

- ‌ذكرائتناف العمل بعد الحج وفضل ذلك وتفسيره

- ‌ذكرفضل حاج الكعبة يوم القيامة على الناس والترغيبفي موافاة الحج وتفسيره

- ‌ذكرسرعة السير لحجّ البيت ومن فعله

- ‌ذكرالمقام وفضله

- ‌ذكرقيام ابراهيم عليه الصلاة والسلام على المقامواذانه عليه بالحجّ وفضل المقام

- ‌ذكرالأثر الذي في المقام وموضع قدم إبراهيمعليه الصلاة والسلام فيه وتفسيره

- ‌ ذكرالجلوس خلف المقام ومن جلس خلفه

- ‌ذكرموضع المقام من أول مرّة وردّه إلى موضعهوذكر السيل الذي أصابه في الجاهلية والإسلام

- ‌ذكرمسح المقام وتقبيله وتعظيمه

- ‌ذكرالصلاة خلف المقام وأين تستحب الصلاة فيهوالدعاء خلف المقام

- ‌ذكرالصلاة بين الركن والمقام وفضل ذلك

- ‌ذكرالبيعة التي تكون بين الركن والمقام وجامعذكر المقام

- ‌ذكرما تجوز فيه اليمين بين الركن والمقام وتعظيم ذلكوالتشديد في اليمين بينهما

- ‌ذكرذرع المقام وصفته وما كان عليه إلى اليوموتفسير ذلك

الفصل: ‌ثانيا: منهجه العام في كتابه «أخبار مكة» مقارنا بكتاب الأزرقي:

وقال في الأثر 2010 قال: حدّثنا الزبير بن أبي بكر، قال: كانت قريش لا تبني إلا خياما-شك الفاكهي-أو: آجاما

الخ.

وتراه ربّما قال: حدّثنا أبو بشر-إن شاء الله-.

9 -

إذا وجد تصحيفا في الحديث، في سنده، أو في متنه، يورده كما هو، ثم ينبّه على صوابه بعد الحديث

(1)

.

10 -

قد يعقب بحكم على حديث أورده:

قال في الحديث 1918:حدّثني أحمد بن صالح-عرضته عليه-قال:

حدّثني محمد بن اسماعيل القرشي المدني، قال: حدّثني عبد الله بن نافع، عن مالك بن أنس، فذكر حديثا في زيارة النبي صلى الله عليه وسلم بعد إتمام الحج، ثم قال الفاكهي عقبه: هذا حديث منكر من حديث مالك بن أنس.

هذه بعض الملاحظات التي تراها شاخصة في كتاب الفاكهي في مجال الصنعة الحديثية، تعطيك نموذجا لعلمائنا الأمناء في التحمّل والأداء، وتجعلك على ثقة بما يرويه هذا الإمام الجليل عن شيوخه في هذا السّفر الميمون.

‌ثانيا: منهجه العام في كتابه «أخبار مكة» مقارنا بكتاب الأزرقي:

لقد سار الفاكهي في كتابه على النحو التالي:

1 -

يعنون للمبحث أو للفصل الذي يريد البحث فيه، فيقول: ذكر كذا وكذا.

ثم يورد ما يراه مناسبا من أحاديث وآثار في ذلك المبحث مقدما ذكر الأحاديث على الآثار (في الغالب)،ويذكر ذلك بأسانيد متصلة وبطرق مختلفة.

ولذلك قلّت فيه الأخبار المنقطعة، والآثار المعلقة، قلة ظاهرة.

2 -

إن المساحة الفقهية في كتاب الفاكهي مساحة واسعة، ذلك أن طبيعة الجزء الثاني من كتابه تدعوه لذكر الطواف والسعي، والاحرام، والوقوف بعرفة، والمبيت بمزدلفة، ورمي الجمار بمنى، وما إلى ذلك.

(1)

أنظر الآثار:1742،1856،2330،2719،2414.

ص: 46

إن ذلك كله مذكور بتوسع مسهب قلّما تجده في كتاب آخر يختصّ بالمناسك، وهذه الثروة الفقهية تسجّل للفاكهي، فقد زاد ما ذكره من مادة علمية في هذه المجالات على الكتب المصنّفة في هذا النوع على الخصوص.

وهذه مزية ظاهرة في كتاب الفاكهي بخلاف كتاب الأزرقي فإنه لم يطل النفس في ذلك.

3 -

تنوّع أسانيد الفاكهي، وكثرتها كثرة ظاهرة واهتمامه بالصنعة الحديثية فاقت ما عند الأزرقي بكثير.

فكثير من كتاب الأزرقي تراه مرويّا من طريق جدّه، بخلاف الفاكهي حيث كثر عدد شيوخه.

4 -

لا يحاول الفاكهي أن يرجّح بين الأقوال الفقهية، بل يعرض أدلة هؤلاء وهؤلاء بمنتهى الأمانة، وهذا الاختلاف في المسائل الفقهية المتعلقة بمكة والحرم والبيت والمناسك، حاول الفاكهي أن يطيل فيها النفس، فهو يذكر القول، ويذكر ما يخالفه إنّ وجد، لكنه لا يحاول أن يرجّح قولا على قول، أو يختار مذهبا على مذهب، فهو يعرض الأقوال، ويترك حرية الاختيار للباحث، لأنه ذكر الأدلة بأسانيدها. لكنه عند ما يعرض لبعض المباحث التاريخية، أو مباحث تحديد المواضع تراه يدلي بدلوه، ويرجح ما هو راجح، داعما ما ذهب إليه بما لديه من أدلة فعندما ذكر جبل «الاقحوانة» في مكة، قال: هو الجبل الذي به ثنية الخضراء، وبأصله بيوت الهاشميين، يمر سيل منى، بينه وبين ثبير.

ويقال: الاقحوانة: ما بين: «بئر ميمون» الى «بئر ابن هشام» .

ويقال: بل الاقحوانة: بأجياد الصغير في ظهر: «دار الدومة» وما ناحاها ثم قال الفاكهي: والقول الأول أصحّ، ثم استشهد لما قاله ببيت من الشعر

(1)

.

5 -

بذل الفاكهي جهدا عظيما في كتابه لنقل ما رآه وما شاهده في مكة والمسجد الحرام، وبنائه، وأساطينه، وشرفاته، وسقفه، وصفة كل ذلك وتواريخ عمارة هذه الأشياء، وهذا يتفق مع الأزرقي فيه، لكن ما يعرض له الفاكهي يكون أوسع ممّا يذكره الأزرقي.

(1)

أنظر ما بعد الأثر:1491.

ص: 47

فتجد الأزرقي عند ما يذكر بابا من أبواب المسجد الحرام، أو اسطوانة من أساطينه مثلا، يصفها ويمضي إلى غيرها.

أما الفاكهي فيصف ما وصف الأزرقي، لكنه يزيد عليه بأمور منها:

أ) يذكر أهم الحوادث التي صاحبت هذا الأمر الموصوف، أو جرت عنده. فعندما ذكر اسطوانة من أساطين المسجد، قال: وهذه التي كان يتعبّد عندها سفيان بن عيينة. وهذه التي كان يصلي إليها ابن جريج. وهذه التي صلّي عندها علي سفيان بن عيينة. وهكذا يمضي في اضافات ممتعة قد لا تجدها إلاّ عنده.

وقد ينشد الفاكهي ما قيل في ذلك الموضع الموصوف من شعر، أو ما حدث عنده من طرائف الأخبار.

ب) اهتمامه الواسع في نقل وتسجيل ما رآه من كتابات على أبواب المسجد الحرام، وأساطينه، وما رآه في حجرة زمزم، داخلها وخارجها، وما رآه مكتوبا على المقام بغير اللغة العربية، وغير ذلك كثير جدا، وهذه ميزة هامة.

ثم ان هذا النقل، ظهرت عليه دلائل الأمانة والصدق، والدقة في التسجيل، يدلنا على ذلك، مباشرة الفاكهي لهذه القضايا بنفسه، دون الاعتماد على غيره، قال بعد الأثر 145: (وشبرت أنا بيدي غير مرة الركن الأسود وذرعته، فإذا هو في طول إثني عشر اصبعا بإصبعي، وعرضه سبع أصابع، وذرعته يوم الخميس، قبل الزوال في المحرم سنة:264 هـ.

وقد نقل لنا ما رآه على المقام ثم قال: (وحكيته كما رأيته مخطوطا فيه، ولم آل جهدي).

ثم قال: (فهذا الذي استبان لي من الخطوط، وقد بقيت منه بقية لم تستبن لي فلم أكتبها)

(1)

.

ثم إن الفاكهي لم يقف عند هذا، بل استعان بأهل الاختصاص في حل رموز ما وجده مكتوبا، فأطلع عليه شيخه:(أبا الحسن علي بن زيد الفرائضي) وهذا الثاني ذهب بصورة الكتابة إلى مصر حيث يعرف رجلا عالما بمثل هذه الخطوط، فترجم له عبارة ذلك الخط، ونقل لنا الفاكهي هذه الترجمة بأمانة.

(1)

أنظر ما بعد الأثر 1046.

ص: 48

ومثل هذا لا تجده لا عند الأزرقي ولا غيره.

6 -

تفسيره للغريب الوارد في الروايات، وتوضيحه لغير الواضح من الأشعار والحكايات، وهذا شيء تجده منثورا في كتاب الفاكهي

(1)

.

7 -

المنهج الموسوعي الذي ارتضاه الفاكهي لنفسه في كتابه، جعله يتنوّع في مصادره، ولم يقتصر على جانب واحد من جوانب معرفة ما يتعلق بمكة. فتراه ينقلك من جانب إلى جانب، ومن علم إلى علم، ومن جد إلى مزح، ومن فرح إلى حزن، وما إلى ذلك، لأن من يختط لنفسه هذا المنهج قد تراه يجمع بين الأمر ونقيضه.

ففي الوقت الذي يفرد الفاكهي فصلا لعبّاد مكة وزهّادها، تراه يفرد فصلا لمغنّي مكة ومطربيها. وفي الوقت الذي يتحدث فيه عن الرخاء الذي أصاب أهل مكة دهرا، يفرد فصلا للكلام عن الغلاء والضيق الذي كان يعمّ أهل مكة حينا آخر.

وهكذا تجده يذكر من أحلّ هذا الأمر، ومن حرّمه، ومن أجازه ومن منعه بنفس واحد، من أول ما وقفنا عليه من هذا الكتاب إلى آخره، وهذا لا تجده في كتاب الأزرقي.

8 -

إن الجانب الأدبي، وما أورده الفاكهي في كتابه من أشعار، وأقوال وخطب، شيء كثير، ظاهر الكثرة، فهو قد يختم بعض فصوله بما قيل في هذا الأمر من شعر، فتراه عند ما يذكر الطواف، لا ينسى أن يفرد فصلا في جواز انشاد الشعر في الطواف، ثم روى لنا بعض ما قيل من شعر أثناء الطواف. وعند ما يذكر أيام منى، ومضارب الحجّاج فيها، ومنازلهم، لا ينسى أن يسجّل ما قيل في ذلك من شعر.

حتى إذا ما حان وقت الرحيل عن منى، وجعل الحجّاج يطوون خيامهم للرحيل، يفرد الفاكهي فصلا طويلا لما قيل من شعر في مثل هذا الظرف الحزين.

وقد يطعّم الفاكهي كثيرا من الحوادث التاريخية. بما قيل فيها من شعر وكذلك عند وصفه لموضع من مواضع مكة يورد ما قيل من شعر وما إلى ذلك من دواعي إنشاء الشعر، مع الذوق الأدبي الرفيع في اختيار المقطوعات الشعرية، وشرح غريبها، وأحيانا نسبتها إلى قائلها. وهذه الأمور لا تجدها بهذه السّعة عند الأزرقي.

(1)

أنظر الآثار:1151،1156.

ص: 49

إلا أن الأمر الجدير بالتسجيل في هذا الجانب أننا وجدنا كثيرا من الأبيات الشعرية التي أنشدها الفاكهي وسمّى قائلها غير مذكورة لا في دواوين هؤلاء الشعراء، ولا في الكتب التي أوردت شعرهم. أنظر مثلا ما أنشده لعبد الله بن الزّبعري بعد الآثار 2126،2134،2138 وفي 2177.حيث لم نجد هذه المقطوعات الشعرية في ديوانه، الذي جمعه الدكتور يحيى الجبوري من أكثر من 80 مرجعا.

وأنظر أيضا ما أنشده للأخطل بعد الأثر 2248،حيث لم نجده في ديوانه.

وكذا ما أنشده لرؤية بن العجاج بعد الأثر 2272،حيث لم نجده في ديوانه ولا غيره. وغير ذلك كثير.

9 -

عند ذكره لبعض الحوادث التاريخية، قد يذكر ما صاحبها من أمور تخص مكة وأهلها لإعطاء صورة أوسع، ومنظر أشمل لما يجري في مكة خلال السنة موضوع البحث.

ففي الأثر 1866 عند ما ذكر سيلا من سيول مكة اسمه سيل أبي حنظلة، وقد وقع سنة 202 قال: وفي هذه السنة قتل يزيد بن محمد بن حنظلة (وكان والي مكة) في أول يوم من شعبان، ودخل ابراهيم بن موسى مكة مقبله من اليمن. أه.

10 -

شيء مهم نسجّله هنا على منهج الفاكهي، وهو شيء طبيعي وعادي لمن يسلك المنهج الموسوعي الذي أشرنا إليه وهو أنه لم يلتزم إخراج الصحيح فقط من الأحاديث والآثار، والأخبار، بل أخرج الصحيح من الحديث وهو الغالب على ما رواه مرفوعا، وقد يخرج الضعيف، وقد يخرج الموضوع. وهو قليل جدا، بل نستطيع أن نجزم أن الأحاديث الموضوعة في هذا الكتاب لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، ولا يخرج ذلك في الحلال والحرام، أو في الاستشهادات الفقهية.

أما الآثار فمنهجه فيها منهج الأحاديث المرفوعة.

وأما الأخبار فلم يلتزم فيها ما التزم في المرفوع، فقد يخرج المنقطع والتالف من الأسانيد، وعذره في ذلك أن هذه أخبار لا يعتمد عليها في تحليل أو تحريم، وأي أحكام شرعية، ومثل هذا تجوّزوا في روايته مع ذكر إسناده، على مذهب كثير من أئمة الحديث، ويكفينا في ذلك مثلا الإمام ابن جرير الطبري في تفسيره

ص: 50

وتاريخه، فقد أخرج لأناس من الضعفاء والمتروكين في تاريخه لكنه لم يخرج لهم في التفسير.

وعلى أية حال فقد خرج الفاكهي من العهدة ببيان السند، فجزاه الله عن المسلمين خير الجزاء.

11 -

شيء آخر نسجّله للفاكهي على الأزرقي، وهو أن هناك فصولا ومباحث كثيرة تعرّض لها الفاكهي، أعرض عنا الأزرقي بالكلية، ويكفينا للموازنة بين الكتابين في هذا المجال إلقاء نظرة فاحصة لفهرس الكتابين.

وقد تنبّه إلى هذا تقي الدين الفاسي، فقال في «العقد الثمين»

(1)

: (وكتاب الفاكهي كتاب حسن جدا لكثرة ما فيه من الفوائد النفيسة وفيه غنية عن كتاب الأزرقي، وكتاب الأزرقي لا يغني عنه، لأنه ذكر فيه أشياء كثيرة حسنة جدا لم يذكرها الأزرقي، وأفاد في المعنى الذي ذكره الأزرقي أشياء كثيرة لم يفدها الأزرقي).

ثم إن هناك أحداثا ذكرها الأزرقي باقتضاب، ولكن عند ما تناولها الفاكهي فصّل فيها القول، بما لا تجده عند الأزرقي.

ففي مبحث (البرك التي عملت بمكة وتفسير أمرها) عند ما ذكر عين زبيدة قال: (إن المأمون أمر أمير مكة أن يعمل له خمس برك في مكة أخذا من عين زبيدة) وقد فصّل الفاكهي كيفية عمل هذه البرك، ومواضعها، وما جرى عند افتتاحها، بينما نرى الأزرقي اختصر هذا الحدث، مكتفيا بالإشارة إليه.

وقد نبّه على هذا الفاسي في العقد الثمين

(2)

فقال في ترجمة (صالح بن العباس-والي مكة-) بعد أن نقل كلام الأزرقي: (وقد أفاد الفاكهي غير ما سبق فنذكره) ثم ذكر كلام الفاكهي بحروفه.

وهكذا فإن في كتاب الفاكهي زيادات كثيرة جدا يصعب احصاؤها في أغلب فصوله ومباحثه، قد لا تجد لها في كتاب الأزرقي إلا إشارات أو ذكر مقتضب وجيز.

وبذلك يصدق كلام الفاسي عند ما يقول عن كتاب الفاكهي (وما أكثر فوائده)

(3)

.

(1)

411/ 1.

(2)

28/ 5.

(3)

العقد الثمين 19/ 1.

ص: 51

12 -

هل اعتمد الفاكهي على كتاب الأزرقي؟

سؤال يفرض نفسه في مثل هذا الظرف.

إنّ الأزرقي توفي قبل الفاكهي بعقدين من الزمن تقريبا، والكتاب كان معروفا في مكة، وصاحبه مشهورا، وعلم من أعلام مكة، فهل من المعقول أنّ الفاكهي لم يطّلع على كتاب الأزرقي؟ واذا اطّلع عليه فلماذا صنّف كتابه إذا؟ وإذا كان اطلع عليه فهل استفاد منه؟

إن الجواب على السؤال الثاني سهل ميسور، فإذا كان اطلع عليه رأى فيه قصورا عمّا يفكّر به، فأراد أن يصنّف ما هو أوسع وإذا لم يكن قد وقف عليه أصلا، فهذا يدفع الفاكهي إلى التصنيف من باب أولى.

أما الإجابة عن السؤال الأول، والثالث، فهذا يحتاج إلى وقفة متأنية، ونظرة فاحصة في الكتابين.

لقد صرح الفاكهي في أربعة مواضع

(1)

أنه روى عن شيخه عبد الله بن أحمد بن أبي مسرّة، عن أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي.

وأحمد بن محمد الأزرقي هذا (المتوفى سنة 217) هو جد الأزرقي صاحب «أخبار مكة» .وجدّه في حقيقة الحال هو واضع اللبنات، بل الهيكل العام لكتاب «أخبار مكة» ،ولم يكن دور الحفيد إلاّ الترتيب والتبويب، والرواية عن جدّه، مع اضافات لا يستهان بها على ما ذكره جدّه.

فالفاكهي روى عن الجدّ، ولكن ليس بواسطة الحفيد، وهذه الروايات الأربع موجودة في أخبار مكة للأزرقي، فلماذا إذا لم يروها عن الحفيد راوي الكتاب ومرتبه؟ لا ندري، ولا نريد أن نتخرّص الظنون.

وبعد النظر في كتابي الأزرقي والفاكهي، وجدنا الاثنين يقولان: قال بعض أهل مكة، وينقلان المادة نفسها.

وقد يقول الفاكهي: قال لي رجل من أهل مكة وأعطاني كتابا عن أشياخه فيه أسماء مكة

(2)

وتجد مثل هذه العبارة عند الأزرقي، ينقل عن مشايخ أهل مكة، ما نقله الفاكهي.

(1)

أنظر الآثار:749،1740،2112،2456.

(2)

الأثر:1526.

ص: 52

وقد يقول الفاكهي: (أعطاني أحمد بن محمد بن ابراهيم كتابا ذكر أنه عن أشياخه من أهل مكة فكتبته من كتابه)

(1)

.

وتجد مثل هذه المعلومات عند الأزرقي.

وقد يقول الفاكهي: (قال بعض أهل مكة).ويسرد فصلا تجده عند الأزرقي، وقد يزيد الفاكهي عليه قليلا، أو كثيرا. وهذا شيء ليس بقليل في كتاب الفاكهي.

فماذا يعني هذا؟

هل يعني هذا أن الفاكهي استفاد من كل هذه الفصول من الأزرقي؟ أم يعني أن الأزرقي والفاكهي كليهما قد اعتمدا على مصدر واحد في استقاء هذه المواد في كتابيهما؟

نستطيع إلى الآن أن نرجح هذا الأخير، أما ما هي المرجّحات فهذه هي:

أولا: إنّ الفاكهي ليس مدلسا، وقد وضّحنا ذلك في منهجه الحديثي.

ثانيا: إنّ الفاكهي قد يقول في كتابه: (قال بعض أهل مكة)،أو (يزعم بعض أهل مكة)،ويسرد كلاما طويلا، ولم نجد لهذا الكلام أثرا في كتاب الأزرقي لا من قريب ولا من بعيد

(2)

.

فهل سقطت مثل هذه المباحث من نسخة الأزرقي المطبوعة؟

هذا بعيد، لأن محقّق الأزرقي قد اعتمد على نسخ عديدة في إخراج الكتاب، فاحتمال السقط من نسخة واحدة ممكن لكن من نسخ أخرى فهذا مستبعد.

ثالثا: إنّ كثيرا من الفصول التي أوردها الأزرقي والفاكهي بغير أسانيد تجدها بحروفها عند ابن رسته المتوفى في حدود سنة 300 في كتابه «الأعلاق النفيسة» .

رابعا: إنّ أبا إسحاق الحربي المتوفى سنة 285 ينقل فصولا أيضا في كتابه

(1)

نفس المصدر.

(2)

أنظر مثلا الخبر 1786،حيث تفرد الفاكهي بذكر هذا الخبر، ولم نجده لا عند الأزرقي ولا عند غيره. وعلى الفاكهي اعتمد الفاسي في شفاء الغرام 87/ 1 في ذكر هذا الخبر ولم يشر إلى أي مصدر آخر.

ص: 53

«المناسك» توافق ما ينقله الفاكهي والأزرقي وابن رسته، ولكنه لم يوضّح مصدره في ذلك.

فالنتيجة أن هؤلاء الأربعة: الأزرقي والفاكهي والحربي وابن رسته كلهم ينقلون من مصدر واحد، لكن واحدا منهم لم يبيّن لنا هذا المصدر، ومن هو مؤلفه.

والذي يبدو لنا أن هذا المصدر يختص بذكر المسجد الحرام وقياساته بالذراع والأصبع قياسات محررة دقيقة، ويتحدث عن وصف المسجد الحرام وصفا دقيقا، والصفا، والمروة، وما بينهما من الأطوال والمسافات، والمسافات بين مكة ومنى، وبين منى ومزدلفة، وبين مزدلفة وعرفات، وما إلى ذلك بالميل والذراع والاصبع

(1)

.وفي نظرنا أن هذا العمل لا يمكن لشخص واحد أن يقوم به إذا لم تساعده لجنة صابرة صادقة، وتتولى الإنفاق عليها جهة ذات سلطة، لأن هذه اللجنة قد حددت الأميال من مكة إلى عرفات، ووضعت علامات الأميال (وهو بناء مرتفع بقدر ثلاثة أمتار تقريبا).

وقد ورد وصف هذه الأميال ومواضعها عند الأزرقي والفاكهي وصفا دقيقا، ترى هل يمكن لفرد أو أفراد أن يقوموا بمثل هذا العمل لوحدهم، دون دعم مالي، أو بالأحرى دون تكليف رسمي تتولاه الدولة أو السلطة المسؤولة يومذاك؟

إن مثل هذا العمل لا بدّ أن تتولاّه الحكومة في ذلك البلد وتحرّره وتقيّده وتسجّله معتمدة في ذلك على خبراء مختصين، وأمناء موثوقين وتودع هذه الوثائق والمعلومات في دواوينها.

إن مثل هذا العمل ليس مستبعدا، بل هو الافتراض الذي يقرره الواقع، فاستفاد كل من الفاكهي والأزرقي من هذه الوثائق والسجلات دون الإشارة إلى مصدرهما، والله أعلم.

(1)

ذلك أن المعلومات المتحدة عند هؤلاء الأربعة هو ما يتعلق بما ذكرنا.

ص: 54