المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب صفة العمل في الصلوات المفروضة وما يتصل بها من النوافل والسنن - الثمر الداني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني

[صالح بن عبد السميع الأزهري]

فهرس الكتاب

- ‌مدخل

- ‌باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب أمور الديانات

- ‌باب ما يجب منه الوضوء والغسل

- ‌باب طهارة الماء والثوب

- ‌باب صفة الوضوء ومسنونه ومفروضه

- ‌باب في الغسل

- ‌باب فيمن لم يجد الماء وصفة التيمم

- ‌باب في المسح على الخفين

- ‌باب في أوقات الصلاة وأسمائها

- ‌باب في الأذان والإقامة

- ‌باب صفة العمل في الصلوات المفروضة وما يتصل بها من النوافل والسنن

- ‌باب في الإمامة وحكم الإمام والمأموم

- ‌باب جامع في الصلاة

- ‌باب في سجود القرآن

- ‌باب في صلاة السفر

- ‌باب في صلاة الجمعة

- ‌باب في صلاة الخوف

- ‌باب في صلاة العيدين والتكبير أيام منى

- ‌باب في صلاة الخسوف

- ‌باب في صلاة الاستسقاء

- ‌باب ما يفعل بالمحتضر وفي غسل الميت

- ‌باب في الصلاة على الجنائز والدعاء للميت

- ‌باب في الدعاء للطفل والصلاة عليه وغسله

- ‌باب في الصيام

- ‌باب في الاعتكاف

- ‌باب في زكاة العين والحرث والماشية وما يخرج من المعدن وذكر الجزية وما يؤخذ من تجار أهل الذمة والحربيين

- ‌باب في زكاة الماشية وزكاة الإبل والبقر والغنم

- ‌باب في زكاة الفطر

- ‌باب في الحج والعمرة

- ‌باب في الضحايا والذبائح والعقيقة والصيد والختان وما يحرم من الأطعمة والأشربة

- ‌باب في الجهاد

- ‌باب في الأيمان والنذور

- ‌باب في النكاح والطلاق والرجعة والظهار والإيلاء واللعان والخلع والرضاع

- ‌باب في العدة والنفقة والاستبراء

- ‌باب في البيوع وما شاكل البيوع

- ‌باب في الوصايا والمدبر والمكاتب والمعتق وأم الولد والولاء

- ‌باب في الشفعة والهبة والصدقة والحبس والرهن والعارية والوديعة واللقطة والغصب

- ‌باب في أحكام الدماء والحدود

- ‌باب في الأقضية والشهادات

- ‌باب في الفرائض

- ‌باب جمل من الفرائض والسنن الواجبة والرغائب

- ‌باب في الفطرة والختان وحلق الشعر واللباس وستر العورة وما يتصل بذلك

- ‌باب في الطعام والشراب

- ‌باب في السلام والاستئذان والتناجي والقراءة والدعاء وذكر الله والقول في السفر

- ‌باب في التعالج وذكر الرقى والطيرة والنجوم والخصاء والوسم والكلاب والرفق بالمملوك

- ‌باب في الرؤيا والتثاوب والعطاس واللعب بالنرد وغيرها والسبق بالخيل والرمي وغير ذلك

الفصل: ‌باب صفة العمل في الصلوات المفروضة وما يتصل بها من النوافل والسنن

أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله.

ــ

أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله مرة واحدة" وما ذكره من إفراد الإقامة هو المذهب فإذا شفعها غلطا لا تجزئه على المشهور وأراد بالغلط ما يشمل النسيان فالعمد أولى.

ص: 100

‌باب صفة العمل في الصلوات المفروضة وما يتصل بها من النوافل والسنن

.

ــ

"باب في بيان صفة العمل" قولا وفعلا "في الصلوات المفروضة و" في بيان "ما يتصل بها من النوافل" كالركوع قبل الظهر والركوع بعده وقبل العصر وبعد المغرب وبعد العشاء "و" ما يتصل بها أيضا من "السنن" احترز المصنف بقوله وما يتصل بها من السنن عن السنن التي لا تتصل بالصلوات المفروضات فإنه لا يذكرها في هذا الباب بل يفرد لها أبوابا غير هذا وقد اشتملت الصفة التي ذكرها على فرائض وسنن وفضائل ولم يميزها وسنبين كلا من ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى ويؤخذ من كلامه أن من أتى بصلاته على نحو ما رتب ولم يعلم شيئا من فرائض الصلاة ولا من سننها وفضائلها أن صلاته صحيحة إن كان يعتقد أن فيها فرائض وسننا ومستحبات وأما لو اعتقد أن كلها سنن أو مندوبات أو الفرض سنة أو مندوب فتبطل وأما إذا اعتقد أنها كلها فرائض فتصح فيما يظهر إذا

ص: 100

والإحرام في الصلاة أن تقول الله أكبر لا يجزىء غير هذه الكلمة

ــ

سلمت مما يفسدها وكذا لو اعتقد أن السنة أو الفضيلة فرض أو السنة مستحب أو العكس بشرط السلامة مما يفسد وكذا إن كان أخذ وصفها عن عالم بأن رآه يفعل أو علمه كيفية الفعل وقيل تبطل إن لم يعرف المكلف أحكام ما اشتملت عليه ولذا قال بعضهم إن حاجتنا إلى معرفة الأحكام آكد من حاجتنا إلى معرفة الصفة "الإحرام" وهل هو النية أو التكبير أو هما مع الاستقبال رجح الأجهوري الأخير فالإضافة على الأول في قولهم تكبيرة الإحرام من إضافة المصاحب للمصاحب وعلى الثاني بيانية وعلى الثالث من إضافة الجزء للكل أي أن أول الصفة الإحرام وهو الدخول "في الصلاة" فرضا كانت أو نفلا بالتكبير وهو "أن تقول الله أكبر" بالمد الطبيعي للفظ الجلالة قدر ألف فإن تركه لم يصح إحرامه كما أن الذاكر لا يكون ذاكرا إلا به "لا يجزىء غير هذه الكلمة" إن كان يحسن العربية أما من لا يحسنها فقال عبد الوهاب يدخل بالنية دون العجمية وقال أبو الفرج يدخل بلغته وهو ضعيف وإن كانت الصلاة لا تبطل قياسا على كراهة الدعاء بالعجمية للقادر على العربية ولكن المعتمد القول الأول وسمى المصنف هذه الجملة كلمة نظرا للغة لا لاصطلاح النحويين والتكبير فرض في حق الإمام والفذ بالاتفاق وفي حق المأموم على المشهور وروي عن مالك أن الإمام يحمل تكبيرة الإحرام عن المأموم فلو ترك الإمام تكبيرة الإحرام عامدا أو ساهيا بطلت صلاته وصلاة من خلفه ودليل وجوبه ما في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم: "مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم" والمعنى في الحديث من قوله:

ص: 101

وترفع يديك حذو منكبيك أو دون ذلك

ــ

الطهور بضم الطاء المصدر أي التطهر الأعم من الوضوء والغسل ويشترط في التكبير القيام لغير المسبوق اتفاقا فإن تركه في الفرض بأن أتى به جالسا أو منحنيا أو مستندا لعماد بحيث لو أزيل لسقط بطلت صلاته وأما المسبوق ففي المدونة إذا كبر للركوع ونوى به العقد أي الإحرام أو نواه والركوع أو لم ينوهما لأنه ينصرف للإحرام أجزأه ذلك الركوع أي أنه يصح إحرامه ويحتسب بهذه الركعة قال ابن يونس هذا إذا كبر قائما أي ابتدأه قائما وكمله كذلك وأما لو ابتدأه من قيام وأتمه في حال الانحطاط أو بعده بلا فصل فإن الركعة تبطل وإن كان فصل بطلت الصلاة ويشترط في تكبيرة الإحرام مقارنة النية فإن تأخرت عنها فلا تجزىء اتفاقا وإن تقدمت بكثير فكذلك وإن تقدمت بيسير فقولان مشهوران بالإجزاء وعدمه ومفاد ميارة أن الراجح منهما الإجزاء إذ لم ينقل عنهم اشتراط المقارنة المؤدية إلى الوسوسة المذمومة شرعا وطبعا ومعنى اشتراط المقارنة على القول الثاني أنه لا يجوز الفصل بين النية والتكبير لا أنه يشترط أن تكون النية مصاحبة للتكبير "و" إذا أحرمت فإنك "ترفع يديك" أي ندبا أي والحال أن ظهورهما إلى السماء وبطونهما إلى الأرض "حذو" أي إزاء "منكبيك" تثنية منكب بوزن مجلس وهو مجمع عظم العضد والكتف وقيل انتهاؤه إلى الصدر وإليه أشار بقوله "أو دون ذلك" أي دون المنكب فأو في كلامه للتنويع لا للشك وهذا في حق الرجل وأما المرأة فدون ذلك وقد حكى القرافي الإجماع عليه واختلف في حكم هذا الرفع فمن ذاهب إلى أنه سنة ومن ذاهب إلى أنه فضيلة وهو المعتمد وظاهر كلام المصنف أن هذا الرفع مختص بتكبيرة الإحرام

ص: 102

ثم تقرأ فإن كنت في الصبح قرأت جهرا بأم القرآن لا تستفتح ب بسم الله الرحمن الرحيم في أم القرآن ولا في السورة التي بعدها.

ــ

وهو كذلك على المشهور ومقابله يرفعهما عند الركوع وعند الرفع منه وعند القيام من اثنتين "ثم" بعد أن تفرغ من التكبير "تقرأ" أي تتبع التكبير بالقراءة من غير أن تفصل بينهما بشيء فقد كره مالك رحمه الله التسبيح والدعاء بين تكبيرة الإحرام والقراءة واستحب بعضهم الفصل بينهما بلفظ سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك "فإن كنت في" صلاة الصبح "قرأت جهرا بأم القرآن" أما قراءة أم القرآن ففرض في الصبح وغيرها من الصلوات المفروضات على الإمام والفذ وهل في كل ركعة أو في الجل قولان لمالك في المدونة والصحيح منهما وجوبها في كل ركعة قاله ابن الحاجب والقول بوجوبها في الأكثر والعفو عنها في الأقل ضعيف واختلف في الأقل فقيل الأقل على الإطلاق وقيل الأقل بالإضافة ومعنى الأقل على الإطلاق العفو عنها في ركعة واحدة وإن كانت الصلاة صبحا أو جمعة أو ظهرا لمسافر ومعنى الأقل بالإضافة أن تكون الركعة من صلاة رباعية أو ثلاثية لا من ثنائية وأما المأموم فمستحبة في حقه فيما أسر فيه الإمام وأما كون القراءة فيها جهرا فسنة وإذا قرأت في صلاة الصبح أو غيرها من الصلوات المفروضات فـ "لا تستفتح" القراءة فيها "ببسم الله الرحمن الرحيم" مطلقا لا "في أم القرآن ولا في السورة التي بعدها" لا سرا ولا جهرا إماما كنت أو غيره والنهي في كلامه للكراهة لما صح أن عبد الله بن مغفل قال سمعنى أبي وأنا أقول

ص: 103

فإذا قلت ولا الضالين فقل آمين إن كنت وحدك أو خلف إمام وتخفيها ولا يقولها الإمام فيما جهر فيه ويقولها فيما أسر فيه وفي قوله إياها في الجهر اختلاف ثم تقرأ سورة

ــ

بسم الله الرحمن الرحيم فقال يابني إياك والحدث أي إياك وأن تحدث شيئا لم يكن عليه المصطفى وأصحابه قال عبد الله مغفل ولم أر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا أبغض إليه حدثا في الإسلام منه أي لم أر رجلا موصوفا بأشدية بغضه للحدث منه أي من أبي أي بل أبي أشد الصحابة بغضا للحدث ومن تمام كلام أبيه أني صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحدا منهم يقولها فلا تقلها إذا أنت قرأت وقل الحمد لله رب العالمين الخ وأما قراءتها في النافلة فذلك واسع إن شاء قرأ وإن شاء ترك ويكره التعوذ في الفريضة دون النافلة "فإذا قلت ولا الضالين فقل" على جهة الاستحباب "آمين" بالمد مع التخفيف اسم فعل أمر بمعنى استجب "إن كنت" تصلي "وحدك" سواء كنت في صلاة سرية أو جهرية "أو" كنت تصلي "خلف إمام" صلاة سرية أو جهرية إن سمعته يقول ولا الضالين "و" لا تجهر بها بل "تخفيها" في الحالتين ولو كانت الصلاة جهرية أي فيكره الجهر ويندب الإخفاء "ولا يقولها الإمام فيما جهر" أي أعلن "فيه" والظاهر الكراهة "ويقولها فيما أسر" أي أخفى "فيه" اتفاقا وقوله "وفي قوله إياها في الجهر اختلاف" قال بعضهم إنه تكرار وفيه أن توهم التكرار بعيد لأن صريحه جزمه أولا بقول ثم حكايته القولين بعد وليس في مثل ذلك تكرار وكأن المتوهم للتكرار نظر إلى مجرد حكاية القول بعدم التأمين لا لذكر الخلاف من حيث هو "ثم" إذا فرغت من قراءة أم القرآن جهرا "تقرأ" بعدها "سورة"

ص: 104

من طوال المفصل وإن كانت أطول من ذلك فحسن بقدر التغليس وتجهر بقراءتها

ــ

كذلك جهرا لا تفصل بينهما بدعاء ولا غيره وحكم قراءة السورة كاملة بعد أم القرآن الاستحباب والسنة مطلق الزيادة على أم القرآن ولو آية أو بعض آية له بال كآية الدين والدليل على أن السنة مطلق ما زاد على الفاتحة أن سجود السهو وعدمه دائر مع ما زاد على الفاتحة لا السورة فإن أتى بالزائد فلا سجود وإلا سجد ويؤخذ من قوله سورة أنه لا يقرأ سورتين في الركعة الواحدة وهو الأفضل للإمام والفذ ولا بأس بذلك للمأموم والسورة التي تقرأ في الصبح تكون من "طوال المفصل" بكسر الطاء المهملة وأول المفصل الحجرات على القول المرتضى ومقابله أقوال قيل من الشورى وقيل من الجاثية وقيل من الفتح وقيل من النجم وطواله إلى عبس والغاية خارجة ومتوسطاته من عبس إلى والضحى ثم من الضحى إلى الختم وسمي مفصلا لكثرة الفصل فيه بالبسملة "وإن كانت" السورة التي تقرأ في الركعة الأولى من صلاة الصبح "أطول من ذلك" أي من السورة التي من طوال المفصل بأن كانت تقرب من السورة التي من طوال المفصل لا أنه يقرأ البقرة ونحوها وهذا التطويل إنما هو في حق إمام بقوم محصورين يرضون بذلك أو منفرد يقوى على ذلك وإلا فالأفضل عدم التطويل "فـ" ذلك "حسن" أي مستحب ظاهر عبارته أن السنة لا تحصل إلا بقراءة سورة من طوال المفصل وأن الاستحباب إنما هو فيما زاد وليس كذلك بل السنة تحصل ولو بقراءة آية "بقدر التغليس" وهو اختلاط الظلمة بالضياء والضياء بالظلمة بحيث لا يبلغ الإسفار ويفهم من كلامه أنه إذا لم يكن تغليس لا يطول "وتجهر بقراءتها" أي يسن أن تجهر بقراءة السورة

ص: 105

فإذا تمت السورة كبرت في انحطاطك للركوع فتمكن يديك من ركبتيك

ــ

التي مع أم القرآن فإن حكمهما واحد في الجهر "فإذا تمت السورة" التي مع أم القرآن كبرت "في" حال "انحطاطك" أي انحنائك "إلى الركوع" أخذ منه ثلاثة أشياء أحدها التكبير وهو سنة وهل جميعه ما عدا تكبيرة الإحرام سنة واحدة وبه قال أشهب وعليه أكثر العلماء أو كل تكبيرة سنة مستقلة وهو قول ابن القاسم وهو الراجح والدليل على رجحانه أنهم رتبوا سجود السهو على ترك اثنتين منه ولو كان مجموعه سنة لما رتبوا لأن شأن البعض أن لا يسجد له وحاصل ما في ذلك أنه على القولين لو ترك تكبيرة واحدة غير تكبيرة العيد سهوا لا يسجد وإن سجد لها قبل السلام عمدا أو جهلا بطلت صلاته وإن ترك أكثر من واحدة ولو جميعه فإنه يسجد فلو ترك السجود وطال فهنا يفترق القولان فعلى القول بأن الجميع سنة واحدة لا تبطل الصلاة بترك ثلاثة أو أكثر وعلى القول الآخر تبطل بترك السجود لما ذكر ثانيها مقارنة التكبير للركوع وهو مستحب وهكذا عند كل فعل من أفعال الصلاة إلا في القيام من اثنتين فإنه يكون بعد الاستقلال ثالثها الركوع وهو فرض من فروض الصلاة المجمع عليها وله ثلاثة أحوال دنيا ووسطى وعليا الدنيا أن يضع يديه قرب الركبتين والوسطى أن يضعهما على الركبتين من غير تمكين وعليا وهي التي أشار لها المصنف بقوله "فتمكن يديك" يعني كفيك "من ركبتيك" على جهة الاستحباب إن كانتا سالمتين ولم يمنع من وضعهما عليهما مانع فإن كان مانع من قطع أو قصر لم يزد في الانحناء على تسوية ظهره وليست التسوية واجبة بل هي مستحبة إذ الواجب مطلق الانحناء وحيث كان

ص: 106

وتسوي ظهرك مستويا ولا ترفع رأسك ولا تطأطئه وتجافي بضبعيك عن جنبيك وتعتقد الخضوع بذلك بركوعك وسجودك ولا تدعو في ركوعك

ــ

الأكمل وضع يديه على ركبتيه فيندب له تفرقة أصابعهما لما أخرجه الحاكم والبيهقي أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع فرج بين أصابعه وإذا سجد ضمها "وتسوي ظهرك مستويا" أي معتدلا على جهة الندب وجمع المصنف بين وضع اليدين على الركبتين وتسوية الظهر لعدم استلزام أحدهما للآخر فتسوية الظهر لا تستلزم وضع اليدين على الركبتين ولا وضع اليدين على الركبتين يستلزم تسوية الظهر وهل مجموعهما مستحب أو أحدهما على انفراده مستحب "ولا ترفع رأسك ولا تطأطئه" أي ندبا "وتجافي" أي تباعد أي ندبا فلا تبطل الصلاة بترك شيء من ذلك بل يكره فقط "بضبعيك" بفتح الضاد وسكون الباء أي عضديك "عن جنبيك" ظاهره أنه يباعدهما جدا ولكن يفسره قوله بعد يجنح بهما تجنيحا وسطا وظاهره أيضا أن ذلك في حق الرجال والنساء ولكن يفسره قوله بعد غير أنها تنضم وسكت عن تسوية الركبتين وهي أن لا يبالغ في الانحناء بجعلهما قائمتين وسكت أيضا عن تسوية القدمين وهي أن لا يقرنهما وهو مكروه أي الإقران المفهوم من يقرن فعدم الإقران مندوب "وتعتقد" بقلبك "الخضوع" أي التذلل "بذلك" حكم هذا الاعتقاد الندب كما هو مشهور عند الفقهاء وقال ابن رشد هو من فرائضها التي لا تبطل الصلاة بتركها فهو واجب في جزء منها وينبغي أن يكون عند الإحرام "بركوعك وسجودك ولا تدعو في ركوعك" والأقرب أن يكون قوله بركوعك هو

ص: 107

وقل إن شئت سبحان ربي العظيم وبحمده وليس في ذلك توقيت قول ولا حد في اللبث ثم ترفع رأسك وأنت قائل سمع

ــ

مفسر الإشارة في قوله وتعتقد الخضوع بذلك خلافا لمن جعل تفسير الإشارة ما ذكر من تسوية الظهر وما ذكر بعده ويكره الدعاء في الركوع لما صح أنه عليه الصلاة والسلام قال: "أما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم" أي حقيق أن يستجاب لكم "وقل إن شئت سبحان ربي العظيم وبحمده" ليس التخيير بين الفعل والترك بل التخيير بين هذا القول وغيره من ألفاظ التسبيح فأي لفظ قاله كان آتيا بالمندوب لما صح أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده: "سبوح قدوس رب الملائكة والروح""وليس في ذلك" أي في عدد ما يقول في الركوع والسجود "توقيت قول" أي تحديد ما يقوله لقوله عليه الصلاة والسلام: "أما الركوع فعظموا فيه الرب" ولم يعلق ذلك بحد واستحب الشافعي أن يسبح ثلاثا لما في أبي داود والترمذي أنه عليه الصلاة والسلام قال: "إذا ركع أحدكم فقال في ركوعه سبحان ربي العظيم ثلاث مرات فقد تم ركوعه" وذلك أدناه وإذا سجد فقال في سجوده سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات فقد تم سجوده وذلك أدناه "ولا حد في اللبث" أي المكث في الركوع يريد في أكثره أي الزائد على الطمأنينة التي هي فرض ومحصله أن عدم التحديد في حق الإمام ما لم يضر بالناس وفي الفذ ما لم يطول جدا وإلا كره أي في الفريضة وله في النافلة التطويل ما شاء وأما أقله فسيذكره بعد أي بقوله أن تطمئن مفاصلك "ثم" إذا فرغت من التسبيح في الركوع "ترفع رأسك وأنت قائل" على جهة السنية "سمع

ص: 108

الله لمن حمده ثم تقول: اللهم ربنا ولك الحمد إن كنت وحدك ولا يقولها الإمام ولا يقول المأموم سمع الله لمن حمده ويقول: اللهم ربنا ولك الحمد وتستوي قائما مطمئنا مترسلا ثم

ــ

الله لمن حمده" يعني أجاب دعاء من حمده فإن قلت قد قدرت دعاء فأين هو حتى يستجاب أولا قلت إن الحامد بحمده يطلب الفضل من ربه فهو داع معنى وتقول ذلك إن كنت إماما أو فذا "ثم تقول" مع ذلك: "اللهم ربنا ولك الحمد" أي تقبل ولك الحمد على قبولك أو على توفيقك لي بأداء تلك العبادة "إن كنت وحدك" أو خلف إمام "ولا يقولها الإمام" بل يقتصر على قول سمع الله لمن حمده "ولا يقول المأموم سمع الله لمن حمده و" إنما "يقول: اللهم ربنا ولك الحمد" والأصل في هذا التفصيل ما في الموطأ وغيره أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد فإنه من وافق قوله قول الإمام غفر له ما تقدم من ذنبه" أي الصغائر وأما الكبائر فلا يكفرها إلا التوبة أو عفو الله وفي رواية للترمذي: "ولك الحمد" وهذا الحديث يقتضي أن الإمام لا يقول: ربنا ولك الحمد وأن المأموم لا يقول: سمع الله لمن حمده "و" إذا رفعت رأسك من الركوع فإنك "تستوي قائما مطمئنا" أخذ منه شيئان الطمأنينة وهي فرض وسيأتي الكلام عليها والاعتدال وهو سنة عند ابن القاسم في سائر أركان الصلاة وفرض عند أشهب وصحح والفرق بين الطمأنينة والاعتدال أن الاعتدال نصب القامة والطمأنينة استقرار الأعضاء زمنا ما "مترسلا" مرادف لمطمئنا وقيل معناه متمهلا أي زيادة على الطمأنينة "ثم" بعد

ص: 109

تهوي ساجدا لا تجلس ثم تسجد وتكبر في انحطاطك للسجود فتمكن جبهتك وأنفك من الأرض

ــ

رفعك من الركوع "تهوي" بفتح التاء المثناة فوق أي تنزل إلى الأرض "ساجدا" أي ناويا السجود فيكون سجودك من قيام لفعله عليه الصلاة والسلام ذلك والسجود فرض بلا خلاف "ولا تجلس" في هويك "ثم تسجد" حتى يكون سجودك من جلوس كما يقول بعض أهل العلم أفاد في التحقيق أن منهم الشافعي رضي الله عنه حيث يقول إن الجلوس قبل السجود بوجه خفيف جدا من سنته وحجة بعض أهل العلم فعله صلى الله عليه وسلم ذلك وحجة من نفى الجلوس قبل السجود ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنه فعل ذلك في آخر أمره لما بدن أي ثقلت حركة أعضائه الشريفة لارتفاع سنه أي ففعل ذلك لعذر فينتفي عند انتفاء العذر وهذا الجلوس إن وقع سهوا ولم يطل لم يضر وإن طال سجد له وإن كان عمدا فاختلف فيه والمشهور إن لم يطل لم يضر وإن طال ضر ويعتبر الطول بحيث يعد الرائي له أنه معرض عن الصلاة "وتكبر في" حال "انحطاطك للسجود" على جهة السنية لتعمر الركن بالتكبير ولم يذكر ما يسبق به إلى الأرض والمستحب تقديم اليدين على الركبتين إذا هوى للسجود وتأخيرهما عن الركبتين عند القيام لأمره عليه الصلاة والسلام بذلك وبه عمل أهل المدينة وأما ما رواه أصحاب السنن من أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد يضع ركبتيه قبل يديه وإذا نهض يرفع يديه قبل ركبتيه فقال الدارقطني: تفرد به شريك وشريك فيه مقال وزعم بعض أنه حديث منسوخ "و" إذا سجدت فإنك "تمكن جبهتك وأنفك من الأرض" الجبهة هي مستدير ما بين الحاجبين إلى الناصية والتمكين أن يضعهما على أبلغ

ص: 110

وتباشر بكفيك الأرض باسطا يديك مستويتين إلى القبلة

ــ

ما يمكنه وهذا على جهة الاستحباب وأما الواجب من ذلك فيكفي فيه وضع أيسر ما يمكن من الجبهة وإذا وضع جبهته على الأرض فلا يشدها بالأرض جدا حتى يؤثر ذلك فيها أي يكره ذلك لأنه من فعل الجهال الذين لا علم عندهم وضعفة النساء أي لأن الشأن فيهم ذلك وإن كان عندهم علم والسجود على الجبهة والأنف واجب فإن اقتصر على أحدهما ففيه أقوال مشهورها إن اقتصر على أنفه لم يجزه ويعيد أبدا وإن اقتصر على جبهته أجزأه وأعاد في الوقت وهل الاختياري أو الضروري قيل بكل منهما وهذا إن كانت الجبهة سالمة وأما إن كان بها قروح فقال في المدونة أومأ ولم يسجد على أنفه لأن السجود على الأنف إنما يطلب تبعا للسجود على الجبهة فحيث سقط فرضها سقط تابعها فإن وقع وسجد على أنفه فقال أشهب يجزئه لأنه زاد على الإيماء فإن سجد على كور عمامته بفتح الكاف ففي المدونة يكره ويصح أي إذا كان قدر الطاقة والطاقتين اللطيفتين بأن تكون من الشاش الرفيع "وتباشر" في سجودك أي من غير حائل "بكفيك الأرض" على جهة الاستحباب وإنما استحب المباشرة بالوجه واليدين لأن ذلك من التواضع ولأجل ذلك كره السجود على ما فيه ترفه وتنعم من صوف وقطن واغتفر الحصير لأنه كالأرض والأحسن تركه فالسجود عليه خلاف الأولى "باسطا يديك" تكرار مع قوله وتباشر بكفيك الأرض لأن مباشرة الأرض بالكفين لا تكون إلا مع بسطهما ويقال إنه كرره لأجل التأكيد "مستويتين للقبلة" أي ندبا وعلل ذلك القرافي بأنهما يسجدان فيتوجهان لها وأما السجود نفسه على اليدين

ص: 111

تجعلهما حذو أذنيك أو دون ذلك وكل ذلك واسع غير أنك لا تفترش ذراعيك في الأرض ولا تضم عضديك إلى جنبيك ولكن تجنح بهما تجنيحا وسطا وتكون رجلاك في سجودك قائمتين وبطون إبهاميهما إلى الأرض وتقول إن

ــ

كالركبتين وأطراف القدمين فسنة "تجعلهما حذو أذنيك أو دون ذلك" أشار إلى أنه لا تحديد في موضع وضع اليدين لقول المدونة لا تحديد في ذلك "وكل ذلك واسع" أي جائز يعني أن وضع يديه حذو أذنيه أو دون ذلك من الأمور الجائزة لا من الواجبة حتى يترتب على تركها فساد بل لو خالف فقد ارتكب مكروها فقط "غير أنك لا تفترش ذراعيك في الأرض" لما صح أنه صلى الله عليه وسلم نهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع وفي رواية افتراش الكلب أي يكره أن يفترش الرجل ذراعيه بالأرض في حال سجوده كما يكره له افتراشهما على فخذيه "ولا تضم عضديك إلى جنبيك" أي ينهى على جهة الكراهة أن يضم الرجل في حال سجوده عضديه إلى جنبيه "لكن يجنح بهما تجنيحا وسطا" أي يستحب للرجل خاصة أن يباعد بين عضديه وجنبيه كما كان يفعل صلى الله عليه وسلم ففي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد جافى بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه "وتكون رجلاك في سجودك قائمتين وبطون إبهاميهما إلى الأرض" وكذلك بطون سائر الأصابع ويزاد على هذا الوصف أن يفرق بين ركبتيه وأن يرفع بطنه عن فخذيه ودليل ذلك من السنة ما روى أبو داود أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد فرج بين فخذيه غير حامل بطنه على شيء من فخذيه "وتقول إن

ص: 112

شئت في سجودك سبحانك ربي ظلمت نفسي وعملت سوءا فاغفر لي أو غير ذلك إن شئت وتدعو في السجود إن شئت وليس لطول ذلك وقت وأقله أن تطمئن مفاصلك متمكنا

ــ

شئت في سجودك سبحانك ربي ظلمت نفسي وعملت سوءا فاغفر لي أو" تقول "غير ذلك إن شئت" التخيير الأول بين القول والترك والثاني بين هذا القول وغيره من الأذكار وفي التخيير الأول إشارة للرد على من يقول التسبيح واجب وفي التخيير الثاني إشارة إلى الرد على من يقول لا بد من هذا القول أي وإن كان يقول بأن التسبيح مندوب إلا أنه لا بد من هذا القول فلا يتحقق المندوب إلا به والحاصل أن التسبيح في السجود مندوب عند المصنف وغيره وعبارة التخيير المفيدة بحسب ظاهرها استواء الطرفين إنما هي إشارة إلى الرد فقط "وتدعو في السجود إن شئت" أي يستحب أن يدعو بدعاء القرآن وغيره لكن لا بد أن يكون بأمر جائز شرعا وعادة لا يمتنع وإن لم تبطل الصلاة به وليس هذا تكرارا مع الذي قبله لأن هذا دعاء مجرد عن التسبيح "وليس لطول ذلك" السجود "وقت" أي حد في الفريضة أما في حق المنفرد ما لم يطل جدا فإن طال كره وأما في النافلة فلا بأس به وفي حق الإمام ما لم يضر بمن خلفه "وأقله" أي أقل ما يجزىء من اللبث في السجود "أن تطمئن" أي تستقر "مفاصلك" عن الاضطراب اطمئنانا "متمكنا" والمفاصل جمع مفصل بفتح الميم وكسر الصاد ملتقى الأعضاء وأما مفصل بكسر الميم وفتح الصاد فهو اللسان فالطمأنينة فرض في السجود وفي سائر أركان الصلاة ولكن لا يؤخذ من الرسالة وجوب الطمأنينة إلا من هذا الموضع حيث جعلها أقل ما يجزىء في السجود

ص: 113

ثم ترفع رأسك بالتكبير فتجلس فتثني رجلك اليسرى في جلوسك بين السجدتين وتنصب اليمنى وبطون أصابعها إلى الأرض وترفع يديك عن الأرض على ركبتيك

ــ

الذي هو واجب فتكون فرضا لأن ما يتوقف عليه الواجب الذي هو السجود فهو واجب واختلف في الزائد على الطمأنينة فالذي مشى عليه صاحب المختصر أنه سنة وانظر ما قدر الزائد في حق الفذ والإمام والمأموم وهل هو مستو فيما يطلب فيه التطويل وفي غيره أم لا كالرفع من الركوع ومن السجود وكلام المختصر يقتضي استواءه في جميع ما ذكر "ثم" إذا فرغت من التسبيح والدعاء في السجود "ترفع رأسك بالتكبير" أي مصاحبا له وهذا الرفع فرض بلا خلاف إذ لا يتصور تعدد السجود بغير فصل بينهما وبعد أن ترفع رأسك "فـ" إنك "تجلس" وجوبا معتدلا "فتثني" أي تعطف "رجلك اليسرى في جلوسك بين السجدتين وتنصب" أي تقيم رجلك "اليمنى و" تكون "بطون أصابعها إلى الأرض" لا مفهوم لقوله في جلوسك بين السجدتين إذ جلوسه حال التشهد كذلك وأما جلوس من يصلي قاعدا حال القراءة والركوع فهو التربيع استحبابا وسكت عن قدم اليسرى أين يضعها قال عبد الوهاب يضعها تحت ساقه الأيمن وقيل بين فخذيه وقيل خارجا والرجال والنساء في ذلك سواء "و" إذا رفعت رأسك من السجود فإنك أيضا "ترفع يديك عن الأرض" فتجعلهما "على ركبتيك" أي على قريب من الركبتين قال في الجوهر ويضع يديه قريبا من ركبتيه مستويتي الأصابع وإذا لم يرفعهما عن الأرض ففي بطلان صلاته قولان أشهرهما البطلان والأصح على ما قال القرافي

ص: 114

ثم تسجد الثانية كما فعلت أولا ثم تقوم من الأرض كما أنت معتمدا على يديك لا ترجع جالسا لتقوم من جلوس ولكن كما ذكرت لك وتكبر في حال قيامك ثم تقرأ كما قرأت في الأولى أو دون ذلك

ــ

عدم البطلان وهو المعتمد لأن هذا الرفع عن الأرض مستحب فقط وليس من مبطلات الصلاة ترك المستحب "ثم" بعد أن ترفع رأسك من السجدة الأولى مع رفع يديك "تسجد" السجدة "الثانية كما فعلت أولا" في السجدة الأولى من تمكين الجبهة والأنف من الأرض وقيام القدمين ومباشرة الأرض بالكفين وغير ذلك "ثم" بعد فراغك من السجدة الثانية "تقوم من الأرض كما أنت معتمدا على يديك" أي حالة كونك ثابتا على ما أنت عليه من عدم الجلوس وأشار بقوله كما أنت إلى رد قول الحنفية لا يقوم معتمدا قال ابن عمر إن جلس ثم قام فإن كان عامدا استغفر الله ولا شيء عليه وإن كان ناسيا سجد بعد السلام والمعتمد لا سجود عليه "لا ترجع جالسا لتقوم من جلوس" إشارة إلى مخالفة الشافعية القائلين إنه يقوم إلى الركعة الثانية والرابعة من جلوس على جهة السنة "ولكن" الفضيلة عندنا في الرجوع إلى القيام "كما ذكرت لك في السجود" لا حاجة له بعد ما تقدم من قوله ثم تقوم من الأرض كما أنت معتمدا على يديك "وتكبر في حال قيامك" لأن التكبير عند الحركة والشروع في أفعال الصلاة مستحب "ثم" بعد أن تنتصب قائما وتفرغ من التكبير "تقرأ" الفاتحة ثم تقرأ معها سورة "كما قرأت في الركعة الأولى" أي بحيث تكون الثانية كالأولى في الطول "أو دون ذلك"

ص: 115

وتفعل مثل ذلك سواء غير أنك تقنت بعد الركوع وإن شئت قنت قبل الركوع بعد تمام القراءة

ــ

أي بحيث تكون الثانية أقصر من الأولى وكلا المقروأين من طوال المفصل سواء كانت الثانية مماثلة للأولى في الطول أو أقصر منها وتعقب المصنف الفاكهاني بأن المستحب أن تكون الركعة الأولى أطول من الثانية ودليله في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم كان يطول في الأولى ويقصر في الثانية ويجاب عن اعتراض الفاكهاني بأن أو بمعنى بل والإضراب إبطالي والمراد بكون الأولى أطول من الثانية زمنا وإن كانت القراءة في الثانية أكثر من الأولى بأن رتل في الأولى ويستحب أن يقرأ على نظم المصحف ويكره التنكيس فإن نكس فلا شيء عليه إن فعل التنكيس المكروه كتنكيس السور أو قراءة نصف سورة أخير ثم نصفها الأول كان ذلك في ركعة أو ركعتين وأما إذا فعل التنكيس الحرام فتبطل الصلاة كتنكيس آيات سورة واحدة بركعة واحدة "وتفعل مثل ذلك سواء" الظاهر أن الإشارة راجعة لجميع ما تقدم وعليه يكون قوله بعد ثم تفعل في السجود والجلوس كما تقدم من الوصف تكرارا "غير أنك تقنت" في الركعة الثانية "بعد" الرفع من "الركوع وإن شئت قبل الركوع بعد تمام القراءة" اختلف في زمان القنوت هل هو قبل الركوع أو بعده وفي حكمه هل هو فضيلة أو سنة فعلى أنه سنة فإن تركه ولم يسجد له بطلت صلاته وعلى أنه فضيلة فإن سجد له بطلت صلاته إن كان السجود قبل السلام وظاهر كلام المصنف أنه بعد الركوع أفضل وهو قول ابن حبيب والمشهور أنه قبل الركوع أفضل لما في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم سئل أهو قبل أم بعد؟ فقال: "قبل" ولما فيه من الرفق بالمسبوق ولأنه الذي استقر عليه عمر رضي الله عنه

ص: 116

والقنوت اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونؤمن بك ونتوكل عليك ونخنع لك ونخلع ونترك من يكفرك اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد

ــ

بحضور الصحابة والمشهور أنه لا يرفع يديه كما لا يرفع في التأمين ولا في دعاء التشهد والإسرار به أفضل لأنه دعاء وإذا نسيه قبل الركوع أتى به بعده ولا يرجع له من الركوع إذا تذكر فإن رجع فسدت صلاته لأنه يرجع من فرض إلى مستحب واختلف في المسبوق بركعة فقيل يقنت في قضائها وقيل لا يقنت وهو المشهور وجه ذلك بأنه يقضي الركعة الأولى وهي لم يكن فيها قنوت والذي يقتضيه النظر أنه يقنت في ركعة القضاء لأنه من باب البناء في الأفعال "والقنوت" أي لفظه المختار عند المالكية "اللهم" أي يا الله "إنا نستعينك" أي نطلب معونتك على طاعتك "ونستغفرك" أي نطلب منك المغفرة وهي الستر على الذنوب فلا تؤاخذنا بها "ونؤمن بك" أي نصدق بما يجب لك "ونتوكل" أي نعتمد "عليك" في أمورنا قيل الصحيح أن قوله ونتوكل عليك زيد في الرسالة وليس منها وفي رواية ونثني عليك الخير بعد قوله ونتوكل عليك وما يجري على ألسنة العامة من لفظ كله بعد قوله الخير غير مثبت في الرواية مع أن العبد لا يطيق كل الثناء عليه فتركه خير "ونخنع" أي نخضع ونذل "لك ونخلع" الأديان كلها لوحدانيتك "ونترك من يكفرك" أي يجحدك ويفتري عليك الكذب "اللهم" أي يا الله "إياك نعبد" أي لا نعبد إلا إياك واستفيد الحصر من تقديم المعمول "ولك نصلي ونسجد" ذكر الصلاة بعد دخولها في قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} لشرفها وذكر السجود مع دخوله في الصلاة

ص: 117

وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخاف عذابك الجد إن عذابك بالكافرين ملحق ثم تفعل في السجود والجلوس كما تقدم من الوصف فإذا جلست بعد السجدتين نصبت رجلك اليمنى وبطون أصابعها إلى الأرض وثنيت اليسرى وأفضيت بأليتك

ــ

لشرفه فإنه أشرف أجزاء الصلاة "وإليك نسعى" أي نعمل الطاعات من السعي للجمعة والحج والعمرة والسعي بين الصفا والمروة "ونحفد" بفتح الفاء وكسرها وبالدال المهملة أي نسرع في العمل "نرجو رحمتك" أي نطمع في نعمتك وهي الجنة والطمع فيها إنما يكون بامتثال الأمر بالعمل وأما بالقلب واللسان من غير عمل فهو رجاء الكذابين "ونخاف عذابك الجد" بكسر الجيم أي الحق الثابت "إن عذابك بالكافرين ملحق" بكسر الحاء بمعنى لاحق اسم فاعل من ألحق اللازم بمعنى لحق ويجوز أن يكون اسم فاعل من الحق المتعدي أي ملحق بهم الهوان "ثم" إذا فرغت من قراءة القنوت فإنك تهوي ساجدا لا تجلس ثم تسجد و "تفعل في السجود والجلوس" بين السجدتين "كما تقدم من الوصف" ففي السجود تمكن جبهتك وأنفك من الأرض إلى آخر ما تقدم وفي الجلوس تثني رجلك إلى آخر ما تقدم "فإذا جلست بعد السجدتين" من الركعة الثانية للتشهد "نصبت رجلك اليمنى" أي قدمها "و" جعلت "بطون أصابعها إلى الأرض وثنيت" أي عطفت رجلك "اليسرى وأفضيت" أي ألصقت "بأليتيك"

ص: 118

إلى الأرض ولا تقعد على رجلك اليسرى وإن شئت حنيت اليمنى في انتصابها فجعلت جنب بهمها إلى الأرض فواسع ثم تتشهد والتشهد التحيات لله الزاكيات لله الطيبات

ــ

أي مقعدتك اليسرى "إلى الأرض" وهي الرواية الصحيحة ويروى بأليتيك وهي خطأ لأنه إذا جلس عليهما كان إقعاء أي شبيها به وهو مكروه وإنما كان شبيها بالإقعاء ولم يكن إقعاء لأن حقيقة الإقعاء أن يلصق أليتيه بالأرض وينصب ساقيه ويضع يديه على الأرض كما يقعي الكلب "ولا تقعد على رجلك اليسرى" أي قدمك اليسرى قال تت أشار بذلك إلى أبي حنيفة القائل بأنه يجلس على قدمه الأيسر والصفة التي ذكرها مثلها في المدونة في جميع جلوس الصلوات "وإن شئت حنيت اليمنى في انتصابها فجعلت جنب بهمها" فقط "إلى الأرض" وتترك القدم قائما وما ذكره الشيخ مخالف للباجي القائل بأن باطن إبهامها يكون مما يلي الأرض لا جنبها وهو الراجح "فواسع" أي جائز "ثم" إذا جلست بعد السجدتين من الركعة الثانية على الصفة المتقدمة "تتشهد والتشهد" أي لفظه المختار عندنا معاشر المالكية "التحيات" أي الألفاظ الدالة على الملك أي ملك مستحقة بفتح الحاء "لله" تعالى "الزاكيات" أي الناميات وهي الأعمال الصالحة وحذف الواو اختصارا وهو جائز معروف في اللغة تقديره والزاكيات ونسبة الزكاء إلى الأعمال إما على تقدير أي التي يزكو جزاؤها أو تزكو هي نفسها أي تزيد لأن تحسين العمل سبب في التوفيق لزيادته "لله" تعالى "الطيبات" أي الكلمات الطيبات وهي ذكر الله وما والاه أي المذكور المتعلق بالله لأن الكلمات ليست هي نفس الذكر لأنه الفعل ولم يقل الطيبات لله كما

ص: 119

الصلوات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فإن سلمت بعد هذا أجزأك ومما تزيده إن شئت وأشهد أن الذي جاء به محمد حق وأن الجنة حق وأن النار حق

ــ

قال في غيرها لأنه يوهم المستلذات وهي لا تليق به "الصلوات" الخمس "لله" تعالى "السلام" قيل إنه اسم من أسمائه تعالى وقيل مصدر والأصل يسلم الله عليك سلاما ثم نقل من الدعاء إلى الخبر "عليك" أي الله حفيظ وراض عليك "أيها النبي ورحمة الله" زاد في بعض روايات الموطأ "وبركاته" أي خيراته المتزايدة "السلام" أي أمان الله "علينا وعلى عباد الله الصالحين" أي المؤمنين من الإنس والجن والملائكة "أشهد" أي أتحقق "أن لا إله إلا الله" زاد في بعض الروايات "وحده لا شريك له" في أفعاله "وأشهد" أي أتحقق "أن محمدا عبد الله" بصيغة الاسم الظاهر والذي في المدونة وهو في بعض النسخ عبده "ورسوله" بالضمير "فإن سلمت بعد هذا" أي بعد وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله "أجزأك" أي كفاك ولا مفهوم له بل وكذلك لو قال بعضه أو تركه جملة قال ابن ناجي أي على أحد القولين وكذا لو قال غيره ولا يصح أن تقول أجزأك أي على جهة الكمال لأنه لم يذكر الصلاة على النبي فالحق أنه وصف طردي أي لا مفهوم له "ومما تزيده إن شئت وأشهد أن الذي جاء به محمد حق" أي ثابت "و" أشهد "أن الجنة حق وأن النار حق" أي أتحقق أنهما

ص: 120

{وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وارحم محمدا وآل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت ورحمت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد اللهم صل على ملائكتك والمقربين وعلى أنبيائك والمرسلين وعلى أهل طاعتك أجمعين اللهم اغفر لي ولوالدي ولأئمتنا

ــ

مخلوقان الآن "و" أشهد "أن الساعة" أي القيامة "آتية لا ريب فيها" خبر بمعنى النهي أي لا ترتابوا فيه "و" أشهد "أن الله يبعث من في القبور" أي يبعث الأموات من قبورهم للعرض على الحساب "اللهم" أي يا ألله "صل على محمد وعلى آل محمد وارحم محمدا وآل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت ورحمت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد اللهم صل على ملائكتك المقربين" وفي نسخة والمقربين بزيادة واو العطف "و" صل على "أنبيائك المرسلين" وروي أيضا بإثبات الواو وهو الأكثر في الموضعين "و" صل "على أهل طاعتك أجمعين" وهم القائمون بما وجب عليهم من حقوق الله تعالى وحقوق عباده قال الترمذي من أراد أن يحظى بهذا الإسلام الذي سلمه الخلق في صلاتهم فليكن عبدا صالحا وإلا حرم هذا الفضل العظيم "اللهم" أي يا ألله "اغفر لي ولوالدي" المؤمنين "و" اغفر "لأئمتنا" هم العلماء

ص: 121

ولمن سبقنا بالإيمان مغفرة عزما اللهم إني أسألك من كل خير سألك منه محمد نبيك وأعوذ بك من كل شر استعاذك منه محمد نبيك اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} وأعوذ بك من فتنة المحيا

ــ

"و" اغفر "لمن سبقنا بالإيمان" وهم الصحابة "مغفرة عزما" أي قطعا أي مقطوعا بها لأن من صفة المغفرة التي تكون منك يا رب أنها مقطوع بها "اللهم إني أسألك من كل خير سألك منه محمد نبيك" وهذا حديث صحيح أخرجه الترمذي والدعاء به مندوب وهو عام أريد به الخصوص إذ الشفاعة العظمى مختصة به صلى الله عليه وسلم لا يشاركه غيره فيها أي وغيرها من كل ما اختص به صلى الله عليه وسلم "وأعوذ" أي أتحصن بك "من كل شر استعاذك منه محمد نبيك" صلى الله عليه وسلم "اللهم" أي يا ألله "اغفر لنا ما قدمنا" أي من الذنوب "و" اغفر لنا "ما أخرنا" من الطاعات عن أوقاتها "و" اغفر لنا "ما أسررنا" أي أخفينا من المعاصي عن الخلق "و" اغفر لنا "ما أعلنا" أي أظهرنا للخلق من المعاصي "و" اغفر لنا "ما أنت أعلم به منا" أي ما وقع منا ونحن جاهلون بحكمه أو وقع منا عمدا ونسيناه فأفعل التفضيل ليس على بابه {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} هي خير الدنيا من الاستقامة والعافية والسير على نهج الشرع القويم {وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً} هي المغفرة بقرينة الآية التي بعدها {وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} أي اجعل بيننا وبينها وقاية وليس إلا المغفرة "وأعوذ بك من فتنة المحيا" أي أتحصن بك أن أفتتن بأعمال

ص: 122

والممات ومن فتنة القبر ومن فتنة المسيح الدجال

ــ

السوء التي ترث والعياذ بالله سوء المنقلب "والممات" وأعوذ بك من فتنة الممات وهي والعياذ بالله التبديل عند الاحتضار وذلك أن الإنسان إذا كان عند الموت قعد معه شيطانان أحدهما عن يمينه والآخره عن شماله فالذي عن يمينه على صفة أبيه يقول يا بني إنك لتعز علي وإني عليك لشفيق ولكن مت على دين النصارى فهو خير الأديان والذي عن شماله على صفة أمه يقول يا بني مت على دين اليهود فهو خير الأديان فإن كان ممن يتولى قبض روحه ملائكة الرحمة فإنهم إذا نزلوا فر الشيطان ومات على الإسلام قاله ابن عمر "و" أعوذ بك "من فتنة القبر" وهي عدم الثبات عند سؤال الملكين أي عدم رد الجواب حين يقول له الملك من ربك وما دينك الخ أي فلا يجيب بقوله ربي الله "و" أعوذ بك "من فتنة المسيح" بالحاء المهملة على الصحيح وبالخاء المعجمة جعله التتائي تصحيفا وهي فتنة عظيمة لأنه يدعي الربوبية وتتبعه الأرزاق فمن تبعه كفر والعياذ بالله وهو يسلك الدنيا كلها إلا مكة والمدينة وبيت المقدس وجبل الطور فإن الملائكة تطرده عن هذه المواضع ويبقى في الدنيا أربعين يوما فقد روى مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: "يثبت الدجال في الأرض أربعين يوما يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم" قلنا: يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة يكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: "لا أقدروا له قدره" وسمي مسيحا لأنه يمسح الأرض في زمن قصير وهو الأربعون يوما المذكورة في الحديث وصفه بالدجال لأنه يغطي الحق بالباطل مأخوذ من دجل إذا ستر وغطى وللفرق بينه وبين عيسى عليه السلام وسمي عيسى عليه السلام مسيحا لسياحته في الأرض لأجل الاعتبار فعيسى عليه السلام مسيح الهدى

ص: 123

ومن عذاب النار وسوء المصير السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ثم تقول السلام عليكم تسليمة واحدة عن يمينك

ــ

والدجال مسيح الضلال "و" أعوذ بك "من عذاب النار وسوء المصير" أي سوء المرجع أي الرجوع إلى الله "السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين" ظاهره أن المصلي إذا فرغ من الدعاء فلا يأتي بتسليمة التحليل حتى يقول على جهة الاستحباب السلام عليك أيها النبي الخ وأن ذلك مطلوب من كل مصل وهو خلاف المشهور بل المشهور ما حكاه القرافي أنه لا يعيد التسليم على النبي صلى الله عليه وسلم إذا دعا وعن مالك يستحب للمأموم إذا سلم إمامه أن يقول السلام عليك الخ والحاصل أن هذه الزيادة ضعيفة ومع ضعفها هي خاصة بالمأموم كما قال الإمام مالك رحمه الله "ثم" بعد ذلك تسلم تسليمة التحليل فـ "تقول السلام عليكم" وهذا السلام فرض بلا خلاف على كل مصل إمام وفذ ومأموم لا يخرج من الصلاة إلا به ويتعين له اللفظ الذي ذكره الشيخ أي بالتعريف والترتيب وصيغة الجمع فلو قال عليكم السلام أو سلامي عليكم أو سلام الله عليكم أو أسقط أل لم يجزه وهل يفتقر إلى نية الخروج من الصلاة أم لا قولان مشهوران والراجح كما يفيده كلام ابن عرفة عدم الاشتراط لكن يندب الإتيان بها نعم من عجز عن تسليمة التحليل جملة خرج من الصلاة بنيته وحينئذ تكون نية الخروج واجبة ولا يسقط عنه السلام بالعجز عن بعضه حيث كان ما يقدر عليه له معنى "تسليمة واحدة عن يمينك

ص: 124

تقصد بها قبالة وجهك وتتيامن برأسك قليلا هكذا يفعل الإمام والرجل وحده وأما المأموم فيسلم واحدة

ــ

تقصد بها قبالة وجهك وتتيامن برأسك قليلا هكذا يفعل الإمام والرجل وحده" يعني أن صفة السلام تختلف باختلاف المصلي فإن كان إماما أو فذا فالمطلوب من كل منهما أن يأتي بتسليمة واحدة جهة وجهه ويتيامن برأسه قليلا فهو يبدأ بها إلى القبلة ويختم بها مع التيامن بقدر ما ترى صفحة وجهه على جهة الندب ويسن الجهر بتسليمة التحليل لكل مصل وأما تسليمة غيره ولا يتصور إلا من المأموم فالأفضل فيها السر وهذا في حق الرجل الذي ليس معه من يحصل بجهره التخليط عليه وأما المرأة فجهرها أن تسمع نفسها ويندب الجهر بتكبيرة الإحرام في حق كل مصل كغيرها للإمام بخلاف المأموم كالفذ ويستحب للإمام جزم التسليم كتكبيرة الإحرام لئلا يسبقه المأموم فيهما والمراد به الإسراع من غير مد وإنما طلب من الإمام والفذ الابتداء بها إلى القبلة لأنهما مأموران بالاستقبال في سائر أركان الصلاة والسلام من جملة أركانها إلا أنه لما كان يخرج به من الصلاة ندب انحرافه في أثنائه إلى جهة يمينه فلو سلم على يساره قاصدا التحليل ولم يسلم على يساره لم تبطل صلاته على المشهور لأنه إنما ترك التيامن وهو فضيلة وأما لو سلم المأموم على اليسار قاصدا الفضيلة ونيته العود إلى تسليمة التحليل ويعتقد أن تسليمة اليسار فضيلة لا تخرج من الصلاة فإن طال الأمر قبل عوده إلى تسليمة التحليل بطلت صلاته فإن لم يطل فلا بطلان لأن التسليم على اليسار للفضيلة ليس كالكلام الأجنبي قبل تسليمة التحليل لأنه لما فعله مع قصد الإتيان بتسليمة التحليل عقبه صار كمن قدم فضيلة

ص: 125

يتيامن بها قليلا ويرد أخرى على الإمام قبالته يشير بها إليه ويرد على من كان سلم عليه على يساره فإن لم يكن سلم عليه أحد لم يرد على يساره شيئا

ــ

على فرض وأما المأموم "فـ" صفة سلامه أن يسلم تسليمة واحدة "يتيامن بها قليلا" أي يوقع جميعها على جهة يمينه فهو مخالف للإمام والفذ والفرق بينه وبينهما أن سلامهما وردهما معتبر في الصلاة فاستقبلا في أوله القبلة كسائر أفعال الصلاة وأما المأموم فقد سلم إمامه وهو تبع له فهو في معنى من انقضت صلاته "ويرد أخرى على الإمام قبالته" أي قبالة الإمام أي يسن للمأموم أن يأتي بتسليمة أخرى غير تسليمة التحليل يوقعها جهة الإمام ولا يتيامن ولا يتياسر بها "يشير بها إليه" أي بقلبه وقيل برأسه إن كان أمامه ومحل الخلاف حيث كان أمامه فإن كان خلفه أو على يمينه أو على يساره فالإشارة بقلبه اتفاقا "ويرد على من كان يسلم عليه على يساره" أي يسن للمأموم أن يرد على يساره إن كان على يساره أحد وظاهره أنه لا يسلم على يساره إلا إذا سلم الذي على يساره عليه وأنه لو فرض أنه لم يسلم عليه لذهوله عن السلام مثلا أنه لا يسلم عليه وليس كذلك "فإن لم يكن سلم عليه أحد لم يرد على يساره شيئا" أي أن محل طلب رد السلام من المأموم على جهة اليسار إن كان على يساره أحد أدرك فضل الجماعة وأما إن لم يكن على يساره من أدرك فضل الجماعة بأن لم يكن هناك أحد أو كان هناك مسبوق لم يدرك ركعة مع الإمام فلا يطالب بالرد قال بهرام وهل يرد المسبوق الذي أدرك فضل الجماعة على الإمام وعلى من كان سلم على يساره إذا فرغ من الصلاة أم لا لفوات

ص: 126

ويجعل يديه في تشهده على فخذيه ويقبض أصابع يده اليمنى ويبسط السبابة يشير بها وقد نصب حرفها إلى وجهه واختلف في تحريكها فقيل يعتقد بالإشارة بها أن الله إله واحد ويتأول

ــ

محله روايتان والذي اختاره ابن القاسم وهو المعتمد الرد ولو انصرف من على يساره "ويجعل يديه في تشهديه" وفي نسخة في تشهده أي ندبا "على فخذيه" تثنية فخذ وهما قريبتان من ركبتيه وهذا الجعل مختلف أما كيفيته في اليمنى فأشار إليه بقوله "ويقبض يده اليمنى ويبسط" أي يمد "السبابة" وهي التي تلي الإبهام سميت بذلك لأن العرب كانوا يتسابون بها وتسمى أيضا الداعية لأنها يشار بها عند الدعاء والمسبحة للإشارة بها للتوحيد ومذبة للشيطان في مسلم أنه مذبة للشيطان لا يسهو أحدكم ما دام يشير بأصبعه ومذبة بالذال المعجمة والباء الموحدة المشددة آخره تاء أي مطردة "يشير بها" أي السبابة الإشارة صفة زائدة على البسط فالبسط المد والإشارة زائدة على ذلك وهي تتضمن البسط والبسط لا يتضمنها "وقد نصب حرفها" أي جنبها "إلى وجهه" أي قبالة وجهه واحترز بذلك من أن يبسطها وباطنها إلى الأرض وظاهرها إلى وجهه وبالعكس "واختلف في تحريكها" فقال ابن القاسم يحركها وهو المعتمد وقال غيره لا يحركها وعلى القول بأنه يحركها فهل في جميع التشهد أو عند الشهادتين فقط قولان اقتصر في المختصر على الأول وظاهر كلام ابن الحاجب أن الثاني هو المشهور وعلى القولين فهل يمينا وشمالا أو أعلى وأسفل قولان "فقيل يعتقد بالإشارة بها" أي بنصبها من غير تحريك "إن الله إله واحد و" قيل "يتأول" أي يعتقد

ص: 127

من يحركها أنها مقمعة للشيطان وأحسب تأويل ذلك أن يذكر بذلك من أمر الصلاة ما يمنعه إن شاء الله عن السهو فيها والشغل عنها ويبسط يده اليسرى على فخذه الأيسر ولا يحركها ولا يشير بها ويستحب الذكر بإثر الصلوات يسبح الله ثلاثا وثلاثين ويحمد الله

ــ

"من يحركها أنها مقمعة" أي مطردة "للشيطان" فقد قال ابن العربي المقمعة بفتح الميم إذا جعلتها محلا لقمعه وإن جعتلها آلة لقمعه قلت مقمعة بكسر الميم الأولى وهي خشبة يضرب بها الإنسان على رأسه ليذل ويهان "وأحسب" أي أظن "تأويل" أي معنى "ذلك" التحريك "أن يذكر بذلك" التحريك "من أمر" أي شأن "الصلاة ما يمنعه إن شاء الله" تعالى أي شيئا يمنعه وهذا الشيء كونه في صلاة "عن السهو" أي عن الذهول فيها أي في الصلاة وما يمنعه عن الشغل عنها أي عن الاشتغال عنها بأمر وهو ما يشغل به قلبه خارج الصلاة "ويبسط" أي يمد "يده اليسرى على فخذه الأيسر ولا يحركها" أي سبابتها ولا يشير بها ولو قطعت يمناه "ويستحب الذكر بإثر الصلوات" المفروضات من غير فصل بنافلة لما رواه أبو داود أن رجلا صلى الفريضة فقام يتنفل فجذبه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأجلسه وقال له لا تصل النافلة بإثر الفريضة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أصبت يا ابن الخطاب أصاب الله بك"، أي أوقع الصواب متلبسا بك أي على يديك والذكر يكون بالألفاظ المسموعة من الشارع منها أنه "يسبح الله ثلاثا وثلاثين" تسبيحة "ويحمد الله

ص: 128

ثلاثا وثلاثين ويكبر الله ثلاثا وثلاثين ويختم المائة بلا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ويستحب بإثر صلاة الصبح التمادي في الذكر والاستغفار والتسبيح والدعاء إلى طلوع الشمس أو قرب طلوعها

ــ

ثلاثا وثلاثين" تحميدة "ويكبر الله ثلاثا وثلاثين" تكبيرة "ويختم المائة بلا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير" هذه الرواية هي الصحيحة بترك يحيي ويميت وقدم التحميد على التكبير وعكس في باب السلام والاستئذان وإنما فعل ذلك لينبه على أنه وقع في الحديث كذلك ففي الصحيحين مثل ما هنا وفي الموطأ مثل ما في باب السلام والاستئذان وظاهر كلامه أنه يقول سبحان الله والحمد لله والله أكبر ثلاثا وثلاثين مجموعة لأنه أتى بالواو لا بثم واختاره جماعة منهم ابن عرفة ومنهم من اختار أن يقولها مفرقة فيقول سبحان الله ثلاثا وثلاثين والحمد لله كذلك والله أكبر كذلك "ويستحب بإثر صلاة الصبح التمادي في الذكر والاستغفار والتسبيح والدعاء" يظهر من كلامه أن الذكر خلاف الاستغفار والتسبيح والدعاء قال بعضهم يعني بالذكر قراءة القرآن وقال بعضهم تفسير الذكر ما بعده فكأنه يقول وهو الاستغفار الخ "إلى طلوع الشمس أو قرب طلوعها" والأصل في ذلك ما رواه الترمذي وحسنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: "من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة تامة".

ص: 129

وليس بواجب ويركع ركعتي الفجر قبل صلاة الصبح بعد الفجر يقرأ في كل ركعة بأم القرآن يسرها والقراءة في الظهر بنحو القراءة في الصبح من الطوال أو دون

ــ

وعلى هذا مضى عمل السلف رضي الله عنهم كانوا يثابرون على الاشتغال بالذكر بعد صلاة الصبح إلى آخر وقتها "وليس بواجب" نبه به على خلاف أهل الظاهر وإلا فهو مستغنى عنه بقوله أولا ويستحب "ويركع ركعتي الفجر قبل صلاة الصبح بعد" طلوع "الفجر" أخذ منه بيان وقتها فلا تجزىء إذا ركعها قبل طلوع الفجر ولو بالإحرام لأنها صلاة شرعت تابعة لفريضة الفجر فتعلقت بوقت المتبوع وقد حكي فيها في باب جمل من الفرائض قولين الرغيبة والسنية ومشى على الأول صاحب المختصر وهو المعتمد ولا بد أن ينوي بهما ركعتي الفجر ليمتازا عن النوافل فإن صلاهما بغير ذلك لم يجزياه "يقرأ في كل ركعة" منهما على جهة الاستحباب "بأم القرآن" فقط "يسرها" لما في الموطأ ومسلم أن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتي الفجر فيخفف حتى أقول هل قرأ فيهما بأم القرآن أم لا" وروى ابن القاسم عن مالك" يقرأ فيهما بأم القرآن وسورة من قصار المفصل لما في مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قرأ فيهما بعد الفاتحة بقل: {يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وصلاتهما في المسجد أفضل ومن دخل المسجد ولم يكن ركعهما فأقيمت عليه الفريضة تركهما ودخل مع الإمام ثم يركعهما بعد الشمس فإن وقتهما ممتد إلى الزوال ولا يقضي شيء من النوافل غيرهما ومن نام عن الصبح حتى طلعت الشمس صلى الصبح ثم يصليهما بعد ومن نسيهما حتى صلى الصبح أو دخل في صلاة الصبح فلا يركعهما حتى تطلع الشمس "والقراءة في الظهر بنحو القراءة في الصبح من الطوال أو دون

ص: 130

ذلك قليلا ولا يجهر فيها بشيء من القراءة ويقرأ في الأولى والثانية في كل ركعة بأم القرآن وسورة سرا وفي الأخيرتين بأم القرآن وحدها سرا ويتشهد في الجلسة الأولى إلى قوله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ثم يقوم فلا يكبر

ــ

ذلك قليلا" أفاد كلامه أن القراءة في الظهر تساوي المقروء في الصبح يعني تكون من طوال المفصل وهو للإمام أشهب وابن حبيب وقال الإمام مالك إن المستحب أن تكون القراءة في الظهر دون المقروء في الصبح قليلا أي قريبا منه وهو الراجح فإذا قرأ بالفتح مثلا في الصبح يقرأ في الظهر بنحو الجمعة أو الصف ولا تفهم أنه يقرأ فيها من أوساط المفصل وجعل ابن عمر كلام المصنف قولا ثالثا بالتخيير "ولا تجهر فيها" أي في صلاة الظهر "بشيء من القراءة" لا بالفاتحة ولا بشيء مما زاد عليها "و" إنما "يقرأ في الأولى والثانية في كل ركعة بأم القرآن وسورة سرا و" يقرأ "في الأخيرتين بأم القرآن وحدها سرا" أي على جهة السنية وهو تكرار مع قوله ولا يجهر فيها وأجاب التتائي بما يدفع التكرار فقال ولما فهم من قوله لا يجهر أنه يقرأ سرا ولكنه لا يعتبر المفهوم صرح به فقال يقرأ في الأولى والثانية في كل ركعة بأم القرآن وسورة سرا "ويتشهد في الجلسة الأولى إلى قوله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله" علم من هذا أن الزيادة التي ذكرها قبل بقوله ومما يزيده الخ محلها التشهد الثاني فيما فيه تشهدان وهو كذلك على المشهور ومقابله أنه يجوز الدعاء في التشهد الأول كالثاني وهو رواية ابن نافع وغيره عن مالك "ثم" بعد أن يفرغ من التشهد إلى الحد المذكور "يقوم" إلى الثالثة "فلا يكبر" عند شروعه في القيام بل

ص: 131

حتى يستوي قائما هكذا يفعل الإمام والرجل وحده وأما المأموم فبعد أن يكبر الإمام يقوم المأموم أيضا فإذا استوى قائما كبر ويفعل في بقية الصلاة من صفة الركوع والسجود والجلوس نحو ما تقدم ذكره في الصبح ويتنفل بعدها ويستحب له أن يتنفل بأربع ركعات يسلم من كل ركعتين

ــ

"حتى يستوي قائما" على المعروف من المذهب للعمل ولأنه لم ينتقل عن ركن إنما انتقل عن سنة إلى فرض فالفرض أولى بأن يكون التكبير فيه ولأن القائم إلى الثالثة كالمستفتح لصلاة جديدة هكذا يفعل الإمام والرجل وحده "وأما المأموم فـ" لا يقوم إلا بعد أن يكبر الإمام ويفرغ منه فحينئذ "يقوم المأموم أيضا فإذا" قام و "استوى قائما كبر" لأنه تابع للإمام ومقتد به فسبيل أفعاله أن تكون بعد أفعاله وفي الحديث: "لا تسبقوني بركوع ولا سجود" ففيه تنبيه على متابعة المأموم للإمام لأن النهي عن السبق يفيد طلب المتابعة وهي منتفية في السبق وفي المساواة "ويفعل في بقية الصلاة من صفة الركوع والسجود" والرفع منهما والاعتدال والطمأنينة "والجلوس" بين السجدتين والاعتماد على اليدين في القيام "نحو ما تقدم ذكره في" صلاة "الصبح" دليله فعله عليه الصلاة والسلام وتعليمه الناس ولا خلاف فيما ذكر من كونه فعله وعلمه الناس "ويتنفل بعدها" أي بعد صلاة الظهر "ويستحب له أن يتنفل بأربع ركعات يسلم من كل ركعتين" لقوله عليه الصلاة والسلام: "من حافظ على أربع ركعات

ص: 132

ويستحب له مثل ذلك قبل صلاة العصر ويفعل في العصر كما وصفنا في الظهر سواء إلا أنه يقرأ في الركعتين الأوليين مع أم القرآن بالقصار من السور مثل والضحى وإنا أنزلناه ونحوهما وأما المغرب فيجهر بالقراءة في الركعتين الأوليين منها ويقرأ في كل ركعة

ــ

قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله على النار" أي فتكون المداومة المذكورة سببا في عدم ارتكاب الكبائر وحينئذ يحرم جسده على النار والحديث رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن أي الترمذي والنسائي وابن ماجه وأبو داود فإن قلت حيث ورد الحث بالمحافظة على أربع قبل وأربع بعد فلم اقتصر المصنف على أربع بعد قلت تنبيها على المخالفة بينها وبين العصر فإنه إنما يتنفل قبلها فقط ذكره التتائي "ويستحب له" أي للمصلي "مثل ذلك" التنفل بأربع ركعات بعد صلاة الظهر أن يتنفل بأربع ركعات "قبل صلاة العصر" لما صح أنه عليه الصلاة والسلام قال: "رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا" جملة خبرية لفظا إنشائية معنى أي اللهم ارحم الخ ولا شك أن دعاءه مستجاب "ويفعل في" صلاة "العصر" كما وصفنا في صفة الظهر سواء لا يستثنى منه شيء "إلا أنه يقرأ في الركعتين الأولتين مع أم القرآن بالقصار من السور مثل والضحى وإنا أنزلناه ونحوهما" فلو افتتحها بسورة من طوال المفصل تركها وقرأ سورة قصيرة "وأما المغرب فيجهر بالقراءة في الركعتين الأولتين منها" فقط ويسر في الثالثة "ويقرأ في كل أربعة

ص: 133

منهما بأم القرآن وسورة من السور القصار وفي الثالثة بأم القرآن فقط ويتشهد ويسلم ويستحب أن يتنفل بعدها بركعتين

ــ

منهما" أي الأولتين "بأم القرآن وسورة من السور القصار" لأن العمل استمر على ذلك وما روي بخلافه فمؤول أي فقد روى النسائي وأبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في المغرب بالأعراف فأول بأنه محمول على أنه عرف أن من خلفه لا يتضررون بذلك وإلا فالذي استمر عليه العمل التخفيف "و" يقرأ "في الثالثة بأم القرآن فقط" أي قط بمعنى حسب أي والفاء لتزيين اللفظ وقط التي بمعنى حسب مفتوحة الفاء ساكنة الطاء فإذا كانت بمعنى الزمن الماضي فهي مضمومة الطاء مع التشديد تقول ما فعلته قط بالفعل الماضي وقول العامة لا أفعله قط لحن كما قال ابن هشام والحاصل أن قط مضمومة الطاء مع التشديد تختص بالنفي تقول ما فعلته قط مشتقة من قططته أي قطعته فمعنى ما فعلته قط ما فعلته فيما انقطع من عمري لأن الماضي منقطع عن الحال والاستقبال وبنيت لتضمنها معنى مذ وإلى إذ المعنى مذ أن خلقت إلى الآن وعلى حركة لئلا يلتقي ساكنان وكانت الضمة تشبيها بالغايات وقد تكسر على أصل التقاء الساكنين وقد تتبع قافه طاءه في الضم وقد تخفف طاؤه مع ضمها أو إسكانها ذكره ابن هشام "و" إذا رفع رأسه من سجود الركعة الثالثة "يتشهد" ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو "و" بعد ذلك "يسلم" على الصفة المتقدمة "ويستحب" له "أن يتنفل بعدها" أي بعد صلاة المغرب أي بعد فراغه من الذكر عقبها "بركعتين" أي على جهة الآكدية لقوله وما زاد على الركعتين فهو خير

ص: 134

وما زاد فهو خير وإن تنفل بست ركعات فحسن والتنفل بين المغرب والعشاء مرغب فيه وأما غير ذلك من شأنها

ــ

ودليل الاستحباب فعله عليه الصلاة والسلام "وما زاد" على الركعتين "فهو خير" له لقوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} "وإن تنفل" بعدها "بست ركعات فحسن" أي مستحب لقوله صلى الله عليه وسلم: "من صلى بعد المغرب ست ركعات لم يتكلم بينهن بسوء أي حرام عدلن له عبادة ثنتي عشرة سنة" رواه ابن خزيمة في صحيحه والترمذي والذي في التتائي عن صحيح ابن خزيمة عدلن بعبادة الخ قال بعضهم: من عبادة بني إسرائيل وفي معجمات الطبراني مرفوعا: "من صلى بعد المغرب ست ركعات غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر" أي رغوته "والتنفل بعد المغرب والعشاء مرغب فيه" قال الغزالي: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} فقال: "الصلاة بين العشاءين" ومعنى تتجافى أي ترتفع وتتنحى جنوبهم عن المضاجع الفرش ومواضع النوم وعنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: "عليكم بالصلاة بين العشاءين فإنها تذهب بملاغات بضم الميم النهار وتهذب آخره" الملاغات جمع ملغاة من اللغو أي تطرح ما على العبد من الباطل أي تطرح ما اقترفه من مكروه قولا أو فعلا بحيث لا يلام عليه أو لا يجره إلى فعل محرم أو من ذنب صغير إلى كبيرة أو يكون سببا في العفو عن كبيرة كما هو مقرر ومعلوم أن الكبيرة لا يكفرها إلا التوبة أو عفو الله وقوله وتهذب آخره أي تصفي آخره أي بذهاب جميع اللهو "وأما غير ذلك" أي غير ما ذكر من الجهر بالقراءة في الأوليين بأم القرآن وسورة قصيرة وبأم القرآن فقط سرا في الثالثة "من شأنها" أي من صفتها كتكبيرة الإحرام ورفع اليدين حذو المنكبين والتكبير في

ص: 135

فكما تقدم ذكره في غيرها وأما العشاء الأخيرة وهي العتمة واسم العشاء أخص بها وأولى فيجهر في الأوليين بأم القرآن وسورة في كل ركعة وقراءتها أطول قليلا من قراءة العصر وفي الأخيرتين بأم القرآن في كل ركعة سرا ثم يفعل في سائرها كما تقدم من الوصف ويكره النوم قبلها

ــ

الانحطاط من الركوع وتمكين اليدين من الركبتين إلى غير ذلك مما تقدم فحكمها فيه "كما" أي مثل الذي "تقدم ذكره في غيرها" من صلاة الصبح وما بعدها فلا حاجة إلى إعادته "وأما العشاء الأخيرة" قال ابن عمر هذا من لحن الفقهاء لأنه يوهم أن ثم عشاء أولى وليس كذلك فقد قال عياض وغيره لا تسمى المغرب عشاء لا لغة ولا شرعا وقول مالك ما بين العشاءين تغليب وفيه أن نسبة التثنية لمالك والجواب عنه بالتغليب قصور مع كون التثنية في الحديث المتقدم عن الغزالي "وهي العتمة واسم العشاء أخص بها وأولى" تفسير لقوله أخص "فيجهر في الأوليين بأم القرآن وسورة في كل ركعة" منهما هذا لا خلاف فيه وقد جاءت به الأحاديث الصحيحة "وقراءتها" أي السورة في صلاة العشاء "أطول قليلا من القراءة في" صلاة "العصر" فيقرأ فيها من المتوسطات وإنما سكت عن المغرب مع أن المغرب أقرب لها لأنه لم يعين فيها القراءة وإنما عين القراءة في العصر "و" يقرأ "في الأخيرتين" من العشاء "بأم القرآن" فقط "في كل ركعة سرا ثم يفعل في سائرها كما تقدم من الوصف" في صلاة الصبح وهنا انتهى الكلام على صفة العمل في الصلوات المفروضات فمن صلاها على ما وصف فقد صلاها على أكمل الهيئات "ويكره النوم قبلها".

ص: 136

والحديث بعدها لغير ضرورة والقراءة التي يسر بها في الصلاة كلها هي بتحريك اللسان بالتكلم بالقرآن وأما الجهر فأن يسمع نفسه ومن يليه إن كان وحده

ــ

أي قبل صلاة العشاء "والحديث بعدها لغير ضرورة" أي بعد فعلها وأما الحديث بعد دخول وقتها وقبل فعلها فلا يكره قاله الفاكهاني وكذا يكره السهر بلا كلام خوف تفويت الصبح وقيام الليل "والقراءة التي يسر بها في الصلاة كلها" بالرفع تأكيد للقراءة "هي بتحريك اللسان" هذا أدنى السر وأعلاه أن يسمع نفسه فقط واحترز بتحريك اللسان من أن يقرأ في الصلاة بقلبه فإنها لا تجزئه ومن ذلك لو حلف أنه لا يقرأ القرآن فأجراه على قلبه لا يحنث أو حلف ليقرأنه لا يبر "و" احترز "بالتكلم بالقرآن" أي بالعبارة الدالة على القرآن من أن يقرأ فيها بغيره من التوراة والإنجيل وغيرهما من الكتب المنزلة فإنها تبطل وعلة البطلان إما أن غير القرآن من الكتب السماوية منسوخ أو مبدل وإما أن ذلك مخالف لفعله عليه الصلاة والسلام وقوله: "صلوا كما رأيتموني أصلي""وأما الجهر فـ" أقله "أن يسمع نفسه ومن يليه" أي على فرض أن هناك من يسمعه وأعلاه لا حد له "إن كان وحده" قال الفاكهاني وانظر ما معنى قوله إن كان وحده والظاهر أنه يحترز عن الإمام فإنه يطلب منه أن يسمع نفسه ومن خلفه فلو لم يسمع من خلفه فصلاته صحيحة وحصلت السنة بسماعه من يليه وقال الأقفهسي إن كان وحده احترز به ممن يقرب منه مصل آخر فحكمه في جهره حكم المرأة "تنبيه" محل طلب الجهر كما في شرح الشيخ حيث كان لا يترتب عليه تخليط الغير وإلا نهى عما يحصل به التخليط ولو أدى

ص: 137

والمرأة دون الرجل في الجهر وهي في هيأة الصلاة مثله غير أنها تنضم ولا تفرج فخذيها ولا عضديها وتكون منضمة منزوية

ــ

إلى إسقاط السنة لأنه لا يرتكب محرم لتحصيل السنة وما ذكره من الجهر إنما هو في حق الرجل "و" أما "المرأة" فهي "دون الرجل في الجهر" وهي أن تسمع نفسها خاصة كالتلبية فيكون أعلى جهرها وأدناه واحدا وهو سماع نفسها فقط وعلى هذا يستوي في حقها السر والجهر أي أعلى السر لا أدناه الذي هو حركة اللسان أي مع سر الرجل أي مع أعلى سره أي حالة كونهما أي السر والجهر مصاحبين لسر الرجل أي مصاحبة مساواة أي أن أعلى سرها وجهرها يساويان أعلى سر الرجل فالمساواة الأولى بين أعلى سر المرأة وجهرها والمساواة الثانية بينهما وبين أعلى سر الرجل ووجه ما ذكر أن صوتها ربما كان فتنة ولذلك لا تؤذن اتفاقا وهل حرام أو مكروه قولان وجاز بيعها وشراؤها للضرورة "وهي" أي المرأة "في هيئة الصلاة مثله" أي مثل الرجل "غير أنها تنضم ولا تفرج" بفتح التاء وسكون الفاء وضم الراء وهو تفسير تنضم فالعطف للتفسير "فخذيها ولا عضديها" وقوله "وتكون منضمة منزوية" تكرار أي قوله وتكون منضمة منزوية تكرار لا يقال إن المكرر هو قوله وتكون منضمة لأنه تقدم في قوله غير أنها تنضم وأما الانزواء فلم يتقدم له ذكر حتى يكون تكرارا لأنا نقول الانزواء هو الانضمام وإنما تفعل ذلك مخافة ما يخرج منها أي من الريح لأنها ليست كالرجل في الاستمساك بل عندها رخاوة فلو فرجت بين فخذيها لربما خرج منها ريح لأنها مهيأة للحدث وكأن قائلا

ص: 138

في جلوسها وسجودها وأمرها كله ثم يصلي الشفع والوتر

ــ

قال له أين تكون بهذه الحالة فقال "في جلوسها وسجودها وأمرها" أي شأنها "كله" يدخل فيه الركوع فلا تجنح كالرجل وما ذكره المصنف رواية ابن زياد عن مالك وهو خلاف قول ابن القاسم في المدونة لأنه ساوى بين الرجل والمرأة في الهيئة والذي ذكره المصنف من رواية ابن زياد هو الراجح وكلام ابن القاسم ضعيف "ثم" بعد أن "يصلي" العشاء يصلي بعدها "الشفع" ركعتين وهل يشترط أن يخصهما بنية أو يكتفي بأي ركعتين كانتا قولان الظاهر منهما الثاني لما صح أنه صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم صلاة الصبح صلى ركعة توتر له ما قد صلى" وبعد أن يصلي ركعتي الشفع يصلي "الوتر" بفتح الواو وكسرها وبتاء مثناة فوق وأما بالمثلثة مع كسر الواو فالفراش للوطء ومع فتحها ماء الفحل يجتمع في رحم الناقة إذا أكثر الفحل ضرابها ولم تلقح ذكره التتائي وهو سنة آكد السنن على المشهور أي سنة مؤكدة على المشهور وقيل بوجوبه وأل للجنس أي آكد جنس السنن فإنها آكد من العيد الآكد من الكسوف والاستسقاء وليست آكد من العمرة بل العمرة آكد منها وكذلك ركعتا الطواف آكد من الوتر كما أنهما آكد من العمرة وأما صلاة الجنازة فهي دون الوتر وآكد من العيد واستظهر عبد الباقي أن الجنازة آكد من الوتر والأفضل أن تكون ركعة واحدة عقب شفع ومحط الأفضلية عقب شفع وهل الشفع شرط كمال أو شرط صحة قولان شهر الأول صاحب الجوهر وابن الحاجب وصرح الباجي بمشهورية الثاني فإن أوتر بغير شفع فقال أشهب يعيد وتره بإثر شفع ما لم يصل الصبح أي على طريق السنة إن كان أشهب يقول بأن تقدم الشفع شرط صحة

ص: 139

جهرا وكذلك يستحب في نوافل الليل الإجهار وفي نوافل النهار الإسرار وإن جهر في النهار في تنفله فذلك واسع وأقل الشفع ركعتان ويستحب أن يقرأ في الأولى بأم القرآن وسبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية بأم القرآن وقل يا أيها الكافرون ويتشهد ويسلم ثم يصلي الوتر ركعة يقرأ فيها بأم القرآن وقل هو الله أحد والمعوذتين

ــ

أو على طريق الندب إن كان أشهب يقول إنه شرط كمال لأن مذهب أشهب لم يتعين لنا وإذا قلنا لا بد من تقدم شفع أي أن تقدمه شرط صحة فهل يلزم اتصاله بالوتر وفي حكمه الفصل اليسير أو يجوز أن يفرق بينهما بالزمن الطويل قولان والراجح الثاني ويستحب أن يقرأ في الشفع والوتر "جهرا وكذلك يستحب في نوافل الليل الإجهار وفي نوافل النهار الإسرار وإن جهر في النهار في تنفله فذلك واسع" أي جائز أي خلاف الأولى لا أنه جائز مستوي الطرفين وحكى ابن الحاجب في كراهته قولين "وأقل الشفع ركعتان" وأما أكثره فلا حد له "ويستحب له أن يقرأ في الركعة الأولى" منه "بأم القرآن و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} وفي" الركعة "الثانية بأم القرآن و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و" بعد الفراغ من الركعة الثانية من الشفع بأن كمل سجدتيها يجلس و " يتشهد و " بعد الفراغ من التشهد "يسلم ثم" بعد أن يسلم يقوم فـ "يصلي الوتر ركعة" والفصل بينها وبين الشفع بسلام مستحب للحديث المتقدم والمذهب "أنه يقرأ فيها" أي في ركعة الوتر على جهة الاستحباب "بأم القرآن و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} والمعوذتين" بكسر الواو

ص: 140

وإن زاد من الأشفاع جعل آخر ذلك الوتر وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل اثنتي عشرة ركعة ثم يوتر بواحدة وقيل عشر ركعات ثم يوتر بواحدة

ــ

المشددة لأن معناهما المحصنتين مما يؤذي وقال ابن العربي: يقرأ فيها المتهجد من تمام حزبه وغيره بقل هو الله أحد والمعتمد ما ذكره المصنف لما رواه أبو داود وغيره أن عائشة رضي الله عنها سئلت بأي شيء كان يوتر النبي صلى الله عليه وسلم قالت كان يقرأ في الأولى بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} وفي الثانية بـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وفي الثالثة بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} والمعوذتين ولا يخفاك أن هذا الجواب غير مطابق لظاهر لفظ السؤال لأن ظاهره هل كان يوتر بثلاث أو غير ذلك فلعلها فهمت أن مراد السائل بأي شيء كان يقرأ المصطفى في وتره "وإن زاد من الأشفاع" جمع شفع وهو الزوج يعني أنه إذا أراد أن يصلي ابتداء أكثر من ركعتين "جعل آخر ذلك الوتر" على جهة الاستحباب للحديث المتقدم أي فالأمر فيه للندب "و" لما روي: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل" أي في الليل "اثنتي عشرة ركعة ثم يوتر بواحدة وقيل" كان يصلي من الليل "عشر ركعات ثم يوتر بواحدة" الروايات في الصحيح أي من حديث عائشة ولا تنافي بين رواية اثنتي عشرة ركعة وبين رواية عشر ركعات لأنه عليه الصلاة والسلام كان يفتتح صلاته بركعتين خفيفتين بعد الوضوء فتارة اعتبرتهما من الورد فأخبرت باثنتي عشرة ركعة وتارة لم تعتبرهما من الورد لأنهما للوضوء ولحل

ص: 141

وأفضل الليل آخره في القيام فمن أخر تنفله ووتره إلى آخره فذلك أفضل إلا من الغالب عليه أن لا ينتبه فليقدم وتره مع ما يريد من النوافل أول الليل ثم إن شاء إذا استيقظ

ــ

عقد الشيطان فأخبرت بعشر ركعات وقيام الليل أي التهجد فيه واجب في حقه عليه الصلاة والسلام مستحب في حقنا لقوله عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم أي عادتهم وشأنهم وهو قربة لكم إلى ربكم ومكفرة للسيئات ومكفرة بوزن مفعلة بمعنى اسم الفاعل أي مكفرة ونظيرها مطهرة ومنهاة عن الإثم "وأفضل الليل آخره في القيام" أي لأجل التهجد عند مالك وأتباعه لما في الصحيحين من قوله عليه الصلاة والسلام: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير يقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له" وخصه الشافعي بوسط الليل لخبر أن داود كان ينام نصفه ويقوم ثلثه وينام سدسه وإذا ثبت أن آخر الليل أفضل "فمن أخر تنفله ووتره إلى آخره فذلك أفضل إلا من الغالب عليه أن لا يتنبه فليقدم وتره مع ما يريد من النوافل أول الليل" لما في مسلم وغيره من حديث جابر يرفعه: "من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله ومن طمع أن يقوم آخر الليل فليوتر آخر الليل فإن صلاة آخر الليل مشهودة" أي يشهدها ملائكة الرحمة والحاصل أن تأخير الوتر مندوب في صورتين أن تكون عادته الانتباه آخر الليل أو تستوي حالتاه وتقديمه في صورة واحدة وهي أن يكون أغلب أحواله النوم إلى الصبح "ثم إن شاء" أي الذي الغالب عليه أن لا ينتبه إذا قدم وتره ونفله كما هو الأفضل له "إذا استيقظ في آخره" أي في آخر

ص: 142

في آخره تنفل ما شاء منها مثنى مثنى ولا يعيد الوتر ومن غلبته عيناه عن حزبه فله أن يصليه ما بينه وبين طلوع الفجر وأول الإسفار ثم يوتر ويصلي الصبح

ــ

الليل "تنفل ما شاء منها" أي من النوافل لأن تقديم الوتر لا يمنع من استئناف صلاة بعده ولكن محل ذلك إذا حدثت له نية النفل بعد الوتر أو فيها لا إن حدثت قبل الشروع في الوتر فلا يكون تنفله بعده جائزا بل مكروها والأفضل في التنفل أن يكون "مثنى مثنى" أي ركعتين ركعتين لما في الحديث: "صلاة الليل مثنى مثنى""و" بعد أن يفرغ من تنفله "لا يعيد الوتر" أي حيث وقع بعد عشاء صحيحة وشفق أي يكره له إعادة الوتر لقوله عليه الصلاة والسلام: "لا وتران في ليلة" رواه أبو داود والترمذي وحسنه أي الترمذي "ومن غلبته عيناه" أي استغرقه النوم "عن حزبه" وألحق به من حصل له إغماء أو جنون أو حيض وزال عذره عند طلوع الفجر لا إن تعمد تأخيره فلا يصليه ولو كان يمكنه فعله مع الفجر والصبح قبل الإسفار "فـ" يباح "له أن يصليه ما بينه وبين طلوع الفجر وأول الإسفار" فشرط الفعل أن لا يخشى إسفارا وأن يكون نام عنه غلبة وأن لا يخشى فوات الجماعة فإن اختل شرط تركه وصلى الصبح بغير الشفع والوتر لأنهما يفعلان بعد الفجر من غير شرط "ثم" إذا صلى من غلبته عيناه عن حزبه بعد طلوع الفجر فإنه "يوتر" لأن له وقتين وقت اختياري وهو من بعد صلاة العشاء الصحيحة إلى طلوع الفجر ووقت ضروري من طلوع الفجر إلى أن يصلي الصبح على المشهور خلافا للقائل أنه لا يصلي الوتر إذا طلع الفجر حكاه التتائي "و" بعد ذلك "يصلي الصبح" أي

ص: 143

ولا يقضي الوتر من ذكره بعد أن صلى الصبح

ــ

ويترك الفجر فيصليها بعد حل النافلة وهذا إن اتسع الوقت لثلاث ركعات فإن لم يتسع إلا لركعتين ترك الوتر وصلى الصبح على المشهور ومقابله قول أصبغ يصلي الوتر ركعة وركعة من الصبح قبل الشمس وإن لم يتسع الوقت إلا لركعة تعين الصبح اتفاقا وإن اتسع لخمس أو ست صلى الشفع والوتر والصبح وترك الفجر وإن اتسع لسبع صلى الجميع وإذا تأملت في هذا الكلام لا تجده مناسبا وذلك أن فرض الكلام فيمن نام عن حزبه وأنه يفعله قبل الإسفار فصار الإسفار خاليا من صلاة الحزب فيه فيتأتى له فعل الجميع قبل طلوع الشمس فكيف يعقل إيراد هذه التفاصيل هنا فهذه التفاصيل تفرض في إنسان استيقظ من نومه مثلا قبل طلوع الشمس فيقال إن الوقت تارة يسع كذا وتارة يسع كذا إلى آخر ما تقدم من التفصيل ولذلك قال بعض شراح خليل إن من ترك الوتر ونام عنه ثم استيقظ فإن كان الباقي إلى طلوع الشمس مقدار ما يدرك فيه الصبح وهو ركعتان ترك الوتر والشفع وصلى الصبح وأخر الفجر إلى آخر كلامه فجعل هذا التفصيل في حق من ترك الوتر ونام "ولا يقضي الوتر من ذكره بعد أن صلى الصبح" نحوه في الموطأ عن جماعة من الصحابة فإن نسي الوتر وتذكره في صلاة الصبح استحب له القطع على المشهور إن كان فذا ثم يصلي الوتر ثم يستأنف صلاة الصبح أي بعد أن يعيد الفجر بعد الوتر وأولى إن تذكر الوتر بعد صلاة الفجر وقبل الشروع في الصبح فيصلي الوتر ثم يعيد الفجر وكذا إذا صلى الفجر ثم ذكر صلاة فرض تقدم على الصبح لكونها يسيرة فإنه بعد صلاة الفائتة يعيد الفجر وإن كان مأموما استحب له التمادي ولو أيقن أنه إن قطع صلاته وصلى الوتر أدرك فضل الجماعة وفي الإمام

ص: 144

ومن دخل المسجد على وضوء فلا يجلس حتى يصلي ركعتين إن كان وقت

ــ

روايتان القطع وعدمه وعلى القول بالقطع فهل يستخلف قياسا على الحدث أو لا يستخلف قياسا على من ذكر صلاة في صلاة وعلى القول بعدم الاستخلاف فهل يقطع المأموم أو لا بل يستخلف ويتمون صلاتهم وهذا الخلاف في القطع أو التمادي إن كان الوقت واسعا أما إن ضاق الوقت فإنه يتمادى من غير خلاف "ومن دخل المسجد" ويروى مسجدا "وهو على وضوء فلا يجلس" أي يكره الجلوس قبل الصلاة ولا تسقط بالجلوس فلو كثر دخوله كفته الأولى إن قرب رجوعه له عرفا وإلا طولب بها ثانيا "حتى يصلي ركعتين" تحية المسجد على جهة الفضيلة وهو المعتمد واختار ابن عبد السلام أنهما سنة والأصل في هذا قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين" هكذا رواه مسلم بصيغة النهي وفي لفظ له وللبخاري: "إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس" بصيغة الأمر وهذا الأمر على جهة الفضيلة لا الوجوب والنهي على جهة كراهة لا التحريم ولا فرق في الأمر بتحية المسجد بين مسجد الجمعة وغيره إلا مسجد مكة فإنه يبدأ فيه بالطواف لمن طلب به ولو ندبا أو أراده آفاقيا فيهما أو لا أو لم يرده وهو آفاقي فإن كان مكيا ولم يطلب بطواف ولم يرده بل دخله لصلاة أو لمشاهدة البيت فتحيته ركعتان إن كان الوقت تحل فيه النافلة وإلا جلس كغيره من المساجد وإلا مسجده عليه الصلاة والسلام على أحد قولي مالك في أنه يبدأ بالسلام على النبي صلى الله عليه وسلم قبل الركوع وقوله الآخر يبدأ بالركوع واستحسنه ابن القاسم وهو المعتمد لأن التحية حق الله والسلام حق آدمي والأول آكد "إن كان وقت" بالرفع ويروى وقتا

ص: 145

يجوز فيه الركوع ومن دخل المسجد ولم يركع الفجر أجزأه لذلك ركعتا الفجر وإن ركع الفجر في بيته ثم أتى المسجد فاختلف فيه فقيل يركع وقيل لا يركع ولا صلاة نافلة بعد الفجر إلا ركعتا الفجر

ــ

أي يشترط في فعل التحية أن يكون الوقت وقتا "يجوز فيه الركوع" فلو دخل في وقت النهي كوقت طلوع الشمس وغروبها وخطبة الجمعة وبعد صلاة العصر وبعد الفجر فإنه لا يركع أي وجوبا في وقت الطلوع والغروب والخطبة وندبا بعد العصر وبعد الفجر فلو أحرم وقت المنع قطع وجوبا وندبا وقت الكراهة ويندب لمن لا يجوز له التحية للموانع المتقدمة أن يقول أربع مرات سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وتتأدى التحية بفرض وأولى بسنة أو رغيبة ويحصل له الثواب إن نوى التحية مع الفرض "ومن دخل المسجد و" الحال أنه "لم يركع الفجر أجزأه" أي كفاه "لذلك" أي عن ركعتي تحية المسجد "ركعتا الفجر" ولا يركع تحية المسجد قبلهما وهو المعتمد وقيل يركعهما وهو ضعيف فإن قلت إن هذا الوقت لا يطلب فيه تحية والإجزاء عن الشيء فرع الطلب قلت إن هذا مبني على القول بطلب التحية في هذا الوقت "وإن ركع الفجر في بيته" أو غيره "ثم أتى المسجد" ووجد الصلاة لم تقم "فاختلف فيه" أي في حكم من أتى المسجد بعد أن ركع سنة الفجر خارجه "فقيل يركع" ركعتين "وقيل لا يركع" بل لا يجلس من غير ركوع وهو المعتمد "ولا صلاة نافلة بعد الفجر إلا ركعتا الفجر" أي والورد لنائم عنه كما تقدم والشفع والوتر مطلقا والجنازة التي لم يخش تغيرها وسجود التلاوة يفعلان

ص: 146