الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب في الأقضية والشهادات
"والبينة على المدعي واليمين على من أنكر" ولا يمين حتى تثبت الخلطة أو الظنة
ــ
"باب في الأقضية والشهادات" الأقضية جمع قضاء ويستعمل لغة بمعنى الحكم والفراغ والهلاك والأداء والإنهاء والمضي والصنع والتقدير واصطلاحا ما قال ابن رشد القضاء الإخبار عن حكم شرعي على سبيل الإلزام وهو من فروض الكفاية أي عند تعدد من يقوم به لما فيه من المصالح التي لا بد منها وقد يعرض له الوجوب العيني كما إذا انفرد إنسان بشروطه وخاف ضياع الحق على أربابه أو نفسه إن لم يتول القضاء وقد تعرض له الحرمة ككونه جاهلا أو قاصدا به تحصيل الدنيا أو جائرا والحكم بالعدل من أفضل أعمال البر والجور في الأحكام من أعظم الذنوب وأكبر الكبائر قال تعالى: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً} وقال صلى الله عليه وسلم: "إن أعتى الناس على الله وأبغض الناس إلى الله وأبعد الناس من الله رجل ولاه الله من أمة محمد شيئا فلم يعدل فيهم" ومن شروطه الاجتهاد فلا تصح ولاية مقلد مع وجود مجتهد وبدأ المصنف بحديث صحيح فقال: "والبينة على المدعي واليمين على من أنكر" قال بعض الشيوخ المدعي هو الذي يقول كان والمدعى عليه هو الذي يقول لم يكن وجعلت البينة على المدعي لأن جانبه أضعف من أجل أنه يريد أن يثبت وجعلت اليمين على من أنكر لأنه أقوى جانبا من أجل أنه يدعي الأصل إذ الأصل براءة الذمة "ولا يمين" أي ولا يقضي بيمين "حتى يثبت الخلطة أو الظنة" بكسر الظاء التهمة وتثبت الخلطة بإقرار المدعى عليه أو بشهادة عدلين أو عدل واحد ويحلف
كذلك قضى حكام أهل المدينة وقد قال عمر بن عبد العزيز تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور وإذا نكل المدعى عليه لم يقض للطالب حتى يحلف فيما يدعي فيه معرفة واليمين بالله
ــ
المدعي معه والظنة إنما تكون في حق السارق والغاصب فالخلطة في المعاملات والظنة لأهل الغصوبات "وكذلك قضى حكام أهل المدينة" وإجماع أهل المدينة رضي الله عنهم حجة فيخصص به الحديث أي قوله صلى الله عليه وسلم: "البينة على المدعي واليمين على من أنكر" أي فإن ظاهر الحديث أن اليمين متوجهة مطلقا فيخصص بأن يكون بينهما خلطة وإن ذلك من الأقضية المحدثة بقدر ما أحدث الناس من الفجور وأكد ذلك بقوله: "وقد قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه تحدث للناس أقضية" أي أحكام مستنبطة بحسب الاجتهاد مما ليس فيه نص "بقدر ما أحدثوا من الفجور" ولا يخفى أن عمر بن عبد العزيز من الأئمة المقتدى بهم قولا وفعلا ولا يعارض هذا بقوله وترك كل ما أحدثه المحدثون لأن ذلك فيما لم يستند إلى كتاب ولا سنة ولا إجماع "وإذا نكل المدعى عليه" بأن قال لا أحلف مثلا "لم يقض" أي لم يحكم "للطالب" وهو المدعي بمجرد نكول المدعى عليه "حتى يحلف" الطالب "فيما يدعي فيه معرفة" أي علما بصفة الشيء المدعى فيه وقدره وهذا في دعوى التحقيق وأما دعوى التهمة كأن يتهم شخصا بسرقة مال فإنه لا يحلف الطالب بل يغرم المدعى عليه بمجرد نكوله ولا ترد على المدعي إلا في دعوى التحقيق "واليمين" في الحقوق كلها "بالله" أي يقول والله "الذي لا إله إلا هو" ولا يزيد على ذلك ولا ينقص عنه
الذي لا إله إلا هو ويحلف قائما وعند منبر الرسول صلى الله عليه وسلم في ربع دينار فأكثر وفي غير المدينة يحلف في ذلك في الجامع وموضع يعظم منه ويحلف الكافر بالله حيث يعظم وإذا وجد الطالب بينة بعد يمين المطلوب لم يكن علم بها قضي له بها وإن كان علم بها فلا تقبل منه
ــ
وهذا عام في جميع الناس المسلم والكتابي وقيل لا يزاد على الكتابي الذي لا إله إلا هو بل يقول والله فقط "ويحلف قائما" تغليظا عليه فلو حلف جالسا لم يجز بناء على أن التغليظ واجب وهو المعتمد "وعند منبره صلى الله عليه وسلم في ربع دينار فأكثر" إن كان بالمدينة المشرفة لأن ذلك أردع للحالف "و" إن كان "في غير المدينة" المشرفة "يحلف في ذلك" أي في ربع دينار فأكثر "في الجامع" الذي تصلى فيه الجمعة "و" يكون ذلك "بموضع يعظم منه" بكسر الظاء وهو المحراب فإن أبى أن يحلف هناك عد نكولا منه "ويحلف الكافر" كتابيا أو مجوسيا "بالله حيث يعظم" بكسر الظاء أي في المكان الذي يعتقد تعظيمه فاليهودي يحلف في كنيسته والنصراني في بيعته والمجوسي في بيت النار "وإذا وجد الطالب" وهو المدعي "بينة بعد يمين المطلوب" وهو المدعى عليه "و" الحال أن المدعي "لم يكن يعلم بها" أي بالبينة "قضى له بها" سواء كانت حاضرة أو غائبة غيبة قريبة لأن اليمين لا تبرئ الذمة وإنما شرعت لقطع الخصومة قال ابن الماجشون وإنما يقضى له بها بعد أن يحلف أنه ما علم "و" أما "إن" كان "علم بها" أي بالبينة وهي حاضرة "فلا تقبل منه" على المشهور
وقد قيل تقبل منه ويقضى بشاهد ويمين في الأموال ولا يقضى بذلك في نكاح أو طلاق أو حد ولا في دم عمد أو نفس إلا مع القسامة في النفس وقد قيل يقضى
ــ
وقد قيل تقبل منه" وصححه ابن القصار "ويقضى بشاهد ويمين في الأموال" وما أدى إلى الأموال مثل أن يدعي أحدهما أن البيع وقع على الخيار والآخر على البت فالقول قول مدعي البت إلا أن يأتي مدعي الخيار بشاهد ويمين وعبر بمثل ليدخل في ذلك الإجارة وجراحات الخطأ والكتابة "ولا يقضى بذلك" أي بالشاهد واليمين "في نكاح أو طلاق أو حد" وإنما يقضى في هذه المذكورات بعدلين قال في المدونة ومن ادعى نكاح امرأة وأنكرت فلا يمين له عليها وإن أقام شاهدا ولا يثبت نكاح إلا بشاهدين وصورة ذلك في الطلاق أن تدعي المرأة أن زوجها طلقها وأقامت شاهدا واحدا لا تحلف معه ولا يلزمه الطلاق ومثال ذلك في الحد أن يدعي رجل على آخر أنه قذفه وأقام شاهدا واحدا لا يحلف معه ولا يحد القاذف "و" كذلك "لا" يقضى بشاهد ويمين "في دم عمد" كأن يدعي شخص على آخر أنه جرحه عمدا وأقام شاهدا واحدا فإنه لا يحلف معه وإنما ترد اليمين على الجاني فإن حلف برىء وإن نكل سجن فإن طال سجنه دين وأخرج "أو" قتل "نفس" ثم استثنى من عدم قبول الشاهد واليمين في قتل النفس قوله: "إلا مع القسامة في النفس" مراده أنه يقضى بالقسامة مع الشاهد الواحد من غير يمين وإن كان ظاهر اللفظ لا يعطيه فإن ظاهره أنه لا يقضى بالشاهد واليمين في قتل نفس عمدا إلا مع القسامة في النفس فيقضى بالشاهد واليمين مع القسامة وهذا لم يقل به أحد "وقد قيل يقضى
بذلك في الجراح ولا تجوز شهادة النساء إلا في الأموال ومائة امرأة كامرأتين وذلك كرجل واحد يقضى بذلك مع رجل أو مع اليمين فيما يجوز فيه شاهد ويمين وشهادة امرأتين فقط فيما لا يطلع عليه الرجال من الولادة والاستهلال وشبهه جائزة ولا تجوز شهادة خصم ولا ظنين ولا يقبل إلا العدول
ــ
بذلك" أي بالشاهد واليمين "في الجراح" مطلقا سواء كان عمدا أو خطأ وقد اعترض على المصنف بتعريضه لهذا القول مع أنه المشهور وتقديم غيره عليه مع أنه خلاف المشهور "ولا تجوز شهادة النساء" فيما هو شأن الرجال "إلا في الأموال" وما يتعلق بها كالإجارة "ومائة امرأة كامرأتين" وذلك كرجل واحد يقضي بذلك مع رجل أو مع اليمين "فيما يجوز فيه شاهد ويمين وشهادة امرأتين فقط فيما لا يطلع عليه الرجال من الولادة والاستهلال" وهو النطق بأن يشهدن أنه نزل مستهلا وفائدة ذلك الإرث له أو منه "وشبهه" مثل عيوب الفرج أو البدن "جائزة" ولا يعارض هذا الحصر في قوله ولا تجوز شهادة النساء إلا في الأموال لأن ذلك مخصوص بما قيدنا به كلامه من قولنا فيما هو من شأن الرجال "ولا تجوز شهادة خصم" على "خصمه "ولا" شهادة "ظنين" بالظاء وهو المتهم في دينه بارتكاب أمر لا يجوز شرعا "ولا يقبل" في الشهادة "إلا العدول" ليست العدالة أن يتمحض الرجل للطاعة حتى لا يشوبها معصية لأن ذلك متعذر لا يقدر عليه إلا الصديقون ولكن المراد من كانت الطاعة أكثر
ولا تجوز شهادة المحدود ولا شهادة عبد ولا صبي ولا كافر وإذا تاب المحدود في الزنا قبلت شهادته إلا في الزنا ولا تجوز شهادة الابن للأبوين
ــ
أحواله وهو مجتنب للكبائر "و" كذلك "لا" تجوز "شهادة المحدود في الزنى" مثلا ما لم يتب أما إن تاب فسينص عليه "و" كذا "لا" تجوز "شهادة عبد" في حال رقه لأن الشهادة رتبة عظيمة فهي من المناصب الشرعية التي هي سبب في إلزام الغير ما يحكم به عليه وليس العبد أهلا لها والتقييد بحال الرق لإخراج ما إذا تحمل في حال الرق وأدى بعد العتق فإنها تقبل "و" كذا "لا" تقبل شهادة "صبي" في حال صباه وسينص على قبول شهادة الصبيان بعضهم على بعض "و" كذا "لا" تجوز شهادة "كافر" في حال كفره لا على مسلم ولا على كافر وأما إن تحمل حال الكفر وأدى حال الإسلام فإنها تقبل ما لم ترد في حال كفره فإنها لا تقبل بعد إسلامه لأنه يتهم على إزالة النقص الذي ردت شهادته لأجله لما جبلت عليه الطبائع البشرية في دفع المعرة "وإذا تاب المحدود في الزنى قبلت شهادته إلا في الزنى" فإنها لا تقبل ولا خصوصية للزنى بل إذا تاب المحدود في غير الزنى فإن شهادته لا تقبل إلا في غير ما حد فيه ولأجل هذا التعميم قال المصنف "وفيما حد فيه" ولو صار بعد توبته من أحسن الناس لأنه يتهم على التأسي بإثبات مشارك له في صفته "و" كذا "لا" تجوز "شهادة الابن للأبوين" وفقه المسألة أن الفرع لا يشهد لأصله ولا الأصل لفرعه وأما شهادة الفرع للفرع على أصله أو عكسه فتجوز وكذا تجوز شهادة أحد الأبوين لأحد أولاده على ولده الآخر إن لم يظهر ميل للمشهود له وإلا
ولا هما له ولا الزوج للزوجة ولا هي له وتجوز شهادة الأخ العدل لأخيه ولا تجوز شهادة مجرب في كذب أو مظهر لكبيرة ولا جار لنفسه نفعا ولا دافع عنها ضررا
ــ
امتنعت كما لو شهد الوالد لابنه البار على الفاجر "و" كذا "لا" تجوز "شهادتهما" أي الأبوين "له" أي للابن "و" كذا "لا" تجوز شهادة "الزوج للزوجة ولا" شهادتها "هي له" في حال العصمة ولو حكما فتدخل المطلقة طلاقا رجعيا وأما بعد العصمة فتجوز "وتجوز شهادة الأخ العدل لأخيه" ولكن في الأموال خاصة والجراحات التي فيها المال لا فيما يلتمس فيه لأخيه شرفا أو جاها كشهادته له بأنه تزوج من يحصل له بنكاحها شرف أو جاه لكونها من ذوي القدر "ولا" تجوز "شهادة مجرب في كذب" حرام وتكرر منه ذلك وأما المرأة الواحدة فلا أثر لها لأنها صغيرة ما لم يترتب عليها مفسدة فكبيرة ولذلك قدحت في شهادته "أو مظهر لكبيرة" أو يباشر صغير الخسة كسرقة لقمة أو تطفيف حبة في الكيل وأما صغائر غير الخسة كنظرة لأجنبية فلا يقدح إلا بشرط الإدمان عليها "و" كذا "لا" تجوز شهادة "جار لنفسه نفعا" مثل أن يشهد لشريكه في شيء من مال الشركة صورة ذلك أن أحد الشريكين ادعى على رجل بمال والحال أن ذلك المال المدعى به من مال الشركة فلا يجوز لشريكه أن يشهد له لأنه يجر نفعا لنفسه "و" كذا "لا" تجوز شهادة "دافع عنها" أي عن نفسه "ضررا" مثل أن يكون لرجل على آخر دين فادعى عليه رجل آخر بدين فشهد له هذا أنه قضاه دينه فهذا يتهم أن يكون دفع عن نفسه المخاصمة أي بينه وبين المدعي الآخر
ولا وصي ليتيمه وتجوز شهادته عليه ولا يجوز تعديل النساء ولا تجريحهن ولا يقبل في التزكية إلا من يقول عدل رضا ولا يقبل في ذلك ولا في التجريح واحد وتقبل شهادة الصبيان في الجراح قبل أن يفترقوا أو يدخل بينهم كبير وإذا اختلف المتبايعان استحلف البائع
ــ
بحيث يقول له إني أقاسمك في مال المدين أو أنا أستقل به أو أنت ليس لك دين "ولا وصي ليتيمه" هذا داخل في قوله ولا جار لنفسه لأنه يجر بشهادته مالا يتصرف فيه وإنما كرره ليرتب عليه قوله: "وتجوز شهادته عليه" ولفظ المدونة وكل من لا تجوز شهادته له فشهادته عليه جائزة "ولا يجوز تعديل النساء ولا تجريحهن" لا للرجال ولا للنساء أي فيما لا تجوز شهادتهن فيه ولا في غيره "ولا يقبل في التزكية إلا من يقول عدل رضا" والعدالة هيئة راسخة في النفس تحمله على ملازمة التقوى "ولا يقبل في ذلك" أي في التزكية "ولا في التجريح واحد" إذا زكاه في العلانية وأما في السر فيجوز فيه واحد "تقبل شهادة الصبيان" فيما يقع بينهم "في الجراح" وكذا تقبل شهادتهم في القتل على المشهور فيه وفي الجراح "قبل أن يفترقوا" لأن تفريقهم مظنة تعليمهم "أو يدخل بينهم كبير" لأنه أيضا مظنة تعليمهم "وإذا اختلف المتبايعان" أي البائع والمشتري في قدر الثمن بأن يقول البائع بعتها بدينار ويقول المشتري بل بنصف دينار "استحلف البائع" أولا فالمذهب وجوب تبدئة البائع باليمين فيحلف على نفي دعوى صاحبه وإثبات دعواه في يمين واحدة فيقول
ثم يأخذ المبتاع أو يحلف ويبرأ وإذا اختلف المتداعيان في شيء بأيديهما حلفا وقسم بينهما وإن أقاما بينتين قضي بأعدلهما فإن استويا حلفا وكان بينهما وإذا رجع الشاهد بعد الحكم أغرم ما أتلف بشهادته إن اعترف أنه شهد
ــ
والله ما بعتها بنصف دينار ولقد بعتها بدينار "ثم" بعد حلفه "يأخذ المبتاع" السلعة بما حلف عليه البائع "أو يحلف" هو أي المبتاع على نفي دعوى صاحبه وإثبات دعواه فيقول في المثال المذكور والله لم أشترها بدينار ولقد اشتريتها بنصف دينار "ويبرأ" من لزوم البيع فهو مخير بين أن يأخذ السلعة بما قال البائع أو يحلف ويبرأ "وإذا اختلف المتداعيان في شيء بأيديهما" كل منهما يدعيه لنفسه ولم يقم لواحد منهما دليل على صدقة ولا بينة ولم ينازعهما فيه أحد وهو مما يشبه أن يكتسبه كل واحد منهما "حلفا وقسم بينهما" لأنهما تساويا في الدعوى ولم يترجح أحدهما على الآخر ومن نكل عن اليمين سقط حقه للذي حلف "وإن أقاما بينتين" أي أقام كل بينة تشهد له وكانت إحداهما راجحة على الأخرى بالأعدلية "قضى بأعدلهما" بعد أن يحلف من أقامها أنه ما باع ذلك الشيء ولا وهبه ولا خرج عن ملكه بوجه من الوجوه "فإن لم تترجح" إحدى البينتين بما ذكر "بل استويا" كان الواجب استويتا أي البينتان في العدالة ولا ترجيح بكثرة عدد إلا أن يبلغ حد التواتر لإفادته العلم "حلفا وكان" الشيء المتنازع فيه "بينهما" نصفين لأن الحكم بإحداهما ليس بأولى من الأخرى "وإذا رجع الشاهد بعد الحكم أغرم ما أتلف بشهادته إن اعترف أنه شهد
بزور قاله أصحاب مالك ومن قال رددت إليك ما وكلتني عليه أو على بيعه أو دفعت إليك ثمنه أو وديعتك أو قراضك فالقول قوله ومن قال دفعت إلى فلان كما أمرتني فأنكر فلان فعلى الدافع البينة وإلا ضمن وكذلك على ولي الأيتام البينة أنه أنفق عليهم أو
ــ
بزور قاله أصحاب مالك" قال ابن ناجي ظاهر كلامه يقتضي أن جميع أصحاب مالك يفرقون بين أن يعترف بأنه شهد زورا أو لا يعترف فيغرم في الأول دون الثاني وليس كذلك بل قال مطرف وابن القاسم وأصبغ في الواضحة إنه يغرم مطلقا لأن الخطأ والعمد في أموال الناس سواء "ومن قال" لموكله "رددت لك ما وكلتني عليه" مثاله أن يوكله على دفع دين لزيد فلم يجده فرده لموكله فلو نازعه الموكل فالقول قول الوكيل في رده لأنه أمين "أو على بيعه أو" قال له "دفعت إليك ثمنه أو" قال المودع لمن استودعه شيئا رددت عليك "وديعتك أو" قال العامل لمن دفع إليه مالا قراضا فيطلبه فيقول له دفعت إليك "قراضك فالقول قوله" أي قول كل واحد من الوكيل والمودع والمقارض ويحتمل أن المؤلف ماش على ما قاله شيوخ المدونة أنه إذا قال فيها القول قوله فلا بد من اليمين فيكون القول قوله أي بيمين وإذا قال صدق فبغير يمين "ومن قال دفعت إلى فلان كما أمرتني فأنكر فلان" بأنه لم يصل إليه ما أمره بدفعه إليه "فعلى الدافع البينة" أنه دفع إليه "وإلا ضمن" إن لم يقم بذلك بينة "وكذلك على ولي الأيتام البينة أنه أنفق عليهم" إذا نازعوه في أصل
دفع إليهم وإن كانوا في حضانته صدق في النفقة فيما يشبه والصلح جائز إلا ما جر إلى حرام ويجوز على الإقرار والإنكار والأمة الغارة تتزوج على أنها حرة فلسيدها أخذها وأخذ قيمة الولد يوم الحكم له
ــ
الإنفاق بأن ادعوا أنه لم ينفق عليهم أو نازعوه في مقدار ما أنفق إذا لم يكونوا في حضانته بأن كان ينفق عليهم مساناة أو مشاهرة لقوله: "وإن كانوا في حضانته صدق في النفقة فيما يشبه" مع يمينه لما يدركه من صعوبة الإشهاد فخفف عليه الأمر "والصلح" وهو قطع المنازعة "جائز إلا ما جر إلى حرام" أي أدى إلى ارتكاب محرم شرعا كأن يصالحه عن الذهب المؤجل بالورق ولو على الحلول "ويجوز" الصلح "على الإقرار" ويكون بيعا إن وقع على أخذ غير المقر به كأن يكون له عرض أو حيوان ويصالح عنه بدراهم "و" على "الإنكار" وصورته أن يدعي دارا مثلا فينكر المدعى عليه ثم يصالحه على أن يدفع له شيئا من ماله ثم إن الجواز بالنظر إلى العقد وأما بالنظر إلى الباطن فإن كان الصادق المنكر فالمأخوذ منه حرام وإلا فهو حلال "والأمة" القن "الغارة" بمقالها أو بشاهد حالها بأنها حرة لمن يريد أن يتزوجها فـ "تتزوج على أنها حرة" ثم يظهر خلافه "فلسيدها أخذها وأخذ قيمة الولد يوم الحكم له بها" وعلى الزوج الأقل من المسمى وصداق المثل وإنما يأخذ قيمة الولد من أبيه إذا لم يكن الولد ممن يعتق على السيد فإن كان يعتق على السيد فإنه لا غرامة على الأب المغرور بدفع قيمة ولده كما لو غرت الولد أمة أبيه أو أمة جده من أب أو أم فتزوجها ظانا حريتها وأولدها ثم علم بعد ذلك برقها فإن الولد
ومن استحق أمة قد ولدت فله قيمتها وقيمة الولد يوم الحكم وقيل يأخذها وقيمة الولد وقيل له قيمتها فقط إلا أن يختار الثمن فيأخذه من الغاصب الذي باعها ولو كانت بيد غاصب فعليه الحد وولده رقيق معها لربها ومستحق الأرض بعد أن عمرت يدفع
ــ
يعتق على جده أو جدته ولا قيمة فيه "ومن استحق أمة" والحال أنها "قد ولدت" من حر غير غاصب سواء وطئها بملك أو هبة أو ميراث أو شراء أو غير ذلك من وجوه الملك "فله" أي لمستحق الأمة "قيمتها وقيمة الولد" وتعتبر القيمة "يوم الحكم" ويكون الولد حرا ثابت النسب وقيل يأخذها أي الأمة "وقيمة الولد وقيل له قيمتها فقط" يوم وطئها والأقوال الثلاثة لمالك "إلا أن يختار الثمن فيأخذه من الغاصب الذي باعها له" وإذا اختار الثمن كان كالمقرر لبيع الغاصب "و" أما "لو كانت" الأمة المستحقة بعد الولادة "بيد غاصب" علم بغصبه "فعليه" أي الغاصب "الحد" لأنه زان "وولده رقيق معها" أي مع الأمة "لربها" إذا كان غير أب ولو قال وولدها بالإضافة إلى ضمير الأنثى لكان أحسن لأنه لاحق بها لا به وحكم من اشتراها من الغاصب عالما بغصبه كحكم الغاصب أي في قطع نسب الولد وحده حيث شهدت بينة على إقراره بعلمه قبل الوطء أنها مغصوبة "ومستحق الأرض" أي ومن استحق أرضا من يد مشتر أو غيره ممن ليس بغاصب "بعد أن عمرت" بفتح الميم من العمارة أي بعد أن تصرف فيها بالبناء والغرس ونحوه فإن المستحق "يدفع"
قيمة العمارة قائما فإن أبى دفع إليه المشتري قيمة البقعة براحا فإن أبى كانا شريكين بقيمة ما لكل واحد والغاصب يؤمر بقلع بنائه وزرعه وشجره وإن شاء أعطاه ربها قيمة ذلك النقض والشجر ملقى بعد قيمة أجر من يقلع ذلك
ــ
لمن أعمرها "قيمة العمارة قائما" ويأخذ أرضه بما فيها "فإن أبى" أن يدفع قيمة ما أعمر فيها "دفع إليه المشتري" أو من في منزلته قيمة البقعة "براحا" أي لا شيء فيها "فإن أبى" المشتري من ذلك وفي نسخة أبيا بلفظ التثنية أي المستحق والمشتري أي أبى كل واحد منهما من دفع ما نسب إليه "كانا شريكين بقيمة ما لكل واحد منهما" فالمستحق بقيمة أرضه والذي أعمر بقيمة عمارته فإذا كانت قيمة البقعة عشرة دنانير وقيمة العمارة عشرين دينارا فيكون بينهما أثلاثا وتعتبر القيمة في ذلك يوم الحكم على المشهور لا يوم البناء "والغاصب" أي لعرصة ويبنيها أو يغرمها "يؤمر بقلع بنائه وزرعه وشجره" من الأرض المستحقة "وإن شاء أعطاه ربها قيمة ذلك النقض" بضم النون وسكون القاف "و" قيمة "الشجر ملقى" أي مقلوعا فيعتبر الشجر حطبا والبناء أنقاضا ولا يجوز أن يتفقا على إبقائه في الأرض على أن يدفع له الكراء لأنه يؤدي إلى بيع الزرع قبل بدو صلاحه على التبقية لأن المالك لما كان قادرا على أخذه مجانا في القسم الأول أو بقيمته مقلوعا في هذا القسم الثاني يعد بائعا له وإن أعطاه ربها قيمة نقضه وزرعه فإنما يكون ذلك "بعد قيمة أجر من يقلع ذلك" مثال ذلك أن تكون قيمته مقلوعا عشرة دراهم وأجر من يقلعه
ولا شيء عليه فيما لا قيمة له بعد القلع والهدم ويرد الغاصب الغلة ولا يردها غير الغاصب والولد في الحيوان وفي الأمة إذا كان الولد من غير السيد يأخذه المستحق للأمهات من يد مبتاع أو غيره ومن غصب أمة ثم وطئها فولده رقيق وعليه الحد وإصلاح السفل على صاحب السفل
ــ
أربعة دراهم فإنه يعطيه ستة دراهم "ولا شيء عليه" أي لا يغرم شيئا للغاصب "فيما لا قيمة له بعد القلع والهدم" كالنقش أي أو الزرع أو الشجر قبل بلوغه حد الانتفاع "ويرد الغاصب الغلة" ومثله اللص والخائن والمختلس ونحوهم من كل ما لا شبهة له فيما اغتله ولقوله عليه الصلاة والسلام: "لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس"، "ولا يردها غير الغاصب" وهو صاحب الشبهة ولو كان مشتريا من الغاصب حيث لا علم عنده لقوله عليه الصلاة والسلام الخراج بالضمان ولما كان الولد غير داخل في الغلة وخشي توهم دخوله نبه عليه بقوله:"والولد في الحيوان" غير الآدمي "وفي الأمة إذا كان الولد من غير السيد" الحر "يأخذ المستحق للأمهات من يد مبتاع أو غيره " كالموهوب له والمتصدق عليه لأن حكم الولد حكم الأم في كونه ملكا لمن هي له ملك فيأخذه المستحق لأنه ليس بغلة "ومن غصب أمة ثم وطئها فولده رقيق وعليه الحد" ولا صداق عليه وإنما يلزمه أرش نقصها بوطئه "وإذا كان لرجل" بيت ولآخر "غرفة" عليه "وضعف السفل" وخاف عليه الهدم "فإصلاح السفل على صاحب السفل" ليتمكن صاحب
والخشب للسقف عليه وتعليق الغرف عليه إذا وهى السفل وهدم حتى يصلح ويجبر على أن يصلح أو يبيع ممن يصلح ولا ضرر ولا ضرار فلا يفعل ما يضر بجاره من فتح كوة قريبة يكشف جاره منها أو فتح باب قبالة بابه
ــ
العلو من المنفعة "و" كذلك "الخشب لحمل السقف عليه" أي على صاحب السفل "و" كذلك "تعليق الغرف عليه" أي على صاحب السفل "إذا وهى السفل" وضعف "وهدم" أي قارب أن ينهدم وقوله: "حتى يصلح" غاية لتعليق الغرف والمعنى أن صاحب البناء الأسفل إذا وهى بناؤه وقارب أن ينهدم فيجب عليه أمران ويقضى عليه بهما أن يعلق الغرف التي فوق بنائه ليتمكن صاحب العلو من المنفعة وأن يصلح الأسفل أو يبيعه ممن يصلحه وإلى هذا الإشارة بقوله: "ويجبر" أي صاحب السفل "على أن يصلح" سفله "أو يبيعه ممن يصلحه" فإذا باعه لشخص وامتنع أيضا فإنه يقضى عليه بالإصلاح أو البيع ممن يصلح وهكذا وقوله: "ولا ضرر ولا ضرار" أي لا تضر من لم يضرك وهو معنى لا ضرر وقوله: ولا ضرار أي لا تفعل معه زيادة على ما فعل معك فتعد ضارا وأما مثل فعله أو أنقص منه فجائز قال تعالى: {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} هذا بالنسبة للعامة وأما أكابر الناس وخواصهم فيقابلون الإساءة بالمعروف "فلا يفعل ما يضر بجاره من فتح كوة" بفتح الكاف هي الطاقة أفهم كلامه أن الكوة السابقة على بيت الجار لا يقضى بسدها وهو كذلك ولكن يمنع من التطلع على الجار منها "قريبة يكشف جاره منها" بحيث يميز الذكور من الإناث "أو فتح باب قبالة بابه" أي قبالة باب جار الفاتح فإن
أو حفر ما يضر بجاره في حفره وإن كان في ملكه ويقضى بالحائط لمن إليه القمط والعقود ولا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ وأهل آبار الماشية أحق بها حتى يسقوا ثم الناس فيها سواء ومن كان في أرضه عين أو بئر فله منعها إلا أن تنهدم بئر جاره وله زرع يخاف عليه فلا يمنعه فضله
ــ
فعل منع من ذلك لأنه يلزم منه الاطلاع على عورة جاره "أو حفر ما يضر بجاره في حفره" وإن كان الحفر في ملكه كحفر بئر ملتصقة بجداره أو حاصل لمرحاضه "ويقضى بالحائط لمن إليه" أي عند "القمط والعقود" القمط بكسر القاف وسكون الميم الخشب الذي يجعل في وسط الحائط ليحفظه من الكسر والعقود تناكح الأحجار أي تداخل بعض البناء في بعض "ولا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ" وصورة ذلك أن يكون بإزاء الماء مرعى ينزل فيه قوم يريدون الرعي فيه فيمنعهم أهل الماء من الشرب ليرتحلوا عن مرعاهم "فأهل آبار الماشية أحق بها" أي بماء الآبار "حتى يسقوا" ثم المسافرون لسقيهم ثم ماشية أهل الآبار ثم ماشية المسافرين "ثم الناس" بعدهم "فيها" أي في الآبار أي في فضل مائها شركاء "سواء ومن كان في أرضه عين أو بئر فله منعها إلا أن تنهدم بئر جاره" أو يغور ماؤها "و" الحال أن "له" أي للجار "زرع يخاف عليه فلا يمنعه" أي لا يجوز له أن يمنعه "فضله" بل يلزمه بذله ويقضى عليه بذلك بشروط ثلاثة أن يكون الجار زرع على أصل ماء فانهارت بئره وأن يخاف على
واختلف هل عليه في ذلك ثمن أم لا وينبغي أن لا يمنع الرجل جاره أن يغرز خشبه في جداره ولا يقضى عليه وما أفسدت الماشية من الزرع والحوائط بالليل فذلك على أرباب الماشية ولا شيء عليهم في فساد النهار ومن وجد سلعته
ــ
زرعة التلف وأن يشرع في إصلاح بئره ولا يؤخر "واختلف هل عليه" أي على الجار "في ذلك" الفضل ثمن لصاحب الماء وهو محكي عن مالك "أم لا" وهو قول في المدونة ووجهه أن بذل فضل مائه واجب على طريق الإعانة فلم يكن له أخذ العوض عنه ووجه الأول أنه انتفع بمال الغير لإحياء مال نفسه "وينبغي" بمعنى ويستحب "أن لا يمنع الرجل جاره أن يغرز" أي يدخل "خشبه في جداره" لما صح من قوله عليه الصلاة والسلام: "لا يمنع الرجل جاره أن يغرز خشبة في جداره" روي "خشبة" بالإفراد "وخشبه" بالجمع وقوله: "ولا يقضى عليه" تأكيد للندب المستفاد من قوله وينبغي أن يمنع الخ وإشارة إلى رد قول ابن كنانة والشافعي أنه يقضى عليه "وما أفسدت الماشية من الزروع والحوائط بالليل فذلك على أرباب الماشية ولا شيء عليهم في إفساد النهار" وهذا التفصيل في الموطأ وغيره فقد روى مالك في موطئه أن ناقة البراء بن عازب دخلت حائطا فأفسدت فيه فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن على أهل الحائط حفظها بالنهار وأن ما أفسدت الماشية بالليل فهو ضمان على أهلها ومحل كون ضمان ما أتلفته ليلا على ربها ما لم يكن معها راع وإلا فالضمان عليه "ومن وجد سلعته" التي باعها من رجل لم تفت ولم يقبض ثمنها حتى أفلس مشتريها فالبائع حينئذ أي في
في التفليس فإما حاصص وإلا أخذ سلعته إن كانت تعرف بعينها وهو في الموت أسوة الغرماء والضامن غارم وحميل الوجه إن لم يأت به غرم حتى يشترط أن لا يغرم ومن أحيل بدين فرضي فلا رجوع له على الأول وإن أفلس هذا إلا أن يغره منه وإنما الحوالة على أصل دين وإلا
ــ
التفليس بالخيار "فإما حاصص بها" أي دخل مع الغرماء في جملة المال فيأخذ نصيبا بنسبة ماله منه "وإلا أخذ سلعته إن كانت تعرف بعينها" وكانت من ذوات القيم كالدواب والرقيق وأما إن كانت من ذوات الأمثال كالقمح فليس له إلا الحصاص والموضوع أن الفلس طارىء على الشراء وإلا فلا يكون أحق بسلعته بل يحاصص الغرماء "وهو" أي صاحب السلعة إذا وجدها "في الموت" أي موت من ابتاع السلعة وصاحب السلعة لم يقبض ثمنها حتى مات المبتاع "أسوة الغرماء" وليس أحق بسلعته بل يحاصص "والضامن غارم" عند تعذر الاستيفاء من الغريم "وحميل الوجه" وهو من التزم إحضار الغريم وقت الحاجة إليه إن أتى بوجه من تحمل به عند الأجل برىء و "إن لم يأت به" عند الأجل "غرم" المال الذي عليه "حتى" بمعنى إلا أن "يشترط أن لا يغرم" فلا يلزمه إن تغيب الغريم غرامة المال قال ابن عمر: إلا أن يكون أمكنه الإتيان به ففرط فإنه يغرم "ومن أحيل بدين فرضي فلا رجوع له على الأول وإن أفلس هذا" المحال عليه "إلا أن يغره منه" أي يغر المحيل المحال وقوله منه أي فيه أي المدين الذي هو المحال عليه مثل أن يعلم أنه عديم وأحال عليه فإنه لا يبرأ ويرجع عليه المحال بدينه "وإنما الحوالة على أصل دين وإلا" أي وإن
فهي حمالة ولا يغرم الحميل إلا في عدم الغريم أو غيبته ويحل بموت المطلوب أو تفليسه كل دين عليه ولا يحل ما كان له على غيره ولا تباع رقبة المأذون فيما عليه ولا يتبع به
ــ
لم تكن على أصل دين "فهي حمالة" أي ضمان لأن الحوالة مأخوذة من تحويل الحق من ذمة إلى ذمة فإن لم يكن هناك أصل دين لم تكن حوالة ولو وقعت بلفظ الحوالة وفائدة ذلك أن للمحتال أن يرجع على المحيل ولا تبرأ ذمته بذلك لأن الضمان لا يبرىء ذمة المضمون عنه وإنما هو شغل ذمة أخرى فلو كانت حوالة لبرئت بها ذمته ولم يكن للمحتال الرجوع عليه وقوله: "ولا يغرم الحميل إلا في عدم الغرم أو غيبته" راجع إلى قوله والضامن غارم ومحل كون الحميل يغرم في غيبة الغريم البعيدة إذا لم يكن للغريم مال حاضر يمكن الاستيفاء منه وإلا فلا يغرم "ويحل بموت المطلوب أو تفليسه كل دين عليه" المراد به حكم الحاكم بخلع ماله لا مجرد قيام الغرماء فلا يحل به ما أجل أما حلول الديون المؤجلة بالموت فلأن الدين كان متعلقا بالذمة وبالموت قد خربت ولم يبق للغريم ما يتعلق به فوجب أن يحل ما كان مؤجلا وأن ينتقل من الذمة إلى التركة لأنه لا يتعلق بغيرهما فإذا ذهبت إحداهما فلم يبق غير الأخرى وأما حلوله بالفلس فلأن الغرماء لما دخلوا على ذمة عامرة وبالفلس قد خربت فأشبه ذلك موته "ولا يحل" بموت المطلوب أو تفليسه "ما كان له على غيره" من الديون لأن محلها وهي الذمم لم تفت بل هي باقية "ولا تباع رقبة" العبد "المأذون" له في التجارة "فيما عليه" من الديون وإنما تتبع ذمته "ولا يتبع به" أي مما على العبد
سيده ويحبس المديان ليستبرأ ولا حبس على معدم وما انقسم بلا ضرر قسم من ربع وعقار وما لم ينقسم بغير ضرر فمن دعا إلى البيع أجبر عليه من أباه وقسم القرعة لا يكون إلا في صنف واحد
ــ
"سيده" إلا إذا قال لهم عاملوه وما عاملتموه به فذلك علي "ويحبس المديان" المجهول الحال "ليستبرأ" أي يستبين أمره فإن ثبت عدمه بشهادة عدلين أنهما لا يعرفان له مالا لا ظاهرا ولا باطنا فلا يطلق حتى يستحلف ما له مال ظاهر ولا باطن وتكون يمينه على البت ويزيد عليها وإن وجدت مالا لأقضينه عاجلا "وما انقسم بلا ضرر قسم" فيقسم كل ما كان قابلا للقسمة "من ربع" وهو البناء "وعقار" وهي الأرض وغيرها كالحيوان والعروض والمكيل والموزون والمراد أن كل ما كان قابلا للقسمة وتنافسوا فيه فبعضهم يطلب القسمة وبعضهم يأباها أجبر الممتنع عليها "وما لم ينقسم بغير ضرر" بأن لم يقبل القسمة كالعبد الواحد فإن في قسمته إتلاف عينه أو يقبلها بضرر كالخفين فإن في قسمتهما إتلاف منفعتهما "فإنه لا يجوز قسمه" فإن تشاح الشركاء في شيء من ذلك ولم يتراضوا على أن ينتفعوا به مشاعا وأراد أحدهم البيع وأباه بعضهم "فـ" إن "من دعا إلى البيع أجبر عليه من أباه" لأنه لا يجوز قسمه حتى يحسم مادة النزاع فتعين البيع وأجيب له من طلبه لقطع النزاع "وقسم القرعة لا يكون إلا في صنف واحد" أي جنس واحد فلا يجوز في قسم القرعة الجمع بين جنسين أو نوعين متباعدين كالتفاح والخوخ
ولا يؤدي أحد الشركاء ثمنا وإن كان في ذلك تراجع لم يجز القسم إلا بتراض ووصي الوصي كالوصي وللوصي أن يتجر بأموال اليتامى ويزوج إماءهم ومن أوصى إلى غير مأمون فإنه يعزل ويبدأ بالكفن ثم الدين ثم الوصية ثم الميراث ومن حاز دارا
ــ
بل كل منهما يقسم على حدة لأن جمعهما في قسمة واحدة غرر بين "ولا يؤدي أحد الشركاء ثمنا" لأنه إذا أداه صار صنفين والقرعة لا تكون إلا في صنف واحد "وإن كان في ذلك تراجع لم تجز القسمة إلا بتراض" مثال ذلك أن يوجد ثوبان ثمن أحدهما ديناران وثمن الآخر دينار فيقرع عليهما فمن صار في سهمه الذي ثمنه ديناران على صاحبه خمسة دراهم ليتعادلا فهذا لا يجوز إلا بتراض بأن يقول أحدهما للآخر لك الخيار إما أن تختار الذي ثمنه ديناران وتعطي خمسة دراهم أو تأخذ الذي ثمنه دينار وتأخذ خمسة دراهم "ووصي الوصي كالوصي" إن كان الأصلي بوصية الأب لا بوصية القاضي فإذا كان مقاما من قبل القاضي فليس له الوصاية "وللوصي أن يتجر في أموال اليتامى ويزوج إماءهم" لكن ليس له أن يتجر بها بنفسه فإن فعل ذلك تعقبه الإمام فإن رآه خيرا أمضاء وإلا أبطله "ويبدأ بالكفن" يريد بعد المعينات مثل أم الولد والمعتقة لأجل ونحو ذلك "ثم بالدين" الثابت ببينة أو إقرار في صحته أو مرضه لكن لمن لا يتهم عليه "ثم" بعد الدين "بالوصية" إن كان أوصى "ثم الميراث" إلا قدر كفنه فإن لم يترك إلا قدر كفنه كان أحق به "ومن حاز دارا" مثلا
على حاضر عشر سنين تنسب إليه وصاحبها حاضر عالم لا يدعي شيئا فلا قيام له ولا حيازة بين الأقارب والأصهار في مثل هذه المدة ولا يجوز إقرار المريض لوارثه بدين أو بقبضه ومن أوصى
ــ
أو عقارا فهو أعم من الدار "على حاضر" أي مع حاضر أي مع موجود حاضر رشيد أجنبي غير شريك "عشر سنين" وهي "تنسب" أي تضاف "إليه" كأن يقال دار فلان "وصاحبها" المنازع "حاضر عالم" بأنها ملكه وأما إذا لم يعلم بأن هذا المحل المحاز عنه ملكه بأن قال لا أعلم أنه ملكي في حال تصرف هذا الحائز وما وجدت الوثيقة إلا عند فلان أو كان وارثا وادعى أنه لا يعلم أنه مكله فإنه يقبل قوله: "لا يدعي شيئا" ولم يمنعه مانع من المطالبة أما إذا كان الحائز ذا شوكة فإن له القيام ولو طال الزمن وتسمع دعواه "فلا قيام له" أي بعد ذلك ولا تسمع بينته لأن العرف يكذبه إذ ولو كانت له لما سكت عن الدعوى بها في هذه المدة هذا كله في غير حق الله وأما هو فلا يفوت بالحيازة ولو طالت المدة كما لو حاز طريق المسلمين أو جزأ منها أو مسجدا أو محلا موقوفا على غيره "ولا يجوز" بمعنى لا يصح "إقرار المريض" مرضا مخوفا "لوارثه بدين" له في ذمته "أو بقبضه" أي بقبض دين كان له عليه صورة الإقرار بالدين أن تقول لفلان علي كذا وكذا وصورة الإقرار بقبضه أن يقول الدين الذي لي على فلان قبضته وهذا مقيد بأن يكون هناك تهمة بأن كان الوارث له ابنته وابن عمه فالميل لابنته يقضي بالتهمة وإن إقراره لها بدين أو بقبضه ليس الغرض منه إلا محاباتها "ومن أوصى
بحج أنفذ والوصية بالصدقة أحب إلينا وإذا مات أجير الحج قبل أن يصل فله بحساب ما سار ويرد ما بقي وما هلك بيده فهو منه إلا أن يأخذ المال على أن ينفق على البلاغ فالضمان من الذين واجروه ويرد ما فضل إن فضل شيء
ــ
بحج أنفذ من الثلث" على المشهور "والوصية بالصدقة أحب إلينا" أي إلى المالكية من الإيصاء بالحج لأنه لا خلاف فيها ولا خلاف في انتفاع الميت بها وأما الحج فمختلف فيه بين أهل العلم هل ينتفع به الميت أم لا ومذهب مالك أنه لا ينتفع به الميت "وإذا مات أجير الحج" أي من استؤجر لأن يحج عمن أوصى بحج في أثناء الطريق "قبل أن يصل" إلى مكة أو قبل أن يقضي أفعال الحج "فله بحساب ما سار" من الطريق أي من حيث الصعوبة والسهولة والأمن والخوف لا من حيث المسافة فقد يكون ربعها يساوي نصف الكراء "ويرد ما بقي" لأنه لا يستحق كل الأجر إلا بتمام العمل "وما هلك بيده فهو" أي ضمانه "منه" لأن عليه معاوضته أي لأنه تقرر عليه وتحمل عليه عوضه وهو العمل "إلا أن يأخذ المال على أن ينفق على البلاغ فـ" إنه إذا هلك يكون "الضمان من الذين واجروه" صوابه آجروه بغير واو وإنما كان الضمان منهم لتفريطهم بعدم إجارة الضمان التي هي أحوط وصورة إجارة البلاغ أن يعطى الأجير مالا ليحج به فإن أكمل العمل كان له وإن لم يكمله لم يستحق منه شيئا وإن احتاج إلى زيادة رجع بها على المستأجر "ويرد ما فضل إن فضل شيء" ولا يجوز له صرف شيء منه في غير الحج