المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب في الأقضية والشهادات - الثمر الداني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني

[صالح بن عبد السميع الأزهري]

فهرس الكتاب

- ‌مدخل

- ‌باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب أمور الديانات

- ‌باب ما يجب منه الوضوء والغسل

- ‌باب طهارة الماء والثوب

- ‌باب صفة الوضوء ومسنونه ومفروضه

- ‌باب في الغسل

- ‌باب فيمن لم يجد الماء وصفة التيمم

- ‌باب في المسح على الخفين

- ‌باب في أوقات الصلاة وأسمائها

- ‌باب في الأذان والإقامة

- ‌باب صفة العمل في الصلوات المفروضة وما يتصل بها من النوافل والسنن

- ‌باب في الإمامة وحكم الإمام والمأموم

- ‌باب جامع في الصلاة

- ‌باب في سجود القرآن

- ‌باب في صلاة السفر

- ‌باب في صلاة الجمعة

- ‌باب في صلاة الخوف

- ‌باب في صلاة العيدين والتكبير أيام منى

- ‌باب في صلاة الخسوف

- ‌باب في صلاة الاستسقاء

- ‌باب ما يفعل بالمحتضر وفي غسل الميت

- ‌باب في الصلاة على الجنائز والدعاء للميت

- ‌باب في الدعاء للطفل والصلاة عليه وغسله

- ‌باب في الصيام

- ‌باب في الاعتكاف

- ‌باب في زكاة العين والحرث والماشية وما يخرج من المعدن وذكر الجزية وما يؤخذ من تجار أهل الذمة والحربيين

- ‌باب في زكاة الماشية وزكاة الإبل والبقر والغنم

- ‌باب في زكاة الفطر

- ‌باب في الحج والعمرة

- ‌باب في الضحايا والذبائح والعقيقة والصيد والختان وما يحرم من الأطعمة والأشربة

- ‌باب في الجهاد

- ‌باب في الأيمان والنذور

- ‌باب في النكاح والطلاق والرجعة والظهار والإيلاء واللعان والخلع والرضاع

- ‌باب في العدة والنفقة والاستبراء

- ‌باب في البيوع وما شاكل البيوع

- ‌باب في الوصايا والمدبر والمكاتب والمعتق وأم الولد والولاء

- ‌باب في الشفعة والهبة والصدقة والحبس والرهن والعارية والوديعة واللقطة والغصب

- ‌باب في أحكام الدماء والحدود

- ‌باب في الأقضية والشهادات

- ‌باب في الفرائض

- ‌باب جمل من الفرائض والسنن الواجبة والرغائب

- ‌باب في الفطرة والختان وحلق الشعر واللباس وستر العورة وما يتصل بذلك

- ‌باب في الطعام والشراب

- ‌باب في السلام والاستئذان والتناجي والقراءة والدعاء وذكر الله والقول في السفر

- ‌باب في التعالج وذكر الرقى والطيرة والنجوم والخصاء والوسم والكلاب والرفق بالمملوك

- ‌باب في الرؤيا والتثاوب والعطاس واللعب بالنرد وغيرها والسبق بالخيل والرمي وغير ذلك

الفصل: ‌باب في الأقضية والشهادات

‌باب في الأقضية والشهادات

"والبينة على المدعي واليمين على من أنكر" ولا يمين حتى تثبت الخلطة أو الظنة

ــ

"باب في الأقضية والشهادات" الأقضية جمع قضاء ويستعمل لغة بمعنى الحكم والفراغ والهلاك والأداء والإنهاء والمضي والصنع والتقدير واصطلاحا ما قال ابن رشد القضاء الإخبار عن حكم شرعي على سبيل الإلزام وهو من فروض الكفاية أي عند تعدد من يقوم به لما فيه من المصالح التي لا بد منها وقد يعرض له الوجوب العيني كما إذا انفرد إنسان بشروطه وخاف ضياع الحق على أربابه أو نفسه إن لم يتول القضاء وقد تعرض له الحرمة ككونه جاهلا أو قاصدا به تحصيل الدنيا أو جائرا والحكم بالعدل من أفضل أعمال البر والجور في الأحكام من أعظم الذنوب وأكبر الكبائر قال تعالى: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً} وقال صلى الله عليه وسلم: "إن أعتى الناس على الله وأبغض الناس إلى الله وأبعد الناس من الله رجل ولاه الله من أمة محمد شيئا فلم يعدل فيهم" ومن شروطه الاجتهاد فلا تصح ولاية مقلد مع وجود مجتهد وبدأ المصنف بحديث صحيح فقال: "والبينة على المدعي واليمين على من أنكر" قال بعض الشيوخ المدعي هو الذي يقول كان والمدعى عليه هو الذي يقول لم يكن وجعلت البينة على المدعي لأن جانبه أضعف من أجل أنه يريد أن يثبت وجعلت اليمين على من أنكر لأنه أقوى جانبا من أجل أنه يدعي الأصل إذ الأصل براءة الذمة "ولا يمين" أي ولا يقضي بيمين "حتى يثبت الخلطة أو الظنة" بكسر الظاء التهمة وتثبت الخلطة بإقرار المدعى عليه أو بشهادة عدلين أو عدل واحد ويحلف

ص: 604

كذلك قضى حكام أهل المدينة وقد قال عمر بن عبد العزيز تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور وإذا نكل المدعى عليه لم يقض للطالب حتى يحلف فيما يدعي فيه معرفة واليمين بالله

ــ

المدعي معه والظنة إنما تكون في حق السارق والغاصب فالخلطة في المعاملات والظنة لأهل الغصوبات "وكذلك قضى حكام أهل المدينة" وإجماع أهل المدينة رضي الله عنهم حجة فيخصص به الحديث أي قوله صلى الله عليه وسلم: "البينة على المدعي واليمين على من أنكر" أي فإن ظاهر الحديث أن اليمين متوجهة مطلقا فيخصص بأن يكون بينهما خلطة وإن ذلك من الأقضية المحدثة بقدر ما أحدث الناس من الفجور وأكد ذلك بقوله: "وقد قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه تحدث للناس أقضية" أي أحكام مستنبطة بحسب الاجتهاد مما ليس فيه نص "بقدر ما أحدثوا من الفجور" ولا يخفى أن عمر بن عبد العزيز من الأئمة المقتدى بهم قولا وفعلا ولا يعارض هذا بقوله وترك كل ما أحدثه المحدثون لأن ذلك فيما لم يستند إلى كتاب ولا سنة ولا إجماع "وإذا نكل المدعى عليه" بأن قال لا أحلف مثلا "لم يقض" أي لم يحكم "للطالب" وهو المدعي بمجرد نكول المدعى عليه "حتى يحلف" الطالب "فيما يدعي فيه معرفة" أي علما بصفة الشيء المدعى فيه وقدره وهذا في دعوى التحقيق وأما دعوى التهمة كأن يتهم شخصا بسرقة مال فإنه لا يحلف الطالب بل يغرم المدعى عليه بمجرد نكوله ولا ترد على المدعي إلا في دعوى التحقيق "واليمين" في الحقوق كلها "بالله" أي يقول والله "الذي لا إله إلا هو" ولا يزيد على ذلك ولا ينقص عنه

ص: 605

الذي لا إله إلا هو ويحلف قائما وعند منبر الرسول صلى الله عليه وسلم في ربع دينار فأكثر وفي غير المدينة يحلف في ذلك في الجامع وموضع يعظم منه ويحلف الكافر بالله حيث يعظم وإذا وجد الطالب بينة بعد يمين المطلوب لم يكن علم بها قضي له بها وإن كان علم بها فلا تقبل منه

ــ

وهذا عام في جميع الناس المسلم والكتابي وقيل لا يزاد على الكتابي الذي لا إله إلا هو بل يقول والله فقط "ويحلف قائما" تغليظا عليه فلو حلف جالسا لم يجز بناء على أن التغليظ واجب وهو المعتمد "وعند منبره صلى الله عليه وسلم في ربع دينار فأكثر" إن كان بالمدينة المشرفة لأن ذلك أردع للحالف "و" إن كان "في غير المدينة" المشرفة "يحلف في ذلك" أي في ربع دينار فأكثر "في الجامع" الذي تصلى فيه الجمعة "و" يكون ذلك "بموضع يعظم منه" بكسر الظاء وهو المحراب فإن أبى أن يحلف هناك عد نكولا منه "ويحلف الكافر" كتابيا أو مجوسيا "بالله حيث يعظم" بكسر الظاء أي في المكان الذي يعتقد تعظيمه فاليهودي يحلف في كنيسته والنصراني في بيعته والمجوسي في بيت النار "وإذا وجد الطالب" وهو المدعي "بينة بعد يمين المطلوب" وهو المدعى عليه "و" الحال أن المدعي "لم يكن يعلم بها" أي بالبينة "قضى له بها" سواء كانت حاضرة أو غائبة غيبة قريبة لأن اليمين لا تبرئ الذمة وإنما شرعت لقطع الخصومة قال ابن الماجشون وإنما يقضى له بها بعد أن يحلف أنه ما علم "و" أما "إن" كان "علم بها" أي بالبينة وهي حاضرة "فلا تقبل منه" على المشهور

ص: 606

وقد قيل تقبل منه ويقضى بشاهد ويمين في الأموال ولا يقضى بذلك في نكاح أو طلاق أو حد ولا في دم عمد أو نفس إلا مع القسامة في النفس وقد قيل يقضى

ــ

وقد قيل تقبل منه" وصححه ابن القصار "ويقضى بشاهد ويمين في الأموال" وما أدى إلى الأموال مثل أن يدعي أحدهما أن البيع وقع على الخيار والآخر على البت فالقول قول مدعي البت إلا أن يأتي مدعي الخيار بشاهد ويمين وعبر بمثل ليدخل في ذلك الإجارة وجراحات الخطأ والكتابة "ولا يقضى بذلك" أي بالشاهد واليمين "في نكاح أو طلاق أو حد" وإنما يقضى في هذه المذكورات بعدلين قال في المدونة ومن ادعى نكاح امرأة وأنكرت فلا يمين له عليها وإن أقام شاهدا ولا يثبت نكاح إلا بشاهدين وصورة ذلك في الطلاق أن تدعي المرأة أن زوجها طلقها وأقامت شاهدا واحدا لا تحلف معه ولا يلزمه الطلاق ومثال ذلك في الحد أن يدعي رجل على آخر أنه قذفه وأقام شاهدا واحدا لا يحلف معه ولا يحد القاذف "و" كذلك "لا" يقضى بشاهد ويمين "في دم عمد" كأن يدعي شخص على آخر أنه جرحه عمدا وأقام شاهدا واحدا فإنه لا يحلف معه وإنما ترد اليمين على الجاني فإن حلف برىء وإن نكل سجن فإن طال سجنه دين وأخرج "أو" قتل "نفس" ثم استثنى من عدم قبول الشاهد واليمين في قتل النفس قوله: "إلا مع القسامة في النفس" مراده أنه يقضى بالقسامة مع الشاهد الواحد من غير يمين وإن كان ظاهر اللفظ لا يعطيه فإن ظاهره أنه لا يقضى بالشاهد واليمين في قتل نفس عمدا إلا مع القسامة في النفس فيقضى بالشاهد واليمين مع القسامة وهذا لم يقل به أحد "وقد قيل يقضى

ص: 607

بذلك في الجراح ولا تجوز شهادة النساء إلا في الأموال ومائة امرأة كامرأتين وذلك كرجل واحد يقضى بذلك مع رجل أو مع اليمين فيما يجوز فيه شاهد ويمين وشهادة امرأتين فقط فيما لا يطلع عليه الرجال من الولادة والاستهلال وشبهه جائزة ولا تجوز شهادة خصم ولا ظنين ولا يقبل إلا العدول

ــ

بذلك" أي بالشاهد واليمين "في الجراح" مطلقا سواء كان عمدا أو خطأ وقد اعترض على المصنف بتعريضه لهذا القول مع أنه المشهور وتقديم غيره عليه مع أنه خلاف المشهور "ولا تجوز شهادة النساء" فيما هو شأن الرجال "إلا في الأموال" وما يتعلق بها كالإجارة "ومائة امرأة كامرأتين" وذلك كرجل واحد يقضي بذلك مع رجل أو مع اليمين "فيما يجوز فيه شاهد ويمين وشهادة امرأتين فقط فيما لا يطلع عليه الرجال من الولادة والاستهلال" وهو النطق بأن يشهدن أنه نزل مستهلا وفائدة ذلك الإرث له أو منه "وشبهه" مثل عيوب الفرج أو البدن "جائزة" ولا يعارض هذا الحصر في قوله ولا تجوز شهادة النساء إلا في الأموال لأن ذلك مخصوص بما قيدنا به كلامه من قولنا فيما هو من شأن الرجال "ولا تجوز شهادة خصم" على "خصمه "ولا" شهادة "ظنين" بالظاء وهو المتهم في دينه بارتكاب أمر لا يجوز شرعا "ولا يقبل" في الشهادة "إلا العدول" ليست العدالة أن يتمحض الرجل للطاعة حتى لا يشوبها معصية لأن ذلك متعذر لا يقدر عليه إلا الصديقون ولكن المراد من كانت الطاعة أكثر

ص: 608

ولا تجوز شهادة المحدود ولا شهادة عبد ولا صبي ولا كافر وإذا تاب المحدود في الزنا قبلت شهادته إلا في الزنا ولا تجوز شهادة الابن للأبوين

ــ

أحواله وهو مجتنب للكبائر "و" كذلك "لا" تجوز "شهادة المحدود في الزنى" مثلا ما لم يتب أما إن تاب فسينص عليه "و" كذا "لا" تجوز "شهادة عبد" في حال رقه لأن الشهادة رتبة عظيمة فهي من المناصب الشرعية التي هي سبب في إلزام الغير ما يحكم به عليه وليس العبد أهلا لها والتقييد بحال الرق لإخراج ما إذا تحمل في حال الرق وأدى بعد العتق فإنها تقبل "و" كذا "لا" تقبل شهادة "صبي" في حال صباه وسينص على قبول شهادة الصبيان بعضهم على بعض "و" كذا "لا" تجوز شهادة "كافر" في حال كفره لا على مسلم ولا على كافر وأما إن تحمل حال الكفر وأدى حال الإسلام فإنها تقبل ما لم ترد في حال كفره فإنها لا تقبل بعد إسلامه لأنه يتهم على إزالة النقص الذي ردت شهادته لأجله لما جبلت عليه الطبائع البشرية في دفع المعرة "وإذا تاب المحدود في الزنى قبلت شهادته إلا في الزنى" فإنها لا تقبل ولا خصوصية للزنى بل إذا تاب المحدود في غير الزنى فإن شهادته لا تقبل إلا في غير ما حد فيه ولأجل هذا التعميم قال المصنف "وفيما حد فيه" ولو صار بعد توبته من أحسن الناس لأنه يتهم على التأسي بإثبات مشارك له في صفته "و" كذا "لا" تجوز "شهادة الابن للأبوين" وفقه المسألة أن الفرع لا يشهد لأصله ولا الأصل لفرعه وأما شهادة الفرع للفرع على أصله أو عكسه فتجوز وكذا تجوز شهادة أحد الأبوين لأحد أولاده على ولده الآخر إن لم يظهر ميل للمشهود له وإلا

ص: 609

ولا هما له ولا الزوج للزوجة ولا هي له وتجوز شهادة الأخ العدل لأخيه ولا تجوز شهادة مجرب في كذب أو مظهر لكبيرة ولا جار لنفسه نفعا ولا دافع عنها ضررا

ــ

امتنعت كما لو شهد الوالد لابنه البار على الفاجر "و" كذا "لا" تجوز "شهادتهما" أي الأبوين "له" أي للابن "و" كذا "لا" تجوز شهادة "الزوج للزوجة ولا" شهادتها "هي له" في حال العصمة ولو حكما فتدخل المطلقة طلاقا رجعيا وأما بعد العصمة فتجوز "وتجوز شهادة الأخ العدل لأخيه" ولكن في الأموال خاصة والجراحات التي فيها المال لا فيما يلتمس فيه لأخيه شرفا أو جاها كشهادته له بأنه تزوج من يحصل له بنكاحها شرف أو جاه لكونها من ذوي القدر "ولا" تجوز "شهادة مجرب في كذب" حرام وتكرر منه ذلك وأما المرأة الواحدة فلا أثر لها لأنها صغيرة ما لم يترتب عليها مفسدة فكبيرة ولذلك قدحت في شهادته "أو مظهر لكبيرة" أو يباشر صغير الخسة كسرقة لقمة أو تطفيف حبة في الكيل وأما صغائر غير الخسة كنظرة لأجنبية فلا يقدح إلا بشرط الإدمان عليها "و" كذا "لا" تجوز شهادة "جار لنفسه نفعا" مثل أن يشهد لشريكه في شيء من مال الشركة صورة ذلك أن أحد الشريكين ادعى على رجل بمال والحال أن ذلك المال المدعى به من مال الشركة فلا يجوز لشريكه أن يشهد له لأنه يجر نفعا لنفسه "و" كذا "لا" تجوز شهادة "دافع عنها" أي عن نفسه "ضررا" مثل أن يكون لرجل على آخر دين فادعى عليه رجل آخر بدين فشهد له هذا أنه قضاه دينه فهذا يتهم أن يكون دفع عن نفسه المخاصمة أي بينه وبين المدعي الآخر

ص: 610

ولا وصي ليتيمه وتجوز شهادته عليه ولا يجوز تعديل النساء ولا تجريحهن ولا يقبل في التزكية إلا من يقول عدل رضا ولا يقبل في ذلك ولا في التجريح واحد وتقبل شهادة الصبيان في الجراح قبل أن يفترقوا أو يدخل بينهم كبير وإذا اختلف المتبايعان استحلف البائع

ــ

بحيث يقول له إني أقاسمك في مال المدين أو أنا أستقل به أو أنت ليس لك دين "ولا وصي ليتيمه" هذا داخل في قوله ولا جار لنفسه لأنه يجر بشهادته مالا يتصرف فيه وإنما كرره ليرتب عليه قوله: "وتجوز شهادته عليه" ولفظ المدونة وكل من لا تجوز شهادته له فشهادته عليه جائزة "ولا يجوز تعديل النساء ولا تجريحهن" لا للرجال ولا للنساء أي فيما لا تجوز شهادتهن فيه ولا في غيره "ولا يقبل في التزكية إلا من يقول عدل رضا" والعدالة هيئة راسخة في النفس تحمله على ملازمة التقوى "ولا يقبل في ذلك" أي في التزكية "ولا في التجريح واحد" إذا زكاه في العلانية وأما في السر فيجوز فيه واحد "تقبل شهادة الصبيان" فيما يقع بينهم "في الجراح" وكذا تقبل شهادتهم في القتل على المشهور فيه وفي الجراح "قبل أن يفترقوا" لأن تفريقهم مظنة تعليمهم "أو يدخل بينهم كبير" لأنه أيضا مظنة تعليمهم "وإذا اختلف المتبايعان" أي البائع والمشتري في قدر الثمن بأن يقول البائع بعتها بدينار ويقول المشتري بل بنصف دينار "استحلف البائع" أولا فالمذهب وجوب تبدئة البائع باليمين فيحلف على نفي دعوى صاحبه وإثبات دعواه في يمين واحدة فيقول

ص: 611

ثم يأخذ المبتاع أو يحلف ويبرأ وإذا اختلف المتداعيان في شيء بأيديهما حلفا وقسم بينهما وإن أقاما بينتين قضي بأعدلهما فإن استويا حلفا وكان بينهما وإذا رجع الشاهد بعد الحكم أغرم ما أتلف بشهادته إن اعترف أنه شهد

ــ

والله ما بعتها بنصف دينار ولقد بعتها بدينار "ثم" بعد حلفه "يأخذ المبتاع" السلعة بما حلف عليه البائع "أو يحلف" هو أي المبتاع على نفي دعوى صاحبه وإثبات دعواه فيقول في المثال المذكور والله لم أشترها بدينار ولقد اشتريتها بنصف دينار "ويبرأ" من لزوم البيع فهو مخير بين أن يأخذ السلعة بما قال البائع أو يحلف ويبرأ "وإذا اختلف المتداعيان في شيء بأيديهما" كل منهما يدعيه لنفسه ولم يقم لواحد منهما دليل على صدقة ولا بينة ولم ينازعهما فيه أحد وهو مما يشبه أن يكتسبه كل واحد منهما "حلفا وقسم بينهما" لأنهما تساويا في الدعوى ولم يترجح أحدهما على الآخر ومن نكل عن اليمين سقط حقه للذي حلف "وإن أقاما بينتين" أي أقام كل بينة تشهد له وكانت إحداهما راجحة على الأخرى بالأعدلية "قضى بأعدلهما" بعد أن يحلف من أقامها أنه ما باع ذلك الشيء ولا وهبه ولا خرج عن ملكه بوجه من الوجوه "فإن لم تترجح" إحدى البينتين بما ذكر "بل استويا" كان الواجب استويتا أي البينتان في العدالة ولا ترجيح بكثرة عدد إلا أن يبلغ حد التواتر لإفادته العلم "حلفا وكان" الشيء المتنازع فيه "بينهما" نصفين لأن الحكم بإحداهما ليس بأولى من الأخرى "وإذا رجع الشاهد بعد الحكم أغرم ما أتلف بشهادته إن اعترف أنه شهد

ص: 612

بزور قاله أصحاب مالك ومن قال رددت إليك ما وكلتني عليه أو على بيعه أو دفعت إليك ثمنه أو وديعتك أو قراضك فالقول قوله ومن قال دفعت إلى فلان كما أمرتني فأنكر فلان فعلى الدافع البينة وإلا ضمن وكذلك على ولي الأيتام البينة أنه أنفق عليهم أو

ــ

بزور قاله أصحاب مالك" قال ابن ناجي ظاهر كلامه يقتضي أن جميع أصحاب مالك يفرقون بين أن يعترف بأنه شهد زورا أو لا يعترف فيغرم في الأول دون الثاني وليس كذلك بل قال مطرف وابن القاسم وأصبغ في الواضحة إنه يغرم مطلقا لأن الخطأ والعمد في أموال الناس سواء "ومن قال" لموكله "رددت لك ما وكلتني عليه" مثاله أن يوكله على دفع دين لزيد فلم يجده فرده لموكله فلو نازعه الموكل فالقول قول الوكيل في رده لأنه أمين "أو على بيعه أو" قال له "دفعت إليك ثمنه أو" قال المودع لمن استودعه شيئا رددت عليك "وديعتك أو" قال العامل لمن دفع إليه مالا قراضا فيطلبه فيقول له دفعت إليك "قراضك فالقول قوله" أي قول كل واحد من الوكيل والمودع والمقارض ويحتمل أن المؤلف ماش على ما قاله شيوخ المدونة أنه إذا قال فيها القول قوله فلا بد من اليمين فيكون القول قوله أي بيمين وإذا قال صدق فبغير يمين "ومن قال دفعت إلى فلان كما أمرتني فأنكر فلان" بأنه لم يصل إليه ما أمره بدفعه إليه "فعلى الدافع البينة" أنه دفع إليه "وإلا ضمن" إن لم يقم بذلك بينة "وكذلك على ولي الأيتام البينة أنه أنفق عليهم" إذا نازعوه في أصل

ص: 613

دفع إليهم وإن كانوا في حضانته صدق في النفقة فيما يشبه والصلح جائز إلا ما جر إلى حرام ويجوز على الإقرار والإنكار والأمة الغارة تتزوج على أنها حرة فلسيدها أخذها وأخذ قيمة الولد يوم الحكم له

ــ

الإنفاق بأن ادعوا أنه لم ينفق عليهم أو نازعوه في مقدار ما أنفق إذا لم يكونوا في حضانته بأن كان ينفق عليهم مساناة أو مشاهرة لقوله: "وإن كانوا في حضانته صدق في النفقة فيما يشبه" مع يمينه لما يدركه من صعوبة الإشهاد فخفف عليه الأمر "والصلح" وهو قطع المنازعة "جائز إلا ما جر إلى حرام" أي أدى إلى ارتكاب محرم شرعا كأن يصالحه عن الذهب المؤجل بالورق ولو على الحلول "ويجوز" الصلح "على الإقرار" ويكون بيعا إن وقع على أخذ غير المقر به كأن يكون له عرض أو حيوان ويصالح عنه بدراهم "و" على "الإنكار" وصورته أن يدعي دارا مثلا فينكر المدعى عليه ثم يصالحه على أن يدفع له شيئا من ماله ثم إن الجواز بالنظر إلى العقد وأما بالنظر إلى الباطن فإن كان الصادق المنكر فالمأخوذ منه حرام وإلا فهو حلال "والأمة" القن "الغارة" بمقالها أو بشاهد حالها بأنها حرة لمن يريد أن يتزوجها فـ "تتزوج على أنها حرة" ثم يظهر خلافه "فلسيدها أخذها وأخذ قيمة الولد يوم الحكم له بها" وعلى الزوج الأقل من المسمى وصداق المثل وإنما يأخذ قيمة الولد من أبيه إذا لم يكن الولد ممن يعتق على السيد فإن كان يعتق على السيد فإنه لا غرامة على الأب المغرور بدفع قيمة ولده كما لو غرت الولد أمة أبيه أو أمة جده من أب أو أم فتزوجها ظانا حريتها وأولدها ثم علم بعد ذلك برقها فإن الولد

ص: 614

ومن استحق أمة قد ولدت فله قيمتها وقيمة الولد يوم الحكم وقيل يأخذها وقيمة الولد وقيل له قيمتها فقط إلا أن يختار الثمن فيأخذه من الغاصب الذي باعها ولو كانت بيد غاصب فعليه الحد وولده رقيق معها لربها ومستحق الأرض بعد أن عمرت يدفع

ــ

يعتق على جده أو جدته ولا قيمة فيه "ومن استحق أمة" والحال أنها "قد ولدت" من حر غير غاصب سواء وطئها بملك أو هبة أو ميراث أو شراء أو غير ذلك من وجوه الملك "فله" أي لمستحق الأمة "قيمتها وقيمة الولد" وتعتبر القيمة "يوم الحكم" ويكون الولد حرا ثابت النسب وقيل يأخذها أي الأمة "وقيمة الولد وقيل له قيمتها فقط" يوم وطئها والأقوال الثلاثة لمالك "إلا أن يختار الثمن فيأخذه من الغاصب الذي باعها له" وإذا اختار الثمن كان كالمقرر لبيع الغاصب "و" أما "لو كانت" الأمة المستحقة بعد الولادة "بيد غاصب" علم بغصبه "فعليه" أي الغاصب "الحد" لأنه زان "وولده رقيق معها" أي مع الأمة "لربها" إذا كان غير أب ولو قال وولدها بالإضافة إلى ضمير الأنثى لكان أحسن لأنه لاحق بها لا به وحكم من اشتراها من الغاصب عالما بغصبه كحكم الغاصب أي في قطع نسب الولد وحده حيث شهدت بينة على إقراره بعلمه قبل الوطء أنها مغصوبة "ومستحق الأرض" أي ومن استحق أرضا من يد مشتر أو غيره ممن ليس بغاصب "بعد أن عمرت" بفتح الميم من العمارة أي بعد أن تصرف فيها بالبناء والغرس ونحوه فإن المستحق "يدفع"

ص: 615

قيمة العمارة قائما فإن أبى دفع إليه المشتري قيمة البقعة براحا فإن أبى كانا شريكين بقيمة ما لكل واحد والغاصب يؤمر بقلع بنائه وزرعه وشجره وإن شاء أعطاه ربها قيمة ذلك النقض والشجر ملقى بعد قيمة أجر من يقلع ذلك

ــ

لمن أعمرها "قيمة العمارة قائما" ويأخذ أرضه بما فيها "فإن أبى" أن يدفع قيمة ما أعمر فيها "دفع إليه المشتري" أو من في منزلته قيمة البقعة "براحا" أي لا شيء فيها "فإن أبى" المشتري من ذلك وفي نسخة أبيا بلفظ التثنية أي المستحق والمشتري أي أبى كل واحد منهما من دفع ما نسب إليه "كانا شريكين بقيمة ما لكل واحد منهما" فالمستحق بقيمة أرضه والذي أعمر بقيمة عمارته فإذا كانت قيمة البقعة عشرة دنانير وقيمة العمارة عشرين دينارا فيكون بينهما أثلاثا وتعتبر القيمة في ذلك يوم الحكم على المشهور لا يوم البناء "والغاصب" أي لعرصة ويبنيها أو يغرمها "يؤمر بقلع بنائه وزرعه وشجره" من الأرض المستحقة "وإن شاء أعطاه ربها قيمة ذلك النقض" بضم النون وسكون القاف "و" قيمة "الشجر ملقى" أي مقلوعا فيعتبر الشجر حطبا والبناء أنقاضا ولا يجوز أن يتفقا على إبقائه في الأرض على أن يدفع له الكراء لأنه يؤدي إلى بيع الزرع قبل بدو صلاحه على التبقية لأن المالك لما كان قادرا على أخذه مجانا في القسم الأول أو بقيمته مقلوعا في هذا القسم الثاني يعد بائعا له وإن أعطاه ربها قيمة نقضه وزرعه فإنما يكون ذلك "بعد قيمة أجر من يقلع ذلك" مثال ذلك أن تكون قيمته مقلوعا عشرة دراهم وأجر من يقلعه

ص: 616

ولا شيء عليه فيما لا قيمة له بعد القلع والهدم ويرد الغاصب الغلة ولا يردها غير الغاصب والولد في الحيوان وفي الأمة إذا كان الولد من غير السيد يأخذه المستحق للأمهات من يد مبتاع أو غيره ومن غصب أمة ثم وطئها فولده رقيق وعليه الحد وإصلاح السفل على صاحب السفل

ــ

أربعة دراهم فإنه يعطيه ستة دراهم "ولا شيء عليه" أي لا يغرم شيئا للغاصب "فيما لا قيمة له بعد القلع والهدم" كالنقش أي أو الزرع أو الشجر قبل بلوغه حد الانتفاع "ويرد الغاصب الغلة" ومثله اللص والخائن والمختلس ونحوهم من كل ما لا شبهة له فيما اغتله ولقوله عليه الصلاة والسلام: "لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس"، "ولا يردها غير الغاصب" وهو صاحب الشبهة ولو كان مشتريا من الغاصب حيث لا علم عنده لقوله عليه الصلاة والسلام الخراج بالضمان ولما كان الولد غير داخل في الغلة وخشي توهم دخوله نبه عليه بقوله:"والولد في الحيوان" غير الآدمي "وفي الأمة إذا كان الولد من غير السيد" الحر "يأخذ المستحق للأمهات من يد مبتاع أو غيره " كالموهوب له والمتصدق عليه لأن حكم الولد حكم الأم في كونه ملكا لمن هي له ملك فيأخذه المستحق لأنه ليس بغلة "ومن غصب أمة ثم وطئها فولده رقيق وعليه الحد" ولا صداق عليه وإنما يلزمه أرش نقصها بوطئه "وإذا كان لرجل" بيت ولآخر "غرفة" عليه "وضعف السفل" وخاف عليه الهدم "فإصلاح السفل على صاحب السفل" ليتمكن صاحب

ص: 617

والخشب للسقف عليه وتعليق الغرف عليه إذا وهى السفل وهدم حتى يصلح ويجبر على أن يصلح أو يبيع ممن يصلح ولا ضرر ولا ضرار فلا يفعل ما يضر بجاره من فتح كوة قريبة يكشف جاره منها أو فتح باب قبالة بابه

ــ

العلو من المنفعة "و" كذلك "الخشب لحمل السقف عليه" أي على صاحب السفل "و" كذلك "تعليق الغرف عليه" أي على صاحب السفل "إذا وهى السفل" وضعف "وهدم" أي قارب أن ينهدم وقوله: "حتى يصلح" غاية لتعليق الغرف والمعنى أن صاحب البناء الأسفل إذا وهى بناؤه وقارب أن ينهدم فيجب عليه أمران ويقضى عليه بهما أن يعلق الغرف التي فوق بنائه ليتمكن صاحب العلو من المنفعة وأن يصلح الأسفل أو يبيعه ممن يصلحه وإلى هذا الإشارة بقوله: "ويجبر" أي صاحب السفل "على أن يصلح" سفله "أو يبيعه ممن يصلحه" فإذا باعه لشخص وامتنع أيضا فإنه يقضى عليه بالإصلاح أو البيع ممن يصلح وهكذا وقوله: "ولا ضرر ولا ضرار" أي لا تضر من لم يضرك وهو معنى لا ضرر وقوله: ولا ضرار أي لا تفعل معه زيادة على ما فعل معك فتعد ضارا وأما مثل فعله أو أنقص منه فجائز قال تعالى: {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} هذا بالنسبة للعامة وأما أكابر الناس وخواصهم فيقابلون الإساءة بالمعروف "فلا يفعل ما يضر بجاره من فتح كوة" بفتح الكاف هي الطاقة أفهم كلامه أن الكوة السابقة على بيت الجار لا يقضى بسدها وهو كذلك ولكن يمنع من التطلع على الجار منها "قريبة يكشف جاره منها" بحيث يميز الذكور من الإناث "أو فتح باب قبالة بابه" أي قبالة باب جار الفاتح فإن

ص: 618

أو حفر ما يضر بجاره في حفره وإن كان في ملكه ويقضى بالحائط لمن إليه القمط والعقود ولا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ وأهل آبار الماشية أحق بها حتى يسقوا ثم الناس فيها سواء ومن كان في أرضه عين أو بئر فله منعها إلا أن تنهدم بئر جاره وله زرع يخاف عليه فلا يمنعه فضله

ــ

فعل منع من ذلك لأنه يلزم منه الاطلاع على عورة جاره "أو حفر ما يضر بجاره في حفره" وإن كان الحفر في ملكه كحفر بئر ملتصقة بجداره أو حاصل لمرحاضه "ويقضى بالحائط لمن إليه" أي عند "القمط والعقود" القمط بكسر القاف وسكون الميم الخشب الذي يجعل في وسط الحائط ليحفظه من الكسر والعقود تناكح الأحجار أي تداخل بعض البناء في بعض "ولا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ" وصورة ذلك أن يكون بإزاء الماء مرعى ينزل فيه قوم يريدون الرعي فيه فيمنعهم أهل الماء من الشرب ليرتحلوا عن مرعاهم "فأهل آبار الماشية أحق بها" أي بماء الآبار "حتى يسقوا" ثم المسافرون لسقيهم ثم ماشية أهل الآبار ثم ماشية المسافرين "ثم الناس" بعدهم "فيها" أي في الآبار أي في فضل مائها شركاء "سواء ومن كان في أرضه عين أو بئر فله منعها إلا أن تنهدم بئر جاره" أو يغور ماؤها "و" الحال أن "له" أي للجار "زرع يخاف عليه فلا يمنعه" أي لا يجوز له أن يمنعه "فضله" بل يلزمه بذله ويقضى عليه بذلك بشروط ثلاثة أن يكون الجار زرع على أصل ماء فانهارت بئره وأن يخاف على

ص: 619

واختلف هل عليه في ذلك ثمن أم لا وينبغي أن لا يمنع الرجل جاره أن يغرز خشبه في جداره ولا يقضى عليه وما أفسدت الماشية من الزرع والحوائط بالليل فذلك على أرباب الماشية ولا شيء عليهم في فساد النهار ومن وجد سلعته

ــ

زرعة التلف وأن يشرع في إصلاح بئره ولا يؤخر "واختلف هل عليه" أي على الجار "في ذلك" الفضل ثمن لصاحب الماء وهو محكي عن مالك "أم لا" وهو قول في المدونة ووجهه أن بذل فضل مائه واجب على طريق الإعانة فلم يكن له أخذ العوض عنه ووجه الأول أنه انتفع بمال الغير لإحياء مال نفسه "وينبغي" بمعنى ويستحب "أن لا يمنع الرجل جاره أن يغرز" أي يدخل "خشبه في جداره" لما صح من قوله عليه الصلاة والسلام: "لا يمنع الرجل جاره أن يغرز خشبة في جداره" روي "خشبة" بالإفراد "وخشبه" بالجمع وقوله: "ولا يقضى عليه" تأكيد للندب المستفاد من قوله وينبغي أن يمنع الخ وإشارة إلى رد قول ابن كنانة والشافعي أنه يقضى عليه "وما أفسدت الماشية من الزروع والحوائط بالليل فذلك على أرباب الماشية ولا شيء عليهم في إفساد النهار" وهذا التفصيل في الموطأ وغيره فقد روى مالك في موطئه أن ناقة البراء بن عازب دخلت حائطا فأفسدت فيه فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن على أهل الحائط حفظها بالنهار وأن ما أفسدت الماشية بالليل فهو ضمان على أهلها ومحل كون ضمان ما أتلفته ليلا على ربها ما لم يكن معها راع وإلا فالضمان عليه "ومن وجد سلعته" التي باعها من رجل لم تفت ولم يقبض ثمنها حتى أفلس مشتريها فالبائع حينئذ أي في

ص: 620

في التفليس فإما حاصص وإلا أخذ سلعته إن كانت تعرف بعينها وهو في الموت أسوة الغرماء والضامن غارم وحميل الوجه إن لم يأت به غرم حتى يشترط أن لا يغرم ومن أحيل بدين فرضي فلا رجوع له على الأول وإن أفلس هذا إلا أن يغره منه وإنما الحوالة على أصل دين وإلا

ــ

التفليس بالخيار "فإما حاصص بها" أي دخل مع الغرماء في جملة المال فيأخذ نصيبا بنسبة ماله منه "وإلا أخذ سلعته إن كانت تعرف بعينها" وكانت من ذوات القيم كالدواب والرقيق وأما إن كانت من ذوات الأمثال كالقمح فليس له إلا الحصاص والموضوع أن الفلس طارىء على الشراء وإلا فلا يكون أحق بسلعته بل يحاصص الغرماء "وهو" أي صاحب السلعة إذا وجدها "في الموت" أي موت من ابتاع السلعة وصاحب السلعة لم يقبض ثمنها حتى مات المبتاع "أسوة الغرماء" وليس أحق بسلعته بل يحاصص "والضامن غارم" عند تعذر الاستيفاء من الغريم "وحميل الوجه" وهو من التزم إحضار الغريم وقت الحاجة إليه إن أتى بوجه من تحمل به عند الأجل برىء و "إن لم يأت به" عند الأجل "غرم" المال الذي عليه "حتى" بمعنى إلا أن "يشترط أن لا يغرم" فلا يلزمه إن تغيب الغريم غرامة المال قال ابن عمر: إلا أن يكون أمكنه الإتيان به ففرط فإنه يغرم "ومن أحيل بدين فرضي فلا رجوع له على الأول وإن أفلس هذا" المحال عليه "إلا أن يغره منه" أي يغر المحيل المحال وقوله منه أي فيه أي المدين الذي هو المحال عليه مثل أن يعلم أنه عديم وأحال عليه فإنه لا يبرأ ويرجع عليه المحال بدينه "وإنما الحوالة على أصل دين وإلا" أي وإن

ص: 621

فهي حمالة ولا يغرم الحميل إلا في عدم الغريم أو غيبته ويحل بموت المطلوب أو تفليسه كل دين عليه ولا يحل ما كان له على غيره ولا تباع رقبة المأذون فيما عليه ولا يتبع به

ــ

لم تكن على أصل دين "فهي حمالة" أي ضمان لأن الحوالة مأخوذة من تحويل الحق من ذمة إلى ذمة فإن لم يكن هناك أصل دين لم تكن حوالة ولو وقعت بلفظ الحوالة وفائدة ذلك أن للمحتال أن يرجع على المحيل ولا تبرأ ذمته بذلك لأن الضمان لا يبرىء ذمة المضمون عنه وإنما هو شغل ذمة أخرى فلو كانت حوالة لبرئت بها ذمته ولم يكن للمحتال الرجوع عليه وقوله: "ولا يغرم الحميل إلا في عدم الغرم أو غيبته" راجع إلى قوله والضامن غارم ومحل كون الحميل يغرم في غيبة الغريم البعيدة إذا لم يكن للغريم مال حاضر يمكن الاستيفاء منه وإلا فلا يغرم "ويحل بموت المطلوب أو تفليسه كل دين عليه" المراد به حكم الحاكم بخلع ماله لا مجرد قيام الغرماء فلا يحل به ما أجل أما حلول الديون المؤجلة بالموت فلأن الدين كان متعلقا بالذمة وبالموت قد خربت ولم يبق للغريم ما يتعلق به فوجب أن يحل ما كان مؤجلا وأن ينتقل من الذمة إلى التركة لأنه لا يتعلق بغيرهما فإذا ذهبت إحداهما فلم يبق غير الأخرى وأما حلوله بالفلس فلأن الغرماء لما دخلوا على ذمة عامرة وبالفلس قد خربت فأشبه ذلك موته "ولا يحل" بموت المطلوب أو تفليسه "ما كان له على غيره" من الديون لأن محلها وهي الذمم لم تفت بل هي باقية "ولا تباع رقبة" العبد "المأذون" له في التجارة "فيما عليه" من الديون وإنما تتبع ذمته "ولا يتبع به" أي مما على العبد

ص: 622

سيده ويحبس المديان ليستبرأ ولا حبس على معدم وما انقسم بلا ضرر قسم من ربع وعقار وما لم ينقسم بغير ضرر فمن دعا إلى البيع أجبر عليه من أباه وقسم القرعة لا يكون إلا في صنف واحد

ــ

"سيده" إلا إذا قال لهم عاملوه وما عاملتموه به فذلك علي "ويحبس المديان" المجهول الحال "ليستبرأ" أي يستبين أمره فإن ثبت عدمه بشهادة عدلين أنهما لا يعرفان له مالا لا ظاهرا ولا باطنا فلا يطلق حتى يستحلف ما له مال ظاهر ولا باطن وتكون يمينه على البت ويزيد عليها وإن وجدت مالا لأقضينه عاجلا "وما انقسم بلا ضرر قسم" فيقسم كل ما كان قابلا للقسمة "من ربع" وهو البناء "وعقار" وهي الأرض وغيرها كالحيوان والعروض والمكيل والموزون والمراد أن كل ما كان قابلا للقسمة وتنافسوا فيه فبعضهم يطلب القسمة وبعضهم يأباها أجبر الممتنع عليها "وما لم ينقسم بغير ضرر" بأن لم يقبل القسمة كالعبد الواحد فإن في قسمته إتلاف عينه أو يقبلها بضرر كالخفين فإن في قسمتهما إتلاف منفعتهما "فإنه لا يجوز قسمه" فإن تشاح الشركاء في شيء من ذلك ولم يتراضوا على أن ينتفعوا به مشاعا وأراد أحدهم البيع وأباه بعضهم "فـ" إن "من دعا إلى البيع أجبر عليه من أباه" لأنه لا يجوز قسمه حتى يحسم مادة النزاع فتعين البيع وأجيب له من طلبه لقطع النزاع "وقسم القرعة لا يكون إلا في صنف واحد" أي جنس واحد فلا يجوز في قسم القرعة الجمع بين جنسين أو نوعين متباعدين كالتفاح والخوخ

ص: 623

ولا يؤدي أحد الشركاء ثمنا وإن كان في ذلك تراجع لم يجز القسم إلا بتراض ووصي الوصي كالوصي وللوصي أن يتجر بأموال اليتامى ويزوج إماءهم ومن أوصى إلى غير مأمون فإنه يعزل ويبدأ بالكفن ثم الدين ثم الوصية ثم الميراث ومن حاز دارا

ــ

بل كل منهما يقسم على حدة لأن جمعهما في قسمة واحدة غرر بين "ولا يؤدي أحد الشركاء ثمنا" لأنه إذا أداه صار صنفين والقرعة لا تكون إلا في صنف واحد "وإن كان في ذلك تراجع لم تجز القسمة إلا بتراض" مثال ذلك أن يوجد ثوبان ثمن أحدهما ديناران وثمن الآخر دينار فيقرع عليهما فمن صار في سهمه الذي ثمنه ديناران على صاحبه خمسة دراهم ليتعادلا فهذا لا يجوز إلا بتراض بأن يقول أحدهما للآخر لك الخيار إما أن تختار الذي ثمنه ديناران وتعطي خمسة دراهم أو تأخذ الذي ثمنه دينار وتأخذ خمسة دراهم "ووصي الوصي كالوصي" إن كان الأصلي بوصية الأب لا بوصية القاضي فإذا كان مقاما من قبل القاضي فليس له الوصاية "وللوصي أن يتجر في أموال اليتامى ويزوج إماءهم" لكن ليس له أن يتجر بها بنفسه فإن فعل ذلك تعقبه الإمام فإن رآه خيرا أمضاء وإلا أبطله "ويبدأ بالكفن" يريد بعد المعينات مثل أم الولد والمعتقة لأجل ونحو ذلك "ثم بالدين" الثابت ببينة أو إقرار في صحته أو مرضه لكن لمن لا يتهم عليه "ثم" بعد الدين "بالوصية" إن كان أوصى "ثم الميراث" إلا قدر كفنه فإن لم يترك إلا قدر كفنه كان أحق به "ومن حاز دارا" مثلا

ص: 624

على حاضر عشر سنين تنسب إليه وصاحبها حاضر عالم لا يدعي شيئا فلا قيام له ولا حيازة بين الأقارب والأصهار في مثل هذه المدة ولا يجوز إقرار المريض لوارثه بدين أو بقبضه ومن أوصى

ــ

أو عقارا فهو أعم من الدار "على حاضر" أي مع حاضر أي مع موجود حاضر رشيد أجنبي غير شريك "عشر سنين" وهي "تنسب" أي تضاف "إليه" كأن يقال دار فلان "وصاحبها" المنازع "حاضر عالم" بأنها ملكه وأما إذا لم يعلم بأن هذا المحل المحاز عنه ملكه بأن قال لا أعلم أنه ملكي في حال تصرف هذا الحائز وما وجدت الوثيقة إلا عند فلان أو كان وارثا وادعى أنه لا يعلم أنه مكله فإنه يقبل قوله: "لا يدعي شيئا" ولم يمنعه مانع من المطالبة أما إذا كان الحائز ذا شوكة فإن له القيام ولو طال الزمن وتسمع دعواه "فلا قيام له" أي بعد ذلك ولا تسمع بينته لأن العرف يكذبه إذ ولو كانت له لما سكت عن الدعوى بها في هذه المدة هذا كله في غير حق الله وأما هو فلا يفوت بالحيازة ولو طالت المدة كما لو حاز طريق المسلمين أو جزأ منها أو مسجدا أو محلا موقوفا على غيره "ولا يجوز" بمعنى لا يصح "إقرار المريض" مرضا مخوفا "لوارثه بدين" له في ذمته "أو بقبضه" أي بقبض دين كان له عليه صورة الإقرار بالدين أن تقول لفلان علي كذا وكذا وصورة الإقرار بقبضه أن يقول الدين الذي لي على فلان قبضته وهذا مقيد بأن يكون هناك تهمة بأن كان الوارث له ابنته وابن عمه فالميل لابنته يقضي بالتهمة وإن إقراره لها بدين أو بقبضه ليس الغرض منه إلا محاباتها "ومن أوصى

ص: 625

بحج أنفذ والوصية بالصدقة أحب إلينا وإذا مات أجير الحج قبل أن يصل فله بحساب ما سار ويرد ما بقي وما هلك بيده فهو منه إلا أن يأخذ المال على أن ينفق على البلاغ فالضمان من الذين واجروه ويرد ما فضل إن فضل شيء

ــ

بحج أنفذ من الثلث" على المشهور "والوصية بالصدقة أحب إلينا" أي إلى المالكية من الإيصاء بالحج لأنه لا خلاف فيها ولا خلاف في انتفاع الميت بها وأما الحج فمختلف فيه بين أهل العلم هل ينتفع به الميت أم لا ومذهب مالك أنه لا ينتفع به الميت "وإذا مات أجير الحج" أي من استؤجر لأن يحج عمن أوصى بحج في أثناء الطريق "قبل أن يصل" إلى مكة أو قبل أن يقضي أفعال الحج "فله بحساب ما سار" من الطريق أي من حيث الصعوبة والسهولة والأمن والخوف لا من حيث المسافة فقد يكون ربعها يساوي نصف الكراء "ويرد ما بقي" لأنه لا يستحق كل الأجر إلا بتمام العمل "وما هلك بيده فهو" أي ضمانه "منه" لأن عليه معاوضته أي لأنه تقرر عليه وتحمل عليه عوضه وهو العمل "إلا أن يأخذ المال على أن ينفق على البلاغ فـ" إنه إذا هلك يكون "الضمان من الذين واجروه" صوابه آجروه بغير واو وإنما كان الضمان منهم لتفريطهم بعدم إجارة الضمان التي هي أحوط وصورة إجارة البلاغ أن يعطى الأجير مالا ليحج به فإن أكمل العمل كان له وإن لم يكمله لم يستحق منه شيئا وإن احتاج إلى زيادة رجع بها على المستأجر "ويرد ما فضل إن فضل شيء" ولا يجوز له صرف شيء منه في غير الحج

ص: 626