الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب في الجهاد
والجهاد فريضة يحمله بعض الناس عن بعض وأحب إلينا أن لا يقاتل العدو حتى يدعوا إلى دين الله
ــ
فقال: "باب في" حكم "الجهاد" وهو لغة مأخوذ من الجهد بفتح الجيم أي التعب والمشقة وأما بالضم فهو الطاقة أفاده المصباح واصطلاحا قتال مسلم كافرا غير ذي عهد لإعلاء كلمة الله أو حضوره له أو دخوله أرضه له وله فرائض يجب الوفاء بها وهي طاعة الإمام إذا ندبه أن يذهب إلى جهة للقتال فيها تعين عليه ذلك وترك الغلول وهو الأخذ من الغنيمة قبل القسم والوفاء بالأمان أي أنه إذا أمن كافرا فيجب عليه الوفاء به ولا يجوز له بعد ذلك أن يستبيح دمه وأن لا يفر واحد من اثنين وهو معنى الثبات عند الزحف وهو قسمان فرض عين وفرض كفاية فيتعين لفك الأسارى وباستنفار الإمام بمعنى أن الإمام إذا عين واحدا أو أكثر لقتال العدو فإنه يتعين عليه ذلك ولا تسعه المخالفة سواء كان ممن يخاطب بفرض الجهاد أم لا كالعبد والصبي الذي يقدر على القتال والمرأة ويفجأ العدو محلة قوم وما عدا هذه يكون فرض كفاية وإليه أشار بقوله: "والجهاد فريضة يحمله بعض الناس عن بعض" لقوله تعالى: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} إلى قوله: {وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} أي المثوبة الحسنى وهي الجنة وتواتر في السنة أنه صلى الله عليه وسلم أرسل قوما دون آخرين "وأحب إلينا" أي المالكية "أن لا يقاتل العدو حتى يدعوا إلى دين الله" أي حتى تدعى كل فرقة إلى الخروج عما كفرت به فيدعى إلى الشهادتين من لم يقر بمضمونهما ويدعى إلى عموم رسالة المصطفى من ينكر العموم ويدعون إلى ذلك ثلاثة
إلا أن يعاجلونا فإما أن يسلموا أو يؤدوا الجزية وإلا قوتلوا وإنما تقبل منهم الجزية إذا كانوا حيث تنالهم أحكامنا فأما إن بعدوا منا فلا تقبل منهم الجزية إلا أن يرتحلوا إلى بلادنا وإلا قوتلوا والفرار من العدو من الكبائر إذا كانوا مثلي عدد المسلمين فأقل
ــ
أيام متوالية في كل يوم مرة "إلا أن يعاجلونا" أي يبادرونا بالقتال فإن الدعوة حينئذ لا تستحب بل يجب قتالهم وظاهر قوله: "فإما أن يسلموا أو يؤدوا الجزية" أنهم يخيرون بين الأمرين دفعة واحدة فإن أجابوا إلى أحدهما كف عنهم "وإلا قوتلوا" والذي في الجواهر وصفة الدعوة أن يعرض عليهم الإسلام فإن أجابوا كف عنهم وإن أبوا عرض عليهم أداء الجزية فإن أبوا قوتلوا هذا كله مع الإمهال فلو عجلوا عن الدعوى من باب تعب أي فلو أسرعوا لمقاتلتنا كافين عن دعوتنا أي تاركين لها قوتلوا دونها لأن الدعوة حينئذ حرام "وإنما تقبل منهم الجزية إذا كانوا حيث تنالهم أحكامنا فأما إن بعدوا منا فلا تقبل منهم الجزية إلا أن يرتحلوا إلى بلادنا وإلا قوتلوا" قال ابن عمر: هذا الشرط في أهل العنوة وأما أهل الصلح فلا يشترط فيهم هذا الشرط وتقبل منهم الجزية في موضعهم لأنهم منعوا أنفسهم حتى صالحوا على أنفسهم وبلادهم "والفرار" بكسر الفاء أن يولي "من العدو" عده العلماء "من الكبائر إذا كانوا" أي العدو من الكفار "مثلي عدد المسلمين فأقل" سواء كان المسلمون مثلهم في القوة أو أشد أو جهل الأمر وهو المشهور إذ المشهور يعتبر الضعف بحسب العدد لا القوة
فإن كانوا أكثر من ذلك فلا بأس بذلك ويقاتل العدو مع كل بر وفاجر من الولاة ولا بأس بقتل من أسر من الأعلاج ولا يقتل أحد بعد أمان
ــ
خلافا لابن الماجشون فإنه يقول يلزم أن يثبتوا لأكثر من النصف إذا كانوا أكثر من الكفار سلاحا وأشد قوة وجلدا ومحل حرمة الفرار إذا فر ونيته عدم الرجوع أما إذا فعل ذلك مكيدة أو تحيزا إلى فئة بأن يرى العدو الانهزام حتى يتبعه فيكر عليه أو يرجع إلى الأمير أو إلى جماعة المسلمين لأجل أن يستعين بهم فلا يحرم الفرار إذا "فإن كانوا" أي العدو "أكثر من ذلك" أي من مثلي عدد المسلمين "فلا بأس بذلك" الفرار من العدو وظاهره ولو بلغ المسلمون اثني عشر ألفا وهو كذلك في النوادر عن سحنون ونقل ابن رشد عن جمهور أهل العلم وارتضاه أن المسلمين إذا بلغوا اثني عشر ألفا لا يجوز لهم الفرار وإن كان الكفار أكثر من مثليهم وقيد به بعضهم كلام الشيخ واعتمده صاحب المختصر "ويقاتل العدو" بالبناء للمفعول أي ويجب على كل من وجب عليه الجهاد أن يقاتل العدو من الكفار "مع كل بر" بفتح الموحدة وهو الموفي بالعهود "و" مع كل "فاجر" وهو الجائر في أحكامه "من الولاة" أما مع الأول فظاهر وأما مع الثاني فلما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر" ولأنه لو ترك القتال معه لكان ضررا على المسلمين "ولا بأس بقتل من أسر من الأعلاج" جمع علج وهو الرجل من كفار العجم أي إذا كان في قتله مصلحة "ولا يقتل أحد من العدو بعد أمان" كان الأمان من الإمام أو غيره على المشهور خلافا لمن يقول إن أمان غير الإمام موقوف على نظر الإمام وسند المشهور
ولا يخفر لهم بعهد ولا يقتل النساء والصبيان ويجتنب قتل الرهبان والأحبار إلا أن يقاتلوا وكذلك المرأة تقتل إذا قاتلت ويجوز أمان أدنى المسلمين على بقيتهم
ــ
قوله صلى الله عليه وسلم: "ينصب للغادر لواء يوم القيامة" أي راية فيقال: هذه غدرة فلان بفتح الغين المعجمة والمراد شهرته يوم القيامة بصفة الغدر ليذمه أهل الموقف "ولا يخفر لهم" أي للعدو "بعهد" والإخفار نقض العهد وليس هذا تكرارا مع ما قبله فإن الأول خاص بالقتل وهذا عام في القتل وغيره "ولا يقتل النساء و" لا "الصبيان" لما صح من نهيه عليه الصلاة والسلام عن قتلهم وكذلك لا تضرب عليهم الجزية ويتخير الإمام فيهم بين ثلاثة أوجه الاسترقاق والعتق والفداء "ويجتنب قتل الرهبان" جمع راهب وهو العابد ليس النهي عن قتل الرهبان ونحوهم لفضل ترهبهم بل هم من الله أبعد من غيرهم لشدة كفرهم وإنما تركوا لتركهم أهل دينهم فصاروا كالنساء "و" قتل "الأحبار" جمع حبر بفتح الحاء وكسرها وهو الأفصح العالم واختلف في مرجع الضمير من قوله: "إلا أن يقاتلوا" فقيل عائد على جميع من تقدم من النساء والصبيان والرهبان والأحبار وقيل عائد على الرهبان وما بعده واستقرب لسلامته من التكرار مع قوله وكذلك المرأة تقتل إذا قاتلت ظاهره كان ذلك في حال القتال أو بعده وقيده ابن عمر بقوله يعني حال القتال وأما إذا برد القتال فلا تقتل والراجح أنها إذا قاتلت بسلاح تقتل مطلقا حال القتال وبعده ولو لم تقتل أحدا والصبي في التفصيل كالمرأة "ويجوز أمان أدنى المسلمين" وهو الخسيس الذي إذا غاب لا ينتظر وإذا حضر لا يستشار "على بقيتهم" فأمان الشريف أحرى
وكذلك المرأة والصبي إذا عقل الأمان وقيل إن أجاز ذلك الإمام جاز وما غنم المسلمون بإيجاف فليأخذ الإمام خمسه ويقسم الأربعة الأخماس بين أهل الجيش وقسم ذلك ببلد الحرب أولى
ــ
بالجواز وهذا في قوم مخصوصين أي في قوم كفار مخصوصين وأما أهل ناحية أو بلد فلا يعقد لهم الأمان إلا السلطان فإن عقد غيره نقضه إن شاء قال في الجواهر وشرط الأمان أن لا يكون على المسلمين ضرر فلو أمن جاسوسا أو طليعة أو من فيه مضرةلم ينعقد "وكذلك المرأة" يجوز أمانها "والصبي" مثلها يجوز أمانه "إذا عقل الأمان" أي علم أن نقض الأمان حرام يعاقب عليه والوفاء به واجب يثاب عليه "وقيل إن أجاز ذلك" أي أمان الصبي "الإمام جاز" وإن لم يجزه لم يجز "وما غنم المسلمون" من العدو "بإيجاف" أي تعب وحملات في الحرب جمع حملة وهي الكرة في الحرب كما في القاموس "فيأخذ الإمام خمسه" يتصرف فيه بما شاء فإما أن يضعه في بيت المال وإما أن يصرفه في مصالح المسلمين من شراء سلاح أو غيره مما يراه مصلحة للمسلمين وإن شاء دفعه لآل النبي صلى الله عليه وسلم أو لغيرهم أو يجعل بعضه فيهم وبقيته في غيرهم وهذا إذا كان الذي غنموه غير أرض من كراع بوزن غراب الخيل كما في المصباح وقماش وعبيد ومال وحنطة وأما الأرض فلا تخمس ولا تقسم بل توقف ويصرف خراجها في مصالح المسلمين "و" بعد أن يأخذ الإمام خمس المغنم "يقسم الأربعة الأخماس" الباقية "بين أهل الجيش المجاهدين" الإضافة للبيان أي أهل هم الجيش "وقسم ذلك" أي ما غنمه المسلمون "ببلد الحرب أولى" لما
وإنما يخمس ويقسم ما أوجف عليه بالخيل والركاب وما غنم بقتال ولا بأس أن يؤكل من الغنيمة قبل أن يقسم الطعام والعلف لمن احتاج إلى ذلك وإنما يسهم لمن حضر القتال أو تخلف عن القتال في شغل المسلمين من أمر جهادهم
ــ
وقع منه صلى الله عليه وسلم من ذلك لما فيه من نكاية في العدو "وإنما يخمس ويقسم ما أوجف" أي حمل "عليه بالخيل والركاب" أي الإبل قال ابن العربي واحد الركاب راحلة من غير لفظها "وما غنم بقتال" عطف عام على خاص وأما ما أخذ بغير إيجاف ولا قتال كالمأخوذ ممن انجلى عنه أهله حين سماعهم بخروج جيش المسلمين عليهم فلا يخمس ولا يقسم بل النظر فيه للإمام مثل خمس الغنيمة يصرف حيث شاء "ولا بأس" بمعنى ويباح فاستعمل لا بأس هنا فيما فعله وتركه سواء "أن يؤكل من الغنيمة قبل أن تقسم الطعام والعلف لمن احتاج إلى ذلك" سواء أذن الإمام أم لا والمراد بالطعام ما يؤكل لحما أو غيره والأصل فيما قال ما في الصحيح من قول ابن عمر رضي الله عنهما كنا نصيب في مغازينا العسل والعنب فنأكله ولا نرفعه ولما كانت أربعة أخماس المغنم لا تقسم بين الجيش إلا بشروط شرع في بيانها فقال: "وإنما يسهم لمن حضر القتال" المراد حضور المناشبة أي المضاربة سواء قاتل أم لا لاحضور المواجهة فإذا قامت الصفوف ولم يتناشب القتال فلا يسهم لمن مات حينئذ ويسهم لمن مات بعد انتشاب القتال "أو تخلف عن القتال في شغل المسلمين من أمر جهادهم" ككشف طريق أو جلب عدد أو نحو ذلك ويسهم لمن ضل عن الجيش في بلاد
ويسهم للمريض وللفرس الرهيص ويسهم للفرس سهمان وسهم لراكبه ولا يسهم لعبد ولا لامرأة ولا لصبي إلا أن يطيق الصبي الذي لم يحتمل القتال ويجيزه الإمام ويقاتل فيسهم له
ــ
العدو "و" كذلك "يسهم للمريض" إذا حصل له المرض بعد القتل أو في حال القتال أي شهد أوله صحيحا ثم مرض واستمر يقاتل مريضا أما لو حصل له المرض قبل حضور القتال سواء كان ابتدأ مرضه في دار الحرب أو في بلاد الإسلام فلا يسهم له "و" كذلك يسهم "للفرس الرهيص" إذا حصل بعد القتال أو في حال القتال الرهص داء يصيب الفرس في حافره قال ابن عمر ليس الرهص بشرط وكذا إذا مرض بغيره "ويسهم للفرس" الواحد "سهمان" واحترز بالفرس عن البعير والبغل والحمار فإنه لا يسهم لها والتقيد بالواحد لإخراج ما زاد عليه فإنه لا يسهم له "و" يسهم "سهم" واحد "لراكبه" وفيه من التسامح ما لا يخفى فإن الراكب إنما يقال لراكب الإبل وأما راكب الفرس فإنما يقال له فارس والأصل فيما ذكر ما صح أنه صلى الله عليه وسلم جعل للفرس سهمين وللفارس سهما "و" من الشروط التي يستحق بها القسم الحرية فـ "لا يسهم لعبد" قاتل أو لم يقاتل "و" منها الذكورية فـ "لا يسهم لامرأة" قاتلت أو لم تقاتل "و" منها البلوغ فـ "لا" يسهم "لصبي إلا" بشروط ثلاثة أن يطيق الصبي الذي لم يحتلم "القتال ويجيزه الإمام ويقاتل فيسهم له" والذي نقله بهرام عن المدونة وصرح بمشهوريته أنه لا يسهم له قاتل أو لم يقاتل ومقتضى صنيع صاحب المختصر أن ما ذكره الشيخ مشهور أيضا وظاهر الحديث يدل للأول أي
ولا يسهم للأجير إلا أن يقاتل ومن أسلم من العدو على شيء في يده من أموال المسلمين فهو له حلال ومن اشترى شيئا منها من مال العدو لم يأخذه ربه إلا بالثمن وما وقع في المقاسم منها فربه أحق به بالثمن
ــ
وهو عدم الإسهام والحديث ما رواه ابن وهب أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسهم للعبيد ولا للنساء ولا للصبيان ومنها أن يخرج بنية الجهاد فـ "لا يسهم للأجير" الخاص الذي ملكت منافعه كأجير الخدمة ومثله الأجير العام في عدم السهم "إلا أن يقاتل" وهو ظاهر المختصر وهو الظاهر وفرق بينهما ابن عمر وليس بظاهر وبقي من الشروط ثلاثة العقل والإسلام والصحة فالمجنون المطبق لا يسهم له اتفاقا والذمي لا يسهم له اتفاقا إن لم يقاتل ولا إن قاتل على المشهور والزمن أي المقعد أي الذي لا رأي له بل ولو كان ذا رأي وتدبير على المشهور "ومن أسلم من العدو على شيء في يده من أموال المسلمين فهو له حلال" قال ابن ناجي ظاهر كلامه لو أسلم على أحرار المسلمين أنهم ينتزعون منه وهو المشهور وعليه يكون الانتزاع مجانا بغير عوض وإنما كان هذا ظاهر كلامه لأنه قال وفي يده شيء من أموال المسلمين والحر ليس بمال "ومن اشترى" من المسلمين بدار الحرب "شيئا منها" أي من أموال المسلمين وكذا من أموال أهل الذمة "من مال العدو لم يأخذ ربه" ممن اشتراه "إلا بالثمن" الذي أخذه به في دار الحرب إن كان يحل له تملكه أما إن كان لا يحل له تملكه كالخمر والخنزير فإن ربه يأخذه من غير شيء "وما وقع في المقاسم منها" أي من أموال المسلمين "فربه أحق به بالثمن" هذا إذا وجده مع من اشتراه من الغنيمة أما إذا وجده في يد من
وما لم يقع في المقاسم فربه أحق به بلا ثمن ولا نفل إلا من الخمس على الاجتهاد من الإمام ولا يكون ذلك قبل القسم والسلب من النفل
ــ
أخذه في سهمه أو جهل الثمن فلا يأخذه إلا بالقيمة لتعلق حق الغير به "وما لم يقع في المقاسم منها فربه أحق به بلا ثمن" قصده أن المسلم أو الذمي إذا وجد أحدهما متاعه في الغنيمة قبل قسمتها وشهدت له البينة بذلك فإنه يأخذه بغير عوض لكن بعد أن يحلف اليمين الشرعية أنه ما باع ولا وهب ولا خرج عن ملكه بناقل شرعي وأنه باق على ملكه إلى الآن "ولا نفل" بفتح الفاء وسكونها وهو لغة الزيادة وشرعا الزيادة على السهم وحكمه أنه مباح لا يعطى "إلا" لمن له سهم في الغنيمة ولا يكون من أصل الغنيمة وإنما يكون "من الخمس على الاجتهاد من الإمام" لما روى ابن وهب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما نفل يوم حنين من الخمس "ولا يكون ذلك" النفل "قبل القسم" ويروى قبل الغنيمة وعلى هذا لا يتصور إلا بالوعد بأن يقول مثلا من قتل قتيلا فله سلبه أي من يقتل قتيلا وكلامه محتمل للمنع والكراهة أي نهي الإمام أو أمير الجيش نهي كراهة أو تحريم أن يقول قبل القدرة على العدو من قتل قتيلا فله سلبه لأن ذلك يؤدي إلى إبطال نياتهم وإلى فسادها لأن بعضهم ربما ألقى بنفسه في المهالك لأجل الغرض الدنيوي فيصير قتاله لا ثواب فيه وأما بعد انقضاء القتال فلا محذور فيه ويكون معنى قوله من قتل قتيلا الخ من كان قتل قتيلا إلخ "والسلب من" جملة "النفل" فلا يعطيه الإمام إلا من الخمس على حسب اجتهاده والسلب هو ما يوجد مع القتيل من ثيابه وسلاحه وما شابهها من المعتاد دون ما ينفرد
والرباط فيه فضل كبير وذلك بقدر كثرة خوف أهل ذلك الثغر وكثرة تحررهم من عدوهم ولا يغزى بغير إذن الأبوين إلا أن يفجأ العدو مدينة قوم ويغيرون عليهم ففرض عليهم دفعهم ولا يستأذن الأبوان في مثل هذا
ــ
بلبسه عظماء المشركين من سوار وتاج وكذلك العين فليست هذه المذكورات من السلب على المشهور أي خلافا لابن حبيب في دخول ما ذكر من السوار والتاج والعين في السلب "والرباط" لغة الإقامة وشرعا الإقامة في الثغور لحراستها أي حراسة من بها وهو يشمل المال وغيره والذمي والمسلم وحراسة غيرها تتبع حراستها والثغور موضع المخافة من فروج البلدان وتكلم هنا على فضله فقال: "فيه فضل كبير" روي بالمثلثة والموحدة والرباط أفضل من الجهاد لما في الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم: "رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها" وإنما كان خيرا الخ لأن جميع ما عليها على فرض لو ملكه إنسان وتنعم به لا محالة أنه ينفد بخلاف نعيم الآخرة فإنه باق لا ينفد ولأن الرباط لأجل حقن دماء المسلمين وحقن دمائهم أفضل من سفك دماء المشركين "وذلك" الفضل المذكور متفاوت "بقدر كثرة خوف أهل ذلك الثغر وكثرة تحرزهم من عدوهم" وقلته والخوف والتحرز متلازمان فمتى اشتد الخوف اشتد التحرز "ولا يغزى بغير إذن الأبوين" إذا كانا مسلمين عند ابن القاسم وعند سحنون مطلقا مسلمين أو كافرين "إلا أن يفجأ العدو" أي ينزلون "مدينة قوم ويغيرون عليهم" أي على أهل المدينة أو غيرها من القرى "ففرض عليهم" أي على أهل المدينة وغيرها "دفعهم ولا يستأذن الأبوان في مثل هذا" أي فيجب على من له أب ومن لا أب له عبدا كان أو حرا وعلى هذا فيسهم للعبيد هنا لأنهم مخاطبون بالجهاد لأننا إنما منعناهم من السهم لأنهم كانوا غير مخاطبين والآن قد خوطبوا ذكره في التحقيق وذكر أنه يجب على من يليهم أن يعينوهم وقول المصنف ولا يستأذن الأبوان في مثل هذا أي هذا ومثله من فرائض الأعيان كالحج والصلاة وطلب العلم العيني لأنه إنما يلزمه طاعتهما في ترك المباحات والنوافل أي لا الفرائض المعينة.