المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب في الصلاة على الجنائز والدعاء للميت - الثمر الداني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني

[صالح بن عبد السميع الأزهري]

فهرس الكتاب

- ‌مدخل

- ‌باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب أمور الديانات

- ‌باب ما يجب منه الوضوء والغسل

- ‌باب طهارة الماء والثوب

- ‌باب صفة الوضوء ومسنونه ومفروضه

- ‌باب في الغسل

- ‌باب فيمن لم يجد الماء وصفة التيمم

- ‌باب في المسح على الخفين

- ‌باب في أوقات الصلاة وأسمائها

- ‌باب في الأذان والإقامة

- ‌باب صفة العمل في الصلوات المفروضة وما يتصل بها من النوافل والسنن

- ‌باب في الإمامة وحكم الإمام والمأموم

- ‌باب جامع في الصلاة

- ‌باب في سجود القرآن

- ‌باب في صلاة السفر

- ‌باب في صلاة الجمعة

- ‌باب في صلاة الخوف

- ‌باب في صلاة العيدين والتكبير أيام منى

- ‌باب في صلاة الخسوف

- ‌باب في صلاة الاستسقاء

- ‌باب ما يفعل بالمحتضر وفي غسل الميت

- ‌باب في الصلاة على الجنائز والدعاء للميت

- ‌باب في الدعاء للطفل والصلاة عليه وغسله

- ‌باب في الصيام

- ‌باب في الاعتكاف

- ‌باب في زكاة العين والحرث والماشية وما يخرج من المعدن وذكر الجزية وما يؤخذ من تجار أهل الذمة والحربيين

- ‌باب في زكاة الماشية وزكاة الإبل والبقر والغنم

- ‌باب في زكاة الفطر

- ‌باب في الحج والعمرة

- ‌باب في الضحايا والذبائح والعقيقة والصيد والختان وما يحرم من الأطعمة والأشربة

- ‌باب في الجهاد

- ‌باب في الأيمان والنذور

- ‌باب في النكاح والطلاق والرجعة والظهار والإيلاء واللعان والخلع والرضاع

- ‌باب في العدة والنفقة والاستبراء

- ‌باب في البيوع وما شاكل البيوع

- ‌باب في الوصايا والمدبر والمكاتب والمعتق وأم الولد والولاء

- ‌باب في الشفعة والهبة والصدقة والحبس والرهن والعارية والوديعة واللقطة والغصب

- ‌باب في أحكام الدماء والحدود

- ‌باب في الأقضية والشهادات

- ‌باب في الفرائض

- ‌باب جمل من الفرائض والسنن الواجبة والرغائب

- ‌باب في الفطرة والختان وحلق الشعر واللباس وستر العورة وما يتصل بذلك

- ‌باب في الطعام والشراب

- ‌باب في السلام والاستئذان والتناجي والقراءة والدعاء وذكر الله والقول في السفر

- ‌باب في التعالج وذكر الرقى والطيرة والنجوم والخصاء والوسم والكلاب والرفق بالمملوك

- ‌باب في الرؤيا والتثاوب والعطاس واللعب بالنرد وغيرها والسبق بالخيل والرمي وغير ذلك

الفصل: ‌باب في الصلاة على الجنائز والدعاء للميت

أحب إلى أهل العلم من الشق وهو أن يحفر للميت تحت الجرف في حائط قبلة القبر وذلك إذا كانت تربة صلبة لا تتهيل ولا تتقطع وكذلك فعل برسول الله صلى الله عليه وسلم.

ــ

"أحب إلى أهل العلم من الشق" بفتح الشين لخبر اللحد لنا والشق لغيرنا ولأن الله تعالى اختاره لنبيه عليه الصلاة والسلام فأي داع إلى قول المصنف إلى أهل العلم "وهو" أي اللحد "أن يحفر للميت تحت الجرف في حائط قبلة القبر وذلك" أي كون اللحد أفضل "إذا كانت" حائط قبلة القبر "تربة صلبة لا تتهيل" أي لا تسيل كأرض الرمل "ولا تتقطع" أي لا تسقط جذوة جذوة أي قطعة قطعة أما إذا كانت كذلك فالشق أفضل "وكذلك" أي الإلحاد المفهوم من السياق "فعل برسول الله صلى الله عليه وسلم" وفسر اللحد ولم يفسر الشق وهو أن يحفر له حفرة كالنهر ويبنى جانباها باللبن أو غيره ويجعل بينهما شق يوضع الميت فيه ويسقف عليه ويرفع السقف قليلا بحيث لا يمس الميت ويجعل في شقوقه قطع اللبن ويوضع عليه التراب.

ص: 276

‌باب في الصلاة على الجنائز والدعاء للميت

ــ

"باب في" بيان صفة "الصلاة على الجنائز" جمع جنازة قال ابن العربي مذهب الخليل أن الجنازة بالكسر خشب سرير الموتى وبالفتح الميت وعكس الأصمعي وقال الفراء هما لغتان وقال ابن قتيبة الجنازة بكسر الجيم الميت وقال ابن الأعرابي والجنازة بالكسر النعش إذا كان عليه الميت ولا يقال دون ميت جنازة واشتقاقها من جنز إذا ثقل وقال في المصباح جنزت الشيء أجنزه من باب ضرب سترته ومنه اشتقاق الجنازة وعلى كل فهو يناسب كونه اسما للميت "و" في بيان "الدعاء للميت" وحكم الصلاة عليه أنها فرض

ص: 276

والتكبير على الجنازة أربع تكبيرات

ــ

كفاية ويصلى عليها في كل وقت من ليل أو نهار إلا عند طلوع الشمس وغروبها فإنها تحرم وتكره في وقت الكراهة وتعاد في الأولى ما لم تدفن ولاتعاد في الثانية مطلقا ومحل ذلك ما لم يخف عليها التغير وإلا جازت الصلاة بلا خلاف ويصلى على كل ميت مسلم حاضر تقدم استقرار حياته ليس بشهيد معركة ولا يصلى على من صلى عليه ولا من فقد أكثره فإذا فقد شيء من هذه الشروط سقطت الصلاة عليه وكذا الغسل فإنهما متلازمان والأولى بالصلاة عليه الموصى له بالصلاة فيقدم على الولي إذا كان معروفا بالخير ترجى بركة دعائه إلا أن يعلم أن ذلك كان من الميت لعداوة بينه وبين الولي فلا تجوز وصيته وأركان الصلاة على الجنازة خمسة القيام فإن صلوا من قعود لم تجز إلا من عذر وهذا على القول بوجوبها ودليل الوجوب مفهوم قوله تعالى: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً} بناء على أن الذي يفيد المفهوم ضد حكم المنطوق وهو وجوب الصلاة على المؤمنين لا نقيض الحكم المنطوق به وهو عدم حرمة الصلاة على المؤمنين الثاني والثالث الإحرام بمعنى النية والسلام الرابع الدعاء الخامس التكبير وإليه أشار بقوله: "والتكبير على الجنازة أربع تكبيرات" لفعله صلى الله عليه وسلم وذلك لما ثبت أن آخر صلاة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم كبر فيها أربعا فإن سلم من ثلاث ناسيا وذكر بالقرب رجع بنية فقط ولا يكبر لئلا يلزم الزيادة في عدده فإن كبر حسب من الأربع قاله ابن عبد السلام وإن زاد الإمام خامسة سلم المأموم ولا ينتظره رواه ابن القاسم واعترضه ابن هارون بما إذا قام الإمام لخامسة سهوا فإنهم ينتظرونه حتى يسلموا بسلامه قال المواق سمع ابن القاسم إن كان الإمام ممن يكبر خمسا فليقطع المأموم بعد الرابعة ولا يتبعه

ص: 277

يرفع يديه في أولاهن وإن رفع في كل تكبيرة فلا بأس وإن شاء دعا بعد الأربع ثم يسلم وإن شاء سلم بعد الرابعة مكانه

ــ

في الخامسة انتهى ومفهومه أنه لو كان ممن لا يكبر خمسا لكنه كبر خمسا سهوا أن المأموم لا يقطع ولكنه يسكت فإذا سلم الإمام سلم بسلامه وقاله مالك في الواضحة وأشهب وبهذا يحسن الجمع بين إطلاقاتهم التي ظاهرها التعارض وعلى هذا فلا اعتراض وإذا ابتدأ التكبير فإنه "يرفع يديه في أولاهن وإن رفع في كل تكبيرة فلا بأس" وهو أحد أقوال أربعة: وهو لأشهب قال يرفع يديه في الأولى: وهو مخير في الباقي إن شاء رفع وإن شاء لم يرفع.

ثانيها: أنه يرفع في كل تكبيرة وهو في المدونة واختاره ابن حبيب.

ثالثها: وهو في المدونة أيضا يرفع في التكبيرة الأولى فقط وأما الرفع في غيرها فهو خلاف الأولى واختاره التونسي.

رابعها: لا يرفع لا في الأولى ولا في غيرها وهو أشهر من الرفع في الجميع وقد تقدم أن الدعاء أحد أركان الصلاة فتعاد الصلاة لتركه واختلف في الدعاء بعد الرابعة فأثبته سحنون قياسا على سائر التكبيرات وخالفه سائر الأصحاب قياسا على عدم القراءة بعد الركعة الرابعة لأن التكبيرات الأربع أقيمت مقام الركعات الأربع أي مجموعها أي الهيئة الاجتماعية من التكبيرات الأربع مع ما احتوت عليه من الدعاء بمنزلة ركعات أربع ولا قراءة بعد الركعة الرابعة فلا دعاء بعد التكبيرة الرابعة وليس المراد أن كل تكبيرة بمنزلة ركعة لوحظت وحدها أو مع الدعاء وإلا لزم في الأول عدم الدعاء بعد غير الرابعة وفي الثاني الدعاء بعد الرابعة وظاهر كلام الشيخ التخيير حيث قال وإن شاء دعا بعد الأربع ثم يسلم "وإن شاء سلم بعد الرابعة مكانه" فيكون قولا ثالثا "تنبيه" لم يتكلم

ص: 278

ويقف الإمام في الرجل عند وسطه وفي المرأة عند منكبيها والسلام من الصلاة على الجنائز تسليمة واحدة خفية للإمام والمأموم

ــ

الشيخ على النية وهي أحد الأركان وصفتها أن يقصد بقلبه الصلاة على هذا الميت مع استحضار أنها فرض كفاية ولا يضر إن غفل عن هذا الأخير وتصح كما تصح لو صلى عليها مع اعتقاد أنها أنثى فوجدت ذكرا وبالعكس أو أنها فلان ثم تبين أنها غيره لأن مقصوده الشخص الحاضر بين يديه بخلاف ما لو كان في النعش اثنان أو أكثر واعتقد أن الذي فيه واحد فإنها تعاد على الجميع حيث كان ذلك الواحد غير معين وإلا أعيدت على غير المعين الذي نواه ولو نوى واحدا بعينه ثم تبين أنهما اثنان أو أكثر وليس فيهما أو فيهم من عينه فإنها تعاد على الجميع ولو نوى الصلاة على من في النعش مع اعتقاد أنه جماعة ثم تبين أنه واحد أو اثنان صحت لأن الواحد والاثنين بعض الجماعة "ويقف الإمام" على جهة الاستحباب ومثله المنفرد "في" الصلاة "على الرجل عند وسطه" بفتح السين "ويقف الإمام" ومثله المنفرد "في" الصلاة على "المرأة عند منكبيها" تثنية منكب بفتح الميم وكسر الكاف وهو مجمع عظم الكتف والعضد وما ذكره المصنف من التفصيل هو المعروف من المذهب وقال ابن شعبان يقف في الرجل والمرأة حيث شاء "والسلام من الصلاة على الجنائز تسليمة واحدة" على المشهور "خفية" وفي نسخة خفيفة بفاءين بينهما ياء ساكنة وينبغي الجمع بين الوصفين فلا يمطط ولا يجهر كل الجهر وظاهر قوله: "للإمام والمأموم" يخالف قوله في المدونة ويسلم إمام الجنازة

ص: 279

وفي الصلاة على الميت قيراط من الأجر وقيراط في حضور دفنه وذلك في التمثيل مثل جبل أحد ثوابا ويقال في الدعاء على الميت غير شيء محدود وذلك

ــ

واحدة ويسمع نفسه ومن يليه ويسلم المأموم واحدة يسمع نفسه فقط وإن أسمع من يليه فلا بأس به وأجاب بعضهم بأن قوله للإمام والمأموم راجع لواحدة لا لقوله خفيفة وقوله خفية عائد على المأموم فقط ولكن لا قرينة في اللفظ على ذلك التقدير "وفي الصلاة على الميت" المسلم "قيراط من الأجر وقيراط في حضور دفنه وذلك" القيراط "في التمثيل مثل جبل أحد ثوابا" القيراط اسم لمقدار من الثواب يقع على القليل والكثير بينه بقوله مثل جبل أحد ومعنى المماثلة أنه لو جعل هذا الجبل في كفة وجعل القيراط في كفة مقابلة لها لتعادلا وأراد المصنف بذلك بيان قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح: "من اتبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا وكان معها حتى يصلى عليها ويفرغ من دفنها فإنه يرجع من الأجر بقيراطين كل قيراط مثل أحد ومن صلى عليها ثم رجع قبل أن تدفن فإنه يرجع بقيراط""ويقال في الدعاء على الميت غير شيء محدود" أي معين لأن الأدعية المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم والمروية عن أصحابه رضي الله تعالى عنهم في ذلك مختلفة وحكى ابن الحاجب وغيره الاتفاق على أنه لا يستحب دعاء معين وتعقب بأن مالكا في الموطأ استحب دعاء أبي هريرة رضي الله عنه وهو: "اللهم إنه عبدك وابن عبدك وابن أمتك كان يشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمدا عبدك ورسولك وأنت أعلم به اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده" وقال الشيخ "وذلك" أي

ص: 280

كله واسع ومن مستحسن ما قيل في ذلك أن يكبر ثم يقول الحمد لله الذي أمات وأحيا والحمد لله الذي يحيي الموتى له العظمة والكبرياء والملك والقدرة والسناء وهو على كل شيء قدير اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت ورحمت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد اللهم إنه عبدك وابن عبدك وابن أمتك أنت خلقته ورزقته

ــ

ما ورد من الدعاء "كله واسع" أي جائز فقل ما شئت منه "ومن مستحسن ما قيل في ذلك" أي الدعاء "أن يكبر ثم يقول" الأولى الفاء بدل ثم "الحمد لله الذي أمات وأحيا" أمات من أراد إماتته وأحيا من أراد بقاءه "والحمد لله الذي يحيي الموتى" في الآخرة "له العظمة والكبرياء" هما بمعنى واحد "والملك" أي التصرف بالهداية والإضلال والثواب والعقاب "والقدرة" المتعلقة بكل ممكن إيجادا وإعداما "والسناء" بالمد العلو والرفعة وإذا كان مقصورا كان معناه الضياء "وهو على كل شيء قدير" أي مشيء بمعنى مراد "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وارحم محمدا وآل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت ورحمت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد" أي محمود "مجيد" أي كريم "اللهم" أي يا الله "إنه" أي هذا الميت "عبدك وابن عبدك وابن أمتك أنت خلقته" أي أخرجته من العدم إلى الوجود "ورزقته" من يوم خلقته إلى يوم

ص: 281

وأنت أمته وأنت تحييه وأنت أعلم بسره وعلانيته جئناك شفعاء له فشفعنا فيه اللهم إنا نستجير بحبل جوارك له إنك ذو وفاء وذمة اللهم قه من فتنة القبر ومن عذاب جهنم اللهم اغفر له وارحمه واعف عنه وعافه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بماء وثلج وبرد

ــ

أمته "وأنت أمته" الآن في الدنيا "وأنت تحييه" في الآخرة "وأنت أعلم" أي عالم "بسره" منه ومن غيره وفي بعض النسخ "وعلانيته" وهي أحرى "جئناك شفعاء" أي نطلب "له" الشفاعة "فشفعنا" أي اقبل شفاعتنا "فيه اللهم إنا نستجير" أي نطلب منك الإجارة له والأمن من عذابك "بحبل" أي بعهد "جوارك" بكسر الجيم على الأفصح أي أمانك "له إنك ذو وفاء وذمة" أي صاحب عهد ووفاء "اللهم قه" أي نجه "من فتنة القبر" لا شك أن الفتنة هي السؤال وهو لا بد منه فيكون طلب النجاة ليس منه بل مما ينشأ عنه وهو عدم الثبات "و" قه "من عذاب جهنم اللهم اغفر له" أي استر ذنوبه ولا تؤاخذه بها "وارحمه" أي أنعم عليه "واعف عنه" أي ضع عنه ذنوبه "وعافه" أي أذهب عنه ما يكره "وأكرم نزله" قال الفاكهاني رويناه بسكون الزاي وهو ما يهيأ للنزيل أي للضيف ولا يخفى التجوز في العبارة لعدم صحة المعنى الحقيقي فالمعنى أكرمه في نزله أي فيما يهيأ له وقال الأقفهسي نزله حلوله في قبره بأن يرى ما يرضاه ويسره "ووسع مدخله" بفتح الميم وضمها فبالفتح الدخول وموضع الدخول وبالضم الإدخال "واغسله بماء وثلج وبرد

ص: 282

ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عنه اللهم إنه قد نزل بك وأنت خير منزول به فقير إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه اللهم ثبت عند المسألة منطقه ولا تبتله في

ــ

بفتح الراء قال أبو عمران الثلج أنقى من الماء والبر أنقى من الثلج فارتكب طريق الترقي وليس المراد بالغسل هنا ظاهره بل هو استعارة للطهارة العظيمة من الذنوب "و" كأنه يقول اللهم "نقه" أي طهره تنقية عظيمة "من الخطايا" أي الذنوب "كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس" أي الأوساخ "وأبدله" أي عوضه "دارا" وهي الجنة "خيرا من داره" وهي الدنيا "و" أبدله "أهلا" أي قرابة في الآخرة يوالونه "خيرا من أهله" أي من قرابته في الدنيا "و" أبدله "زوجا خيرا من زوجه" الذي تركه في الدنيا "اللهم إن كان محسنا" أي ذا إحسان أي طاعة "فزد" أي فضاعف له "في" ثواب "إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عنه" أي عن سيئاته "اللهم إنه قد نزل بك" أي استضافك "و" الحال أنك "أنت خير منزول به" الضمير في به راجع إلى موصوف أي أنت خير مضيف أي أنت خير من ينزل به ولا يصح جعل الضمير لله لأنه يلزم عليه أنت يا الله خير من الله هكذا صرح به الأجهوري وأنه "فقير" أي أشد افتقارا "إلى رحمتك" الآن "وأنت غني عن عذابه اللهم ثبت عند المسألة" أي سؤال الملكين "منطقه" أي كلامه "ولا تبتله" أي لا تختبره "في

ص: 283

قبره بما لا طاقة له به اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده تقول هذا بإثر كل تكبيرة وتقول بعد الرابعة اللهم اغفر لحينا وميتنا وحاضرنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا إنك تعلم متقلبنا ومثوانا ولوالدينا ولمن سبقنا بالإيمان وللمسلمين والمسلمات

ــ

قبره بما" أي بشيء "لا طاقة له به" أي لا تجعل نهاية الاختبار بالسؤال شيئا لا طاقة له به وهو عدم الجواب بل اجعل له قدرة على الجواب أو أن مصدوق الشيء كون سؤال الملكين بعنف "اللهم لا تحرمنا أجره" أي أجر الصلاة عليه "ولا تفتنا" أي لا تشغلنا بسواك "بعده" فإن كل ما يشغل عنك فهو فتنة "تقول هذا" جميع ما ذكر من الثناء على الله تعالى والصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم إلى قوله ولا تفتنا بعده "بإثر كل تكبيرة" قال بعضهم هذا عام أريد به الخصوص إذ لا يقول ذلك بعد الرابعة وإنما يقول بعدها ما سيذكره الآن وقال بعضهم هو عام بإثر كل تكبيرة حتى الرابعة ويزيد عليه قوله وتقول بعد الرابعة ولكن المتبادر من المصنف أن يقول ذلك وحده وإلا لقال ويزيد بعد الرابعة "وتقول بعد الرابعة" يريد إن شئت يدل على التخيير ما تقدم من قوله وإن شاء دعا بعد الأربع "اللهم اغفر لحينا وميتنا" أي استر ذنوب من عاش منا ومن مات أي من المؤمنين "وحاضرنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا إنك تعلم متقلبنا" أي تصرفاتنا في جميع أمورنا "و" تعلم "مثوانا" أي إقامتنا في أحد الدارين "و" اغفر "لوالدينا ولمن سبقنا بالإيمان و" اغفر "للمسلمين والمسلمات

ص: 284

والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات اللهم من أحييته منا فأحيه على الإيمان ومن توفيته منا فتوفه على الإسلام وأسعدنا بلقائك وطيبنا للموت وطيبه لنا واجعل فيه راحتنا ومسرتنا ثم تسلم وإن كانت امرأة قلت اللهم إنها أمتك ثم تتمادى بذكرها على التأنيث غير أنك لا تقول وأبدلها زوجا خيرا من زوجها لأنها قد تكون زوجا في الجنة لزوجها في الدنيا

ــ

والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات اللهم من أحييته" أي أبقيته "منا فأحيه" بحذف حرف العلة أي أبقه "على الإيمان" حتى تميته عليه "ومن توفيته منا فتوفه على الإسلام" وهو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ولما كان المراد من الإسلام الشهادتين وقد قال صلى الله عليه وسلم: "من مات وهو يقول لا إله إلا الله دخل الجنة" ناسب الدعاء بالوفاة عليه "وأسعدنا بلقائك" أي برؤيتك في الآخرة "وطيبنا" أي طهرنا "للموت" بالتوبة الصادقة ورد مرفوعا وهي أن يتوب ثم لا يعود إلى الذنب كما لا يعود اللبن في الضرع "وطيبه لنا واجعل فيه" أي في الموت "راحتنا ومسرتنا" بحصول ما يسر "ثم تسلم" كما تسلم من الصلاة "وإن كانت" الجنازة "امرأة قلت: اللهم إنها أمتك ثم تتمادى بذكرها على التأنيث" فتقول وبنت أمتك وبنت عبدك أنت خلقتها ورزقتها الخ "غير أنك لا تقول وأبدلها زوجا خيرا من زوجها لأنها قد تكون زوجا في الجنة لزوجها في الدنيا" وإنما أتى بقد الدالة على التوقع أي على شيء يتوقع حصوله لا مجزوم بحصوله لاحتمال أن يكون لها زوج في الدنيا وتكون لغيره "تنبيه" لو لم تعلم الميت هل ذكر أو أنثى

ص: 285

ونساء الجنة مقصورات على أزواجهن لا يبغين بهم بدلا والرجل قد يكون له زوجات كثيرة في الجنة ولا يكون للمرأة أزواج ولا بأس أن تجمع الجنائز في صلاة واحدة

ــ

فتنوي الصلاة على من حضر كما إذا لم يعلم هل هو واحد أو متعدد وتقول في الدعاء اللهم إنهما عبداك أو أمتاك الخ وفي الجمع المذكر اللهم إنهم عبيدك وأبناء عبيدك الخ وفي الجمع المؤنث اللهم إنهن إماؤك وبنات إمائك وبنات عبيدك الخ وإذا اجتمع مذكر ومؤنث غلب المذكر "ونساء الجنة مقصورات" أي محبوسات "على أزواجهن لا يبغين بهم بدلا والرجل قد يكون له زوجات كثيرة في الجنة" قال الأقفهسي: وانظر هل من الآدميات أو من الحور العين الجواب أن الزوجات الكثيرات منهما معا فقد روى أبو نعيم أنه صلى الله عليه وسلم قال: "يزوج كل رجل من أهل الجنة أربعة آلاف بكر وثمانية آلاف أيم ومائة حوراء" الحديث والله أعلم ولا يخفى أن هذا صريح في أكثرية نساء الدنيا في الجنة فيرد عليه حديث: "اطلعت على الجنة فرأيت أكثر أهلها الرجال واطلعت على النار فرأيت أكثر أهلها النساء" وأجيب بحمل قوله في الحديث: "يزوج كل رجل" على الكل المجموعي أي بعض الرجال "ولا يكون للمرأة أزواج في الجنة" لأن اجتماع جماعة من الرجال على فرج واحد في الدنيا مما تنفر منه النفوس "ولا بأس" بمعنى ويستحب "أن تجمع الجنائز في صلاة واحدة" عند جمهور العلماء خلافا لمن قال: إنها لا تجمع بل يصلى على كل ميت وحده وعلى القول بجمع الجنائز في صلاة واحدة على أي هيئة توضع الجنائز هل يلي الإمام الأفضل وغيره إلى جهة القبلة أو يجعلوا صفا واحدا ويقرب إلى الإمام أفضلهم وإلى الأول

ص: 286

ويلي الإمام الرجال إن كان فيهم نساء وإن كانوا رجالا جعل أفضلهم مما يلي الإمام وجعل من دونه النساء والصبيان من وراء ذلك إلى القبلة ولا بأس أن يجعلوا صفا واحدا ويقرب إلى الإمام أفضلهم وأما دفن الجماعة في قبر واحد فيجعل أفضلهم مما يلي القبلة

ــ

أشار بقوله: "ويلي الإمام" بالنصب في الصلاة على جماعة الموتى "الرجال" بالرفع ويجوز نصبه ورفع الإمام "إن كان فيهم نساء وإن كانوا" أي الجنائز "رجالا جعل أفضلهم مما يلي الإمام وجعل من دونه النساء و" جعل "الصبيان من وراء ذلك إلى القبلة" وما ذكره من تقديم النساء على الصبيان هو قول ابن حبيب والمشهور خلافه وهو أن الذكور الأحرار البالغين يكونون مما يلي الإمام الأفضل فالأفضل ثم الذكور الأحرار الصغار ثم الخنثى ثم الأرقاء الذكور ثم النساء الأحرار ثم صغارهن ثم أرقاؤهن والهيئة الثانية أشار إليها بقوله: "ولا بأس أن يجعلوا" أي الجنائز "صفا واحدا ويقرب إلى الإمام أفضلهم" هذا إذا كانوا كلهم من جنس واحد كرجال أو نساء أو صبيان وأما إن كانوا رجالا ونساء وصبيانا فيتقدم إلى الإمام صف الرجال ثم صف الصبيان ثم صف النساء هذا من حيث الجنائز وأما من حيث الإمامة فيقدم الأعلم ثم الأفضل ثم الأسن ولما كان وضع الجنائز إذا اجتمعت للصلاة عليها مخالفا لوضعها في قبر واحد إذا دعت لذلك ضرورة أتى الشيخ بأداة الفصل فقال: "وأما دفن الجماعة في قبر واحد فيجعل أفضلهم مما يلي القبلة" لما في السنن الأربعة أي أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم

ص: 287

ومن دفن ولم يصل عليه وووري فإنه يصلى على قبره ولا يصلى على من قد صلي عليه ويصلى على أكثر الجسد واختلف في الصلاة على مثل اليد والرجل

ــ

أحد "احفروا وأوسعوا وعمقوا وأحسنوا وادفنوا الاثنين والثلاثة في قبر واحد وقدموا أكثرهم قرآنا" قال الترمذي: حسن صحيح وظاهر كلام الشيخ جواز ذلك مطلقا دعت الضرورة لجمعهم في قبر واحد أم لا وليس كذلك بل إن دعت الضرورة جاز وإلا كره ومحل الجواز للضرورة والكراهة لغيرها إذا حصل دفنهم في وقت واحد وأما لو أردنا دفن ميت على آخر بعد تمام دفنه فيحرم لأن القبر حبس على الميت لا ينبش ما دام به إلا لضرورة فلا يحرم "ومن دفن" من أموات المسلمين "ولم يصل عليه وووري فإنه يصلى على قبره" عند ابن القاسم وقال أشهب: لا يصلى عليه قال القرافي: وهو أحسن وأما ما روي أنه صلى الله عليه وسلم صلى على قبر المسكينة فذلك خاص بها أو لأنه وعدها بالصلاة عليها وعلى القول بالصلاة على القبر فقيل يصلى ما لم يغلب على الظن أنه تغير وتمزق وقيل ما لم يجاوز شهرين ومفهوم قوله وووري أنه لولم يوار يخرج ويصلى عليه بل لو ووري وتم دفنه يجب إخراجه ويصلى عليه ما لم يخش تغيره "ولا يصلى على من قد صلي عليه" على جهة الكراهة أي سواء كان مريد الصلاة ثانيا هو الذي صلى عليه أولا أو غيره "ويصلى على أكثر الجسد" كالثلثين فأكثر لأن حكم الجل حكم الكل وينوي بالصلاة عليه الميت أي جميعه ما حضر منه وما غاب ولا يصلى على نصف الجسد عند ابن القاسم وهو المعتمد بل ولو زاد على النصف وكان دون الثلثين لأنه يؤدي إلى الصلاة على الغائب واغتفر غيبة اليسير لأنه تبع "واختلف في الصلاة على مثل اليد والرجل" أطلق المثل على الشيء نفسه فذكر الخلاف في اليد والرجل فقال مالك: لا يصلى عليه لاحتمال أن يكون صاحبها حيا وقال ابن مسلمة يصلي على اليد والرجل وينوي بذلك الميت أي ويغلب كون صاحبها ميتا.

ص: 288