الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب في البيوع وما شاكل البيوع
{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} وكان ربا الجاهلية في الديون إما أن يقضيه وإما أن يربي له فيه ومن الربا في غير النسيئة بيع الفضة بالفضة يدا بيد متفاضلا وكذلك الذهب
ــ
"باب في البيوع وما شاكل البيوع" كالإجارة والشركة وجمع البيع باعتبار أنواعه كبيع النقد وبيع الدين والصحيح والفاسد وحد البيع نقل الملك بعوض بوجه جائز بناء على أن البيع الفاسد لا يقال فيه بيع إلا على جهة المجاز لأن الحقائق الشرعية لا ينبغي أن يقصد في تعريفها إلا ما هو الصحيح منها ومعرفته مستلزمة لمعرفة الفاسد وله ثلاثة أركان العاقد وهو البائع والمبتاع ويشترط فيه التمييز فلا ينعقد بيع غير المميز لصبا أو جنون والتكليف وهو شرط في لزوم البيع دون الانعقاد والإسلام وهو شرط في شراء المصحف والعبد المسلم الثاني المعقود عليه من ثمن ومثمن وشرطه أن يكون طاهرا منتفعا به مقدورا على تسليمه معلوما للمتبايعين غير منهي عن بيعه الثالث ما ينعقد به البيع وهو الإيجاب والقبول وما شاركهما في الدلالة على الرضا كالمعاملات وافتتح الباب تبركا بقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} وحرمته السنة أيضا وانعقد الإجماع على تحريمه فمن استحله كفر بلا خلاف "وكان ربا الجاهلية" أي أهل الجاهلية وهي الأزمنة التي كانت قبل الإسلام "في الديون إما أن يقضيه" دينه "وإما أن يربي" أي يزيد "له فيه" أي ويؤخره وسواء كانت الزيادة في القدر أو الصفة "ومن الربا في غير النسيئة" بالمد والهمز كخطيئة "بيع الفضة بالفضة يدا بيد متفاضلا وكذلك" منه "الذهب" أي بيع
بالذهب ولا يجوز فضة بفضة ولا ذهب بذهب إلا مثلا بمثل يدا بيد والفضة بالذهب ربا إلا يدا بيد والطعام من الحبوب والقطنية وشبهها مما يدخر من قوت أو إدام لا يجوز الجنس منه بجنسه إلا مثلا بمثل يدا بيد ولا يجوز فيه تأخير ولا يجوز طعام
ــ
الذهب "بالذهب" يدا بيد متفاضلا والأصل في منعه قوله عليه الصلاة والسلام: "لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض" الحديث وتشفوا بضم الفوقية وكسر الشين المعجمة وضم الفاء المشددة أي لا تفضلوا والشف بكسر الشين الزيادة ويطلق على النقصان فهو من أسماء الأضداد قاله الحطاب ومثله الورق في حرمة التفاضل "ولا يجوز" بيع "فضة بفضة ولا ذهب بذهب إلا مثلا بمثل يدا بيد والفضة بالذهب ربا إلا يدا بيد" أي فيجوز ولو اختلفا في العدد "والطعام من الحبوب" ذوات السنابل وهي القمح والشعير والسلت وذوات الأغلاف وهي الذرة والدخن والأرز ومفاده أن القطنية ليست من الحبوب "و" من "القطنية" بكسر القاف وفتحها الفول والحمص والبسيلة والجلبان والترمس واللوبيا والعدس "و" من "شبهها" أي القطنية "مما يدخر من قوت" وهو ما تقوم به البنية الآدمية كاللحم والسمن "أو إدام" كالعسل والخل "لا يجوز" خبر عن قوله والطعام أي الطعام كله لا يجوز "الجنس" أي بيع الجنس الواحد "منه بجنسه إلا مثلا بمثل يدا بيد" وقوله: "ولا يجوز فيه تأخير" تأكيد لقوله: يدا بيد وتعتبر المماثلة في الكيل والوزن الشرعيين فإن لم يحفظ عن الشارع في شيء من الأشياء معيار معين فبالعادة العامة "ولا يجوز طعام"
بطعام إلى أجل كان من جنسه أو من خلافه كان مما يدخر أو لا يدخر ولا بأس بالفواكه والبقول وما لا يدخر متفاضلا وإن كان من جنس واحد يدا بيد ولا يجوز التفاضل في الجنس الواحد فيما يدخر من الفواكه اليابسة وسائر الإدام والطعام والشراب إلا الماء وحده وما اختلفت أجناسه من ذلك ومن سائر الحبوب والثمار والطعام فلا بأس بالتفاضل فيه يدا بيد
ــ
أي بيعه "بطعام إلى أجل كان الطعام من جنسه أو من خلافه كان مما يدخر أو لا يدخر" كالرمان والبطيخ لدخول ربا النساء في كل المطعومات "ولا بأس" أي يجوز "بيع الفواكه و" بيع "البقول وما لا يدخر متفاضلا وإن كان من جنس واحد يدا بيد" أما ما لا يدخر من الفواكه أصلا كالمشمش والتفاح فيجوز فيها التفاضل اتفاقا وإن كانت تدخر نادرا في قطر دون قطر كالكمثرى يجوز فيها التفاضل على المشهور وإن كان يدخر غالبا كالجوز واللوز فأشار بقوله: "ولا يجوز التفاضل في الجنس الواحد فيما يدخر من الفواكه اليابسة" ما قاله قول ضعيف في المذهب والمشهور جواز التفاضل فيها مناجزة وقوله: "وسائر الإدام والطعام والشراب" مثل العسل والخل ممتنع فيها التفاضل "إلا الماء وحده" فإنه يجوز فيه التفاضل ولا يجوز بيعه بالطعام إلى أجل على المشهور فيهما "وما اختلفت أجناسه من ذلك" أي من الشراب "ومن سائر الحبوب والثمار والطعام فلا بأس بالتفاضل فيه يدا بيد" لما صح من قوله عليه الصلاة والسلام: "إذا
ولا يجوز التفاضل في الجنس الواحد منه إلا في الخضر والفواكه والقمح والشعير والسلت كجنس واحد فيما يحل منه ويحرم والزبيب كله صنف والتمر كله صنف والقطنية أصناف في البيوع واختلف فيها قول مالك ولم يختلف قوله في
ــ
اختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد" "ولا يجوز التفاضل في الجنس الواحد منه" أي من الطعام "إلا في الخضر والفواكه" شمل كلامه ما يدخر منها وما لا يدخر وهو مخالف لقوله سابقا فيما يدخر من الفواكه اليابسة لكن قدمنا أن المشهور جواز التفاضل فيها والفرق بين جواز ذلك في الخضر والفواكه وبين منعه في الطعام أن الطعام فيه الاقتيات والادخار بخلاف هذا فإنه وإن ادخر بعضه لا يقتات غالبا ولما ذكر أن الجنس الواحد لا يجوز إلا مناجزة أراد أن يبين ما هو فقال: "والقمح والشعير والسلت" نوع من الشعير ليس له قشر كأنه حنطة "كجنس واحد فيما يحل منه ويحرم" أي لتقاربها في المنفعة وقوله فيما يحل أي من التناجز والتماثل وقوله ويحرم أي من عدم ذلك "والزبيب كله" أعلاه وأدناه أحمره وأسوده "صنف" واحد يجوز فيه التماثل ويحرم فيه التفاضل "و" كذلك "التمر كله" على اختلاف أنواعه قديما وجديدا "صنف" واحد يجوز بيع بعضه ببعض متماثلا ويحرم متفاضلا "والقطنية" المتقدم ذكرها "أصناف في" باب "البيوع و" هذا ليس متفقا عليه بل "اختلف فيها قول" الإمام "مالك" رحمه الله فرواية ابن القاسم أنها أصناف ورواية ابن وهب أنها صنف "ولم يختلف قوله في" المدونة في
الزكاة أنها صنف واحد ولحوم ذوات الأربع من الأنعام والوحش صنف ولحوم الطير كله صنف ولحوم دواب الماء كلها صنف وما تولد من لحوم الجنس الواحد من شحم فهو كلحمه وألبان ذلك الصنف وجبنه وسمنه صنف ومن ابتاع طعاما فلا يجوز بيعه قبل أن يستوفيه إذا كان شراؤه
ــ
باب "الزكاة أنها صنف" واحد "ولحوم ذوات الأربع من الأنعام" الإبل والبقر والغنم "و" من "الوحش" كالغزال وبقر الوحش كله "صنف" واحد يجوز بيع بعضه ببعض متماثلا ويحرم متفاضلا "ولحوم الطير كله" إنسيه ووحشيه وإن كان طير ماء "صنف" واحد "ولحوم دواب الماء كله صنف" واحد "وما تولد من لحوم الجنس الواحد من شحم فهو كلحمه" فلا يباع شحم بهيمة الأنعام بلحمها إلا مثلا بمثل يدا بيد ولا شحم الحوت بالحوت إلا مثلا بمثل يدا بيد "وألبان ذلك الصنف" من الأنعام "وجبنه وسمنه صنف" صنيع كلامه يقتضي جوازا بيع بعضه ببعض متماثلا لأن ذلك شأن الصنف الواحد وهو من مشكلات الرسالة ولم يجزه مالك ولا أصحابه وقد أجاب عنه الجزولي بأن تقدير كلامه وألبان ذلك الصنف صنف وجبنه صنف وسمنه صنف فهؤلاء الأصناف الثلاثة يجوز بيع كل صنف بعضه ببعض متماثلا ولا يجوز متفاضلا "ومن ابتاع طعاما" ربويا كان أو غيره "فلا يجوز بيعه قبل أن يستوفيه" لما صح من نهيه عليه الصلاة والسلام عن ذلك والنهي عن بيع الطعام قبل قبضه مقيد بما "إذا كان شراؤه"
ذلك على وزن أو كيل أو عدد بخلاف الجزاف وكذلك كل طعام أو إدام أو شراب إلا الماء وحده وما يكون من الأدوية والزراريع التي لا يعتصر منها زيت فلا يدخل ذلك فيما يحرم من بيع الطعام قبل قبضه أو التفاضل في الجنس الواحد منه
ــ
أي شراء المبتاع "ذلك" الطعام "على وزن أو كيل أو عدد بخلاف الجزاف" وهو بيع الشيء بلا كيل ولا وزن ولا عدد فإن بيعه قبل قبضه جائز على المشهور لأنه قد ملكه بالعقد ولذا لو تلف قبل قبضه كان ضمانه من المشتري "وكذلك كل طعام" ربويا كان أو غير ربوي "أو" كل "إدام" كالشحم واللحم "أو" كل الأبزار كالملح أو كل " شراب" لا يجوز بيع شيء من ذلك قبل أن يستوفيه ولا يستثنى منه شيء "إلا الماء وحده" لأنه ليس بطعام بدليل جواز بيعه بالطعام إلى أجل "وما يكون من الأدوية" كالعسل يركب أي مع غيره من العقاقير فيجعل دواء "و" ما يكون من "الزراريع التي لا يعتصر منها زيت" صوابه الزرائع لأن الواحدة زريعة خفيفة الراء والتشديد من لحن العوام وذلك كزريعة السلق وحب الفجل الأبيض وحب البصل وقوله التي لا يعتصر منها زيت أي شأنها ذلك يحترز به عن حب السمسم والقرطم وحب الفجل الأحمر والزيتون فهذه لا يجوز بيعها قبل قبضها وكذا مصلح الطعام كبصل وثوم وتابل كفلفل وكزبرة وشمار وكمونين أبيض وأسود "فلا يدخل ذلك فيما" أي الذي "يحرم من الطعام قبل قبضه أو" فيما يحرم من "التفاضل في الجنس الواحد منه" فيجوز بيعه قبل قبضه والتفاضل في الجنس الواحد منها
ولا بأس ببيع الطعام القرض قبل أن يستوفيه ولا بأس بالشركة والتولية والإقالة في الطعام المكيل قبل قبضه وكل عقد بيع أو إجارة أو كراء بخطر أو غرر في ثمن أو مثمون أو أجل فلا يجوز ولا يجوز بيع الغرر ولا بيع شيء مجهول ولا إلى أجل مجهول ولا يجوز في البيوع التدليس
ــ
"ولا بأس ببيع الطعام القرض قبل أن يستوفيه" فيجوز للمقترض أن يبيعه قبل أن يستوفيه من المقرض وغيره شرط النقد ولا يجوز لأجل لأنه إذا باعه للمقرض يكون من فسخ الدين في الدين وإن باعه من غيره يكون من بيع الدين بالدين "ولا بأس بالشركة" في الطعام المكيل قبل قبضه وهو أن يشرك غيره في البعض "و" كذا لا بأس بـ "التولية فيه" وهو أن يولي ما اشتراه لآخر "و" كذا لا بأس بـ "الإقامة في الطعام المكيل قبل قبضه" وهو أن يقيل البائع المشتري أو العكس "وكل عقد بيع أو إجارة أو كراء بخطر أو غرر" أي وكان فيه خطر أو غرر فالخطر ما لم يتيقن وجوده كقوله بعني فرسك بما أربح غدا والغرر ما يتيقن وجوده وشك في سلامته كبيع الثمار قبل بدو صلاحها "في ثمن أو مثمون أو أجل فلا يجوز" مثاله في الثمن أن يشتري منه سلعة ببعيره الشارد ومثاله في المثمون أن يشتري منه عبده الآبق ومثاله في الأجل أن يشتري منه سلعة إلى قدوم زيد ولا يدري متى يقدم وقوله: "ولا يجوز بيع الغرر ولا بيع شيء مجهول" ولا إلى أجل مجهول مكرر لأنه بعض ما قبله "ولا يجوز في البيوع التدليس" وهو أن يعلم أن بسلعته عيبا فيكتمه عن المشتري
ولا الغش ولا الخلابة ولا الخديعة ولا كتمان العيوب ولا خلط دنيء بجيد ولا أن يكتم من أمر سلعته ما إذا ذكره كرهه المبتاع أو كان ذكره أبخس له في الثمن من ابتاع عبدا فوجد به عيبا فله أن يحبسه ولا شيء له أو يرده ويأخذ ثمنه إلا أن يدخله عنده عيب مفسد فله أن يرجع بقيمة العيب
ــ
"ولا الغش" وهو أن يخلط الشيء بغير جنسه كخلط العسل بالماء "ولا" تجوز "الخلابة" بكسر الخاء المعجمة وتخفيف اللام وهي الخديعة بالكذب في الثمن كأن يقول له أنا أخذتها بعشرين دينارا وأنقص لك من ذلك "ولا الخديعة" وهي أن يخدعه بالكلام حتى يوقعه مثل أن يقول له اشتر مني وأنا أرخص لك "ولا خلط دنيء بجيد" كخلط حنطة دنيئة بجيدة "ولا" يجوز "أن يكتم من أمر سلعته ما" أي شيئا "إذا ذكره كرهه المبتاع" كثوب الميت أو المجذوم "أو كان ذكره أنجس له" أي للبائع "في الثمن" كالثوب الجديد إذا كان نجسا أو مغسولا "ومن ابتاع عبدا" أو غيره "فوجد به عيبا" يمكن التدليس فيه "فله" أي للمبتاع الخيار "بين أن يحبسه ولا شيء له" في مقابلة العيب الذي وجده "أو يرده ويأخذ ثمنه" والتقييد بيمكن التدليس احترازا مما لا يمكن التدليس به إما لظهوره كالعور وإما لخفائه كالجوز يكسره فيجده فارغا فإنه لا كلام للمشتري "إلا أن يدخله" أي المبيع "عنده" أي المبتاع "عيب مفسد" أي منقص من الثمن كثيرا "فله" أي للمبتاع "أن يرجع" على البائع "بقيمة العيب
القديم من الثمن أو يرده ويرد ما نقصه العيب عنده وإن رد عبدا بعيب وقد استغله فله غلته والبيع على الخيار جائز إذا ضربا لذلك أجلا قريبا إلى ما تختبر فيه تلك السلعة أو ما تكون فيه المشورة ولا يجوز النقد في الخيار ولا في عهدة الثلاث.
ــ
القديم من الثمن" الذي أخذه "أو يرده" أي المبيع "ويرد معه ما نقصه العيب" الحادث "عنده وإن رد" المبتاع "عبدا" أو غيره " بـ" سبب "عيب و" الحال أنه "قد استغله" غلة غير متولدة كالخدمة "فله غلته" إلى حين الفسخ ولا يلزمه شيء لذلك لقوله عليه الصلاة والسلام: "الخراج بالضمان".
قال بعضهم معنى ذلك أن المبيع إذا كان في ضمان المشتري فغلته له فإذا فسخ فالغلة حينئذ للبائع كالغلة المتولدة كالولد "والبيع على الخيار" من البائع أو المبتاع أو كل منهما "جائز" لقوله عليه الصلاة والسلام: "المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا" رواه مالك في الموطأ وشرط الجواز "إذا ضربا لذلك أجلا" ويشترط في الأجل أن يكون "قريبا" ونهايته إلى "ما تختبر فيه تلك السلعة أو" إلى "ما تكون فيه المشورة" والمشورة تكون في قلة الثمن أو كثرته وفي الإقدام على الشراء أو على البيع والاختبار يكون في حال السلعة وهو مختلف باختلافها فالخيار في الدابة ثلاثة أيام ونحوها وفي الرقيق خمسة أيام والجمعة لاختبار حاله وعمله وفي الدار الشهر ونحوه "ولا يجوز النقد في" بيع "الخيار ولا في" البيع على "عهدة الثلاث" وهي بيع الرقيق على أن يكون الضمان على البائع فيما يظهر فيه من العيوب مدة ثلاثة
ولا في المواضعة بشرط والنفقة في ذلك والضمان على البائع وإنما يتواضع للاستبراء الجارية التي للفراش في الأغلب أو التي أقر البائع بوطئها وإن كانت وخشا ولا تجوز البراءة من الحمل إلا حملا ظاهرا والبراءة في الرقيق جائزة
ــ
أيام بعد العقد "ولا" يجوز أيضا النقد "في" بيع الأمة "المواضعة" وهي أن توقف الجارية العلية أو التي أقر البائع بوطئها على يد أمين رجل أو امرأة حتى يتبين هل رحمها مشغول أم لا وإنما يمتنع النقد في هذه المسائل الثلاث إذا كان بشرط النقد لأنه تارة يصير بيعا وتارة سلفا فهو متردد بين السلفية والثمنية "والنفقة في ذلك" أي في بيع الخيار وعلى عهدة الثلاث وعلى المواضعة "والضمان على البائع" أي إذا لم يظهر كذب المشتري ولكن لا بد من حلفه ولو غير متهم "وإنما يتواضع" وجوبا "للاستبراء" جاريتان الجارية "التي" تكون "للفراش في الأغلب" وإن لم يعترف البائع بوطئها إذ الغالب فيمن هي كذلك الوطء فنزل الأغلب منزلة المحقق احتياطا للفروج "أو" الجارية "التي أقر البائع بوطئها وإن كانت وخشا" خشية أن تكون حملت فترد "ولا تجوز البراءة من الحمل" إذا كانت الأمة علياء ولم يطأها البائع فلو تبرأ من حملها فسخ البيع "إلا" أن يكون الحمل "حملا ظاهرا" فيجوز حينئذ اشتراط البراءة من حملها والتقييد بالعلياء احتراز من الوخش فإنه يجوز اشتراط البراءة من حملها مطلقا سواء كان الحمل ظاهرا أم لا "والبراءة في الرقيق جائزة" ظاهره أن غير الرقيق لا تجوز فيه البراءة وهو المشهور والجواز مقيد بشيئين أحدهما أشار إليه
مما لم يعلم البائع ولا يفرق بين الأم وولدها في البيع حتى يثغر وكل بيع فاسد فضمانه من البائع فإن قبضه المبتاع فضمانه من المبتاع
ــ
بقوله "ما لم يعلم به البائع" أما إذا علم أن به عيبا وتبرأ منه فلا يفيده والآخر أن تطول إقامته عنده أما إذا اشترى عبدا مثلا فباعه بقرب ما اشتراه وشرط البراءة فإنه لا ينتفع بذلك "ولا يفرق" بمعنى لا يجوز أن يفرق "بين الأم" لكن من النسب فقط "وبين ولدها في البيع" سواء كانا مسلمين أو كافرين أو أحدهما مسلما والآخر كافرا لعموم قوله عليه الصلاة والسلام: "من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة" رواه الترمذي وحسنه والتقييد بالأم من النسب احتراز من الأم من الرضاع فإن التفرقة بينها وبين الولد جائزة وبفقط احتراز من غير الأم كالأب فإن التفرقة بينه وبين الولد جائزة والمنع من التفرقة مغيا بغاية وهي "حتى يثغر" بضم الياء وسكون المثلثة وكسر الغين المعجمة بمعنى حتى تسقط أسنانه فإذا أثغر جازت التفرقة حينئذ لاستغنائه عن أمه في أكله وشربه ومنامه "وكل بيع فاسد" كالبيع وقت نداء الجمعة "فضمانه من البائع" لأنه على ملكه لم ينتقل إلى ملك المشتري "فإن قبضه" أي المبيع بيعا فاسدا "المبتاع فضمانه من المبتاع" لأنه لم يقبضه على جهة أمانته وإنما قبضه على جهة التمليك هكذا علله عبد الوهاب قال الفاكهاني وفي تعليله من الاضطراب كما لا يخفى حيث جعل فيما تقدم البيع الفاسد غير ناقل وفي هذا جعله ناقلا.
ويمكن الجواب بأن قوله إنما قبضه على جهة التمليك أي بحسب زعمه فلما قبضه على جهة التمليك بحسب زعمه وتعدى وأخذه ضمن وإن لم ينتقل له الملك بحسب نفس الأمر
من يوم قبضه فإن حال سوقه أو تغير في بدنه فعليه قيمته يوم قبضه ولا يرده وإن كان مما يوزن أو يكال فليرد مثله ولا يفيت الرباع حوالة الأسواق ولا يجوز سلف يجر منفعة ولا يجوز بيع وسلف وكذلك ما قارن السلف من إجارة أو كراء
ــ
وحيث قلنا يضمنه المشتري فإنه يكون "من يوم قبضه" لا من يوم عقده وإنما يضمن يوم العقد ما يكون صحيحا "فإن فات المبيع بيعا فاسدا بأن حال" عليه "سوقه" أي تغير بزيادة في الثمن أو نقص فيه "أو تغير في بدنه" أي في نفسه بزيادة أو نقص فإن كان مقوما "فعليه قيمته" بلغت ما بلغت ولو كانت أكثر من الثمن "يوم قبضه" لا يوم الفوات ولا يوم الحكم "ولا يرده" أي لا يلزمه رد المقوم إذا كان موجودا "وإن كان" مثليا "مما يوزن أو يكال" أو يعد "فليرد مثله" فإن تعذر المثلي فالقيمة كثمر فات أبانه وتعتبر القيمة يوم التعذر "ولا يفوت الرباع حوالة الأسواق" لأن الغالب في شراء العقار أن يكون للقنية فلا يطلب فيه كثرة الثمن ولا قلته بخلاف غيره "ولا يجوز سلف يجر منفعة" لنهيه عليه الصلاة والسلام عن ذلك مثل أن يكون عنده حنطة رديئة فيسلفها لمن يأخذ منه عوضها جيدا "و" كذا "لا يجوز بيع وسلف" وصورة ذلك أن تبيع سلعتين بدينارين إلى شهر مثلا ثم تشتري واحدة منهما بدينار نقدا فكأن البائع خرج من يده سلعة ودينار نقدا يأخذ عنهما عند الأجل دينارين أحدهما عوض عن السلعة وهو بيع والثاني عوض عن الدينار المنقود وهو سلف "وكذلك" لا يجوز "ما قارن السلف من إجارة أو كراء" بشرط
والسلف جائز في كل شيء إلا في الجوافي وكذلك تراب الفضة ولا تجوز الوضيعة من الدين على تعجيله ولا التأخير به على الزيادة فيه
ــ
السلف لأنهما من ناحية البيع ولا خصوصية لهما بذلك بل النكاح والشركة والقراض والمساقاة والصرف لا يجوز شرط السلف مع واحد منها وملخصه أن كل عقد معاوضة يمتنع جمعه مع السلف "والسلف" بمعنى القرض وهو دفع المال على وجه القربة لله تعالى لينتفع به آخذه ثم يرد له مثله "جائز" أي مندوب لما فيه من إيصال النفع للمقترض وتفريج كربته وقد يعرض له ما يقتضي وجوبه أو حرمته "في كل شيء" يحل تملكه ولو لم يصح بيعه فيدخل جلد الميتة المدبوغ ولحم الأضحية "إلا في الجواري" فإنه لا يجوز لأنه يؤدي إلى إعارة الفروج إلا أن يكون القرض لامرأة أو كانت في سن من لا توطأ فإنه يجوز كما قيد به اللخمي وغيره المدونة ووقع في بعض النسخ عقب قوله إلا في الجواري "وكذلك تراب الفضة" قال الفاكهاني لا يجوز قرضه وهو ساقط في بعض الروايات "ولا تجوز الوضيعة من الدين على تعجيله" على المشهور وتسمى هذه المسألة عند الفقهاء ضع وتعجل وصورتها أن يكون لرجل على آخر دين إلى أجل مثل أن يكون عليه مائة درهم إلى شهر فيقول له رب الدين عجل لي خمسين وأنا أضع عنك خمسين وإنما امتنع هذا لأن من عجل شيئا قبل وجوبه عد مسلفا فكأن الدافع أسلف رب الدين خمسين ليأخذ من ذمته إذا حل الأجل مائة ففيه سلف بزيادة فإن وقع ذلك رد إليه ما أخذه منه فإذا حل الأجل أخذ منه جميع ما كان له أولا وهو المائة "و" كذلك "لا" يجوز "التأخير به" أي بالدين "على الزيادة فيه" كما كانت الجاهلية تفعله
ولا تعجيله عرض على الزيادة فيه إذاكان من بيع ولا بأس بتعجيله ذلك من قرض إذا كانت الزيادة في الصفة ومن رد في القرض أكثر عددا في مجلس القضاء فقد اختلف في ذلك إذا لم يكن فيه شرط ولا وأي ولا عادة فأجازه أشهب
ــ
لأن فيه سلفا بزيادة وتسمى هذه المسألة أخرني وأزيدك مثل أن يقول من عليه الدين عند حلول أجل الدين أخرني وأنا أعطيك أكثر مما لك علي "و" كذلك "لا" يجوز "تعجيل عرض" على الزيادة فيه "إذا كان من بيع" لأنه من باب حط الضمان وأزيدك مثال ذلك أن يكون لك على رجل مائة ثوب موصوفة فيقول لك خذ ثيابك فتقول له اتركها عندك لا حاجة لي بها الآن فيقول من هي عليه خذها وأزيدك عليها خمسة مثلا لأن تلك الخمسة في مقابلة إسقاط الضمان عنه "ولا بأس بتعجيل ذلك" العرض بشرطين أحدهما "إذا كان" العرض من قرض والآخر "إذا كانت الزيادة في الصفة" مثل أن تكون الثياب دنيئة فيقول أعطيك أجود منها إن تعجلتها "ومن رد في القرض أكثر عددا في مجلس القضاء" وهو الوقت الذي يقضيه فيه سواء كان قبل الأجل أو بعده "فقد اختلف في" جواز "ذلك إذا لم يكن شرط" مثل أن يقول لا أسلفك إلا أن تزيدني على ما أسلفتك "و" أن "لا" يكون فيه "وأي" بفتح الواو وسكون الهمزة الوعد "و" أن "لا" تكون "عادة" خاصة بالمستقرض بأن يزيد عند القضاء أم لا "فأجازه أشهب" وجه الجواز قوله صلى الله عليه وسلم: "أحسن الناس أحسنهم قضاء وخيركم أحسنكم قضاء" قال ابن عمر: ظاهر كلام المصنف أن أشهب يجيز مطلقا قلت الزيادة أو كثرت والمنصوص لأشهب فيما
وكرهه ابن القاسم ولم يجزه ومن عليه دنانير أو دراهم من بيع أو قرض مؤجل فله أن يعجله قبل أجله وكذلك له أن يعجل العروض والطعام من قرض لا من بيع ولا يجوز بيع ثمر أو حب لم يبد صلاحه ويجوز بيعه إذا بدا صلاح بعضه وإن نخلة من نخيل كثيرة
ــ
قل مثل زيادة الدينار في المائة والأردب في المائة ويحتمل أن يكون لأشهب قول عام في القليل والكثير "وكرهه ابن القاسم" كراهة تحريم على المشهور فقوله: "ولم يجزه" توكيد "ومن عليه دنانير أو دراهم من بيع" مؤجل "أو" من "قرض مؤجل فله" أي لمن عليه الدنانير أو الدراهم "أن يعجله" أي يعجل ما عليه "قبل أجله" لأن الحق في الأجل له فإذا أسقط حقه لزم المقرض قبوله وأجبر على ذلك "وكذلك له" أي لمن عليه دين "أن يعجل العروض والطعام من قرض لا من بيع" فلا يلزم صاحب الدين والعرض والطعام قبوله قبل الأجل لأن الأجل في عرض البيع ومنه السلم من حقهما فإذا عجله من هو عليه لا يلزم صاحبه ولو قرب الأجل كاليوم واليومين "ولا يجوز بيع ثمر" ذات الأشجار كبلح وعنب ما دامت خضراء "أو حب لم يبد صلاحه" كقمح وفول وعدم الجواز لعدم الانتفاع به شرعا في البيع قبل بدو صلاحه وبدو صلاح البلح أن يحمر أو يصفر وأما بدوه في نحو العنب فظهور الحلاوة وبدو صلاح الحب أن ييبس فلو عقد عليه قبل ذلك فسخ "ويجوز بيعه" أي الثمر "إذا بدا" أي ظهر "صلاح بعضه وإن نخلة" واحدة "من نخيل كثيرة" ما لم تكن باكورة
ولا يجوز بيع ما في الأنهار والبرك من الحيتان ولا بيع الجنين في بطن أمه ولا بيع ما في بطون سائر الحيوانات ولا بيع نتاج ما تنتج الناقة ولا بيع ما في ظهور الإبل ولا بيع الآبق
ــ
وهي التي تسبق بالزمن الطويل بحيث لا يحصل معه تتابع الطيب فهذه لا يجوز بيع الحائط بطيبها ويجوز بيعها وحدها "ولا يجوز بيع ما في الأنهار" جمع نهر بفتح الهاء وسكونها "و" لا بيع ما في "البرك" بكسر الباء جمع بركة بكسر الباء أيضا "من الحيتان" لما رواه أحمد أنه صلى الله عليه وسلم: "نهى عن شراء السمك في الماء" أي للغرر والغرر فيه من جهتين عدم التسليم وكونه يقل ويكثر "و" كذا "لا" يجوز "بيع الجنين في بطن أمه" آدمية أو غيرها للغرر لأنه لا يدرى أحي هو أو ميت ناقص أو تام ذكر أو أنثى فقوله: "ولا بيع ما في بطون سائر الحيوان" أي لا يجوز تكرار "و" كذا "لا" يجوز "بيع نتاج" بكسر النون "ما تنتج الناقة" بضم التاء الأولى من الفعل وفتح الثانية على ما لم يسم فاعله لما صح أنه صلى الله عليه وسلم: "نهى عن بيع حبل الحبلة" فسره ابن وهب بنتاج ما تنتج الناقة ولا يخفى ما في هذا من شدة الغرر لأنه إذا امتنع بيع الجنين فكيف بجنين الجنين وحاصله أن الحبلة اسم لما في البطن وحبلها ولد ذلك الذي في البطن "و" كذا "لا" يجوز "بيع ما في ظهور الإبل" لما صح أنه صلى الله عليه وسلم: "نهى عن بيع ضراب الجمل" قال ابن ناجي إن كان النزو مضبوطا بمرات أو زمان جاز وروى ابن حبيب كراهته للنهي عنه "و" كذا "لا" يجوز بيع "الآبق" في حال إباقه للغرر المنهي عنه وأما إن كان حاضرا وبين له غاية إباقه جاز أي غايته باعتبار الزمان كأن يقول له غاية إباقه أربعة أيام مثلا وباعتبار المكان
والبعير الشارد ونهي عن بيع الكلاب واختلف في بيع ما أذن في اتخاذه منها وأما من قتله فعليه قيمته ولا يجوز بيع اللحم بالحيوان من جنسه ولا بيعتان في بيعة وذلك
ــ
كأن يقول إن غاية إباقه إلى الاسكندرية مثلا "و" كذا "لا" يجوز بيع "البعير الشارد" للغرر لعدم القدرة عليه "ونهى عن بيع الكلاب" أشار بذلك لما في مسلم أنه صلى الله عليه وسلم: "نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن" ومهر البغي بفتح الموحدة وكسر المعجمة وتشديد التحتية فعيل بمعنى فاعل يستوي فيه المذكر والمؤنث هو ما تأخذه المرأة على فرجها وسمي مهرا مجازا لكونه على صورته وحلوان الكاهن بضم الحاء ما يأخذه على كهانته شبه بالشيء الحلو من حيث إنه يأخذه بلا مشقة "واختلف في" جواز ما أذن في اتخاذه منها أي من الكلاب للحراسة والصيد في جوازه ومنعه على قولين مشهورين "وأما من قتله" أي المأذون في اتخاذه "فعليه قيمته" على تقدير جواز بيعه وأما غير المأذون في اتخاذه فلا قيمة فيه "و" كذا "لا" يجوز "بيع اللحم بالحيوان" لنهيه عليه الصلاة والسلام عن ذلك ولأنه بيع معلوم بمجهول وهو معنى المزابنة والنهي عند مالك مخصوص باللحم مع نوعه من الحيوان وإليه أشار الشيخ بقوله: "من جنسه" أراد الجنس اللغوي الصادق بالنوع والصنف مثل أن يبيع لحم بقر مثلا بغنم وقيد في المختصر المنع بما إذا لم يطبخ وإلا جاز كما يجوز بيعه بغير جنسه كبيع لحم الغنم بالطير "و" كذا "لا" يجوز "بيعتان" وفي نسخة بيعتين وهي مؤولة بتقدير ولا بيع بيعتين "في بيعة" لما صح من نهيه عليه الصلاة والسلام عن ذلك "و" صوروا "ذلك" بصورتين
أن يشتري سلعة إما بخمسة نقدا أو عشرة إلى أجل قد لزمته بأحد الثمنين ولا يجوز بيع التمر بالرطب ولا الزبيب بالعنب لا متفاضلا ولا مثلا بمثل ولا رطب بيابس الة من جنسه من سائر الثمار والفواكه
ــ
إحداهما أن يبيع سلعة واحدة بثمنين مختلفين وإليها أشار الشيخ بقوله: "أن يشتري سلعة" إما بخمسة نقدا أو عشرة إلى أجل قد لزمته "بأحد الثمنين" فأراد بالبيعتين الثمنين من إطلاق اسم الكل على الجزء لأن الثمن من أركان البيع "و" الأخرى "أن يبيعه إحدى سلعتين مختلفتين بثمن واحد" كثوب وشاة بدينار على اللزوم فشرط المنع في الصورتين معا كون البيع على اللزوم للمتبايعين أو لأحدهما للغرر إذ لا يدري البائع بم باع ولا المشتري بم اشترى فإن لم يكن على اللزوم جاز "و" كذا "لا يجوز بيع التمر بالرطب" لا متفاضلا ولا متماثلا لما صح أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن بيع التمر بالرطب فقال صلى الله عليه وسلم: "أينقص الرطب إذا جف؟ " فقالوا: نعم، قال:"فلا إذا"، قال مالك: فلا يباع إذا وعن أبي حنيفة فلا بأس إذا "و" كذا "لا" يجوز "بيع الزبيب بالعنب لا متفاضلا ولا مثلا بمثل" لأن التماثل لا يتأتى فيه لأن الرطب إذا يبس قد يكون أكثر من اليابس أو أقل منه أو مثله فهذا غرر والجهل بالتماثل كتحقق التفاضل والتفاضل لا يجوز لأنه جنس واحد "و" كذا "لا" يجوز "رطب" بفتح الراء أي بيعه "بيابس من جنسه" لو اقتصر على هذا ولم يذكر قوله: "من سائر الثمار والفواكه" لكان أولى ليدخل فيه الحبوب واحترز بقوله بيابس من جنسه عما لو
وهو مما نهي عنه من المزابنة ولا يباع جزاف بمكيل من صنفه ولا جزاف بجزاف من صنفه إلا أن يتبين الفضل بينهما إن كان مما يجوز التفاضل في الجنس الواحد منه ولا بأس ببيع الشيء الغائب على الصفة
ــ
اختلفا أي الرطب واليابس في الجنس فإنه جائز إذ التفاضل بين الأجناس جائز "وهو" أي بيع الرطب باليابس من جنسه "مما" أي من بعض الذي "نهي عنه من المزابنة" أي الذي هو المزابنة إذ المزابنة بيع معلوم بمجهول من جنسه والمزابنة عندنا لا تختص بالربوي وإن وقعت مفسرة في الحديث بالربوي "ولا يباع جزاف" مثلث الجيم "بمكيل من صنفه" كبيع صبرة قمح لا يعلم كيلها بوسق أو وسقين منه للمزابنة "و" كذا "لا" يباع "جزاف بجزاف من صنفه" كصبرة قمح لا يعلم كيلها بصبرة قمح لا يعلم كيلها للمزابنة أيضا واحترز بصنفه مما إذا اختلف الجنسان فإنه يجوز بشرط المناجزة أي فيجوز إذا اختلف الجنسان بيع مجهول بمعلوم وبيع معلوم بمجهول سواء تبين الفضل أو لم يتبين "إلا أن يتبين الفضل بينهما" أي بين الجزاف بالمكيل والجزاف بالجزاف فإنه يجوز البيع "إن كان مما يجوز التفاضل في الجنس الواحد منه" بأن لا يكون مما يقتات ويدخر ولا من أحد النقدين بل كان مما يدخله ربا النساء فقط أو لا يدخله ربا أصلا كالنحاس والحديد "ولا بأس ببيع الشيء الغائب" عند مالك وجميع أصحابه بشروط أحدها أن يقع "على الصفة" قال ابن ناجي ظاهر كلامه أنه لو بيع دون صفة ولا تقدم رؤية لا يجوز وإن كان على خياره عند رؤيته وهو نص ما في كتاب الغرر من المدونة ثانيها أن يصفه غير البائع لأن البائع
ولا ينقد فيه بشرط إلا أن يقرب مكانه أو يكون مما يؤمن تغيره من دار أو أرض أو شجر فيجوز النقد فيه والعهدة جائزة في الرقيق إن اشترطت أو كانت جارية بالبلد فعهدة الثلاث الضمان فيها من البائع من كل شيء
ــ
لا يوثق بوصفه إذ قد يقصد الزيادة في الصفة لينفق سلعته لكن اشتراط وصف غير البائع إن حصل نقد الثمن ولو تطوعا وإلا جاز ولو بوصف البائع على الراجح.
ثالثها: أن لا يكون المبيع بعيدا جدا وهذا الشرط إذا وقع البيع على البت وأما لو وقع على الخيار فيجوز لأنه لا ضرر على المشتري إذا.
رابعها: أشار إليه بقوله: "ولا ينقد فيه بشرط" وإنما امتنع مع الشرط لأنه يجوز أن يسلم المبيع فيكون ذلك ثمنا وأن لا يسلمه فيكون سلفا ثم استثنى من منع اشتراط النقد مسألتين فقال: "إلا أن يقرب مكانه" أي مكان المبيع الغائب سواء كان حيوانا أو عرضا أو عقارا كاليوم واليومين "أو يكون" المبيع الفائت بعيدا بعدا غير متفاحش وهو "مما يؤمن تغيره" غالبا "من دار أو أرض أو شجر فيجوز النقد فيه" أي فيما ذكر من الفرعين بشرط واحترز بقوله مما يؤمن تغيره مما يسرع إليه التغير كالحيوان فإنه لا يجوز اشتراط النقد فيه مع البعد "والعهدة" وهي تعلق ضمان المبيع بالبائع بعد العقد مما يصيبه في مدة خاصة "جائزة" يقضى بها "في الرقيق" خاصة دون الحيوان لأن له قدرة على كتمان ما به من العيوب دون غيره لأنه قد يكتم عيبه كراهية في المشتري أي فيخفيه يريد ضرره أو كراهية في البائع ولا يقضي بها إلا "إن اشترطت أو كانت جارية بالبلد" أو حمل السلطان الناس عليها فإن لم يكن شيء من ذلك فلا يقضى بها "فعهدة الثلاث الضمان فيها من البائع من كل شيء" ولو موتا أو غرقا
وعهدة السنة من الجنون والجذام والبرص ولا بأس بالسلم في العروض والرقيق والحيوان والطعام والإدام بصفة معلومة وأجل معلوم
ــ
أو حرقا أو قتل نفسه فإن وجد المشتري داء في ثلاثة أيام رده بغير بينة وإن وجد داء بعد الثلاثة كلف البينة إنه اشتراه وبه هذا الداء ونفقته وكسوته في هذه المدة عليه وغلته له "وعهدة السنة" معمول بها وتكون بعد عهدة الثلاث والضمان فيها على البائع "من" ثلاثة أشياء "الجنون" الذي يكون بمس جان أو بطبع لا ما يكون من ضربة أو طربة فإنه لا يرد به لإمكان زواله بمعالجة دون الأولين "والجذام والبرص" وإنما اختصت هذه العهدة بهذه الأدواء وهي جمع داء لأن أسبابها تتقدم ويظهر ما يظهر منها في فصل من فصول السنة دون فصل بحسب ما أجرى الله عادته فيه باختصاص تأثير ذلك السبب بذلك الفصل فانتظر بذلك الفصول الأربعة وهي السنة كلها حتى يؤمن من هذه العيوب "ولا بأس بالسلم" ويقال له السلف أيضا وهو نوع من أنواع البيوع جعل لقبا على ما لم يتعجل فيه قبض المثمون فحقيقته تقديم الثمن وتأخير المثمون دل على جوازه الكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب فقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} وأما السنة ففي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أسلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم"
وقد أجمعت الأمة على جوازه "في العروض والرقيق والحيوان والطعام والإدام" بشرط أن يكون المسلم فيه معلوم الجنس والقدر والصفة وإلى هذه الشروط أشار بقوله: "بصفة معلومة وأجل معلوم" فإن كان المسلم فيه طعاما يعين الجنس إما قمحا أو شعيرا أو ذرة
ويعجل رأس المال أو يؤخره إلى مثل يومين أو ثلاثة وإن كان بشرط وأجل السلم أحب إلينا أن يكون خمسة عشر يوما أو على أن يقبض ببلد آخر
ــ
وإن كان فاكهة يعين إما زبيبا أو تمرا ويعين القدر بما جرت العادة بتقديره من الوزن أو الكيل أو العدد أو الذراع أو غير ذلك ويعين الصفة فإن كان طعاما ذكر ما يصفه به وإن كان حيوانا ذكر النوع واللون والذكورة والأنوثة ويعتبر في الأجل شيئان أن يكون معلوما وأن يكون مما تتغير في مثله الأسواق فأقله نصف شهر واحترز بالأجل من الحال فلا يصح السلم الحال على المعروف من المذهب وأشار إلى شروط رأس مال السلم بقوله: "ويعجل رأس المال" يعني جميعه لأنه متى قبض البعض وأخر البعض فسد لأنه دين بدين أي ابتداء دين بدين ونبه بقوله: "أو يؤخره" أي رأس مال السلم إلى مثل يومين أو ثلاثة على أنه لا يشترط قبضه في المجلس بل إذا عقد السلم على النقد وأخر قبض رأس مال السلم "إلى مثل اليومين أو الثلاثة" جاز ولا يخرج بذلك عن كونه معجلا وبالغ على ذلك فقال: "وإن كان" التأخير المذكور "بشرط" وظاهر كلامه إن تأخر أكثر من ثلاثة أيام لم يجز بشرط أو غيره "وأجل السلم أحب إلينا أن يكون خمسة عشر يوما" لأن الأسواق تتغير في مثل هذه المدة غالبا والظاهر أنه عنى نفسه وكأنه قال أجل السلم خمسة عشر يوما على ما نختاره ومذهب مالك أن أجل السلم ما تتغير في مثله الأسواق من غير تحديد ومحل الخلاف إذا كان قبض رأس مال السلم والمسلم فيه في بلد واحد أما إذا كان قبض كل واحد منهما ببلد فلا يشترط الأجل المذكور وإليه أشار بقوله: "أو على أن يقبض" بالبناء للمفعول أي المسلم فيه "ببلد آخر" غير البلد الذي قبض
وإن كانت مسافته يومين أو ثلاثة ومن أسلم إلى ثلاثة أيام يقبضه ببلد أسلم فيه فقد أجازه غير واحد من العلماء وكرهه آخرون ولا يجوز أن يكون رأس المال من جنس ما أسلم فيه ولا يسلم شيء في جنسه أو فيما يقرب منه إلا أن يقرضه شيئا في مثله صفة ومقدارا
ــ
فيه رأس مال السلم وتكون مسافة ما بين البلدين أجل السلم لأن الغالب في اختلاف المواضع اختلاف الأسعار وقوله: "وإن كانت مسافته يومين أو ثلاثة" ليس بشرط وكذا لو كانت نصف يوم "ومن أسلم" في شيء يجوز السلم فيه "إلى ثلاثة أيام" على أنه "يقبضه ببلد أسلم فيه فقد أجازه" بمعنى أمضاه "غير واحد" أي أكثر من واحد "من العلماء" منهم مالك "وكرهه" بمعنى فسخه "آخرون" من العلماء منهم ابن القاسم "ولا يجوز أن يكون رأس المال" أي مال السلم "من جنس ما أسلم فيه" هذا إذا كان المسلم فيه أزيد من رأس المال كقنطار حديد في قنطارين لأنه سلف جر نفعا أو كان أنقص كثوبين في ثوب من جنسهما لأنه ضمان بجعل وأما إذا كان رأس مال السلم مثل المسلم فيه صفة وقدرا جاز كما سينص عليه وقوله: "ولا يسلم شيء في جنسه" تكرار كرره ليرتب عليه قوله: "أو فيما يقرب منه" أي من جنس المسلم فيه في الخلقة والمنفعة كالحمر الأهلية في البغال أو رقيق الكتان في رقيق القطن لأن منافعهما متقاربة ثم استثنى من منع سلم الشيء من جنسه فقال: "إلا أن يقرضه" قرضا "شيئا" وفي نسخة بينا "في مثله صفة ومقدارا" وجواز القرض
والنفع للمتسلف ولا يجوز دين بدين وتأخير رأس المال بشرط إلى محل السلم أو ما بعد من العقدة من ذلك ولا يجوز فسخ دين في دين وهو أن يكون لك شيء في ذمته فتفسخه في شيء آخر لا تتعجله ولا يجوز بيع ما ليس عندك على أن لا يكون عليك حالا
ــ
في مثله صفة ومقدارا مقيد بما إذا كان "النفع في ذلك للمتسلف" أما إذا كان النفع للمسلم فلا يجوز "ولا يجوز دين" أي بيعه "بدين" لما روي أنه عليه الصلاة والسلام: "نهى عن بيع الكالئ بالكالئ" قال أهل اللغة هو بالهمز النسيئة بالنسيئة أي الدين بالدين وهو عند الفقهاء عبارة عن ثلاثة أشياء بيع الدين بالدين وابتداء الدين بالدين وفسخ الدين في الدين وحينئذ يكون بيع الدين بالدين له إطلاقان ما يعم الثلاثة وعلى ما يخص واحدا منها "وتأخير رأس المال" أي مال السلم "بشرط إلى محل السلم" أي أجله "أو" إلى "ما بعد من العقدة" أي عن عقدة السلم بأكثر من ثلاثة أيام "من ذلك" أي من الدين بالدين لأن فيه تعمير كل من الذمتين "ولا يجوز فسخ دين في دين وهو أن يكون لك شيء في ذمته فتفسخه في شيء آخر لا تتعجله" مثل أن يكون لك عليه عشرة دنانير إلى سنة فتفسخها في عشرة أثواب مثلا فإن كان الفسخ إلى الأجل نفسه أو دونه فقولان الجواز وهو أظهر في النظر والمنع وهو أشهر "ولا يجوز بيع ما ليس عندك على أن يكون عليك حالا" الظاهر أنه أراد السلم الحال وهو أن يبيع شيئا في ذمته ليس عنده على أن يمضي للسوق فيشتريه ويدفعه للمشتري لأنه غرر لأنه إما أن يجده أو لا وإذا وجده فإما بأكثر مما باعه فيؤدي
وإذا بعت سلعة بثمن مؤجل فلا تشترها بأقل منه نقدا أو إلى أجل دون الأجل الأول ولا بأكثر منه إلى أبعد من أجله وأما إلى الأجل نفسه فذلك كله جائز وتكون مقاصة ولا بأس بشراء الجزاف فيما
ــ
من عنده ما يكمل به الثمن وذلك من السفه المنهي عنه وإما أن يجده بأقل فيأكل ما بقي باطلا وهو لا يجوز "وإذا بعت سلعة بثمن مؤجل فلا تشترها بأقل منه نقدا أو إلى دون الأجل" الذي بعت به مثال الأولى أن يبيع ثوبا بعشرة دراهم إلى شهر ثم يشتريه بخمسة نقدا ومثال الثانية أن يبيعه بمائة إلى شهر ثم يشتريه بخمسين إلى خمسة عشر يوما وهاتان ممنوعتان لأنهما دخلهما سلف بزيادة لأنه دفع قليلا ليأخذ أكثر منه "ولا بأكثر" أي وكذا إذا بعت سلعة بثمن مؤجل فلا تشترها بأكثر "منه إلى أبعد من أجله" مثل أن يبيع رجلا سلعة بمائة إلى شهر ثم يشتريها منه بمائة وخمسين إلى شهرين لأنه يدخله الدين بالدين "وأما" إذا بعت سلعة بثمن مؤجل فاشتريتها بثمن مؤجل "إلى الأجل نفسه فذلك" الشراء بأقل أو بأكثر أو بالمثل المفهوم من الكلام "كله جائز" لأنه لا علة حينئذ تتقى "وتكون مقاصة" فإذا بعت سلعة بمائة إلى شهر ثم اشتريتها بمائة إلى الأجل فهذا في ذمته مائة وهو كذلك فإذا حل الأجل يقطع هذه المائة في المائة "ولا بأس بشراء الجزاف" مثلث الجيم وهو ما جهل قدره أو وزنه أو كيله أو عدده واستعمل لا بأس هنا بمعنى الجواز وفي الصحيح كان الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين يتبايعون الثمار جزافا "فيما
يكال أو يوزن سوى الدنانير والدراهم ما كان مسكوكا وأما نقار الذهب والفضة فذلك فيهما جائز ولا يجوز شراء الرقيق والثياب جزافا ولا ما يمكن عده بلا مشقة جزافا ومن باع نخلا قد أبرت فثمرها للبائع إلا أن يشترطه المبتاع وكذلك غيرها من الثمار والإبار التذكير وإبار الزرع خروجه
ــ
يكال أو يوزن" أو يعد "سوى الدنانير والدراهم ما كان مسكوكا" أي ما دامت مسكوكة فإنه يمتنع شراؤها جزافا لأنه من بيع المخاطرة والقمار "وأما نقار" بكسر النون جمع نقرة بالضم القطعة من الذهب والفضة "الذهب والفضة فذلك فيهما جائز" إذا لم يتعامل بهما أما إذا تعومل بهما فلا يجوز بيعهما جزافا "ولا يجوز شراء الرقيق والثياب جزافا ولا" أي ولا يجوز شراء "ما يمكن عده بلا مشقة جزافا" كالحيتان أي القلائل التي لا مشقة في عدها "ومن باع نخلا قد أبرت" كلها أو أكثرها وفيها ثمر لم يبعه "فثمرها للبائع" أي باق على ملكه لا يدخل في العقد على النخل "إلا أن يشترطه المبتاع لنفسه" فيدخل في العقد "وكذلك غيرها" أي غير النخل "من" الأشجار ذات "الثمار" كالعنب والزيتون فيه التفصيل المذكور ثم فسر التأبير بقوله: "والإبار" في النخل "التذكير" بأن يجعل على الثمرة دقيقا يكون في فحل النخل وأما غير النخل كالخوخ والتين فالتأبير فيه أن تبرز الثمرة فيه عن موضعها وتتميز بحيث تظهر للناظر "وإبار الزرع خروجه
من الأرض ومن باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع ولا بأس بشراء ما في العدل على البرنامج بصفة معلومة ولا يجوز شراء ثوب لا ينشر ولا يوصف أو في ليل مظلم لا يتأملانه ولا يعرفان ما فيه وكذلك الدابة في ليل مظلم
ــ
من الأرض" على المشهور وعليه فمن اشترى أرضا مبذورة لم يبرز زرعها فإنها تتناول بذرها "ومن باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع" ومعنى يشترطه المبتاع أي يشترطه للعبد لا لنفسه فإن اشترطه لنفسه امتنع إن كان الثمن ذهبا والمال ذهبا أو فضة "ولا بأس" بمعنى الجواز وكان الأصل منعه لكنه أجيز لما في حل العدل من الحرج والمشقة على البائع من تلويث ما فيه ومؤنة شده إن لم يرضه المشتري فأقيمت الصفة مقام الرؤية "بشراء ما في العدل على البرنامج" بفتح الباء وكسر الميم قال الفاكهاني هي كلمة فارسية والمراد بها الصفة لما في العدل المكتتبة وفي عرف زماننا الدفتر "بصفة معلومة" فإن وجده على الصفة التي في البرنامج لزمه البيع ولا خيار له وإن وجده على غيرها فهو بالخيار باللزوم والفسخ "ولا يجوز شراء ثوب لا ينشر ولا يوصف" ظاهره أنه لو وصفه لجاز والمشهور عدم الجواز لأنه لا مشقة في إخراجه ونشره "أو في ليل مظلم لا يتأملانه ولا يعرفان ما فيه" مفهوم كلامه لو كان في ليل مقمر لجاز والذي في المدونة لا يجوز مطلقا كان الليل مظلما أو مقمرا "وكذلك الدابة" لا يجوز شراؤها "في ليل مظلم" وكذلك بهيمة الأنعام عند ابن القاسم وفصل أشهب بين ما يؤكل لحمه فأجاز شراء ما يؤكل لحمه لأنه يمكن اختباره
ولا يسوم أحد على سوم أخيه وذلك إذا ركنا وتقاربا لا في أول التساوم والبيع ينعقد بالكلام وإن لم يفترق المتبايعان والإجارة جائزة إذا ضربا لها أجلا وسميا الثمن ولا
ــ
بالليل إذ جسه باليد يبين الغرض المقصود منه من سمن أو هزال "ولا يسوم أحد على سوم أخيه" وهو الزيادة في الثمن وكان الواجب حذف الواو من يسوم حيث كانت لا ناهية وسهل ذلك كونه خبرا لفظا "وذلك" أي النهي عن السوم "إذا ركنا وتقاربا" وهو أن يميل البائع إلى المبتاع أي بحيث لم يبق بينهما إلا الإيجاب والقبول باللفظ قال التتائي والسوم في المبايعة طلب كمية الثمن "والبيع" عندنا "ينعقد بالكلام" وبكل ما يدل على الرضا كالإشارة والمعاطاة "وإن لم يفترق المتبايعان" وما في الحديث من قوله عليه الصلاة والسلام: "المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا" محمول عند الإمام مالك على التفرق بالأقوال ثم شرع يتكلم على ما شاكل البيوع فقال: "والإجارة جائزة" لما في الحديث من قوله عليه الصلاة والسلام: "ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر- أي أعطى الأمان بما شرعته من ديني- ورجل باع رجلا فأكل ثمنه- وفي نسخة -حرا، ومعناه أنه باع نفس الحر- ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره" وهذا حديث قدسي أخرجه الصحيحان "إذا ضربا لها أجلا وسميا الثمن" ظاهره أنه لا بد من ضرب الأجل في كل إجارة وليس كذلك إذ من الإجارات ما لا يحتاج إلى ضرب أجل وهو ما يكون غايته الفراغ منه كالخياطة والنسج وأما تسمية الثمن فلا بد منها كما قال ابن ناجي وإذا لم تقع تسمية لم تجز إلا أن يكون عرف لا يختلف فتجوز ثم انتقل يتكلم على الجعالة بقوله: "ولا
يضرب في الجعل أجل في رد آبق أو بعير شارد أو حفر بئر أو بيع ثوب ونحوه ولا شيء له إلا بتمام العمل والأجير على البيع إذا تم الأجل ولم يبع وجب له جميع الأجر وإن باع في نصف الأجل فله نصف الإجارة والكراء
ــ
يضرب في الجعل" بمعنى الجعالة "أجل" لأن ذلك مما يزيد في غرر الجعل إذ قد ينقضي الأجل قبل تمام العمل فيذهب عمله باطلا أو يأخذ ما لا يستحق إن انقضى العمل قبل تمام الأجل والجعالة تكون "في" أشياء كثيرة كـ "رد آبق أو بعير شارد أو حفر بئر أو بيع ثوب ونحوه" وقوله: "ولا شيء له" أي للمجعول له "إلا بتمام العمل" نحوه في المختصر قال بهرام ولعله فيما لا يحصل للجاعل فيه نفع إلا بتمام العمل وإلا فمتى حصل له ذلك ولو لم يتم العمل فينبغي أن يكون له مقدار ما انتفع به مثال ذلك إذا طلب الآبق في ناحية ولم يجده بها فإنه وقع للجاعل النفع بذلك لأنه تحقق أنه لم يكن في تلك الناحية ومفهوم كلام الشيخ والمختصر أنه إذا لم يتم العمل لا شيء له وهو كذلك لقوله تعالى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} "والأجير على البيع" بشيء معين "إذا تم الأجل ولم يبع وجب له جميع الأجر وإن باع في نصف الأجل فله نصف الإجارة" لأن الإجارة إذا تعلقت بمنافع كان كل جزء منها في مقابلة جزء من المنافع فإن قيل قد تقدم أنه لا يضرب في الجعل أجل وقال هنا إذا تم الأجل فهذه مناقضة أجيب بأنه لا مناقضة لأن ما قاله أولا في الجعل وما قاله هنا في الإجارة وهي لا تجوز إلا بضرب الأجل قاله ابن عمر: "والكراء" بالمد لا غير قال ابن عمر يستعمل فيما لا يعقل والإجارة
كالبيع فيما يحل ويحرم ومن اكترى دابة بعينها إلى بلد فماتت انفسخ الكراء فيما بقي وكذلك الأجير يموت والدار تنهدم قبل تمام مدة الكراء ولا بأس بتعليم المتعلم القرآن على الحذاق
ــ
فيمن يعقل "كالبيع فيما يحل" يعني من الأجل المعلوم والأجرة المعلومة "و" فيما "يحرم" يعني من جهل الأجل ونحوه ويؤخذ الفرق بين الكراء والإجارة من قوله: "ومن اكترى دابة بعينها" وذلك أنه عبر في الدابة بالاكتراء فدل على أن الاكتراء بيع منفعة الحيوان الذي لا يعقل وقال بعد وكذا الأجير فدل على أن الإجارة تتعلق بالعاقل فهي بيع منفعة حيوان يعقل مثل أن يقول له اكر لي هذه الدابة وعينها بالإشارة إليها لأسافر عليها "إلى بلد كذا" مثلا "فماتت" أو غصبت أو استحقت "انفسخ الكراء فيما بقي" وله بحساب ما سار من الطريق بقيمة أخرى من غير التفات إلى الكراء الأول لأنه قد يرخص ويغلو "وكذلك الأجير" إجارة ثابتة في عينه مدة معلومة على خدمة بيت أو رعاية غنم "يموت" إجارة المدة حكمه حكم الدابة المعينة تنفسخ الإجارة في باقي المدة "و" كذا "الدار تنهدم" كلها أو جلها أو ما فيه مضرة كبيرة أو أحرقت أو استحقت "قبل تمام مدة الكراء" سواء كانت مشاهرة أو مساناة أي كل شهر بكذا أو كل سنة بكذا فإنها تنفسخ ويعطى بحساب ما سكن "ولا بأس بتعليم المتعلم القرآن على الحذاق" بكسر الحاء المهملة وفتح الذال المعجمة كما في الصحاح والمعنى أنه يجوز لمعلم القرآن أن يجاعل على تعليم الصبيان القرآن حتى
ومشارطة الطبيب على البرء ولا ينتقض الكراء بموت الراكب أو الساكن ولا بموت غنم الرعاية وليأت بمثلها ومن اكترى كراء مضمونا فماتت الدابة فليأت بغيرها وإن مات الراكب لم ينفسخ الكراء وليكتروا مكانه غيره ومن اكترى ماعونا أو غيره فلا ضمان عليه في هلاكه بيده وهو مصدق
ــ
يحذقوا من باب ضرب أي يحفظوا كلا أو بعضا "و" كذا لا بأس بـ "مشارطة" أي بمجاعلة "الطبيب على البرء" حتى يبرأ "ولا ينتقض" بمعنى لا ينفسخ "الكراء بموت الراكب أو الساكن" لأن عين المستأجر باقية ويجوز للورثة أن تكري لمن هو مثله أو دونه "و" كذلك "لا" ينتقض الكراء "بموت غنم الرعاية وليأت بمثلها" فإن لم يأت دفع جميع الأجر "ومن اكترى كراء مضمونا" مثل أن يقول له اكر لي دابة لأحمل عليها كذا إلى موضع كذا "فماتت الدابة فليأت بغيرها" لأن المنافع مستحقة في الذمة وليست متعلقة بهذه العين وقوله: "وإن مات الراكب لم ينفسخ الكراء" مكرر كرره ليرتب عليه قوله: "وليكتروا مكانه غيره" يعني من اكترى دابة ونقد كراءها ثم مات لم ينفسخ الكراء بل تكري ورثته الدابة لمن هو مثله في القدر والحال "ومن اكترى ماعونا" الماعون اسم جامع لمنافع البيت من قدر وقصعة وفأس وقدوم ومنخل "أو غيره" كالثوب والدابة "فـ" إنه "لا ضمان عليه في هلاكه بيده وهو مصدق" في تلفه لأنه مؤتمن
إلا أن يتبين كذبه والصناع ضامنون لما غابوا عليه عملوه بأجر أو بغير أجر ولا ضمان على صاحب الحمام ولا ضمان على صاحب السفينة ولا كراء له إلا على البلاغ
ــ
على ما استأجره "إلا أن يتبين كذبه" فلا يصدق ويضمن مثل أن يقول هلكت أول الشهر ثم ترى عنده بعد ذلك ومفهوم بيده أنه لو أخرجه عن يده فهلك في يد الغير يضمن إذا أكرى لغير أمين أو لمن هو أثقل منه أو أضر "والصناع" الذين نصبوا أنفسهم للصنعة التي معاشهم منها كالخياطين "ضامنون لما غابوا عليه" أي ضامنون قيمته يوم القبض ولا أجرة لهم فيما عملوه أي لأنهم يضمنون قيمته غير مصنوع قال في الموازية ليس لربه أن يقول أنا أدفع الأجرة وآخذ قيمته معمولا قال ابن رشد إلا أن يقر الصانع أنه تلف بعد العمل "ولا ضمان على صاحب الحمام" قال ابن ناجي ظاهر كلامه أنه المكري لا حارس الثياب وقرر ابن عمر كلامه بعكس هذا ولفظه صاحب الحمام حارس الثياب سواء كان يحرسها بأجرة أو بغير أجرة وهذا إذا سرقت أو تلفت بأمر من الله تعالى وأما إذا قال جاء رجل يطلبها فظننت أنه صاحبها فأعطيتها له فإنه يضمن وكذا إذا قال رأيت من أخذها فظننت أنه صاحبها وقال ابن المسيب يضمن صاحب الحمام وبه قال أبو حنيفة "و" كذا "لا ضمان على صاحب السفينة" إذا غرقت بسبب ريح أو موج "ولا كراء له" أي لصاحب السفينة "إلا على البلاغ" لأن الإجارة في السفينة جارية مجرى الجعل فإذا لم يحصل الغرض المطلوب لم يستحق الأجرة وقيل له من الأجرة بحساب ما سار واستظهر لأن رد الكراء إلى الأجرة أولى من رده إلى الجعل لأن الغاية معلومة
ولا بأس بالشركة بالأبدان إذا عملا في موضع واحد عملا واحدا أو متقاربا وتجوز الشركة بالأموال على أن يكون الربح بينهما بقدر ما أخرج كل واحد منهما والعمل عليهما بقدر ما شرطا من الربح لكل واحد
ــ
والأجرة معلومة فيكون له بحسب ما سار "ولا بأس بالشركة بالأبدان" قال بعضهم لم يثبت فيها إلا كسر الشين وسكون الراء وهي إذن كل واحد من الشريكين لصاحبه في أن يتصرف مع نفسه دليلها ما في الصحيح أن زهرة بن معبد كان يخرج به جده فيشتري الطعام فيلقاه ابن عمر وابن الزبير رضي الله عنهم فيقولان له أشركنا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد دعا لك بالبركة فيشركهما فربما أصاب الراحلة كما هي فيبعث بها إلى المنزل "إذا عملا في موضع واحد" اتحدت الصنعة أو لا وهذا مذهب المدونة وصرح ابن عمر بمشهوريته وأجاز في العتبية تعدد المكان إن اتحدت الصنعة وشهره صاحب المختصر "عملا واحدا" كخياطين "أو متقاربا" بأن يتوقف عمل أحدهما على عمل الآخر كما إذا كان أحدهما يجهز الغزل للنسج والآخر ينسج أما إذا اختلفت صنعتهما ولم تتلازم كخياط وحداد لم تجز الشركة للغرر إذ قد تنفق صنعة هذا دون هذا فيأخذ من صاحبه ما لا يستحقه "وتجوز الشركة بالأموال" الدنانير والدراهم من كلا الجانبين إجماعا وبالطعام المتفق صفة ونوعا عند ابن القاسم ومنعه مالك أي منع المتفق صفة ونوعا وقدرا فأولى المختلف وحيث قيل بالجواز فإنما هو "على أن يكون الربح بينهما بقدر ما أخرج كل واحد" منهما "و" على أن يكون "العمل عليهما بقدر ما شرطا من الربح لكل واحد" فإذا أخرج أحدهما مثلا
ولا يجوز أن يختلف رأس المال ويستويا في الربح والقراض جائز بالدنانير والدراهم وقد أرخص فيه بنقار الذهب والفضة ولا يجوز بالعروض ويكون إن نزل أجيرا في بيعها وعلى قراض مثله في الثمن
ــ
مائة والآخر مائتين فالربح والخسران بينهما أثلاثا وقوله: "ولا يجوز أن يختلف رأس المال ويستويا في الربح" تكرار مع قوله على أن يكون الربح بينهما الخ "والقراض جائز" بشروط أحدها: أن يكون "بالدنانير والدرهم" سواء كان التعامل بهما بالعد أو بالوزن "وقد أرخص فيه" أي في القراض "بنقار الذهب والفضة" النقار بكسر النون القطعة من الذهب أو الفضة "ولا يجوز" القراض "بالعروض" ولا بشيء من المكيلات أو الموزونات لأن القراض في الأصل غرر لأنه إجارة مجهولة إذ العامل لا يدري هل يربح أو لا وعلى تقدير الربح كم مقداره وكذلك رب المال لا يدري هل يربح أم لا وهل يرجع إليه رأس ماله أم لا فكان ذلك غررا من هذه الوجوه إلا أن الشارع جوزه للضرورة إليه ولحاجة الناس إلى التعامل به فيجب أن يجوز منه مقدار ما جوزه الشارع وهو النقد المضروب وما في حكمه من نقار الذهب والفضة "و" إذا امتنع القراض بها أي بالعروض فإن العامل "يكون إن نزل" أي وقع القراض بها "أجيرا في بيعها" ويكون "على قراض مثله في الثمن" أي إذا اتجر بالثمن والذي في المختصر أن أجرة مثله في بيع العروض وأما عمله في القراض بعد ذلك فله قراض مثله من الربح إن كان ثم ربح وإلا فلا شيء له ثم بين أمورا يستبد بها العامل
وللعامل كسوته وطعامه إذا سافر في المال الذي له بال وإنما يكتسي في السفر البعيد ولا يقتسمان الربح حتى ينض رأس المال والمساقاة جائزة
ــ
دون رب المال بقوله: "وللعامل" أي وجوبا "كسوته وطعامه" المراد به نفقته ذهابا وإيابا بشرطين أحدهما السفر ومن شرطه أن ينوي به تنمية المال أما إذا سافر به لزيارة أهله أو لحج فلا نفقة له والآخر أن يكون المال له بال وإليهما أشار بقوله: "إذا سافر في المال الذي له بال" كان السفر قريبا أو بعيدا بالنسبة للطعام "و" أما الكسوة "فإنما يكتسي في السفر البعيد" لا القريب إذا كان المال كثيرا لا قليلا وحد القريب مثل مسيرة عشرة أيام وحد المال الكثير خمسون دينارا فأكثر "ولا يقسمان الربح حتى ينض رأس المال" بكسر النون من نض ينض قال الأجهوري وكسر النون هو مقتضى ما في لامية الأفعال والصحاح ومعنى ينض المال يصير ذهبا أو فضة صورة ذلك أن يبيع بعض السلع ويبقي بعضها ويكون فيها رأس المال فيقول له نقتسم هذا الذي نض فهذا لا يجوز لأنه قد تهلك السلعة الباقية "والمساقاة" من المفاعلة التي تكون من الواحد وهو قليل نحو سافر وعافاه الله ومعناها اصطلاحا أن يدفع الرجل كرمه أو حائط نخله مثلا لمن يكفيه القيام بما يحتاج إليه من السقي والعمل على أن ما أطعم الله من ثمرها بينهما نصفين أو على جزء معلوم من الثمر كثلث وربع وحكمها أنها "جائزة" لما في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر على شطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع وهي مستثناة من المخابرة وهي كراء الأرض بما يخرج منها ومن بيع الثمرة والإجارة بها قبل طيبها وقبل وجودها ومن
في الأصول على ما تراضيا عليه من الأجزاء والعمل كله على المساقى ولا يشترط عليه عملا غير عمل المساقاة ولا عمل شيء ينشئه في الحائط إلا ما لا بال له من شد الحظيرة وإصلاح الضفيرة وهي
ــ
الإجارة بالمجهول ولها شروط منها العاقدان ويشترط فيهما أهلية الإجارة ومنها أن تكون بلفظ ساقيت فلا تنعقد بعاملتك ونحوه "في الأصول" الثابتة ظاهره عدم جوازها في غيرها وليس كذلك بل تصح في الزرع كالقصب والبصل والمقاثىء بشروط:
أحدها: عجز رب الزرع عن القيام به.
ثانيها: أن يخاف عليه الموت بترك السقي.
ثالثها: أن يبرز من الأرض.
رابعها: أن لا يبدو صلاحه لأنه إذا جاز بيعها لا ضرورة حينئذ للمساقاة.
ومنها أن يساقي على جزء معلوم سواء كان كثيرا كالثلثين أو قليلا كالربع وإليه أشار بقوله: "على ما تراضيا" عليه "من الأجزاء" فلو ساقاه على آصع أو أوسق معدودة لم يجز "و" منها أن يكون "العمل كله على المساقي" بفتح القاف وهو العامل والعمل القيام بما تفتقر إليه الثمرة من السقي والآبار والتنقية والجذاذ وإقامة الأدوات من الدلاء والمساحي الخ "و" منها أن رب الحائط "لا يشترط عليه عملا" آخر "غير عمل المساقاة" مثل أن يساقيه ويشترط عليه أن يبيع له ثوبا ونحو ذلك مما لا تعلق له بالثمرة "و" كذا "لا" يجوز له أن يشترط "عليه عمل شيء ينشئه" أي يحدثه "في الحائط إلا ما" أي شيئا "لا بال" أي لا خطر "له" لقلته فإنه يجوز له أن يشترطه عليه "من شد الحظيرة" بالظاء المشالة وهي الحائط المحيطة بالبستان "و" من "إصلاح الضفيرة" بالضاد المعجمة "وهي" كما قال
مجتمع الماء من غير أن ينشىء بناءها والتذكير على العامل وتنقية مناقع الشجر وإصلاح مسقط الماء من الغرب وتنقية العين وشبه ذلك جائز أن يشترط على العامل ولا تجوز المساقاة على إخراج ما في الحائط من الدواب وما مات منها فعلى ربه خلفه ونفقة الدواب
ــ
المصنف "مجتمع الماء" أي موضع اجتماع الماء كالصهريج وأما بناؤها من أصلها فلا يجوز أن يشترط ذلك على العامل وإليه أشار بقوله: "من غير أن ينشىء بناءها" لأن ذلك مما يبقى بعد الثمرة "والتذكير" أي التلقيح "على العامل" أي عليه شراء ما يلقح به وتعليقه وهو المذهب "وتنقية مناقع الشجر" جمع منقع بفتح القاف موضع يستنقع فيه الماء قال في المصباح ومنقع الماء بالفتح مجتمعه "وإصلاح مسقط الماء" موضع السقوط "من الغرب" وهو الدلو الكبير "وتنقية العين" وهو كنسها بما يقع فيها من تراب أو ورق "وشبه ذلك" من عمل المساقاة أي مثل الجذاذ والجرين وقوله: "جائز" خبر مبتدأ محذوف تقديره هذا وشبهه جائز بعد "أن يشترط على العامل" ومنها ما أشار إليه بقوله: "ولا تجوز المساقاة على إخراج ما في الحائط من الدواب" ولفظ المدونة ولا ينبغي لرب الحائط أن يساقيه على أن ينزع شيئا مما في الحائط من الرقيق والدواب قال بهرام قوله: ولا ينبغي على التحريم لا على الكراهة "وما مات منها" أي الدواب التي في الحائط "فعلى ربه خلفه" وإن لم يشترط العامل ذلك عليه لأن العقد كان على عمل في ذمة صاحب الحائط أي من حيث تلك الدواب التي وقع عقد المساقاة وهي في الحائط ولو شرط خلفهم على العامل لم يجز "و" أما "نفقة الدواب" أي
والأجراء على العامل وعليه زريعة البياض اليسير ولا بأس أن يلغى ذلك للعامل وهو أحله وإن كان البياض كثيرا لم يجز أن يدخل في مساقاة النخل إلا أن يكون قدر الثلث من الجميع فأقل والشركة في الزرع جائزة إذا كانت الزريعة منهما جميعا
ــ
علفهم "و" نفقة "الأجراء" جمع أجير أي إطعامهم وكسوتهم فـ "على العامل" على المشهور لأن عليه العمل وجميع المؤن المتعلقة به "وعليه" أيضا "زريعة" بفتح الزاي وكسر الراء مخففة والتشديد من لحن العوام "البياض اليسير" أي الأرض الخالية عن الشجر والثلث فما دونه يسير "ولا بأس أن يلغى" أي يترك "ذلك" البياض اليسير "للعامل وهو" أي الإلغاء "أحله" أي أحل له أي رب الحائط ليسلم من كراء الأرض بجزء ما يخرج منها "وإن كان البياض كثيرا لم يجز أن يدخل في مساقاة النخل إلا أن يكون قدر الثلث من الجميع فأقل" حاصل المسألة أن البياض اليسير يجوز إدخاله في المساقاة بالشروط المتقدمة ويختص به العامل إن سكتا عنه أو اشترطه ويفسد عقد المساقاة إن اشترطه ربه له إن كان يناله سقي العامل كما يفسد عقد المساقاة بإدخال الكثير أو اشتراطه للعامل أو إلغائه له بل يبقى لربه والمعتبر يسارته وكثرته بالنسبة لجميع الثمرة لا بالنسبة لحصة العامل فقط "والشركة في الزرع جائزة" ومنهم من يعبر عنها بالمزارعة وقد ذكر الشيخ في هذا الفصل ثمانية مسائل أربعة جائزة منها ثلاثة متوالية والرابعة متأخرة وأربعة ممنوعة واحدة بالمفهوم وثلاثة بالمنطوق أما الثلاثة الجائزة فأشار إلى أولها بقوله: "إذا كانت الزريعة منهما جميعا
والربح بينهما وإذا كانت الأرض لأحدهما والعمل على الآخر أو العمل بينهما واكتريا الأرض أو كانت بينهما أما إن كان البذر من عند أحدهما ومن عند الآخر الأرض والعمل عليه أو عليهما والربح بينهما لم يجز ولو كانا اكتريا الأرض والبذر من
ــ
والربح بينهما كانت الأرض لأحدهما والعمل على الآخر" بشرط مساواته لأجرة الأرض في القيمة أو مقاربته كأن تكون قيمة الأرض تسعة عشر وقيمة العمل عشرين أو عكسه وأما لو تباعدت فلا جواز وثانيها أشار إليه بقوله: "أو العمل بينهما واكتريا الأرض" فهي المسألة المتقدمة بحالها إلا أن المتقدمة كانت الأرض في مقابلة العمل وفي هذه العمل بينهما واكتريا الأرض وثالثها أشار إليه بقوله: "أو كانت" أي الأرض "بينهما" والمسألة بحالها.
وأما الثلاثة الممنوعة المأخوذة بالمنطوق فأشار إليها بقوله: "أما إن كان البذر من عند أحدهما ومن عند الآخر الأرض والعمل عليه أو عليهما" معا "والربح بينهما لم يجز" بيان أخذها من المنطوق أن الضمير في عليه يحتمل عوده على صاحب الأرض فيكون أحدهما أخرج البذر والآخر الأرض والعمل وهذه مسألة ويحتمل عوده على مخرج البذر فيكون أحدهما أخرج البذر والعمل والآخر الأرض وهذه مسألة وقوله أو عليهما أي العمل عليهما والمسألة بحالها أخرج أحدهما الأرض والآخر البذر وهذه مسألة ثم أشار إلى المسألة الرابعة المكملة للمسائل الجائزة بقوله: "ولو كانا اكتريا الأرض" أو كانت بينهما أو كانت لأحدهما ويعطيه الآخر كراء نصفه "والبذر من
عند واحد وعلى الآخر العمل جاز إذا تقاربت قيمة ذلك ولا ينقد في كراء أرض غير مأمونة قبل أن تروى ومن ابتاع ثمرة في رؤوس الشجر فأجيح ببرد أو جراد أو جليد أو غيره فإن أجيح قدر الثلث فأكثر وضع عن المشتري قدر ذلك من الثمن وما نقص عن الثلث فمن المبتاع
ــ
عند واحد وعلى الآخر العمل جاز" ذلك "إذا تقاربت قيمة ذلك" البذر والعمل مفهومه إذا لم تتقارب لا تجوز وهو كذلك وتكون هذه المسألة هي المكملة للأربعة الممنوعة "ولا ينقد" بشرط "في كراء أرض غير مأمونة" الري "قبل أن تروى" كأرض المطر وأرض العين القليلة الماء أما لو كانت مأمونة الري كأرض النيل القريبة من البحر الشديدة الانخفاض وكأرض المطر في بلاد المشرق فيجوز عقد الكراء فيها على النقد ولو مع الشرط كما يجوز عقد كرائها ولو طالت المدة كالثلاثين سنة "ومن ابتاع" أي اشترى "ثمرة" من أي الثمار دون أصلها بعد الزهو قبل كمال طيبها "في رؤوس الشجر فأجيح ببرد" بفتح الباء "أو" أجيح بـ "جراد أو جليد" وهو الماء الجامد في زمان البرد له لمعان كالزجاج "أو" أجيح بـ "غيره" أي غير ما ذكر كالريح والثلج دخل في عبارته الجيش والسارق "فإن أجيح قدر الثلث" فأكثر "وضع عن المشتري قدر ذلك من الثمن" لما رواه ابن وهب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا باع المرء الثمرة فأصابها عاهة فذهبت بثلث الثمرة فقد وجب على صاحب المال الضمان" "و" أما "ما نقص عن الثلث فمن المبتاع" وما ذكره من التحديد في وضع الجائحة بالثلث محله
ولا جائحة في الزرع ولا فيما اشتري بعد أن يبس من الثمار وتوضع جائحة البقول وإن قلت وقيل لا يوضع إلا قدر الثلث ومن أعرى ثمر نخلات لرجل من جنانه فلا بأس أن يشتريها إذا أزهت بخرصها
ــ
إذا كان سبب الجائحة غير العطش أما إذا كان سببها العطش فلا تحديد بل يوضع قليلها وكثيرها كانت تشرب من العيون أو من السماء لأن السقي لما كان على البائع أشبه ما فيه حق توفية "ولا جائحة في الزرع" لأنه لا يباع إلا بعد يبسه "و" كذا "لا" جائحة "فيما اشترى بعد أن يبس من الثمار" لأن تأخيره بعد اليبس محض تفريط من المشتري فلا جائحة إذا "وتوضع جائحة البقول" كالبصل والسلق "وإن قلت" لأن غالبها من العطش "وقيل لا يوضع إلا" إذا كانت "قدر الثلث" ثم عقب الجوائح بالعرايا وهي آخر ما ذكره مما شاكل البيوع وهي جمع عرية بتشديد الياء مشتقة من عروته أعروه إذا طلبت معروفة فهي فعيلة بمعنى مفعولة أي عطية واصطلاحا أن يمنح الرجل لآخر ثمن نخله أو نخلات العام والعامين يأكلها هو وعياله ولها شروط أحدها أن تكون بلفظ العرية وأخذ هذا من قوله "ومن أعرى" فلو أعطاه بلفظ الهبة ونحوها لم يجز "ثمر نخلات لرجل" الرجل ليس بشرط بل المرأة وكذلك الصبي والعبد "فلا بأس أن يشتريها" إن بدا صلاحها وإليه أشار بقوله: "إذا أزهت" أي بدا صلاح ما هي فيه من ثمر أو غيره وإذا اشتراها فلا يشتريها إلا "بخرصها" بكسر الخاء أي بكيلها وأما بالفتح فهو الفعل وصورة ذلك أن يقال كم في هذه النخلة من